Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أصوات سَكنْدَريَّة" تستحضر حياة اليونانيين في مصر بين الحربين

الروائية بيرسا كوموتسي تحتفي بكفافيس وتهمل المصريين وأحوالهم

مشهد من الاسكندرية القديمة بكاميرا حازم العطار (صفحة المصور- فيسبوك)

ملخص

الروائية بيرسا كوموتسي تحتفي بكفافيس وتهمل المصريين وأحوالهم

كرّس الشَّاعر اليوناني قسطنطين كفافيس (1863- 1933) شعره للإسكندرية البطلمية. وفي السياق ذاته تأتي رواية اليونانية بيرسا كوموتسي "أصوات سكندرية: في شارع ليبسيوس" ترجمة خالد رؤوف عن اليونانية (دار صفصافة)، تحكي عن الإسكندرية عبر قصص اليونانيين الذين عاشوا فيها في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويغيب عنها صوت الإسكندريَّة المصريَّة المعاصرة كما غابت في شعر كفافيس، لصالح أصوات الجالية اليونانيَّة التي ربطتْ نفسها بها من خلال الماضي الذي تمثله لهم. بل وفي حاضرها باعتبارها على حد وصف إحدى شخصيَّات الرواية: "لم أكن أنتظر أن ألتقي بهذا الكم من اليونانيين، إنها يونان صغرى على شاطئ أفريقيا، لم أكن لأصدق هذا الأمر أبداً لو لم أرَ بعيني" ص97. ويحيل عنوان الرواية إلى قصيدة كفافيس التي يقول فيها: "أصوات خفيفة حبيبة، أصوات أولئك الذين ماتوا، ومع أصدائها تعود برهةً، أصواتٌ من قصائد حياتنا الأولى، مثل موسيقى بعيدة، في الليل تخبو". تلك الأصوات البعيدة نفسها تستَحْضِرُهَا الرواية.

الازدهار الثاني

تبدأ الأحداث بمعرفة كفافيس بمرضه العضال، وتنتهي بوفاته الذي تعتبره الرواية نهايةً لعصر الازدهار الثاني لليونانيين في الإسكندرية بعد العهد البطلمي. وقد عبَّر كفافيس عن ذلك المعنى في قصيدته "عندما تخلتْ الآلهة عن أنطونيوس"، التي ودَّعه بها المشيعون له. ويقول فيها على لسان أنطونيوس: "ودع الإسكندرية التي ترحل... ودع الإسكندرية التي تضيع منك إلى الأبد". ذلك الغياب أو الوداع الأول الذي يوازي غياب اليونانيين الثاني عن هذه المدينة التي أسَّسَها الإسكندر الأكبر، والتي تنظر إليها الساردة كما كان ينظرُ إليها كفافيس؛ على أنها جزء من اليونان التاريخية، فكما امحى الوجود الأول للبطالمة فيها مع الفتح العربي لها، امحى وجود اليونانيين فيها خصوصاً عقب الحرب العالمية الثانية. وتشير إلى هؤلاء اليونانيين على أنهم سكَّان المدينة الأصليون حسبما يأتي في آخر عبارة من الرواية: "من سيُمْحى من الذاكرة ومن سيُخلَّد في تاريخ هذه المدينة التي كانت تتغيَّر ببطء شديد في غياب سكانها؟".

يأتي حضور كفافيس في هذه الرواية بمثابة إطار الصورة الذي يرسم حدودها، والخيط الرفيع الذي يربط بين شخوصها من الجالية اليونانية الذين عاشوا معه في تلك الفترة، بداية من الطبيب خريستوفوروس باباستتيفانوس؛ الذي أخبر الشاعر بحقيقة مرضه. ثم ينتقل السرد بعد ذلك إلى حياة ذلك الطبيب في الإسكندرية ونشأته ومحيطه الاجتماعي، ومنه للحكي عن المحامي فيليبوس أناستاسياذيس، ومنه إلى أثنيا ثيوذورو؛ تلك المرأة التي تعرَّضت للخيانة من زوجها كيرياكوس ثيوذورو، مع ماريا، التي أثارت الجالية اليونانية المتحفظة بجرأتها وبحثها عن الثراء السريع بأي وسيلة ممكنة، معتمدة على جمالها الطاغي.... هكذا تتولَّد حكايات الجالية، بعضها من بعض بشكل عنقودي. حكايات منفصلة متصلة ترسم لوحة فسيفسائية عن حياة الجالية اليونانية في الإسكندرية، راصدة عاداتهم وأفكارهم في تلك الحقبة في مدينة ذات طابع متعدد الثقافات والهويات والعرقيات.

هامش نقدي

يلاحظ قارئ الرواية أن كفافيس لا يشغل حيِّزاً كبيراً من متنها، ولكن يظهر كأحد أبرز وجوه الجالية اليونانيَّة في زمنه. يحضر كفافيس بشعره الذي يبدأ كل فصل من فصول الرواية بمقطع منه، ولم تأتِ هذه المقاطع اعتباطاً وإنما للتعبير عن الحالة العامة التي تتناولها كل قصة من قصص الرواية. واعتمد المترجم هنا على ترجمة نعيم عطية لديوان كفافيس، من دون الإشارة إلى ذلك، ومن الأمثلة في هذا السياق قصيدة "المدينة" التي تبدأ بها الرواية ويقول فيها: "سأذهب إلى أرض أخرى/ سأذهب إلى بحر آخر/ مدينة أخرى ستوجد أفضل من هذه/ كل محاولاتي مقضيّ عليها بالفشل..."، وقد وردتْ حرفياً في كتاب عطية "قصائد من كفافيس". بينما يظهر جانب من التغيير في الألفاظ في ترجمة قصائد أخرى منها قصيدة "عُدْ": "عُدْ كثيراً وخذني/ أيها الشعور الجميل، عد كثيراً وخذني، عندما تستيقظ ذاكرة الجسد". ويأتي هذا الجزء في ترجمة نعيم عطية كالتالي: "عد كثيراً وخذني، أيها الحس الحبيب، عد كثيراً وخذني، عندما تستيقظ الذكريات بجسدي". ويأتي في ترجمة لسامي مهدي هكذا: "عد مراراً وخذني، أيها الإحساس الحبيب، عد وخذني، عندما تستيقظ ذاكرة الجسد". وهكذا تحمل ترجمة خالد رؤوف شيئاً من نعيم عطية وآخر من سامي مهدي.

وبعيداً عن هذا النمط المتكرر في اعتماد المترجم على غيره، دون الإحالة إليه، لا تخرج رواية "أصوات سكندريَّة" عن المجتمع اليوناني إلى المجتمع المصري سوى لتكريس الصورة النمطية للمجتمعات الشرقية الظالمة للمرأة، من خلال قصة مديحة التي ذهبت إلى المحامي اليوناني فيليبوس ليساعدها في الخلاص من زوجها الذي فُرِضَ عليها فرضاً من قبل زوج أمها. زوَّجَهَا إلى رجل عجوز من دون أن يأخذ برأيها؛ لتكون رابع زوجاته رغم صغر سنها. لكن المحامي يعتذر عن عدم قبول قضيتها قائلاً لها إنّ من الصعب أن تحصل على حقوقها؛ لأن حقوق النساء المصريات تقريباً معدومة، ومحاولة كهذه يمكن أن تؤدي بكليهما إلى الدمار مما يدفعها إلى الانتحار. وتقدم صورة أخرى سلبية عن الرجل الشرقي من خلال محمود بك الذي يلهث وراء نساء الجاليات الأجنبية ويمول فرقة مسرحية يونانية، ليساعده مخرجها في التعرف الأجنبيات إلى أن تمكن من الزواج من إحداهن: "لكن الرجل أصابه الهوس بزوجته الإيطالية، فكان يشي بنفسه قبل أن يفضحه الآخرون".

ا

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تنقل الكاتبة من خلال الخادمة فوزية محبة المصريين لليونانيين في مقابل بغضهم للإنجليز المحتلين للبلاد في تلك الفترة؛ "لأن اليونانيين يكنون مشاعر طيبة لأهل البلد"،. وتبرز كيف ساعدت هذه الخادمة سيدتها في إبعاد شاب مصري عن ابنتها، ليتزوجها الطبيب السكندري الشهير الذي شخَّصَ مرض كفافيس.

وفي الختام تبقي الإشارة إلى التشابه بين مؤلفة هذه الرواية مع كفافيس في المولد في مصر التي عاش ومات فيها ولم يفارقها إلا مُكرْهاً، حين اضطره هجوم القوات البريطانية عليها عام 1882 إلى الرحيل إلى الآستانة؛ الموطن الأصلي لأسرته اليونانية، ولم يمكث هناك إلا عامين عاد بعدها إلى مدينته التي يحبها. أما بيرسا كوموتسي فهي من مواليد القاهرة، وعادت إلى اليونان بعد أن أتمتْ دراستها الجامعية، وهي تعمل في الترجمة من العربية والانجليزية إلى اليونانية منذ العام 1993. ترجمت الكثير من أعمال نجيب محفوظ، وحصلت على جائزة الدولة اليونانية في الترجمة عام 2016، وحصلت أيضاً على جائزة كفافيس الدولية، وجائزة حمد للترجمة، وكّرمتها جامعة الأزهر (قسم الدراسات اليونانية)، ونشرت سبع روايات تُرجِم بعضها للعربية، ومنها رواية بعنوان "نزهة مع نجيب محفوظ".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة