إسقاط المساعدات "حل عربي" لتفادي المجاعة في غزة

على شاطئ بحر قطاع غزة كانت طائرة "C-130" المخصصة لإسقاط المساعدات الإنسانية من الجو تحلق على مساحة منخفضة، وعندما وصلت إلى تجمع النازحين في جنوب المدينة التي تشهد حرباً دامية وتبعد خطوة واحدة عن المجاعة، أسقطت مظلات ضخمة تحمل صناديق كبيرة تحتوي على الغذاء.

على الفور تجمع النازحين أمام شاطئ البحر، وأخذوا ينتظرون اقتراب المظلات منهم، علهم يلتقطون شيئاً منها، يسدون به رمق جوعهم، كان المتلهفون للطعام يلوحون للطائرة بأيديهم، ويصرخون "هل يمكن إسقاط طحين، إننا في حاجة إلى الدقيق".

وما أن هبطت المظلات على مياه البحر، سبح السكان وسحبوا الصناديق الكبيرة، وأخذوا يأكلون الطعام الجاهز المعد بسعرات حرارية وقيم غذائية عالية، يقول سمير "إنها فكرة رائعة تكسر القيود المفروضة على المعابر".

بالتعاون بين القوات الجوية المصرية والأردنية والإماراتية، وبمشاركة طائرات فرنسية، نفذت هذه الدول العربية جسراً جوياً من سبع طائرات من طراز "C-130" لإسقاط المساعدات الإنسانية من الجو.

وجاءت هذه الخطوة، كحل بديل لكسر القيود الإسرائيلية المفروضة على إدخال المساعدات الإنسانية من البر عبر معبري رفح الحدودي مع مصر وكرم أبو سالم الإسرائيلي، وأسهمت بالفعل أطنان المعونات الغذائية في تخفيف حدة جوع السكان.

بحسب المتحدث العسكري باسم الجيش المصري حرب غريب عبدالحافظ فإن عملية إسقاط المساعدات الإنسانية فوق قطاع غزة شملت 50 طناً من الغذاء، وجرى تنفيذ هذه العملية على مدار اليومين الماضيين، وهناك اتفاق بين الدول المشاركة في استمرار العملية لحين حل مشكلة تدفق المعونات الغذائية.

مشكلة تدفق المساعدات

تعاني غزة أزمة كبيرة ومتشعبة في تدفق المساعدات الإنسانية، وبدأت هذه المشكلة تشتد مطلع شهر فبراير (شباط) الجاري، إذ انخفض حجم المعونات المقدمة للسكان في غزة، وهذا ترك خلفه أزمة جوع بدأت تشتد على جميع مناطق القطاع بشقيه الشمالي والجنوبي.

بدأت مشكلة تدفق المساعدات الإنسانية، عندما رفضت إسرائيل تولي عناصر شرطة "حماس" مهمة تأمين مرور المساعدات الإنسانية وحمايتها من عمليات النهب والاستيلاء في ظل غياب القانون والنظام في غزة.

وتعتبر إسرائيل أن الشرطة في غزة إحدى ركائز حكم "حماس"، واتهمتها بسرقة شحنات المساعدات المخصصة للمدنيين، وعلى إثر ذلك قصفت سيارات الشرطة التي كانت تتولى مهمة تأمين المساعدات، بالتالي توقفت عملية حماية شاحنات المعونات.

وأدى غياب شرطة "حماس" عن تأمين قوافل المساعدات، إلى تعطيل عمليات تسليم المعونات، وجعلها عرضة للنهب بشكل مستمر، وهذا دفع الأمم المتحدة والهلال الأحمر إلى رفض تسلم الإمدادات بشكل منتظم.

عدد قليل من الشاحنات

عدم تسلم المعونات أدى إلى تباطؤ تدفق الغذاء في غزة، وبحسب بيانات الأمم المتحدة فإنه منذ الأول من فبراير (شباط) الجاري حتى الـ18 من الشهر نفسه، توقف تسلم المعونات من معبر رفح بشكل كامل، واقتصر مرور الشاحنات على معبر كرم أبو سالم.

تفيد البيانات إلى أنه خلال الفترة الزمنية السابقة كان يدخل إلى غزة 65 شاحنة يومياً، وهذا أقل من نصف عدد القوافل التي كانت تدخل خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

لكن من الـ19 من فبراير حتى الـ28 من الشهر نفسه، يدخل إلى قطاع غزة أربع شاحنات فقط، وهذا العدد لا يكفي 2.3 مليون نسمة جميعهم يعانون الجوع والعطش.

كان لهذه المظلات أثر نفسي جيد على سكان غزة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)​​​​​​​

وبحسب الأمم المتحدة فإن المحتجين الإسرائيليين على معبر كرم أبو سالم يعطلون ويمنعون عمليات تسليم المساعدات الإنسانية، وبسبب ذلك توقف المعبر يومين متواصلين، خلالهما زادت نسبة الجوع 55 في المئة عند سكان غزة.

تتهم الأمم المتحدة إسرائيل بالوقوف خلف انخفاض تدفق المساعدات، يقول المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني "كان من المفترض أن تزيد المساعدات لا أن تنقص لتلبية الاحتياجات الضخمة، إن من أسباب انخفاض المعونات الافتقار إلى الإرادة السياسية، والإغلاق المنتظم للمعابر وانعدام الأمن وانهيار النظام المدني في غزة".

ويضيف "تفرض إسرائيل قيوداً مشددة على تدفق المساعدات بخاصة إلى شمال غزة، كما أن انهيار القانون والنظام داخل غزة يوقف تسليم المساعدات عبر كلا المعبرين، مع تزايد وتيرة الهجمات العنيفة على الشاحنات وسائقيها بسبب النقص الكبير في السلع الأساسية، ونتيجة لذلك تقوم الأمم المتحدة بإرسال عدد أقل من الشاحنات إلى القطاع".

لكن إسرائيل ترفض هذا الاتهام، إذ يقول قائد مديرية التنسيق والارتباط لقطاع غزة في الحكومة الإسرائيلية موشيه تترو، "مستعدون لتسهيل دخول مئات من الشاحنات كل يوم، هناك 450 قافلة تنتظر على الجانب الفلسطيني محملة بإمدادات المساعدات حتى توزعها المنظمات الدولية في غزة".

ويضيف "الجيش الإسرائيلي ليس مضطراً إلى اتخاذ خطوات لتأمين المساعدات في غزة، لو أن دور المنظمات الدولية العاملة في غزة كاف وفعال، لكانت عمليات التوزيع أفضل كثيراً".

أثر نفسي

بغض النظر عن تبادل الاتهامات، فإن هناك مشكلة حقيقية تتمثل في انخفاض تدفق المساعدات الإنسانية، ولحل الأزمة نفذت الدول العربية عمليات إسقاط المساعدات الإنسانية من الجو.

كان لهذه المظلات الكبيرة التي تحمل أطنان الطعام أثر كبير في نفوس السكان، يقول رجب "شعرنا للوهلة الأولى أننا نحظى باهتمام وتضامن من الدول العربية، وأنهم يقفون معنا لدرء المجاعة، هذه المعونات ليست مجرد طعام، بل لها قيمة معنوية كبيرة".

وتقول ليان "كانت المساعدات التي أسقطت من الجو، تضم طعاماً وسكراً وخبزاً وبعض المشروبات، وحتى الملابس التي تقي من البرد، لقد حصلت على معونة واحدة لكنها كانت فارقة في حياتي، بسببها أكلت أنا وعائلتي، بعد جوع استمر ثلاثة أيام".