Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حرب التمور" مواجهة اقتصادية بين فلسطين وإسرائيل

تل أبيب تقاتل من أجل بيع منتجها في أوروبا وسط حملات مقاطعة عدة تتسع انتشاراً وتشتد فتكاً

حملة مقاطعة التمور الإسرائيلية بالأسواق الأوروبية والأميركية شهدت تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي (اندبندنت عربية)

داخل أحد مراكز التسوق بمدينة نيوكاسل شمال شرقي إنجلترا، وعند إحدى الواجهات التي تعج بأنواع مختلفة من التمور، تتمعن مريم دروزة (35 سنة) في علبة جميلة تعرض تمر المجهول (المجدول)، ليس لفحص جودة الحبات السوداء المجعدة، ولونها الذي يشبه الشوكولاتة، بل لتطمأن إلى أن التمر الذي ستشتريه ليزين مائدتها طيلة أيام شهر رمضان ليس من إسرائيل، خصوصاً أن بريطانيا هي ثاني أكبر مستورد للتمور الإسرائيلية في القارة الأوروبية التي تستحوذ بالمجمل على نصف إنتاج تل أبيب الذي يصل إلى سنوياً 100 ألف طن ينتج 60 في المئة منها بالمستوطنات.

تشهد مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات حملات واسعة تدعو لمقاطعة التمور الإسرائيلية في الأسواق الأوروبية والولايات المتحدة، إلا أن الحرب التي تشنها تل أبيب على غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي جعلت هذه الحملات أوسع انتشاراً وأشد فتكاً من سابقاتها، حيث تشارك فيها مؤسسات أكاديمية وثقافية ورياضية وفنانون وكتاب بهدف تحقيق المقاطعة الشاملة.

وأصدرت محكمة العدل الأوروبية عام 2019 قراراً يطالب دول الاتحاد الأوروبي تحديد المنتجات المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية على ملصقاتها، بغية عدم تضليل المستهلكين حول حقيقة أن إسرائيل "موجودة في الأراضي المعنية (1967) بوصفها قوة احتلال لا بوصفها كياناً ذا سيادة".

وفقاً لأرقام "مكتب التمور" التابع لمجلس إنتاج وتسويق النباتات الإسرائيلية، تستحوذ تل أبيب على نحو 75 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي من تمر المجهول، الذي يعد ملك التمور بجميع أنحاء العالم وأكثر أنواعها شعبية ورواجاً، وبفضل الكمية الوفيرة التي تنتجها في الموسم الواحد يحقق التمر المجهول عوائد قياسية للدولة العبرية، التي صدرت عام 2022 ما قيمته 340 مليون دولار، الغالبية العظمى منها خلال شهر رمضان.

وبحسب الباحثة الإسرائيلية من معهد "العربة" الواقع بمنطقة غور الأردن، إيلين سولاوي، تمكنت باحثات إسرائيليات وضمن مشروع إسرائيلي لإحياء الأنواع القديمة لأشجار النخيل، من إنتاج تمور من بذور منقرضة يزيد عمرها على ألفي عام اكتشفت في مغارة بالقرب من البحر الميت في إطار حفريات أثرية، خلال السنوات 1963 و1991.

ضربة موجعة

أثارت حملة مقاطعة تمور تل أبيب بالأسواق الأوروبية والأميركية، التي شهدت تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماع، مخاوف حقيقة لدى التجار الإسرائيليين من خسائر فادحة، كيف لا وثلث ما يتم تصديره لتلك الأسواق يتزامن مع فترة شهر رمضان، وعلى رغم أن بعض الشركات الإسرائيلية غيرت بلد المنشأ ووضعت الضفة الغربية أو وادي الأردن واستخدمت عبارات وشعارات توحي بأن التمور فلسطينية، فإن منظمة "أصدقاء الأقصى" البريطانية نظمت حملة ضخمة دعت فيها المسلمين بالمملكة المتحدة إلى تجنب شراء منتجات التمور الإسرائيلية التي تغزو المتاجر الإنجليزية.

 

 

 

وتحت شعار "تفقدوا الملصق" (Check The Label)، دعت المنظمة إلى ضرورة تفقد المتسوقين للملصقات على منتجات التمور قبل شرائها، كما وزع ناشطون في مختلف أنحاء أوروبا آلاف المنشورات خارج المساجد بلغات مختلفة، احتوت على معلومات توعوية حول التمور الإسرائيلية، إلى جانب صور وأسماء بعض العلامات التجارية الإسرائيلية من التمور، داعية الناس للتعرف إليها وتجنب شرائها.

وفي الولايات المتحدة، تقود الحملة ضد التمور الإسرائيلية منظمة "مسلمون أميركيون من أجل فلسطين"، يقوم ناشطون فيها بإدراج أسماء الشركات العبرية التي تنتج تمر المجهول، وأصدرت حركة المقاطعة العالمية "BDS" في كندا، بيانات تحذيرية من شراء تمور تل أبيب، وأرفقت فيها صور وأسماء بعض المنتجات الفلسطينية التي تعود لمزارعين فلسطينيين في مدينة أريحا، في حين نظم ناشطون في الدول العربية حملات توعوية حول أهمية مقاطعة منتجات التمور الإسرائيلية في مستوطنات الضفة الغربية.

معاقبة إسرائيل

وفقاً لصحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فإن "مجلس النبات" الإسرائيلي وبسبب تصاعد حملات المقاطعة للتمر الإسرائيلي واتساعها، خصص حملة تسويقية بلغت قيمتها 552 ألف دولار لترويج تمور تل أبيب في أوروبا، بعد أن بينت دراسات لمراقبين أنه في حال نجاح حملات المقاطعة ستتكبد الدولة العبرية خسائر اقتصادية كبيرة تتخطى 100 مليون دولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب بيانات المجلس، تراجعت الصادرات إلى تركيا في أكتوبر الماضي من التمور بنسبة 50 في المئة مقارنة بأكتوبر 2022. وتشكل الصادرات إلى تركيا نحو 10 في المئة من إجمالي صادرات التمور من إسرائيل.

وأقر رئيس قسم التمور في "مجلس النبات الإسرائيلي" أمنون غرينبيرج بأن تل أبيب تواجه حالياً حملة مقاطعة واسعة في أوروبا ضد جميع أنواع التمور الإسرائيلية.

وقال رئيس قسم الفاكهة في المجلس راني بارنيس لصحيفة "ذا ماركر" إن "أي شخص يرى المنتجات الإسرائيلية على أرفف المحلات يفكر مرتين، وعندما يجد المسلمون مصدراً آخر سيشترون منه لمعاقبة إسرائيل".

ويرى مدير تطوير صناعة التمور لجال تويج، إن تأثير الحرب على نطاق الاستهلاك الرمضاني من التمور لن يتضح إلا في مايو (أيار) المقبل.

قيود وشروط

وفي وقت أشاد اتحاد المزارعين الفلسطينيين واتحاد نقابات المهندسين الزراعيين ومجلس النخيل الفلسطيني وائتلاف الدفاع عن الأرض بجهود حركة مقاطعة التمور الإسرائيلية، إلا أنهم عبروا عن مخاوفهم من تشديد الخناق على الصادرات الفلسطينية من التمور والتي تمكنت خلال السنوات القليلة الماضية من الوصول إلى نحو 27 سوقاً عالمية، بخاصة أن الحكومة الإسرائيلية منذ بدء الحرب طبقت عقوبات وقيود اقتصادية وميدانية غير مسبوقة على الضفة الغربية زادت من صعوبة التنقل والحركة يومياً.

وإلى جانب التضييقات على المعابر والحدود، تفرض إسرائيل إجراءات وقيوداً مشددة لفحص التمور تنعكس سلباً على قدرة التمر الفلسطيني على المنافسة بالسوق العالمية، كما أن كلفة شحن التمر الفلسطيني وتصديره إلى الأسواق الخارجية أصبحت ضعف التمور المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية.

 

 

ويؤكد رئيس مجلس النخيل والتمور الفلسطيني إبراهيم دعيق أن تعطيل إسرائيل زراعة النخيل في مناطق أريحا والأغوار عبر مصادرة الأراضي والآليات ومنع المزارعين من استخدام المياه ورفع أسعار الأسمدة، لم تقف حائلاً أمام الفلسطينيين للوصول إلى الأسواق العالمية.

وأضاف دعيق لـ"اندبندنت عربية" أنه "في الوقت الذي يهب العالم لطرد التمر الإسرائيلي من المائدة الرمضانية، تواجه السوق الفلسطينية المحلية خطر تهريب تمور المستوطنات التي تباع بأسعار رخيصة بهدف ضرب التمور الفلسطينية".

تبيض التمور

في ظل تصاعد حملات المقاطعة الأوروبية والأميركية للتمور الإسرائيلية بشكل غير مسبوق قبيل رمضان المقبل بعد أيام، يخشى مزارعون فلسطينيون من مواجهة المعاناة الأقسى والأمر في هذا القطاع، التي تتمثل في قدرة إسرائيل على إغراء بعض التجار الفلسطينيين وخصوصاً بمناطق "جيم" التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، لشراء تمور المستوطنات، وإعادة تعبئتها على أنها منتجات فلسطينية، وهو ما يعرف بسياسة "تبييض التمور".

وعلى رغم أن القانون الفلسطيني عام 2010 جرم التعامل مع منتجات المستوطنات الإسرائيلية بكل أشكالها، ويحظر على أي شخص تقديم سلعة أو خدمة للمستوطنين ويعاقب على ذلك بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن 10 آلاف دينار أردني (14 ألف دولار)، تمكنت شركات فلسطينية ضمن اتفاقيات تعاون أو شراكة في الباطن، من التعاون مع شركات إسرائيلية بغية تسويق منتجات المستوطنات من التمور على حساب التمور الفلسطينية، بل وتسويقها جنباً إلى جنب، بعد تغليفها بملصقات تحمل أسماء عربية بدلاً من العبرية ونقلها إلى الأسواق الخارجية والمحلية على أنها تمور فلسطينية.

المزيد من تقارير