Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد عامين من الحرب... ما هي حال القوات الأوكرانية؟

على رغم الموت والدمار تظل روح الشعب الأوكراني ومعنوياته متقدة  

قوات أوكرانية بالقرب من مدينة باخموت على خط المواجهة شرق البلاد (أ ف ب)

في العام 2014، وإثر استيلاء انفصاليين مدعومين من روسيا بالعنف، على مناطق كبيرة من شرق أوكرانيا، قامت القوات الأوكرانية بتحصين مواقعها في مدينة أفدييفكا الصناعية هناك، لإغلاق طريقٍ رئيسة تؤدي إلى سائر أنحاء منطقة دونباس. وسرعان ما تطورت الأحداث في تلك النقطة لتصبح أحد أكثر المواقع خطورةً على طول خط المواجهة بأكمله مع حدوث اشتباكاتٍ يومية.

بعد ثلاثة اعوام، وعلى رغم التوقيع على "اتفاق مينسك"  Minsk Agreement - الذي كان من المفترض أن يمهد الطريق للسلام - عادت أفدييفكا إلى دوامة الصراع مرةً أخرى. وأدى القتال العنيف إلى مقتل العشرات من الجنود، تاركاً المدينة مدمرةً وفارغة. لكن على رغم الخسائر الكبيرة في الأرواح التي أزهقت، والدماء التي أريقت، لم يحقق أيٌ من الطرفين مكاسب ميدانية كبيرة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن القصف من جانب الانفصاليين الذي أشعل الصراع، جاء بعد ساعاتٍ فقط من تلقي الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً آنذاك دونالد ترمب، مكالمة تهنئة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو.

وفيما وصف البيت الأبيض المكالمة في حينه بأنها "خطوةٌ مهمة نحو تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا التي تحتاج إلى إصلاح"، صور الكرملين المبادرة على أنها تضع الأساس "لشراكةٍ" بين الدولتين.

وفي مكالمةٍ هاتفية مع الزعيم الأوكراني آنذاك بيترو بوروشينكو، أعرب الرئيس ترمب عن استعداده لتقديم المساعدة في "استعادة السلام على طول الحدود"، لكنه تفادى توجيه اللوم إلى الجانب الروسي أو إلى الانفصاليين في الصراع.

لكن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي اتخذت موقفاً أكثر حزماً، عندما حمّلت الكرملين بشكلٍ مباشر المسؤولية عن أعمال العنف السائدة. وأعلنت أن "الوضع المزري في شرق أوكرانيا يستدعي إصدار إدانةٍ واضحة وقوية لما تقوم به روسيا".

وفي أفدييفكا، كما هي الحال في البلاد بأكملها، كان موقف الولايات المتحدة موضع نقاش. وقد شاركني الرائد سيرغي كرافشينكو - وهو ضابط مدفعية - وجهة نظره خلال فترة استراحة من توجيه قذائف الهاون، معرباً عن اعتقاده بأن الأمور "ستعود إلى طبيعتها".

 

وأضاف أن " ترمب يقول الكثير من الأشياء. لكن في نهاية الأمر، سيدرك أنه لا يمكن الوثوق بالروس. على أي حال، هناك الكثير من الأشخاص من ذوي الخبرة في حكومته الذين سيعملون على ضمان استمرار الدعم الأميركي لأوكرانيا".

وبعد فترةٍ قصيرة، قمتُ باستفسار إدوارد باسورين المتحدث الرسمي بإسم "جمهورية دونيتسك الشعبية" Donetsk Peoples Republic، وهو شخص تربطه علاقاتٌ وثيقة بالكرملين، عن وجهة نظر ترمب من موضوع الانفصال، فأجاب بأن ترمب "يعبّر عما يجول في خلده ويؤمن به، ويعرف كيف يتواصل مع الناس. يجب أن يعتمد على حكمه الخاص والاعتماد على أصدقائه وعائلته، وعدم الاستماع لمستشاريه. هذه وجهة نظرنا، ووجهة النظر السائدة في موسكو".

بعد مرور نحو عقدٍ من الزمن، تجد الولايات المتحدة نفسها على أبواب انتخاباتٍ أخرى، يكتسب فيها ترمب زخماً من خلال التقدم في استطلاعات الرأي عبر عدة ولاياتٍ محورية وحاسمة، على منافسه الرئيس الراهن للولايات المتحدة جو بايدن.

الرئيس الأميركي السابق حض المشرعين "الجمهوريين" في الكونغرس على معارضة حزمة مساعداتٍ عسكرية واقتصادية بقيمة 60 مليار دولار (47 مليار جنيه استرليني) لأوكرانيا. كما أعلن صراحةً أنه يرحب بوقوع هجماتٍ روسية على دول "حلف شمال الأطلسي" (ناتو) التي لا تفي بالتزاماتها المالية للحلف. يُضاف إلى ذلك أن ترمب امتنع عن إدانة الكرملين في ما يتعلق بوفاة أليكسي نافالني في سجنه في القطب الشمالي، وبدلاً من ذلك، قارن وفاته بوضعه، لجهة "معاناته" في مواجهة مجموعةٍ من الدعاوى المدنية والجنائية في الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، وجهت نيكي هايلي انتقاداتها لدونالد ترمب، معربةً عن مخاوفها في شأن التقدم الروسي في أوكرانيا، بما في ذلك الاستيلاء على أفدييفكا. إلا أن محاولاتها تحدي ترمب للفوز بترشيح الحزب "الجمهوري" لانتخابات الرئاسة الأميركية، يبدو أنها على وشك الانتهاء.

وفي أوكرانيا، تتزايد المخاوف من احتمال عودة إدارة دونالد ترمب إلى تولي زمام السلطة في الولايات المتحدة. ولمعالجة تلك المخاوف، تواصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع الرئيس الأميركي السابق، ودعاه إلى أن يشهد بعينه على الحقيقة الوحشية للعدوان الروسي، وذلك من خلال زيارته الخطوط الأمامية. لكن دعوته لقيت حتى الآن آذاناً صماء من جانب ترمب.

 

وفي الأسبوع الماضي، مُنيت أوكرانيا بخسارة مدينة أفدييفكا، وقُدرت الكلفة الروسية من حيث عدد القتلى والجرحى بين جنود الكرملين بنحو ألف شخص. إلا أن موسكو احتفلت بالسيطرة عليها معتبرةً أن الخطوة تشكل انتصاراً كبيراً. وقد سارع النقاد في الغرب إلى القول إن هذه الانتكاسة الميدانية تثبت فشل الدعم الأميركي والغربي لكييف، ما يؤكد أنه باتت هناك حاجةٌ ملحة للتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار.

ويمكن الجزم بأن النقص الحاد في الذخيرة كان أحد أبرز العوامل الرئيسية التي أدت إلى الانسحاب الأوكراني من أفدييفكا. وعلى الرغم من الحاجة الملحة من جانب أوكرانيا للذخيرة، فإن أي إمداداتٍ لم تصل إليها من الولايات المتحدة منذ شهر يناير (كانون الثاني) الفائت، بسبب تعثر إقرار "مشروع قانون أوكرانيا" Ukraine Bill في الكونغرس.

وفي حديث أجريتُه مع رقيبٍ أوكراني كان في أحد المواقع خارج المدينة، أعرب عن إحباطه العميق من عدم القدرة على مواجهة الهجمات الروسية بشكلٍ فعال. وقال الرقيب المعروف بإسمه الحركي "ماندريك": "لم يكن بوسعنا الرد إلا بـ 4 طلقات على كل 10 كانوا يطلقونها علينا، ثم انخفض العدد إلى طلقتين فقط. وأصبح من غير الممكن مواصلة القتال في مثل هذه الظروف، لأننا كنا نتكبد عدداً كبيراً جداً من الخسائر في الأرواح".

وأضاف أن "هذه المشكلة ليست بجديدة، فقد كنا نعاني منها لفترةٍ طويلة. الوضع صعب للغاية. يتعين على حلفائنا في الولايات المتحدة وأوروبا أن يواصلوا تقديم الدعم لنا. وعلى الرغم من طول مدة الحرب، فإننا بالنتيجة نقاتل بالنيابة عن الغرب ضد خصمنا المشترك، وقد أثبتنا قدراتنا عندما كنا مجهزين بشكلٍ مناسب بالأسلحة والذخيرة".

قد يكون من المهم القول في الذكرى السنوية الثانية للحرب التي صادفت يوم السبت، إن بوتين لم يتمكن من تحقيق هدفه المتمثل في الحرب. ويُعزى هذا الفشل إلى الشجاعة الرائعة التي أبداها الشعب الأوكراني طيلة فترة الصراع المدمر الذي طال أمده، والذي اعتقد قلةٌ من الناس في بداية الأمر بأنهم سينجون منه ويتمكنون من البقاء على قيد الحياة. 

في الأسابيع التي سبقت الهجوم الروسي، وبينما كان المجتمع الدولي يلقى صعوباتٍ في تقبل احتمال اندلاع حربٍ في وسط أوروبا، أجرى متطوعون من المواطنين الأوكرانيين تدريباتٍ على القتال في الغابات المحيطة بالعاصمة كييف.

وقد تباينت أعمار هؤلاء المتطوعين على نحوٍ كبير، بدءاً من المراهقين الصغار، وصولاً إلى أفرادٍ كانوا في السبعينات من عمرهم. وبينما كان البعض منهم يمتلك خبرةً عسكرية، إلا أن غالبيتهم لم تكن كذلك. وقد تنوعت أسلحتهم من بواريد صيد وبنادق، إلى أجهزة إطلاق كرات الطلاء، والأسلحة العتيقة. ونشرت وسائل الإعلام الدولية مقالاتٍ طريفة عن هؤلاء المواطنين المتطوعين الذين كان يُنظر إليهم على أنهم غير تقليديين في استعدادهم لصراع محتمل مع الجيش الروسي القوي، وأطلقت عليهم تسمية "جيش أبي" Dad’s Army (نسبةً إلى مسلسلٍ كوميدي تلفزيوني بريطاني من السبعينيات، كان يصور مجموعةً من الجنود المتطوعين المسنين غير الأكفاء خلال الحرب العالمية الثانية).

 

خلال الحرب، اضطلعت "قوات الدفاع الإقليمي" الأوكرانية Territorial Defence Force (TDF) - إلى جانب مختلف "قوى الدفاع عن النفس" Self-Defence Forces (مجموعات تطوعية أو ميليشيات مؤلفة من مدنيين داخل منطقة معينة لحماية أنفسهم وأراضيهم من التهديدات) - بدورٍ محوري في حماية ليس فقط العاصمة الأوكرانية كييف، بل أيضاً المدن الكبرى الأخرى في البلاد، ما أدى في نهاية المطاف إلى إحداث نقطة تحولٍ في مسار الحرب.

وخلافاً للتوقعات بأن روسيا قد تكرر في أوكرانيا ما فعلته في الشيشان، ثبت أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة في نهاية المطاف. فعندما كنا في كييف في ذلك الوقت، تم تحذيرنا من دمارٍ وشيك قد يلحق بالعاصمة الأوكرانية على غرار ما حصل في غروزني (عاصمة الشيشان). وتضمنت التقارير صوراً لقافلةٍ عسكريةٍ ضخمة من المدرعات الروسية بلغ طولها نحو 64 كيلومتراً (40 ميلاً) وهي تتقدم نحونا. وقد دعتنا إحاطاتٌ حكومية في لندن وفي واشنطن بشكلٍ متكرر إلى وجوب مغادرة المدينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن كييف لم تسقط. وقد شهدنا انسحاب القوات الروسية منها، فيما صمدت أيضاً مدينة خاركيف - ثاني أكبر مدن البلاد، التي تقع على بعد نحو 32 كيلومتراً (20 ميلاً) فقط من الحدود الروسية - أمام هجماتٍ برية وجوية شرسة دامت أسابيع.

ومع انسحاب القوات الروسية، كانت غالباً ما تخلف وراءها مذابح كتلك التي وقعت في مدن بوتشا وإيزيوم وليمان، حيث شوهدت جثث الأشخاص الذين قامت بإعدامهم مرميةً في الشوارع، في حين ألقي بآخرين في مقابر جماعية. وظهرت تقارير كثيرة تتضمن تفاصيل عن أعمال تشويه واغتصاب واختفاء قسري.

أما في المدن الحديثة مثل ماريوبول وخاركيف وميليتوبول - من بين مدن أوكرانية أخرى - فقد أدى القصف المتواصل بالمدفعية والصواريخ والطائرات إلى إحداث الكثير من الفوضى والدمار. لقد شهدنا فظاعة هذا المشهد من الدمار الذي سببته الأسلحة المتطورة، في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، حيث قُتل وجُرح مدنيون، فيما تحولت منازلهم إلى أنقاض، وتحطمت الشوارع. وبدا المشهد كأنه عودة إلى فوضى الحرب العالمية الثانية.

مع ذلك، شرعت القوات الأوكرانية ابتداءً من ربيع العام الماضي، في إحداث تحولٍ ملحوظ، بحيث استعادت بلداتٍ وقرى محيطة بخاركيف، وتقدمت نحو الحدود. وعندما كنتُ أقوم بمرافقة وحدةٍ أوكرانية مكلفة استعادة آخر القرى المتبقية، أعرب الرائد نيكولاي بافليوك الذي يخدم في أحد ألوية المتطوعين، عن شعوره بالفرح قائلاً بابتسامةٍ عريضة: "إنه لمن دواعي السرور للغاية أن نكون في وضعية الهجوم، ونجبر العدو على التراجع، ونتمكن من استعادة أراضينا المفقودة. ففي الماضي، كنا نفجر الجسور لعرقلة التقدم الروسي، أما الآن فإنهم هم الذين يقومون بتدمير الجسور في محاولة عقيمة لإبطائنا. إنه شعورٌ لا يوصف".

يُشار إلى أن القوى الغربية ازدادت تفاؤلاً في شأن احتمالات تحقيق أوكرانيا النصر. وأكدت إدارة الرئيس بايدن أن الفوز في معركة خاركيف سيكون مجرد بداية لسلسلةٍ من الانتصارات المقبلة. وردد الأمين العام لـحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ هذا الصدى، معرباً عن ثقةٍ متزايدة بقدرة أوكرانيا على تحقيق النصر في الحرب. وذهب الأدميرال السير طوني راداكين قائد الجيش البريطاني، إلى حد الإعلان عن أن "استقلال أوكرانيا أصبح مضموناً الآن".

إلا أنه مع اقتراب فصل الصيف، اتخذ الصراع منعطفاً دراماتيكياً آخر. فقد استعادت القوات الروسية التي نشرت مدفعية ثقيلة، اليد الطولى في الميدان، وتمكنت من التغلب على القوات الأوكرانية. وشهدنا بشكل مباشر التأثير المدمر للقصف المتواصل على الخنادق. وقد قال لي الكابتن يوري كالوزني - وهو أحد جنود البحرية الأوكرانية - إن "القصف لا يتوقف أبدا. إنهم يصبون قوتهم النارية على الهدف، ويطلقون عليه وابلاً من النيران، ثم يتقدمون نحوه. ولسوء الحظ، نحن نفتقر للأسلحة اللازمة للتصدي بفاعلية لهجماتهم، ما يؤدي إلى وقوع إصابات وخسائر كبيرة في الأرواح. وأخشى أننا قد نخسر في نهاية المطاف مساحاتٍ كبيرة من الأراضي".

 شعر الرئيس زيلينسكي باليأس واعرب عن ذلك بقوله إن "روسيا تريد تدمير منطقة دونباس". بدا الأمر كأنه مجرد مسألة وقت قبل أن تنزلق المنطقة وتقع بأكملها تحت السيطرة الروسية.

ثم جاء الهجوم الأوكراني غير المتوقع في فصل الخريف ليغير قواعد اللعبة، من خلال تحقيق مكاسب كبيرة لأوكرانيا إن لجهة استعادة مدن ليمان في دونباس، وكوبيانسك في إقليم خاركيف، وخيرسون في الجنوب. وكان لذلك تأثير عميق على الروح المعنوية الروسية، التي بدت وكأنها تتأرجح على حافة الانهيار. والواقع أن بعض أشد مؤيدي الحرب في أوكرانيا بدأوا في انتقاد المؤسسة العسكرية.

يفغينى بريغوجين زعيم مجموعة المرتزقة "فاغنر" Wagner ورمزان قديروف زعيم الحرب الشيشاني، ضما صوتهما إلى مطلقي الانتقادات المتزايدة للقيادة العليا للكرملين. وشارك مقاتلو بريغوجين في قوة "فاغنر" بتدمير ممنهج لمدينة باخموت، وهو ما شهدناه خلال زيارات عدة قمتُ بها للمدينة.

في الذكرى السنوية الأولى للحرب العام الفائت، وصل إلى كييف عدد من القادة الدوليين، من أبرزهم الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي كان حضوره بمثابة تأكيدٍ رمزي قوي على وقوف الولايات المتحدة والغرب بحزم إلى جانب أوكرانيا، في وجه العدوان الروسي.

مع ذلك، وصل خط المواجهة مرةً أخرى إلى طريق مسدود دموي. وكان الهجوم المرتقب خلال الصيف المدعوم بأسلحةٍ غربية، يهدف إلى اختراق الخطوط الروسية في جنوب أوكرانيا وتمهيد الطريق إلى شبه جزيرة القرم.

ثم حدث تحولٌ ملحوظ في الأحداث. فقد قام بريغوجين، المعروف بصداماته المريرة مع الأجهزة الأمنية في الكرملين، بتنظيم انقلابٍ عسكري. وشاهد العالم بصدمة تقدم مقاتلي "فاغنر" نحو موسكو. وبدت مساعي بوتين لإعادة إحياء "الإمبراطورية الروسية" على حافة الفشل، وكأنها تنتهي بإطاحة قيصر آخر.

فشلت محاولة الإنقلاب. ومن المفترض أن يكون السيد بوتين قد أصدر في أعقاب ذلك عفواً عن بريغوجين، الذي ظهر في عددٍ من المناسبات الرسمية. ومع ذلك، اتخذ مصيره منعطفاً مأسَوياً، عندما لقي حتفه بعد ثلاثة أشهر مع كبار قادته، لحظة انفجار طائرتهم في كبد السماء.

من ثَم سقطت مدينة باخموت التي اكتسبت لقب "مفرمة اللحم"  -بسبب العدد الكبير من الضحايا أثناء الاستيلاء عليها - تحت السيطرة الروسية. كان ذلك بمثابة إرثٍ كئيب لبريغوجين الذي زج بالآلاف من مقاتليه إلى الموت هناك، في موجاتٍ من الهجمات البشرية. كما حققت موسكو انتصاراتٍ في إقليم خاركيف في المناطق المحيطة بالمركز الاستراتيجي لكوبيانسك.

 

في المقابل، انتهى الهجوم المضاد الصيفي الأوكراني الذي حظي بتغطيةٍ إعلاميةٍ واسعة النطاق، بالفشل. وفي ردة فعل على ذلك، أقال زيلينسكي وزير دفاعه أوليكسي ريزنيكوف، إلى جانب جميع نواب وزراء الدفاع الستة. وفي وقتٍ لاحق من هذا الشهر، قام أيضاً بإقالة الجنرال فاليري زالوزني قائد القوات المسلحة الذي يحظى بشعبيةٍ كبيرة، والذي اعترف بالعودة إلى حالة من الجمود على خط المواجهة.

جاء سقوط أفدييفكا وسط نقصٍ شديد في الذخيرة في أوكرانيا، وفي وقتٍ لم يتحقق فيه الدعم المتوقع من الولايات المتحدة، نتيجة بقاء "مشروع قانون أوكرانيا" عالقاً في الكونغرس. يُضاف إلى ذلك، أن الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من تعهده تقديم مليون وحدة ذخيرة لكييف بحلول شهر مارس (آذار) من السنة الجارية، لم يتمكن من تسليمها سوى نصف هذه الكمية.

وفيما تؤكد إدارة الرئيس بايدن على التزامها تمرير مشروع القانون، قال الاتحاد الأوروبي أنه يتخذ إجراءاتٍ مهمة لمعالجة النقص في الذخيرة. ومن المتوقع أن تشن كل من روسيا وأوكرانيا هجماتٍ متبادلة في فصل الربيع، ما قد يمثل المرحلة الأخيرة من الحرب.

ومن غير المستغرب أن يشعر الشعب في أوكرانيا بالضجر إزاء الموت والدمار. لكن روحه تظل متقدةً ولا يزال يُظهِر قدرةً ملحوظةً على الصمود. وقد تجلت هذه الروح بوضوح من خلال ثلاثة رجال مسنين شوهدوا وهم يحفرون الثلج خارج منازلهم في هلوشيفكا، وهي قريةٌ تقع في منطقة دونباس جعلها القصف الروسي منطقة أشباح.

فاسيل أولينيتشيوك البالغ من العمر 60 سنة - وهو جندي سابق كان قد خدم في أفغانستان عندما كانت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفييتي - قال: "من الغريب أن أرى الجيش الذي كنت أنتمي إليه ذات يوم يقاتل الآن ضدنا. وعندما أنظر إلى الجنود الروس الشباب، لا يسعني إلا التساؤل. إن معظمنا لم يكن يدرك سبب وجودنا في أفغانستان، وأشك في أن هؤلاء الشباب يفهمون حقيقة مهمتهم هنا أيضا. لا يمكن لأي جيش أن يتحمل هذا الارتباك والتعايش مع ذلك لفترةٍ طويلة".

وأكد ستانيسلاف شيري البالغ من العمر 76 سنة، تصميمه على البقاء في قريته، قائلاً: "أبلغ من العمر 76 سنة، هذا منزلي، ولن أغادره. حتى لو عاد الروس، فإن أوكرانيا ستستعيد سلطتها ذات يوم. هذه هي أوكرانيا، بلادنا. لقد ولى عصر الإمبراطوريات، والتاريخ هو في مصلحتنا".

© The Independent

المزيد من متابعات