Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوق السلع المغشوشة في مصر لا تعرف الركود

الغلاء وغياب الرقابة يقودانها إلى الانتعاش ومراقبون: نبع مسموم ينهل منه المواطنون تحت وطأة الضغوط

كلفة الإنتاج في مصانع بير السلم أقل بنسبة 70 في المئة من المصانع الرسمية المعتمدة الحاصلة على جميع التراخيص (أ ف ب)

ملخص

أدوية ومواد غذائية ومشروبات ومستحضرات تجميل مجهولة المصدر تغزو الأسواق بأسعار مخفضة... إلى أين وصلت سوق المنجات المغشوشة في مصر؟

أدوية ومنتجات غذائية ومستحضرات تجميل وزيوت طعام معاد تدويرها ومستلزمات طبية، أشكال مختلفة من السلع المغشوشة والمقلدة التي عرفت طريقها أخيراً إلى السوق المصرية، وباتت متداولة بشكل واسع عبر تطبيقات وصفحات على مواقع التواصل وقنوات فضائية، مستهدفة الوصول إلى أسواق رائجة ومناطق شعبية مكدسة بالسكان.

بمجرد الانتقال إلى محركات البحث التقليدية وإعطاء أمر الوصول إلى أحدث الأخبار والإحصاءات والبيانات الرسمية ومحاضر الضبط المتعلقة بانتشار السلع المغشوشة ومصانع بير السلم، ستوجهك النتائج مباشرة إلى عدد هائل من الصفحات التي تكشف مضامينها عن انتشار المنتجات المقلدة في غياب الرقابة، وصعوبة إحكام السيطرة على المنافذ غير الشرعية، أو إجبار هذه المصانع على الالتزام بالمعايير والمواصفات الفنية.

سلع ومنتجات مجهولة

كانت الطفلة "فريدة.ع" (12 سنة) واحدة من ضحايا المنتجات المغشوشة التي تغزو السوق المصرية، لم تحتمل الألم الذي كان يمزق أحشاءها عقب تناولها مادة غذائية سريعة التحضير مجهولة المصدر من أحد المحال التجارية دخلت على إثرها في حال إعياء وأصيبت بقيء وإسهال حاد، وبمجرد وصول الطفلة إلى مستشفى الحامول المركزي بمحافظة كفر الشيخ فارقت الحياة.

حوادث الغش المتكررة جعلت قضية السلع المقلدة من الملفات المثارة داخل أروقة البرلمان، إذ سبق أن تقدم عضو مجلس النواب المصري أيمن محسب بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزير التجارة والصناعة، ورئيس جهاز حماية المستهلك، على خلفية انتشار مقطع مصور يظهر ضبط مصنع "بير سلم" يقوم بتقليد علامات تجارية كبرى، مطالباً بضرورة التصدي لمافيا السلع المغشوشة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما تقدم النائب علاء قريطم، هو الآخر بطلب مناقشة عامة حول سياسة الحكومة في شأن التعامل مع مصانع بير السلم. وشدد قريطم على أن هذه المصانع تمثل خطورة على الصحة العامة للمواطنين، ولا تتمتع بأدنى درجات التأمين الصناعي، مستخدمة خامات تصنيعية غير أصلية لا تحقق المواصفات القياسية المصرية في منتجاتها.

وفق العضو البرلماني فإن كلفة الإنتاج في مصانع بير السلم أقل بنسبة 70 في المئة من كلف الإنتاج بالنسبة إلى المصانع الرسمية والمعتمدة الحاصلة على جميع التراخيص، وبحسب ما ذكره النائب فإن هؤلاء التجار يستخدمون مواد غير مصرح بها وعلامات تجارية مقلدة.

تقليد السلع الأصلية

الرئيس السابق لجهاز حماية المستهلك أحمد سمير شدد لـ"اندبندنت عربية" على أن المشكلة الأساسية تكمن في وجود مصانع لا تخضع للرقابة تضخ منتجات مجهولة المصدر ومغشوشة، وسط انتشار عمليات إعادة التدوير وتجميع العبوات الأصلية من القمامة وتنظيفها وتعبئتها بمنتجات غير معروفة المصدر وإعادة بيعها.

ووفق مؤسس المركز القومي للسموم محمود عمرو، فإن المنتجات مجهولة المصدر والمصنعة (تحت بير السلم) منتشرة بشكل واسع في السوق المصرية، مؤكداً أن معظم ضحايا استخدام هذه المنتجات والمتضررين يقعون ضمن فئتي الأطفال وكبار السن.

 

 

وبحسب ما يؤكده عمرو لـ"اندبندنت عربية"، فإن مصنعي هذه السلع يستغلون الغلاء ويبيعون منتجاتهم بأسعار مخفضة، مشيراً إلى أن لها تأثيراً سمياً حاداً في الجهاز الهضمي، ويتحول التسمم الغذائي إلى مائي، مما يؤدي إلى الإصابة بالجفاف ويزيد خطر الوفاة.

الرئيس السابق لـ"حماية المستهلك" أحمد سمير اعتبر في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن إحكام السيطرة على السوق المصرية مسألة مستحيلة، نظراً إلى أنها سوق تخدم أكثر من 105 ملايين شخص في المدن والقرى والنجوع، مما يتطلب مساهمة من المستهلكين.

وأشار سمير إلى أهمية الاعتماد على وسائل تكنولوجية حديثة للحد من عمليات التقليد والغش، من خلال إجبار المصانع على وضع علامات وأكواد للمنتجات والسلع التي يصنعونها لعدم تزييفها، على أن تكون متغيرة مثلما يحدث في عديد من الدول.

ضحايا الغش التجاري

في الأشهر الأخيرة، انتشرت حوادث التسمم الغذائي بشكل واسع، وأثارت واقعة إصابة سبعة من أسرة واحدة بالتسمم، وبعدها حادثة تسمم جماعي لأكثر من 382 شخصاً بعد تناولهم مشروب "البوظة" من أحد الباعة في إحدى قرى صعيد مصر مخاوف واسعة في شأن الأخطار الناجمة عن انتشار هذه المنتجات غير المطابقة لمواصفات السلامة الغذائية.

 

 

مؤسس المركز القومي للسموم يقول إنهم يكتشفون إضافات ومواد مجهولة خلال إجراء الكشوف على المرضى من مصابي التسمم، وغالباً ما تكون أسباب الإصابة غير معروفة. مشيراً إلى أن معرفة الإضافات التي تستخدمها مصانع "بير السلم" تتطلب تكنولوجيا متطورة وباهظة الثمن، كما يقضي الباحثون وقتاً طويلاً للوصول إلى نتائج حول هذه الإضافات المجهولة، مشبهاً هذه العملية بالطرق المستخدمة في الطب الشرعي.

كذلك رأى الرئيس السابق لحماية المستهلك ضرورة في الإبلاغ عن مصادر هذه المنتجات المغشوشة، نظراً إلى صعوبة عمل أجهزة الرقابة بمفردها، مشيراً إلى أهمية تجنب شراء هذه المنتجات لخطورتها الجسيمة على صحة الإنسان، مسلطاً الضوء على أنه خلال فترة رئاسته للجهاز كان يكتشف حالات كثيرة أصيبت بعاهات مستديمة نتيجة استخدام المنتجات المقلدة والمغشوشة.

مافيا الأدوية

لم تكن صناعة الدواء بمنأى عن أيادي عصابات ومافيا السلع المقلدة، لا سيما بعد اختفاء عديد من الأدوية بسبب أزمة الدولار، والنقص الكبير في المواد الخام.

ففي سبتمبر (أيلول) الماضي سلط النائب محمد زين الدين الضوء على هذه الأزمة في سؤال برلماني قدمه لرئيس مجلس النواب حنفي جبالي موجه إلى وزير الصحة خالد عبد الغفار، قائلاً "أين دور وزارة الصحة والسكان في مواجهة ظاهرة انتشار الأدوية المغشوشة والمهربة؟ وأين دور الوزارة في الرقابة على الصيدليات لمنع بيع مثل هذه الأدوية؟"، وطالب النائب بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية للقضاء على هذه الظاهرة وإحالة مرتكبيها إلى محاكمات عاجلة للحفاظ على صحة المواطنين.

 

 

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قررت النيابة الإدارية في مصر إحالة خمسة من قيادات هيئة الدواء المصرية للمحاكمة العاجلة على خلفية اتهامهم بارتكاب مخالفات جسيمة أثناء تأديتهم مهمات وظائفهم شكلت مساساً بصحة المواطنين، وكانت مجموعة من الصيادلة في إدارة التفتيش بهيئة الدواء المصرية اشتكت من تداول مستحضرات ومكملات غذائية بالصيدليات والشركات الكبرى، منها المغشوش وغير المسجل والمخالف لبيانات التسجيل.

بحسب المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء محمود فؤاد، فإن نسبة الأدوية المغشوشة في السوق المصرية تصل إلى 10 في المئة، مرجعاً أسباب انتشارها بشكل واسع أخيراً إلى الزيادة في أعداد المنافذ المخصصة لبيع الدواء في مصر بخلاف الصيدليات التقليدية. ويوضح فؤاد "يتنوع هذا البيع بين تطبيقات توزع الأدوية على المنازل، وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من الطرق غير الشرعية، وهو ما يفتقد إلى الرقابة الجيدة".

عقوبات غير مشددة

وفقاً لفؤاد فإن الهيئة التي يديرها وثقت نحو 62 صفحة بيع أدوية، منها تسع صفحات مخصصة لبيع الأدوية منتهية الصلاحية، وعلى رغم أن الصيدليات يجب أن تكون المنفذ الوحيد لبيع الدواء، فإن الأدوية أصبحت متاحة عبر المواقع المجهولة، مما يعكس وجود أزمة في صناعة الأدوية في مصر حالياً، ويجعل المتحكمين في السوق يتجهون نحو السوق السوداء والمغشوش نتيجة النقص في السوق الرسمية.

بحسب رؤية فؤاد، فإنه لا إحكام للسيطرة على الورش التي تصنع الأدوية "تحت السلم"، ويتساءل "كيف تصل خطوط الإنتاج وماكينات تصنيع الدواء إلى الورش؟ علماً بأن هذه الماكينات تخضع لرقابة شديدة وتتطلب إجراءات معقدة وموافقة من الوزارة".

ويضيف أنه في حال أراد المصنع تكهين وبيع الماكينة يتطلب الأمر إبلاغ الوزارة بنية البيع، على أن ينشر إعلاناً بإحدى الصحف الكبرى، وإذا فشلت عملية البيع تقطع الماكينة وتحتفظ الوزارة ببعض أجزائها حتى لا تستخدم في تصنيع أدوية مجهولة ومغشوشة من دون علم الوزارة، لكن وصول هذه الماكينات وخطوط الإنتاج وانتشارها داخل مصانع "بير السلم" يكشف عن وجود فساد.

وقال فؤاد "ما زالت مصر تعمل وفق قانون مزاولة مهنة الصيدلة 127 لعام 1959، وهو قانون لا يصلح في الوقت الحالي نظراً إلى أنه يقر غرامات بين 50 قرشاً و100 جنيه للمخالفين، وتعديلات القانون رفعت قيمة الغرامة إلى 100 ألف جنيه، وهي عقوبات غير مشددة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات