Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الفالنتاين" في مصر... أزمة الاقتصاد تفسد عيد المحبين

العزوف عن الشراء لارتفاع أسعار الهدايا 60 في المئة يكبد التجار خسارة نصف المبيعات

تبدأ الأسعار من 8 دولارات وبعض الشرائح المجتمعية تفضل شراء الذهب بأوزان خفيفة (رويترز)

ملخص

كان التعبير الأصدق توصيفاً ما ردده مشتر حين قال "إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك"

لم يبق من الحب في عيده إلا بعض ذكراه في شوارع وسط البلد بالقاهرة، فيما أزمة الاقتصاد ماثلة بتجليات نقص العرض وضعف الطلب وغلاء الأسعار لدى كل من البائع والمشتري، وبينما تلمع فاترينات الهدايا في ظهيرة الـ14 من فبراير (شباط) من فراغ أكبر في المعروض من ذي قبل، ومارة لا تجود أنفسهم إلا بنظرات ثقال، ثم يمضون إلى ما هو أكثر قيمة في زمن تبدل الأولويات، فإن التعبير الأصدق توصيفاً، ما ردده مشتر، حين قال، "إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك".

ارتفعت أسعار هدايا المحبين، التي تأتي في الغالب من خارج البلاد استيراداً من الصين، بنحو 60 في المئة في المتوسط على أساس سنوي، بحسب تجار، شكو ضعف الإقبال، في موسم الـ"فالنتاين داي" الذي كان يعرف قبل سنوات برواجه البيعي، وإن ظلت بعض مظاهره قائمة، من حيث تزين المحال بالهدايا والدببة وغلبة اللون الأحمر على منتجات الموسم.

وتراوح أسعار الهدايا التقليدية ما بين 250 جنيهاً مصرياً (8 دولارات) و1500 جنيه (48.47 دولار) للدببة بأحجامها المختلفة، وميداليات الفضة التي تبدأ من 400 جنيه (12.92 دولار)، وزجاجات العطر التي تراوح بين 300 (9.69 دولار) و700 جنيه (22.62 دولار)، إضافة إلى صناديق الهدايا التي تضم أكواباً وزجاجات ومجسمات فنية للعرض، تبدأ من 500 جنيه (16.16 دولار)، فيما تذهب شرائح مجتمعية أخرى لشراء أحرف ذهبية ومصوغات بأوزان خفيفة، بحسب ما يفيد تاجر الصاغة، محمود الشرقاوي.

يقول الشرقاوي، إن شركات الذهب تطرح عادة في هذا الموسم مصوغات وأشكالاً ذهبية ذات أوزان خفيفة ومن أعيرة ذات نقاء أقل، لولا أن الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب خلال الأشهر الأخيرة، أضعف من مبيعات هذا الموسم إلى حدود الندرة، لكن الأمر يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن مستوى اجتماعي إلى آخر، وإن كان الغالب ضعف الطلب.

الأزمة حاضرة

يحكي محمود السيد، أحد تجار منطقة وسط البلد، لـ"اندبندنت عربية" كيف كان زبائن هذا الموسم قبل سنوات، حين لم يقتصروا فقط على المحبين والمخطوبين، بل أيضاً المتزوجين وبعض الأصدقاء وحتى بعض "السناغل" (غير المرتبطين عاطفياً)، لكن الأزمة الاقتصادية نزعت عنه نفقاته، بخاصة في وقت تستعد الأسر في مصر لشهر رمضان المبارك، الذي يشهد إنفاقاً أعلى من حيث الولائم والعزائم.

أضاف الشاب الثلاثيني، أن غالب منتجاته المعروضة متبقية من موسم الكريسماس، وأن الإقبال هذا العام يواصل حال الضعف الذي استمر عليه منذ ثلاثة أعوام، مقدراً نسبة الإقبال بنحو 40 في المئة مقارنة بالعام الماضي الذي كان هو الآخر أقل من ذي قبل، مشيراً إلى أن بعض الزبائن يكتفون بالاستفسار عن السعر، قبل أن يديروا ظهورهم مغادرين المكان.

في المكان ذاته، يقلب ياسر عبدالعظيم، الموظف الشاب بإحدى شركات المستلزمات الصيدلانية، بين راحتيه عدداً من الهدايا، وينظر أيها أكبر حجماً وأقرُ عيناً، ويفاضل بين سعر وآخر، ثم ينصرف من دون أن يشتري، بعد أن ردد ساخراً، إنه مضطر للشراء هذا الموسم على الأرجح لخطيبته، وإلا فالمناسبة لن تمضي من دون تكدير، على ألا يفعل في العام المقبل حين يتزوجا.

أولويات تتبدل

وتبدلت أولويات إنفاق المصريين في السنوات الأخيرة، بحسب دراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أشارت إلى أن الإنفاق على الطعام والشراب تصدر قائمة الأولويات، في وقت تراجعت على سلم هذه القائمة بنود أخرى يرونها أقل أهمية، وتنتمي إلى السلع التي يصطلح على تسميتها بـ"الكمالية" أو الترفيهية.

ويشكو تاجر آخر يدعى إبراهيم الصعيدي، من ضعف الإقبال هذا العام. ويرى أن افتراش محال المنطقة بالمنتجات الرمضانية من مواد العطارة والزيوت والبقوليات يصرف أنظار المارة نحو أولويات أكثر جدوى وأهمية، علاوة على أن القرب الزماني بين المناسبتين، يضعف من فرص المبيعات في الموسم الحالي لصالح الموسم الرمضاني الذي يشتهر بمبيعات المواد الغذائية.

ويضيف الصعيدي، أن موسم عيد الأم الذي يوافق 21 مارس (آذار) من كل عام، يأتي هو الآخر متداخلاً هذا العام مع شهر رمضان الذي يحل في الـ11 من مارس المقبل، والذي يعقبه موسم آخر تنشط فيه مبيعات الملابس الجاهزة هو موسم العيد، معتبراً أن التداخل بين هذه المواسم يعطل من فرص بعضها البعض، فيما الغلاء يفرض كلمته الأخيرة، محدداً بوصلة إنفاق الأسر في البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتأثرت العملة في مصر، بأربعة تخفيضات للجنيه المصري، إذ حررت البلاد سعر الصرف أول مرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، فيما كان التعويم الثاني في مارس 2022، إذ خفض الجنيه من 15.77 جنيه للدولار إلى 19.7 جنيه للدولار بتراجع 25 في المئة، بينما كان التعويم الثالث في أكتوبر 2022 إذ خفض الجنيه من 19.7 جنيه للدولار إلى 24.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4 في المئة، في حين كان التعويم الرابع والأخير في يناير 2023 وتقرر خفض الجنيه من 24.7 جنيه للدولار إلى 32 جنيهاً للدولار بتراجع 30 في المئة، فيما يسجل السعر الرسمي للدولار حالياً 30.93 جنيه، بينما يتضاعف الرقم في السوق الموازية إلى مستوى 62 جنيهاً للدولار الواحد.

خسارة النصف

وتشير تقديرات شعبة الهدايا وألعاب الأطفال بالغرف التجارية المصرية، إلى خسارة نصف مبيعات الموسم، إذ يقدر رئيسها بركات صفا، هبوط المبيعات بنحو 50 في المئة، إثر ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وتراجع القوة الشرائية لدى عديد من الأسر، علاوة على ارتفاع كلفة شحن هذه المنتجات.

ويقول مسؤول الشعبة، إن نحو نصف المعروض من الهدايا في السوق محلية الصنع، وهي منتجات تأثرت أيضاً بارتفاع مدخلات الإنتاج على نحو كبير، لافتاً إلى أن البعض يكتفي بشراء منتجات ذات سعر أقل مثل الورد أو الدببة صغيرة الحجم، لمقاومة ارتفاع الأسعار والتغلب على ظاهرتها في الوقت الراهن.

وبلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي البلاد (197.6) نقطة لشهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مسجلاً بذلك تغيراً قدره 31.2 في المئة مقابل 35.2 في المئة لشهر ديسمبر (كانون الثاني) 2023، في حين بلغ معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية 1.7 في المئة لشهر يناير 2024 مقابل 1.2 في المئة لشهر ديسمبر 2023، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وبحسب بيانات الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر، فإن أعداد المصريين الذين يفضلون تقسيط أسعار السلع من شركات التمويل الاستهلاكي، كحل في مواجهة الغلاء المستشري الذي تشهده البلاد في زيادة، وقدرتهم بأكثر من 1.7 مليون مصري في النصف الأول من العام الماضي، في وقت يغطي التقرير نشاط التمويل الاستهلاكي لشركات الأنشطة المالية غير المصرفية ولا يغطي القروض الاستهلاكية لدى البنوك.