ملخص
الأزمة الاقتصادية تسببت في اضطراب بعملية استيراد المستلزمات الطبية اللازمة لإجراء العمليات الجراحية، نتيجة مجموعة من العوامل أبرزها أزمة الدولار.
قبل أيام، أثار أمين سر لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب المصري هشام حسين، أزمة نقص المستلزمات الطبية في المستشفيات، بتقديم طلب إحاطة موجه إلى وزير الصحة خالد عبدالغفار، مسلطاً الضوء على تأثير هذه المشكلة وتسببها في تراكم قوائم انتظار العمليات الجراحية في المستشفيات.
وبحسب ما أورده النائب البرلماني في طلبه فإن الأزمة الاقتصادية تسببت في اضطراب بعملية استيراد المستلزمات الطبية اللازمة لإجراء العمليات الجراحية، نتيجة مجموعة من العوامل أبرزها أزمة الدولار، وتقييد حركة الاستيراد، وتخزين المستلزمات من قبل مستغلي الأزمات.
قوائم انتظار
الأزمة طاولت جميع المستلزمات الطبية بحسب ما يؤكده رئيس الشعبة العامة للمستلزمات الطبية بغرفة القاهرة التجارية محمد إسماعيل عبده لـ"اندبندنت عربية" مرجعاً أسبابها إلى نقص الدولار ووجود عوائق أمام إجراءات دخول الشحنات. وأشار إلى أن "أبرز المستلزمات المنقوصة شرائط السكر التي ما زالت في الموانئ منذ أغسطس (آب) الماضي، والخيوط الجراحية والكانيولات والقسطرة الطبية وفلاتر الكلى وأجهزة السونار ورسم القلب، وأصناف أخرى أساسية لإجراء العمليات الجراحية".
وشدد إسماعيل على أن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، لكنها متفاقمة منذ أشهر، وأدت إلى تراكم قوائم انتظار العمليات الجراحية، متوقعاً أن تستمر من دون حل جذري طالما لم يضع أصحاب القرار استثناءات وإجراءات خاصة في التعامل مع نقص المستلزمات الطبية، لتخفيف المعاناة على المرضى، مع تأكيده على أن الجهود تبذل لإنهاء الأزمة موقتاً.
ومضى قائلاً: "الأطباء يجدون صعوبة في إجراء عمليات جراحية في ظل هذا النقص الكبير بالمستلزمات الطبية، وعدم توفر أدوات تعقيم الآلات الطبية". معتقداً أنه "لا بديل عن إبعاد المستلزمات الطبية والأدوية من قوائم الانتظار". وأكد أن شعبة المستلزمات الطبية أرسلت طلباً للبنك المركزي والهيئة الشرائية الموحدة لتسهيل الإجراءات لدخول هذه المستلزمات وتوفير الدولار.
السياسات التي فرضها البنك المركزي، وفق إسماعيل، لم تضع استثناءات للأصناف المستخدمة في العلاج ما أدى إلى تكدس المستلزمات الطبية ثلاث مرات في الموانئ المصرية، وشرح قائلاً "في المرات السابقة لجأنا إلى هيئة الشراء الموحدة التي وفرت 110 ملايين دولار من مخصصاتها التي تستورد بها مقابل تسديد الفواتير الخاصة بنا، وبهذه الطريقة خرجت المستلزمات مرتين من الموانئ، وأرسلنا، أخيراً، للبنك المركزي وهيئة الشراء الموحدة لتوفير الدولار وتسهيل إجراءات دخول هذه المستلزمات". وأكد أن المستلزمات الطبية ضمن السلع غير المرنة ولا يمكنها أن تتأقلم مع نقص الدولار، وهي لا تمثل أكثر من 1 في المئة من حجم استيراد مصر.
اللجوء للسوق السوداء
تكشفت لنا سلمى (اسم مستعار)، وهي مسؤول توفير طلبات المستلزمات الطبية بقسم الكلى بأحد المستشفيات الحكومية المصرية، أن أزمة نقص المستلزمات الطبية دفعت المستشفى الذي تعمل به للاتجاه إلى السوق السوداء وشركات بير سلم، في ظل نقص عديد من المستلزمات الضرورية بقسم الغسيل الكلوي.
تقول سلمى إن "الأزمة تفاقمت منذ نحو ستة أشهر، ونضطر إلى التعامل مع السوق السوداء، لكنها لا تسد احتياجات المستشفى بسبب أسعارها المضاعفة مقارنة بالسعر الرسمي، وفي ظل ضعف إمكانات المستشفى، ومع ذلك أصنافها رديئة وغير مضمونة". تسلط سلمى الضوء على أن المشكلة تظهر أكثر مع المرضى الذين يعانون الالتهاب الكبدي الوبائي، ويخضعون أيضاً لجلسات غسيل الكلى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول أستاذ جراحة القلب وأمين صندوق نقابة الأطباء السابق خالد سمير لـ"اندبندنت عربية"، إن معظم المستلزمات الطبية باتت مهربة، وبعض المستشفيات الحكومية تضطر إلى قبولها على رغم عدم التأكد من مدى صلاحيتها. وشدد على أن التعامل مع السوق السوداء كان ممنوعاً في السابق، ولا نسمح سوى بالمستلزمات التي تصل عن طريق التوريد والمنافذ الشرعية. وتساءل "هل نترك المرضى الذين يوفرون المستلزمات من السوق السوداء للموت أم نستخدمها في علاجهم في ظل عدم توفرها بالطرق الشرعية؟".
تعود سلمى بدفة حديثها إلى أن الأزمة طاولت أيضاً المستلزمات الطبية البسيطة، وقالت "نضطر إلى شراء البلاستر الطبي من السوق السوداء، على رغم جودته الضعيفة، مما يجعل إبر الكانيولات المستخدمة لمرضى الغسيل الكلوي تتحرك بسبب عدم إحكام اللاصق الطبي، وتتسبب أحياناً في جروح وتجلطات ونزيف، وتسرب الدم من الوريد، وتزيد مثل هذه المشكلات من أخطار الإصابة بالتلوث والعدوى".
وتابعت "بسبب نقص المستلزمات تضطر الممرضات لارتداء جوانتيات بلاستيك رديئة الجودة، كما تستخدم في التعامل مع النفايات الطبية ما يعرضهم لخطر الإصابة بالأمراض".
وقال أستاذ جراحة القلب وأمين صندوق نقابة الأطباء السابق إن نقص المستلزمات الطبية يؤثر بشكل مباشر على حالات الطوارئ، وتسبب في تعطيل إجراء عمليات جراحية. ويلفت إلى أن الصبغة المستخدمة في القسطرة اختفت وارتفعت أسعارها 10 أضعاف في السوق السوداء. وأضاف "بعض الإداريين يضغطون على الأطباء في المستشفيات العامة الذين يوافقون على علاج المرضى باستخدام الأصناف التي يوفرونها من السوق السوداء".
أزمة تمويل
يؤكد وكيل نقابة الأطباء المصرية جمال أبوعميرة لـ"اندبندنت عربية" أن "أبرز المستلزمات الطبية التي تأثرت بالأزمة مفاصل العظام ودعامات القلب ومواد التخدير والأدوية الخاصة بالعلاج الكيماوي"، مشيراً إلى أن النقابة تتدخل في بعض الأحيان لتوفير مستلزمات وأجهزة طبية، وتوافق على طلبات بعض المستشفيات.
وتابع "لكن لا يمكنها أن نوفر طلبات جميع مستشفيات مصر، لأنها مسؤولية يتحملها مجلس الوزراء، وتقع على عاتق وزارتي الصحة والمالية". ويتفق وكيل نقابة الأطباء مع الآراء السابقة بأن الأزمة التي تشهدها مصر في ما يتعلق بالمستلزمات الطبية تكمن في التمويل، وعدم توفر الدولار، ووجود مشكلة في الميزانية وطريقة إدارة ملف الصحة.
في الرابع من فبراير (شباط) الجاري أكد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أنه يتابع موقف تدبير احتياجات القطاع الصحي. وقال خلال اجتماع حضره محافظ البنك المركزي وقيادات بوزارة الصحة، أن الهدف سرعة توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، في ظل توجيهات مستمرة بأن يكون ذلك الهدف على رأس الأولويات. وبدوره أوضح وزير الصحة المصري الدكتور خالد عبدالغفار، أن لجنة مشكلة بقرار رئيس الوزراء تعمل على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، تضم مسؤولي مختلف الجهات المعنية بهذا الملف، مشيراً إلى أن بعض الأدوية والمستلزمات الطبية، بخاصة المستوردة، بدأ يظهر فيها نقص في الفترة الأخيرة، ومن ثم يأتي هذا التحرك المهم لزيادة الاحتياطيات منها.
وبينما تعاني مصر شحاً في العملات الأجنبية واختلافاً ملحوظاً بين سعر الدولار الرسمي في البنوك والسوق الموازية يقترب من الضعف، تداولت أنباء عن مطالبة البنك المركزي البنوك المصرية بإجراء حصر طلبات استيراد معلقة للأدوية والمستلزمات الطبية بخاصة المحتجزة في الموانئ.
ارتفاع الأسعار
لم تقتصر أزمة نقص المستلزمات الطبية على المستشفيات الحكومية، حيث يؤكد مصطفى أحمد، مدير مشتريات المستلزمات الطبية بأحد المستشفيات الخاصة، أن نقص المستلزمات بات ملحوظاً منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث شهدت السوق نقصاً في هذه الأصناف، وحدثت بعدها انفراجة موقتة.
وسلط مصطفى الضوء على ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية بشكل مضاعف، موضحاً أنه "عند طلب 100 صنف نستلم 10 أصناف فقط"، وأشار إلى اختفاء بعض المستهلكات من السوق. وحول أبرز الأصناف المنقوصة قال، "يأتي في المستوى الأول الخيوط الجراحية، أما الثاني فيضم مستلزمات غسيل الكلى".
ومضى يقول "أتعامل بشكل مباشر مع السوق والتجار، ونتعاون مع أكثر من شركة. توجد مبالغة في التسعير من دون ضوابط، لا يمكن للسوق أن يحكمها لأنها تنتقل من تاجر إلى آخر".
وأضاف مصطفى الذي يعمل في مجال المستلزمات الطبية منذ سبع سنوات" كل شيء كان متوفراً بسهولة، لكن باتت بنود أساسية مهمة تشهد نقصاً كبيراً".
وأرجع أمين صندوق نقابة الأطباء السابق خالد سمير أسباب نقص المستلزمات الطبية إلى شقين، الأول دائم يتعلق بالميزانية والتمويل، والثاني متغير يرتبط بقيمة الدولار، موضحاً أن "معظم المستلزمات الطبية مستوردة، وأسعارها تتغير بشدة بحسب قيمة الدولار". وقال إن جميع المستشفيات خاضعة لما يورد إليها من جانب هيئة الشراء الموحد التي لا تستطيع توريد المستلزمات في الفترة الأخيرة لأنها تمتلك ميزانية محدود والأسعار تتضاعف، وفق تعبيره.
وشدد سمير على أن هذه الأزمة أثرت بشكل مباشر على تخصصات متعددة منها العظام والمخ والأعصاب والقلب والكلى، وأبرز المستلزمات الطبية والأدوية والمستهلكات المنقوصة هي المنقذة للحياة مثل صبغات القسطرة ودعامات القلب والمستهلكات التي يتم تركيبها في عمليات القلب المفتوح والمقفول، ومستلزمات الغسيل الكلوي والمفاصل، تليها ما يؤثر بشدة على حياة البشر اليومية.