Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفول والطعمية... وجبة مصرية "لم تعد شعبية"

شهدت أسعارها قفزة غير مسبوقة اضطرت كثيرين للاستغناء عن بعض مكوناتها

مصريون يلتفون حول عربة فول لتناول فطورهم اليومي المعتاد (اندبندنت عربية- علاء أمين)


لم يدر بخلد أحمد حمدي، الذي يعمل موظفاً بإحدى شركات المقاولات الخاصة، أن غلاء الأسعار الذي طال غالبية السلع الأساسية في مصر سيصل إلى وجبته الصباحية المفضلة التي اعتاد تناولها، وهي طبق فول وبطاطا وأقراص طعمية وباذنجان وسلطة وعيش، خصوصاً بعد أن تضاعف سعرها، ليجد نفسه مضطراً لتقليص الأصناف والكميات التي اعتاد شراءها يومياً قبل الذهاب إلى مقر عمله، من أجل استكمال باقي يومه وترشيد نفقاته وعدم الإخلال براتبه الشخصي، الذي يتقاضاه شهرياً من وظيفته، وبالكاد يكفيه هو وأسرته المكونة من 6 أفراد لتلبية حاجاتهم.

وباتت وجبة الفول الشعبية تشكل عبئاً كبيراً على موازنة الرجل الخمسيني، بعد أن وصل سعرها لـ50 جنيهاً (1.62 دولار)، ليصبح إجمالي ما ينفقه عليها شهرياً 1500 جنيه (48.54 دولار)، فيما يتقاضى راتباً شهرياً لا يتخطى ستة آلاف جنيه (194.19 دولار)، وما يزيد من معاناته حين يتكبد نفقات أكبر نظير شراء وجبة الإفطار الصباحية لجميع أفراد أسرته، التي قد تكلفه في بعض الفترات ما يزيد على 120 جنيهاً (3.88 دولار).

يعود حمدي بذاكرته إلى الوراء، حينما كان يشتري قبل سنوات وجبة إفطاره الصباحية بـ20 جنيهاً (0.65 دولار)"، "أسعار الفول والطعمية أصبحت نار، وكثير من البسطاء لن يستطيعوا شراءها، وبدأت أحدد موازنة خاصة لها حتى أستطيع مجاراة الأسعار الحالية".

قفزات في الأسعار

أمام أحد المطاعم الشعبية لبيع الفول والطعمية بحي الدقي بمحافظة الجيزة، يكتظ كثير من الزبائن على اختلاف أطيافهم، لشراء وجبتهم الصباحية قبل الذهاب إلى عملهم، بينما تراقب أنظارهم عامل الطعمية أو "صنايعي النار"، كما يطلق عليه، الذي يمارس هوايته المعتادة في طحن حبات الفول تحت المفرمة وصناعة الخليط الممزوج مع بقية المكونات من "شبت، وكزبرة خضراء، وأخرى جافة، والبقدونس، مع حبات البصل والثوم وكرات وحبهان وورق لورا"، ليشكل في النهاية "عجين الطعمية".

يقول أشرف عبدالقادر، صاحب المطعم، "بدأت العمل في تلك المهنة من الصفر، تحديداً عقب التخرج مباشرة في كلية الهندسة بحي شبرا، كنت أعمل حينها (صنايعي) بأحد المطاعم قبل أن أتدرج في تلك المهنة وأصبح مالك مطعم".

 

ويضيف الرجل الستيني، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "في بدايات عملي بالمهنة كان سعر ساندويتش الفول والطعمية شلن (5 قروش)، لكن حالياً أصبح سبعة جنيهات (0.23 دولار)، والبطاطا ثمانية جنيهات (0.26 دولار)، ويزيد سعره في حالة وضع أي إضافات، وقرص الطعمية بجنيهين (0.065 دولار)، والمحشية ثلاثة جنيهات (0.097 دولار)، وتختلف أسعار الساندويتشات بحسب نوع العيش سواء كان (بلدي) أو (شامي)".

"كنت حريصاً على عدم مغالاة الأسعار على الزبائن، لكن مع القفزات في أسعار الخامات مثل الزيوت والفول المدشوش والحصى والخضراوات، أضطر لرفع الأسعار، تماشياً مع أسعار السوق الحالية. سعر كيلو الزيت 90 جنيهاً (2.91 دولار)، والفول المدشوش 47 جنيهاً (1.52 دولار)، والفول الحصى 50 جنيهاً (1.62 دولار)، إلى جانب الزيادات التي طالت أسعار الخضراوات"، يقول عبدالقادر.

تقليص الأصناف والكميات

ويتابع صاحب المطعم، "رغم الزيادات فإن الزبائن لم تنقطع عن الشراء، لكنهم أجبروا على تقليص الأصناف والكميات التي اعتادوا شراءها، وبعضهم اضطر للاستغناء عن أصناف مفضلة لديهم، لترشيد نفقاتهم ومصروفاتهم اليومية. فأسعار الفول والطعمية لم تعد في متناول أيدي المواطن البسيط مثلما كانت في الماضي، إذ أصبحت وجبة غنية ولم تعد وجبة الغلابة كما كان يطلق عليها".

ويختتم عبدالقادر حديثه بحسبة بسيطة، "لو افترضنا أن أسرة مكونة من أربعة أفراد، فإنها ستحتاج نحو 60 جنيهاً (1.94 دولار) في الأقل، لتناول وجبة الإفطار الصباحية، وهو أمر أصبح يشكل عبئاً على كثير من المواطنين، بخاصة في ظل الغلاء، الذي طال كثيراً من السلع والمنتجات الأخرى".

 

وأمام إناء معدني كبير مملوء بالزيت وبداخله عجين الطعمية، يقف "صنايعي نار" بالمطعم، عم زينهم فاروق من أبناء حي السيدة زينب الشعبي بوسط القاهرة، ملتفاً حوله عشرات الزبائن الراغبين في تناول وجبتهم الصباحية المفضلة.

أبدى زينهم شعوره بالحزن والأسى، بسبب ارتفاع الأسعار الذي طال أكلة المصريين المفضلة، "لم يعد الحصول على تلك الأكلة الشعبية أمراً سهل المنال، وفي متناول المواطن البسيط بعد أن وصل سعر القرص الواحد إلى ثلاثة جنيهات (0.097 دولار) وفي مطاعم أخرى يباع القرص بخمسة جنيهات (0.16 دولار)، ما أجبر كثيراً من الزبائن للبحث عن بدائل أخرى في الإفطار لتوفير نفقاتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، تعالت انتقادات بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي، بسبب القفزات الكبيرة التي طاولت تلك الأكلة الشعبية، مما دفع بعض الإعلاميين خلال الأسابيع القليلة الماضية، للحديث في الأمر، من بينهم الإعلامي أحمد موسى، الذي قال "كنت بانزل أفطر فول وطعمية بملاليم، دلوقتي طبق الفول بالبيض بقى بـ30 جنيهاً (0.97 دولار)، وطبق الفول السادة بـ20 جنيهاً (0.65 دولار) في الشوارع... والكل يقول الدولار، هو الفول كمان بالدولار، وطبق السلطة بالدولار، ورغيف العيش بالدولار".

بينما قال الإعلامي مصطفى بكري، "هناك أسعار جنونية، تجعل من حقنا أن نتساءل ونتكلم. ساندوتش الفول أصبح بـ15 جنيهاً (0.49 دولار)، معاناة المواطنين تتواصل مع الارتفاع الجنوني في الأسعار".

وجبة شعبية بأسعار جنونية!

في المطعم ذاته، يقف أحمد المصري، الذي يعمل مندوب مبيعات، منتظراً دوره للحصول على أكلته الصباحية قبل الذهاب إلى مقر عمله.

الارتفاع الكبير في الأسعار خلال الآونة الأخيرة، دفع الشاب الثلاثيني للاستغناء عن وجبته الصباحية التي اعتادها، "سعر الوجبة الصباحية (فول وطعمية وبطاطا) التي اعتدت تناولها خلال السنوات الماضية، أصبح يناسب أصحاب الرواتب العالية، ولم يعد بمقدوري تكبد نفقات كبيرة يومياً من أجل شراء وجبتي المفضلة متعددة الأصناف، لذا لجأت إلى شراء ساندوتشات محددة الأصناف، حتى يمكنني القدرة على استكمال باقي الشهر، بخاصة أن راتبي الشهري لا يتخطى 4500 جنيه (146.20 دولار)".

 

وتتساءل كوثر محمد (44 سنة)، موظفة بإحدى الشركات الحكومية، "كيف يمكن أن يطلق على تلك الوجبة شعبية وللغلابة والبسطاء في ظل تلك الأسعار الجنونية؟"، مشيرة إلى أن تلك الوجبة "أصبحت عبئاً يومياً على موازنة المنزل"، مؤكدة أنها "تفكر في الاستغناء عنها، والبحث عن بدائل أخرى".

وفي المقابل ترى السيدة الخمسينية، عفاف محمد، مهندسة بإحدى الشركات الخاصة، وهي أم لثلاثة أبناء، أنه رغم غلاء الأسعار الذي طال جميع السلع والمنتجات "فإننا نعيش في أمن، بخاصة في ظل الحروب التي نراها حولنا. الأسعار ارتفعت بلا شك، لكننا ما زلنا نجد قوت يومنا ونأكل ونشرب، ولا يتعرض أحد منا لأي أذى"، مطالبة بضرورة أن "يتكاتف الجميع للخروج من تلك الأزمة".

الدولار متهم رئيس

من جانبه يعزو نقيب الفلاحين المصريين حسين أبو صدام، زيادة أسعار الفول والطعمية في السوق المحلية إلى "ارتفاع أسعار الدولار، تخزين التجار الفول، لا سيما مع اقتراب شهر رمضان، الذي تزيد خلاله نسب الاستهلاك، فضلاً عن ارتفاع أسعار الزيوت، إذ تنتج مصر اثنين في المئة منها فقط، في حين تستورد أكثر من 98 في المئة من الخارج، وهو ما انعكس على ارتفاع أسعار الطعمية التي تعتمد على الزيت بصورة كبيرة في عملية الطهي".

ويظهر تقرير الإنتاج الزراعي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) أن إجمالي إنتاج مصر من البقوليات بلغ 273 ألف طن خلال 2022 مقابل 259 ألف طن عام 2021 بزيادة قدرها 5.4 في المئة.

 

ويوضح التقرير أن كمية الفول الجاف (فول التدميس) بلغت 117 ألف طن عام 2022 مقابل 125 ألف طن عام 2021 بنسبة خفض قدرها 6.4 في المئة، مما نتج منه خفض نصيب الفرد مسجلاً 4.2 كيلوغرام في عام 2021، وبلغت نسبة الاكتفاء الذاتي 22.8 في المئة.

يشار إلى أن الحكومة المصرية كانت أصدرت قراراً في مارس (آذار) 2022، بوقف تصدير الفول الحصى والمدشوش فقط لمدة ثلاثة أشهر، كما نص القرار على السماح بتصدير الكميات الفائضة عن حاجات السوق المحلية، التي تقدرها وزارة التموين والتجارة الداخلية بعد موافقة وزير التجارة والصناعة، مشيرة إلى أن إجمالي إنتاج السوق المحلية لا يفي سوى بنحو 30 في المئة من الاستهلاك المحلي، ومن ثم يجري استيراد نحو 70 في المئة من الحاجات من الخارج.

وتقدر حجم المساحة المنزرعة من الفول 120 ألف فدان سنوياً، وحجم الإنتاج المحلي من الفول نحو 20 في المئة، في حين يجري استيراد 80 في المئة من الفول البلدي من الخارج، وتستورد مصر الفول من بلدان أوروبا وإنجلترا وألمانيا وليتوانيا وفرنسا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات