Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تعمل حلقة تجارة النفط السرية التي تمول حرب روسيا؟

"وول ستريت جورنال": تاجر أذربيجاني أسس شبكة مخفية لنقل كميات هائلة من خام موسكو إلى الصين والهند وأسواق جديدة أخرى

 تسمح الدول الغربية لروسيا باستخدام ناقلاتها إذا باعت النفط بـ 60 دولاراً للبرميل (أ ف ب)

مع الأيام الأولى من اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا أظهرت بيانات مسربة أن شركة غامضة أصبحت واحدة من أكبر الشركات العالمية التي تتاجر بالنفط الروسي، ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" فإن شركة "نورد أكسيس" التي تأسست في هونغ كونغ قبل تسعة أيام فحسب من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، يبدو أنها أنشئت من العدم، إذ قال رجل من دولة بليز، وهي إحدى دول أميركا الوسطى، كان مديراً مرشحاً في وقت لاحق من ذلك العام، إنه "لا يعرف سبب تأسيس  الشركة أو هوية أصحابها".

وأشارت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي تراجع عدد المشترين الغربيين للنفط الروسي كانت "نورد أكسيس" وشركات غامضة أخرى تحافظ على أهم مصدر للدخل الروسي، بعدما فتحت أسواقاً جديدة أمام النفط الروسي مما أدى إلى زيادة الإيرادات بمليارات الدولارات، أضيف إلى المجهود الحربي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأضافت الصحيفة الأميركية أن "واشنطن والدول الغربية حاولت خنق النفط الروسي"، متسائلة من كان يدير الصفقات؟ قبل أن توضح أن "تاجراً غير معروف من أذربيجان يدعى اعتبار أيوب، أسس إمبراطورية تجارية بصورة سرية، تنقل الآن كميات هائلة من النفط إلى المشترين في الصين والهند وأسواق جديدة أخرى"، مشيرة إلى أنه وفقاً لأشخاص عملوا معه أو تعاملوا معه فقد جمع أيوب أسطولاً من الناقلات القديمة مخفياً تجارته باستخدام متاهة من الشركات المسجلة في هونغ كونغ"، ولافتة إلى أن الشركات التي يديرها ومن بينها "نورد أكسيس" إلى جانب أربع شركات أخرى صدّرت نحو 33 مليار دولار من الخام الروسي عام 2023، وفقاً للبيانات التجارية الصادرة عن كلية الاقتصاد في كييف، وهو ما يعادل خمس الصادرات الروسية.

وأصبحت "روسنفت" النفطية العملاقة المملوكة للدولة في روسيا تعتمد على شركات التجارة والشحن ذات الملكية والإدارة الغامضة لنقل نفطها الخام إلى السوق بعد حرب أوكرانيا، وفي غضون ذلك قال مسؤولون كبار في وزارة العدل الأميركية إن "استخدام الشركات الوهمية والهياكل الإدارية الغامضة تكتيك شائع تستخدمه الأنظمة للالتفاف على العقوبات الأميركية، في حين أن مثل هذه الممارسات تجعل من الصعب تتبع الجهة التي تقوم بترتيب شحنات النفط من الدول الخاضعة للعقوبات مثل روسيا".

وما أوردته الصحيفة الأميركية اعتمد على مقابلات أجرتها مع أشخاص مطلعين على أنشطة أيوب، بما في ذلك زملاء العمل الحاليين والسابقين والمسؤولين التنفيذيين في مجال الطاقة والشحن الذين تعاملوا أو تنافسوا معه، وكذلك الشركات التي قيل إنه يعمل بها، إضافة إلى مراجعة وثائق تتضمن تفاصيل التعاملات والشحنات التي قامت بها شبكة التجارة السرية، علاوة على تحليل بيانات التصدير الروسية وبيانات الشحن وسجلات الشركات والسجلات القانونية في 12 دولة.

ورأت "وول ستريت جورنال" أن الحيلة جزء لا يتجزأ من العملية، فمن خلال العمل من مكاتب في موسكو والخليج وجه التجار التعاملات عبر "نورد أكسيس" والشركات الأخرى مما صعب هوية المستفيد.

ومن ضمن البيانات تلك التي فحصها مسؤولون أميركيون عند مراقبة تداول النفط عبر موظفي شركة "كورال إنيرغي" لتجارة السلع والتي عمل فيها أيوب ذات يوم، إذ تواصل "كورال" العمل التجاري في الدول الغربية، وقالت متحدثة باسمها إن "الشركة أوقفت التعامل مع أيوب مطلع عام 2022 عندما خرجت من السوق الروسية"، مضيفة أنه لا علاقة لها بـ "نورد أكسيس" أو الشركات الأخرى التابعة لشركة أيوب.

ومع ذلك فخلال المقابلات وصف الأشخاص الذين يعملون أو اعتادوا العمل في "كورال" تلك الشركات بأنها تابعة لـ "كورال"، إذ إن بعض الأشخاص عملوا في الشركة وفي تجارة النفط الروسي (مسؤولو "روسنفت" يستخدمون اسم "كورال" اختصاراً لشبكة الشركات التي يديرها أيوب).

إلى ذلك قالت مصادر مطلعة إن وزارة العدل الأميركية ركزت في تحقيق واسع النطاق على أيوب و"كورال" ومؤسسها الأذربيجاني طاهر غراييف الذي أسس "كورال إنيرغي" في سنغافورة عام 2010، وفي ذلك الوقت كانت شركة النفط الوطنية الأذربيجانية تبحث عن تجار للعثور على مشترين عالميين لنفطها.

وقام غاراييف بتعيين أيوب عام 2014، في وقت كان أيوب لا يعرف سوى القليل عن أسواق النفط، قبل أن يتعلم سريعاً بسرعة حتى أسس شركة "كورال" في روسيا.

وتُظهر صورة منشورة على "فيسبوك" أيوب مرتدياً سترة سوداء ويضع نظارة من دون إطار، وأخبر زملاءه آنذاك أن "طموحه أن يكون ضمن قائمة "فوربس" للمليارديرات، بحسب رواية أحد المتعاملين معه.

وفي عام 2018 ترك أيوب "كورال" ليصبح مستشاراً تجارياً، ولكنه استمر بالعمل في الشركة على أساس العمولة،

وعن ذلك قالت المتحدثة باسم "كورال" إنه "بعد مغادرة أيوب أدخلته الشركة في مشاريع محددة حتى أوائل عام 2022"،

ومع الهجوم الروسي على أوكرانيا كانت "كورال" تتاجر بالنفط من شركة "روسنفت" وشركات خاصة، وفقاً لبيانات التصدير والسلطة التنفيذية ووثائق المحكمة البريطانية.

وخلّف الهجوم الروسي على أوكرانيا حزمة من العقوبات الغربية، ففي مارس (آذار) 2022 حظرت الولايات المتحدة واردات النفط الروسي، بينما اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لتقييد التعاملات مع "روسنفت".

وفي غضون ذلك تجنبت البنوك الغربية التعامل مع كل ما هو روسي، وتخلى كثير من وسطاء النفط عن روسيا، وأنهت "ترافيغورا" علاقتها مع "روسنفت" إذ قالت الأولى أن "استمرار التعامل مع الشركة النفطية الروسية كان من شأنه أن يعرض أعمالها مع كثير من الدول الأخرى وعلاقاتها مع البنوك الغربية إلى الخطر".

وسطاء النفط الروسي

وبدأت صادرات روسيا من النفط والوقود التي تمثل ما يقارب عشر النفط العالمي في التوقف، إذ إنه من دون الوسطاء والخوف من العقوبات فلن تشتري شركات التكرير النفط الروسي إلا بخصومات كبيرة، مما يهدد موازنة موسكو.

وقالت مصادر مطلعة على الطلب إن "روسنفت" طلبت من "كورال" أن تحل محل "ترافيغورا"، خصوصاً أن هناك تعاملاً سابقاً بينهما، في وقت كان أيوب يفهم نظام التوريد الروسي.

وقال متحدث باسم "روسنفت" رداً على أسئلة الصحيفة إنه "نمن غير المناسب وغير المجدي التعليق على مجموعة متنوعة من الإشاعات والتكهنات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت المتحدثة باسم "كورال" إن "شركتها منذ اليوم الأول للحرب أوضحت موقفها وأفصحت عن نيتها الانسحاب من السوق الروسية"، مضيفة أن "الشركة لم ترغب في أن تعرض قدرتها على الاقتراض من البنوك الغربية للخطر، لذلك أوقفت التعامل مع الشركة الحكومية الروسية"، مشيرة إلى أنه "في مايو (أيار) 2024 ستنهي الشركة أعمالها النفطية الروسية بالكامل".

في يوليو(تموز) 2022 أعلنت "ترافيغورا" أن شركة "نورد أكسيس" أشترت حصتها البالغة 10 في المئة في مشروع روسيا للتنقيب عن النفط في القطب الشمالي المعروف بـ "فوستوك أويل".

وقال متحدث باسم "نورد أكسيس" إن شركته عملت مباشرة مع "ترافيغورا" في مشروع "فوستوك أويل"، نافياً علاقة الشركة بأيوب أو غاراييف.

وعن ذلك قالت المتحدثة باسم "كورال" إن غاراييف ليس له أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالصفقة، وليست له علاقة بـ "نورد أكسيس" أو أي من الكيانات الأخرى التي تتاجر بالنفط الروسي، مضيفة أن أيوب لم يعد مشاركاً في أعمال الشركة ولذلك لم تتمكن من التعليق على أنشطته، مشيرة إلى أن غاراييف لم يشارك في إدارة "كورال" منذ أكثر من عام.

الصين والهند وتركيا اشترت معظم النفط الروسي

وبحلول صيف عام 2022 تدفقت عائدات النفط الجديدة على روسيا من المشترين الآسيويين الجدد ممن لم ينحازوا إلى أي طرف من أطراف الحرب، إذ اشترت المصافي الصينية والهندية والتركية معظم البراميل، لكن خطراً جديداً لاح في الأفق حين نسقت أميركا مع بقية دول "مجموعة السبع" لفرض عقوبات في محاولة لوضع سقف لأسعار النفط الروسي، وكانت الفكرة هي الحفاظ على تدفق النفط الروسي إلى الأسواق العالمية لإبقاء أسعار الطاقة منخفضة، مع تقليص حجم ما يمكن أن تكسبه موسكو.

وقالت شركتا "كورال إنيرغي" و "غارايف" إنهما يدينان بصورة لا لبس فيها غزو أوكرانيا ويدعمان ويلتزمان بصورة كاملة بجميع العقوبات المعمول بها".

ومن شأن العقوبات المخطط لها أن تسمح لروسيا بمواصلة استخدام ناقلات النفط وشركات التأمين الغربية، ولكن فقط إذا باعت النفط بسعر أو أقل من 60 دولاراً للبرميل، أي أقل بكثير من الأسعار القياسية.

ولكي تتمكن روسيا من بيع النفط الخام بأسعار أعلى من 60 دولاراً للبرميل فستحتاج إلى بناء أسطولها الخاص، لذلك استحوذت الشركات التي تديرها أيوب على الناقلات، وفي المقابل قال أصحاب السفن الأوروبيون والآسيويون إن تلك الشركات عرضت عليهم أسعاراً سخية في مقابل ناقلات عمرها 25 عاماً متجهة للخردة.

وباستخدام عمليات الشراء والتأجير قامت الشركات التي يديرها أيوب بتجميع أكثر من 80 سفينة، وهو أحد أكبر الأساطيل في العالم، بحسب ما قال بعض الأشخاص المطلعين على الصفقات.

وقال سماسرة إن أكثر من مليار دولار أنفقت لتجميع الأسطول الروسي أو ما يطلق عليه "أسطول الظل"، ليضم مئات الناقلات ذات الملكية غير الواضحة التي تنقل النفط من المنتجين الخاضعين للعقوبات، وغالباً ما تسافر من دون تتبع أجهزة الإرسال والاستقبال.

ودخل السقف السعري الذي فرضه الغرب على الخام الروسي حيز التنفيذ في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2022، بينما كانت الشركات التي قيل إنها يديرها أيوب مشغولة بمحاولة التهرب من هذا الإجراء.

وفي أواخر عام 2022 سلك الأشخاص الذين ينفذون الصفقات لتلك الشركات في موسكو طرقاً لإخفاء مبيعات النفط فوق السقف السعري، بحسب ما قال شخص كان يعمل لدى "كورال" في ذلك الوقت، وشخص آخر مطلع على الأمر.

وأظهرت سجلات الشركة أنهم عملوا من مكتب مسجل لشركة كان مديرها أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في "كورال" وقتها.

وقال هؤلاء الأشخاص إن المديرين طلبوا من الأشخاص الذين يعملون في هذا المكتب إزالة اسم "كورال" من "لينكدن"، وعندما استخدم الأشخاص في المكتب حسابات البريد الإلكتروني الخاصة بهم في "كورال" لم يكن من المفترض أن يذكروا شركة "روسنفت"، وقال الشخص الذي عمل لدى "كورال" إن عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بشركة "بيلاتريكس إنيرغي" و"نورد إكسيس" المستخدمة للتواصل مع "روسنفت" لم تتضمن أسماءهم الكاملة.

وفي المقابل نفى المتحدث باسم "كورال" ذلك قائلاً  إنه "لا أساس له وغير صحيح"، مضيفاً  أن شركة "كورال إنيغري" تعمل في تجارة النفط الروسي بعد تطبيق الحد الأقصى للسعر، مشيراً إلى أن الشركة المسجلة في مكتب موسكو قدمت خدمات إلى "كورال"، وإن "كورال" دمرت تلك الشركة عندما غادرت روسيا وطلبت من موظفيها المقيمين في موسكو تحديث ملفاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي لتعكس هذا الانسحاب.

وقالت المتحدثة إن غاراييف باع 60 في المئة من أسهم "كورال" التي يملكها لمديري الشركة مطلع عام 2023، ولم يلعب أي دور في إدارة الشركة منذ ذلك الحين.

شبكة التجارة الموقتة

وفي علامة أخرى على أن شبكة التجارة الموقتة كانت تعمل، فقد تجاوزت مبيعات النفط الروسية حاجز الـ 180 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية، وهو ما يمثل انخفاضاً من أكثر من 230 مليار دولار عام 2022 عندما أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط، لكنه أقل بمقدار 5 مليارات دولار فقط من إيرادات عام 2021، في حين ارتفعت قبل الحرب أسعار النفط الروسي مقارنة بالمعيار العالمي للخام.

وقال المحامي التركي الذي كان مديراً لشركة "نورد أكسيس" في ذلك الوقت مراد ساين إن "عقود ’نورد أكسيس‘ في روسيا انتهت في يوليو الماضي"، مستدركاً "لكن النفط استمر في التدفق عبر شركات مختلفة".

وقال أشخاص مطلعون على صادرات الشركة الروسية إن أيوب برز كوسيط رئيس لـ "روسنفت" عبر شركات مثل "فوليتون" و "بونتوس تريدينغ" و "غورون تريدينغ"، بينما قال متحدث باسم "بونتوس" إن " شركته ليست لها أية علاقة بأيوب"، وفي ديسمبر 2023 فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركتين هما "بيلاتريكس" و "فوليتون".

المزيد من البترول والغاز