Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الثأر" يحفّز عناصر "قسد" قبل المعارك الأخيرة لطرد "داعش" من شرق سوريا

يسود هدوء نسبي خطوط الجبهة الأمامية في شرق سوريا، حيث يراقب المتحاربون من قوات "قسد" من جهة، و"داعش" من جهة أخرى، بعضهم بعضاً عن بُعد، تحضيراً للنزال الأخير.

مسلحون من قوات "قسد" في نقطة تجمّع لهم في بلدة باغوز شرق ريف دير الزور (غيتي)

داخل منزل في بلدة الباغوز في شرق سوريا، يلهو عامر خليفة بسيف عثر عليه ورفاقه من "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، حيث يقاتل ضد متشددي داعش "ثأراً" لشقيقه وأبناء عشيرته "الشعيطات". في أغسطس (آب) 2014، وإثر سيطرته في شكل شبه كامل على محافظة دير الزور، قتل التنظيم بوحشية أكثر من 900 من أبناء هذه العشيرة السنية المتحدرة من ريف دير الزور الشرقي، بعدما انتفضت ضده آنذاك. وعلى غرار آخرين من أبناء "الشعيطات"، انضم عامر (22 سنة) في عام 2016 إلى "قوات سوريا الديموقراطية"، وهو ائتلاف فصائل كردية وعربية مدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركية، ووضع نصب عينيه الانتقام لمقتل شقيقه وعدد من أقربائه. وقال الشاب المتحدر من قرية أبو حمام في مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية، "عارض والدي انضمامي إلى القتال، كوني أصغر أبنائه لكنني لم أستمع إليه". وأضاف "أريد أن أثأر لأخي وأقربائي، وأن أقاتل حتى تنتهي المعركة، وبعدها سألاحق خلاياهم النائمة". انضم عامر إلى صفوف "قوات سوريا الديموقراطية"، إثر فراره من مناطق سيطرة التنظيم باتجاه الحسكة (شمال شرق)، هرباً من التجنيد الإجباري الذي اعتاد المتشددون فرضه على الشباب ضمن مناطق سيطرتهم. لم ير عامر جثة شقيقه (26 سنة) أو أخواله وابن عمه منذ هجوم العام 2014، لكنه يبدو واثقاً أنهم قُتلوا على يد التنظيم. ويروي أنه منذ ذلك الحين لم تسمع العائلة عنهم شيئاً، ولم يجدوا أثراً لهم حتى في المقابر الجماعية التي تم العثور عليها لاحقاً. وعثر سكان في 17 ديسمبر(كانون الأول) 2014 على مقبرة جماعية في محافظة دير الزور، حيت جثث 230 شخصاً من أقاربهم أعدمهم التنظيم، كلهم من عشيرة الشعيطات.

 

وكان القائد العام لقوات سوريا الديموقراطية مظلوم كوباني توقّع انتهاء وجود "داعش" العسكري خلال شهر، وتطرق إلى المفاوضات الجارية مع دمشق حول مستقبل مناطق الإدارة الذاتية الكردية في شمال وشمال شرقي سوريا، مؤكداً ضرورة الحفاظ على "خصوصية" قواته وضمان بقائها كقوة عسكرية في أي اتفاق مستقبلي. وشكّلت "قوات سوريا الديموقراطية" منذ تأسيسها في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، رأس حربة في المعركة ضد التنظيم المتطرف في سوريا بدعم من التحالف الدولي. وتمكنت من طرده من مساحات واسعة في شمال وشمال شرقي البلاد، أبرزها الضفاف الشرقية لنهر الفرات الذي يقسم محافظة دير الزور إلى قسمين. وتضم هذه القوات التي تشكّل الوحدات الكردية عمودها الفقري، نحو 30 ألف مقاتل، من بينهم 5 آلاف عربي، إضافةً إلى مسلحين سريان وتركمان.

مراقبة من بعيد تحضيراً للمعركة

ويتخذ المقاتلون المتحدرون من عشيرة الشعيطات مباني من طابق واحد، كمقرات لهم، بعد أيام من تقدمهم في بلدة الباغوز. يتوسط أبو زيد، مقاتل في أواخر الثلاثينات، مجموعةً مقاتِلة. وعلى رغم أن عينه اليمنى اصطناعية، إلا أنّ ذلك لا يحول دون أن تكون نظرات عينه اليسرى ثاقبة، وتمكّنه من رؤية عناصر "داعش"، وهم يتنقلون على متن سيارات أو دراجات نارية، عن بُعد. ويعلو صوته بين الحين والآخر، مردداً لصحافيين في المكان "ها هم على الطريق الترابية البيضاء"، أو "انظروا بين الشجرتين" و"ها هم خلف الأعمدة". يتحدث أبو زيد، وهو يلفّ شالاً زيتي اللون حول رأسه ويرتدي بزة عسكرية، بحماسة شديدة عن الجبهة وتطوراتها وقرب حسم المعركة، لكن لدى سؤاله عن "الشعيطات" يختار الصمت. خسر هذا المقاتل بدوره عدداً من أقربائه في الهجوم قبل سنوات، لكنه يرفض الحديث تماماً عن تفاصيل ما جرى. يسكت قليلاً ثم يضيف "عادي كله عادي، حتى حزننا بات عادياً". فور سماعهم أصوات تبادل النار أو دويّ انفجارات قصف مدفعي يدكّ مواقع المتطرفين عند أطراف الباغوز، يتنقل المقاتلون بخفّة بين شرفة وأخرى لمراقبة الوضع.

"داعش" محاصَر

لايزال مسلحون من "داعش" محاصَرين في بقعة صغيرة عند أطراف البلدة، بعدما تقلّصت مساحة سيطرتهم إلى منطقة صغيرة، بطول 4 كيلومترات وصولاً إلى الحدود العراقية، وفق تقديرات قياديين ميدانيين. وخسر التنظيم المتطرف منذ بدء "قوات سوريا الديموقراطية" بدعم من التحالف الدولي هجومها ضده في 10 سبتمبر (أيلول) غالبية مناطق الجيب الأخير الذي كان تحت سيطرته على الضفاف الشرقية لنهر الفرات. وتستعد "قوات سوريا الديموقراطية" لإعلان انتهاء "خلافة" التنظيم المتطرف في مهلة أقصاها شهر، بعد استعادة الكيلومترات الأخيرة وتمشيط المنطقة وملاحقة "فلول" التنظيم على خطوط الجبهة، للوصول إلى الحدود العراقية. ويجلس عامر في مبنى قيد الإنشاء في الباغوز، مع عدد من رفاق السلاح من أبناء قبيلة الشعيطات حول نار خفيفة للتدفئة فوقها إبريق شاي بات لونه أسود نتيجة دخان الخشب المحترق تحته. ورداً على سؤالهم عن سبب انضمامهم إلى "قوات سوريا الديموقراطية"، يكررون جواباً واحداً "نريد الانتقام".

من هي "قسد"؟

يُذكر أن "قوات سوريا الديموقراطية" التي يُشار إليها اختصاراً بـ "قسد"، هي عبارة عن تحالف متعدد الانتماءات الدينية والعرقية لمسلحين يغلب عليهم الطابع الكردي، إضافة إلى العرب والآشورين والسريان وبعض الجماعات التركمانية والأرمينية والشركسية والشيشانية، التي تقاتل في الحرب الدائرة في سوريا. وتشكّل وحدات حماية الشعب الكردية، عماد قوات "قسد". وتقدّر وزارة الخارجية الأميركية (البنتاغون) نسبة الأكراد في صفوف تلك القوات بـ 40 في المئة، بينما شكّل العرب 60 في المئة في مارس (آذار) 2017، إلا أن مصادر أخرى تعتقد أن المكوّن العربي أقلّ من ذلك بكثير. تأسست "قسد" في أكتوبر 2015، وأعلنت أن مهمتها هي النضال من أجل إنشاء سوريا علمانية، ديموقراطية وفيديرالية. وينصّ دستور الفيديرالية الديموقراطية لشمال سوريا الذي حُدِّث في ديسمبر2016 على تسمية "قوات سوريا الديموقراطية" قوة دفاعها الرسمية. وتقاتل "قسد" وحلفاؤها في شكل رئيس جماعات أصولية سلفية في مقدمها "داعش"، إضافة إلى جماعات المعارضة السورية التي تدعمها تركيا، وجماعات تدور في فلك تنظيم القاعدة. وركزت قوات سوريا الديموقراطية في المقام الأول على "داعش"، فطردته بنجاح من مناطق إستراتيجية مهمة، مثل الهول، والشدادي، وسد تشرين، ومنبج، والطبقة، وسد الطبقة، وسد البعث، وعاصمة التنظيم السابقة في الرقة.

المزيد من الشرق الأوسط