Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب السودان تدمر حياة آلاف المدنيين بسبب الإعاقة الدائمة

غياب الخدمة الطبية وصعوبة الحصول على الدواء وسط العجز عن العمل وانعدام مصادر الدخل أبرز الأزمات

الخدمة الطبية إحدى المآسي الناتجة عن الحرب السودانية   (أ ف ب)

ملخص

يواجه السودانيون الذين يتعثرون في دفع الرسوم الموت في المستشفيات التي لا تزال تناهض في تقديم الخدمة بالبلاد

أدت الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ اندلاعها في منتصف أبريل (نيسان) 2023 إلى إصابة أكثر من 26 ألف شخص من المدنيين، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، لا سيما أنهم يواجهون مصيراً قاسياً وظروفاً معيشية مضاعفة بسبب إصاباتهم البالغة، التي وصلت إلى حد الإعاقة الدائمة وبتر الأعضاء الجسدية، مما جعلهم غير قادرين على العمل والتكسب المادي الذي يعينهم على الاستمرار في الحياة.

مصابو حرب السودان الذين كتبت لهم النجاة من الموت بالرصاص الطائش والقذائف المتفجرة والدانات التي تسقط بعشوائية، كانوا على موعد مع فصول جديدة من مآسي الحياة، إذ تبدأ بصعوبة الحصول على الرعاية الطبية اللازمة نظراً لخروج المستشفيات عن الخدمة بسبب الدمار الذي طاول القطاع الصحي وتحويلها ثكنات عسكرية نتيجة الصراع المسلح المحتدم بين طرفي الصراع في مدن العاصمة الثلاث بجانب ولايات الجزيرة وكردفان ودارفور، إضافة إلى صعوبة الحصول على الأدوية، وحتى إن وجدت فإن فاتورتها الاستشفائية ذات كلفة عالية، بعد توقف خدمة الدواء المدعوم.

فيما يواجه الذين يتعثرون في دفع الرسوم الموت في المستشفيات التي لا تزال تناهض في تقديم الخدمة، وهى مستشفى بشائر والتركي جنوب الخرطوم والبان جديد في شرق النيل، الى جانب مستشفى النو في أم درمان ، بينما فشلها في كثير من الأحيان تضميد جروح المصابين نتيجة لعدم وفرة المعينات والكوادر الطبية، إلى جانب ألم جراحهم النازفة يعيش مصابو حرب الخرطوم آثاراً نفسية واجتماعية ويحتاجون لعلاج نفسي من الصدمات الناتجة من الحروبات ورفضهم الإندماج في المجتمع.

واقع مأساوي

يقول المواطن السوداني أسعد حبيب، إنه "يعيش واقعاً مأسوياً بعد تعرض منزله للقصف إثر دانة وقعت بضاحية الفتيحاب في أم درمان غرب العاصمة الخرطوم، استهدف من خلالها الجيش ارتكازات للدعم السريع الذين يحتمون بمنازل المدنيين العالقين".

وأضاف حبيب، "قتل في هذا الانفجار أسرة من بيت واحد تتكون من 6 أفراد، إذ لم تكن هناك وسيلة لإسعافهم حتى زهقت أرواحهم، إلى جانب جرحى كانت إصاباتهم خطيرة تم نقلهم  بواسطة عربات "الكارو" التي يجرها الحمار إلى مستشفى النو في أقصى الأجزاء الشمالية لمدينة أم درمان، إذ يعد المستشفى الوحيد الذي يعمل على تقديم الخدمات على رغم ضعف الإمكانات الطبية، فضلاً عن إصابتي بنزيف حاد في ساق الرجل اليسرى، مما أدى إلى بترها بسبب الالتهاب وعدم الاستجابة للعلاج، لا سيما أنني مريض سكري أعاني عدم تناول جرعات الأنسولين لأشهر طويلة، بعد إغلاق الصيدليات، وبات من الصعوبة العثور على العقاقير، ومما زاد مضاعفة الإصابة نقص الرعاية اللازمة بهجرة الكفاءات بعد استهدافهم من عناصر الدعم السريع".

 

وتابع "هذه الإصابة التي وصلت إلى العلة المستديمة جعلت مني شخصاً معاقاً وعاجزاً عن التكسب المادي من خلال المهن الهامشية التي نمارسها بعد فقد الوظائف، وأن أكثر ما يؤلمني أسرتي التي أصبحت بلا عائل يلبي أساسات الحياة، في ظل الظروف المعيشية القاسية".

وتساءل، "من ينقذ حياة أصحاب الإعاقات في ظل غياب الدولة والجهات التي تكفل المعاقين جراء الحروبات، الذين تقطعت بهم السبل، ومن أين يتحصلون على المبالغ الطائلة التي يستوجب دفعها من أجل الحصول على العلاج الكافي؟".

كلفة باهظة

أما المواطن مصطفى إبراهيم في العقد الرابع يروي حكايته مع الإصابة بتوجس وقلق واعتبر حياته رهن الرعاية الإلهية، موضحاً أن شظايا مقذوفات متتالية سقطت في أحد الميادين بضاحية أمبدة في أم درمان استقرت في عنقه وباتت تهدد حياته، حيث استنزف معها مدخراته المالية، بعد ذهابه إلى مدينة بورتسودان شرق السودان لتبدأ رحلة معاناته في الحصول على العلاج باهظ الكلفة.

وأردف إبراهيم، معاينات الطبيب المعالج أكدت أن نسبة نجاح إجراء عملية جراحية لا تتعدى 50 في المئة لوجود عدد من الشظايا بين شرايين العنق، ونظراً للخطورة البالغة نصحني الطبيب التعايش مع هذا الوضع وترك الأمر للأقدار، فضلاً عن أن إصابتي منذ 5 أشهر، ولا تزال معاناتي مستمرة، مما جعلني أفكر في السفر لأي من دول الجوار لمزيد من الاطمئنان.

ولفت الى أنه من المفارقات عدم إحساسي بأي ألم ومضاعفات تؤثر في صحتي، مع مزاولة أنشطتي التجارية في الولايات الآمنة، لكن ينتابني رعب من هذه الحالة التي وصفها الاطباء بالنادرة. منوهاً إلى أن هذه الحادثة كان لها الأثر النفسي بعد مشاهدة الجثث وأشلاء المصابين التي تنأثرت في الحال، والدماء تسيل من الضحايا، فهذه المناظر ستظل عالقة في الذاكرة وإن طال الزمن.

وأشار إبراهيم إلى أن آلاف المصابين في هذه الحرب اللعينة يواجهون مآسيهم داخل السودان في صمت، فضلاً عن أن من يملك المال غادر البلاد بعد أن تفاقمت أوضاعه الصحية بسبب اكتظاظ المستشفيات القليلة التي لم يطاولها الدمار بالمرضى والمصابين الذين لا يجدون أسرّة للنوم، وأن معظمهم طريحو الأرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قصف عشوائي

وكان المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة في العاصمة الإدارية بورتسودان أكد في تقاريره تضاعف عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة بسبب الحرب الدائرة حالياً، حيث يستقبل بشكل مستمر آلاف المصابين الجدد، لا سيما أن أكثرهم من إقليم دارفور الذي يتعرض للقصف المدفعي المتبادل بصورة عشوائية بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، الذي يستهدف المناطق المأهولة بالسكان، الأمر الذي أدى إلى تزايد عدد القتلى والمصابين من المدنيين بخاصة في دارفور والخرطوم.

أثر نفسي

إلى جانب جراحهم النازفة يعيش مصابو الحرب آثاراً نفسية واجتماعية معقدة، لما تعرضوا له من أحداث صادمة، وفي هذا الصدد قالت المتخصصة النفسية والاجتماعية أسماء محمد جمعة إن "مصابي العمليات العسكرية في الخرطوم والمناطق التي تأثرت بالحرب يعيشون آثاراً نفسياً بالغة بسبب تعرضهم للصدمة التي يترتب عليها الخوف باجترار الذكريات المروعة والمناظر القاسية، فضلاً عن عدم القدرة على التعايش مع الآخرين".

وأضافت جمعة، الإصابات الدائمة تحدث مزيداً من الانتكاسات وتتفاقم إلى أن تصبح أمراضاً مزمنة، لا سيما مقارنتهم بالآخرين الذين يعيشون حياة طبيعية، لذلك فإنهم يحتاجون لبرنامج علاج نفسي منذ الشهر الأول للإصابة للحصول على نتيجة إيجابية.

وأشارت المتخصصة النفسية والاجتماعية إلى أن "هناك فرق عمل تضم متخصصين في الصحة النفسية، يقومون بعمل دراسة للمصابين من خلال أسرهم لمعرفة مدى تأثرهم بالإصابة، مما يسهل معالجتهم وإعادة دمجهم في المجتمع".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير