Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل استلهمت السينما العالمية أفكاراً من التراث الشرقي؟

يظهر الاقباس من الأعمال العالمية بوضوح في أفلام لا تعد ولا تحصى... فماذا عن العكس؟

يكمن الاقتباس الفني الناجح في الإضافة إلى قيمة العمل (اندبندنت عربية)

ملخص

 أحياناً يكون مجرد توارد أفكار حدث في زمنين متناقضين بين شخصيات مختلفة مثل الضابط ورجل الأعمال في فيلمي "أبو الليل" (1960) و "رانسوم" (1996).

التوثيق لأهم تطورات المجتمعات الإنسانية خلال مراحل زمنية ومناطق مختلفة من العالم، وتوضيح ما لحق ببنيتها العميقة من تغيرات سواء كانت سلبية أو إيجابية، هو من أهم أدوار السينما الواقعية.

في فيلم "أبو الليل" (1960) للمخرج حسام الدين مصطفى، رفض ضابط مصري ابتزاز مجرم له بعد أن خطف ابنه الوحيد وطالبه بدفع فدية، فالحقيقة أن المجرم لا يريد سوى إذلال وإخضاع الضابط وهزيمته نفسياً، لكن الضابط كون من خلال موقفه الغريب هذا متلازمة سينمائية مهمة هي متلازمة "الأب الشجاع"، إذ ظهرت المتلازمة ذاتها بعد نحو نصف قرن ضمن سياق مجتمع آخر هو المجتمع الأميركي الحديث، وتحديداً في فيلم "رانسوم" (1996) من بطولة ميل غيبسون.

الأب الشجاع

الأب الشجاع سينمائياً هو الذي يقلب معادلة الابتزاز، وهو الذي يؤدي دور أب رفض التعرض للابتزاز من الخاطفين وخاطر بحياة أبنائه، ولكن هذه المتلازمة ظلت غير مدركة سينمائياً حتى فيلم "رانسوم" لميل غيبسون الذي نفذ الدور على طريقة رجال الأعمال الغربيين حديثاً وليس على طريقة رجل الشرطة الشرقي البسيط قديماً، إذ رصد الرجل الأميركي فاحش الثراء مكافأة ضخمة لمن يقبض على الخاطف.

ويعد توارد الأفكار في الفيلمين، على رغم اختلاف الحقبة الزمنية والبيئة، جزءاً من فكرة التبادل الثقافي في السينما التي تؤخذ أشكال فنية عدة منها الاقتباس والترجمة والأخذ من النصوص الأخرى، والتي تصل إلى درجة المبالغة أحياناً فيما تظهر أحياناً أخرى على شكل تسلسل الأعمال واعتماد الأفلام على نجاح بعضها، وذلك على مستوى محلي داخلياً أو خارجياً بين أكثر من سينما واحدة.

"أبو الليل" و "رانسوم"

في عام 1960 قدمت السينما المصرية فيلماً اسمه "أبو الليل" وكان من بطولة أحمد رمزي وسامية جمال، فيما جسد الفنان محمود المليجي في العمل شخصية رئيسة غامضة، إذ تدور الشكوك طوال زمن العمل حول كونه السفاح والمجرم المتخفي "أبو الليل"، وهو الشخصية الشريرة المرعبة التي تسيطر على البلدة بكاملها من خلال الرعب.

وفي هذا الفيلم تصادف ظهور شخصية "الأب الشجاع" التي جسدها الممثل عدلي كاسب من خلال دوره كضابط شرطة رفض الابتزاز بعد أن خطف أبو الليل ولده الوحيد، وتمثلت شجاعة الضابط في كونه عكس الأدوار تماماً، وبدلاً من أن يدفع الفدية المطلوبة قدم مكافأة مالية لمن يقبض على المجرم الخاطف، في تصرف أثار جنون والدة الفتى المخطوف.

أحداث متطابقة

وإذا تتبعنا أحداث فيلم "رانسوم"(RANSOM)  الذي أنتج في هوليوود عام 1996 من إخراج رون هاورد، أي بعدما يزيد على نصف قرن من الزمن، والذي مثل فيه الفنان ميل غيبسون دور الأب الشجاع ذاته، فإننا سنجد تطابقاً لافتاً للنظر بين الدورين.

ويقع التشابه في كون الأب الشجاع في المجتمع الغربي الحديث طبق النظرية ذاتها التي اتبعها إنسان قروي مصري بسيط في البيئة الشرقية، مع وجود اختلافات لها دلالات أخرى من حيث مهنة شخصية الأب الشجاع بين الدورين، فالأول ضابط متواضع الحال والثاني رجل أعمال فاحش الثراء، و"كاسب" رفض افتداء شاب يافع قادر على الدفاع عن نفسه، فيما غيبسون ذهب أبعد من ذلك كعادته فرفض افتداء طفل عاجز مهدد بالقتل.

متلازمة مشابهة

"الوحش الطيب" متلازمة سينمائية ظهرت حديثاً وخصوصاً في أعمال ميل غيبسون وفريد شوقي، وهذه المتلازمة كان لها دور حقيقي في تغذية شخصية الرجل الشرير الذي يحمل دوماً جانباً طيباً غير ملحوظ على رغم مظهره الخارجي العنيف والمخيف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ بدايات السينما وتحديداً في زمن "الأبيض والأسود" كانت الشخصيتان منفصلتان تماماً أمام عدسة الكاميرا، وتميز المليجي وفق نقاد كثر بكونه يؤدي دور الشرير غير المحض أو الشرير الذي يؤدي دور الشر ولكنه يحمل نظرية جمالية مختلفة، أي أنه قدم شخصية الشرير ذاتها ولكن ضمن مخيلة واسعة تذهب للواقعية أكثر من المجاز السينمائي الحاد بطبيعته، إذ يؤدي الشرير هنا دور الوحش الطيب بهدف زيادة الحب والخير والإخلاص في المجتمع، لذلك برع المليجي في تقديم هذه الشخصيات المركبة التي تتمثل الخير وتؤدي الشر والعكس بالعكس، إذ عرف عنه أنه قدم خلال ما يزيد على 500 عمل فني أدوار الخير ببراعة تصل إلى درجة براعته في تأدية أدوار الشر، بل إنه قدم أدواراً فكاهية ليكون بذلك من المؤسسين الحقيقين لشخصيات من هذا النوع الهجين الذي لم يكن معروفاً في زمن الأبيض والأسود.

من أجل المجتمع

ظهرت متلازمة "الأب الشجاع" كجزء من الشخصية الإنسانية التي تثور في سبيل قيم المجتمع ومثله وأخلاقه النبيلة العليا والسامية، ولذلك ظهرت الشخصية ذاتها في العملين المذكورين من خلال ثوبين مختلفين هما السينما العربية والغربية، فشخصية الأب الشجاع الذي يقدم على المغامرة الخطرة ويعرض حياة أبنائه للخطر في سبيل تحقيق العدالة والنيل من المجرمين ما هي ضمن هذه الرؤية إلا شخصية إنسانية تظهر في أي مجتمع ضمن السياق الأخلاقي والاجتماعي ذاته، إذا توافرت لها الشروط والمتطلبات ذاتها.

ومن المعلوم أن "أبو الليل" واحد من الأفلام التي تدخل المليجي بها منتجاً إلى جانب دوره كممثل، كما يشار إلى أن الفيلم حمل إسقاطات معينة أخرى تستحق البحث ومنها أن الشخصية من الشخصيات القليلة في السينما العربية المصرية التي قدمت المجرم بوصفه قاتلاً غير عادي، إذ يتجول دائماً بصحبة كلب شرس يساعده في كسر شوكة أعدائه وإرهاب الناس العاديين والبسطاء.

دافع "الأب الشجاع" قديماً عن قيم المجتمع الشرقي من خلال عباءة الضابط أو رجل الأمن، فيما دافع غيبسون عن المجتمع الغربي انطلاقاً من كونه رجلاً ثرياً، ولعل الفارق الكبير بين الصفتين واضح للعيان، إذ يبدو الطرح فنياً في فيلم "أبو الليل" منطقياً أكثر نظراً لكون شخصية رجل الأعمال الغربي قدمت دائماً بصورة غير أخلاقية.

كثرة الاقتباسات

وقد بالغت السينما المصرية وفق كتاب "السرقات والاقتباس في السينما" للناقد محمود قاسم بكثرة الأخذ من السينما العالمية، ويشير قاسم في كتابه المذكور الذي تناولته وسائل إعلام عربية إلى كثير من مظاهر ذلك الأخذ الذي ظهر في أشكال أخرى ومنها استنساخ الشخصيات الشهيرة وفقاً للتشابه الجسدي والنفسي، فالشحات مبروك نسخة من سلفستر ستالون، وأنور وجدي نسخة من تايرون باور، وبدر لاما نسخة من فالنتينو، وهناك نقاد آخرون شبهوا المليجي بأنطون كوين.

ويظهر الاقباس من السينما العالمية بوضوح في أفلام لا تعد ولا تحصى ومنها ما أشار للمصدر ومنها ما تجنب ذلك، ومن القائمة الأولى أفلام عدة منها "فيفا زلاطة" المقتبس من حقبة الكاوبوي و"العميل 77" و "رضا بوند" و"الجاسوس"، والأفلام الثلاثة الأخيرة تقليد واضح وصريح لحال جيمس بوند، كما أن هناك نوعاً آخر من هذا الاقتباس حدث من خلال إعادة إنتاج أفلام بعينها أو إنتاج أفلام تكمل بعضها، وظهر ذلك غربياً وعربياً نتيجة لنقص النصوص أو رغبة المنتجين في ضمان ربحية الفيلم، ومن هذه الأعمال التي أكملت بعضها عربياً فيلم "سمارة" تلاه "عفريت سمارة" و"رجب على صفيح ساخن" ومن ثم "الانتقام لرجب" و"بخيت وعديلة 2" وتلاه الفيلم المشتق منه "هاللو أمريكا" وغيرها كثير من الأفلام.

وأخيراً يكمن الاقتباس الفني الناجح في الإضافة إلى قيمة العمل، وفي هذا الإطار جاء فيلم "حبيبي نائما" (2008) للمخرج أحمد البدري كنسخة مصغرة أو مجتزأة (باهتة) من عمل هوليوودي اسمه "شالو هال" من بطولة جاك بلاك.

وبعيداً من الخوض في تفاصيل نجاح العمل العربي وفشله فإن أهمية العمل العربي المترجم تصدر دائماً من الحاجة إلى نقل بعض الأفكار العميقة عن الجمال والأخلاق بدلاً من تداولها أكثر من مرة بصورة سطحية.

المزيد من سينما