Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

10 غرف في بينالي البندقية تولد فيها السينما مجدداً

"أطيافنا أطيافكم" معرض شامل يقام على هامش مهرجان الفنون ويخلق تفاعلاً متجدداً مع جمهور الأفلام

من معرض "أطيافنا أطيافكم" في بينالي البندقية (اندبندنت عربية)

ملخص

على هامش بينالي البندقية للفنون التشكيلية الذي افتتح أخيراً، يقام بينالي آخر ولكن سينمائي، يضم عشر صالات تعرض فيها نماذج من أفلام تدور حول موضوعات متعددة، وتعالج قضايا تابعها الجمهور العالمي والعربي في المهرجانات وفي الصالات.

لا شيء يموت، كل شيء يتحول. تنسحب هذه المقولة على السينما التي بدأت تتيح أكثر فأكثر، أنماط مشاهدة مختلفة تصنع تفاعلاً متجدداً مع المتلقي، وذلك في ضوء التحولات الاجتماعية والوعي السياسي والابتكارات التكنولوجية التي تسهّل انتشار تفاصيل من الحياة المتأزمة لشعوب تعيش في هذا العالم. هذا هو باختصار ما نلمسه خلال زيارتنا لمعرض "أطيافنا أطيافكم" الذي يقام حالياً في قصر "كافالي فرانكيتي" في مدينة البندقية، والمقام على هامش بينالي البندقية للفنون، الحدث الثقافي والفني الذي يحوّل المدينة الإيطالية الساحرة إلى فضاء مفتوح للفنون المعاصرة بتعبيراتها المختلفة. انطلق المعرض في 19 الجاري ويستمر إلى 24 من  (نوفمبر) تشرين الثاني من هذا العام، على أن تكون له جولات في مدن مختلفة كي لا يبقى وقفاً على زوار فينيسيا، رغم كثرتهم على مدار العام. 

من خلال الانغماس التام داخل عتمة الغرف المتعددة حيث يتجوّل الزائر ملقياً نظرة على مقاطع الأفلام، يجد نفسه داخل تجربة بصرية سمعية تعيد صوغ معنى التفاعل مع العمل السينمائي، بعيداً من جدران الصالة التقليدية التي ارتبط بها منذ اختراعها في نهاية القرن التاسع عشر. تداخل الفنون بعضها ببعض والمزج في ما بينها وصولاً إلى خلق حوار، أساس هذا المعرض الذي يحدث قطيعة مع الهرمية في مجال الفن، فلا يبقى نوع يعلو آخر. نرى الوثائقي في جوار الروائي، والفيلم القصير في مقام الطويل، رغم أن المباردة نفسها لا تسعى إلى القول إن كل الأفلام على الدرجة نفسها من القيمة والهدف.

من خلال مجموعة من الأفلام التي اختيرت بعناية، استطاع المخرج الفرنسي ماتيو أورليان (المسؤول عن المعارض الموقتة في المكتبة السينمائية الفرنسية) خلق حوار يتخطى مجرد التواجد في مساحة مشتركة. عبر تفكيك خطاب هذه الأفلام والنظر في خلفياتها الثقافية، استطاع أورليان استخراج تيمات مشتركة بين هذه الأفلام، من مثل الإنسلاخ عن الأرض والحروب والصراعات المسلّحة التي جعلت شعوباً تنتقل من بقعة إلى أخرى بحثاً عن ملجأ لها حيث يسود شيء من الأمن والطمأنينة. 

المتخيل والواقعي

عبر مقاطع هذه الأفلام، يتوغّل المعرض في الزمان والمكان العربيين والأفريقيين، فيحدث لقاء بين الماضي والحاضر والمستقبل. أما الحكايات التي تقف عندها الأفلام فتتراوح بين المتخيل والواقعي. هذه المقاطع من شأنها أن تخدم خطاباً سياسياً معيناً. نرى فيها نضال الشعوب من أجل استعادة حريتها أو كيفية تعاملها مع الموروث الاستعماري، وغيرهما من الشؤون التي يلفت المعرض انتباهنا اليها، من خلال خلق نقاش ضمني. أما الأشباح الذي يذكرها العنوان، فتتجسّد على شكل ماض يعود ليثقل على الحاضر، ولكن قد تكون أيضاً إحدى تمظهرات المستقبل المجهول. 

تتوزّع مساحة المعرض على عشر غرف، في كل واحدة منها محور يتضمّن مقاطع من عدة أفلام، وذلك في محاولة لربط النظري بالتطبيقي، مع التذكير أن هذه الأفلام تُعرض بنسخها الكاملة تباعاً في المكان نفسه حتى الرابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني). الغرفة الأولى تحمل عنوان "صحارى". ثمانية أفلام أُنتجت في السنوات العشر الأخيرة تأتي بنماذج ملموسة، من بينها "تمبوكتو" لعبد الرحمن سيساكو الذي يروي قصّة متطرفين يسيطرون على مدينة معروفة باحتضانها لمختلف الثقافات. عن هذه الزواية من المعرض، يقول الكتيب الخاص بها: "أي نوع من الوهم تجسّده الصحراء؟ هذه المساحات الشاسعة من الرمال بقعٌ يبدو فيها الزمن وكأنه توقّف. المفارقة أن الجفاف قد مكّن من الحفاظ على بعض الآثار البشرية القديمة في هذه المناطق، ممّا يضفي عليها شحنة تاريخية بارزة. في الواقع، لا يوجد شيء أقل فتكاً من الصحراء، لأن كل شيء يعيش فيها أطول من أي مكان آخر. هي فضاء ميتافيزيقي صنعه المخرجون السينمائيون المعاصرون، لكونها تسمح بمواجهة حقيقية مع الذات". 

أفلام أخرى مثل "بانل وأداما" للسنغالية راماتا تولاي سي و"أبو ليلى" للجزائري أمين سيدي بومدين (كلاهما عُرضا في مهرجان "كان" السينمائي) تتمحور على تيمة الصحراء التي، بحسب أورليان، شديدة الحضور والأهمية في السينمايين العربية والأفريقية ، لكون جذورها تضرب في الأدب والدين. وهذه مناسبة أيضاً لنرى كيف أن هذه الصحراء احتضنت في عصرنا الحالي نضال المرأة ("بانل وأداما")، أو تحولّت مسرحاً للاحتجاج ضد الديكتاتورية  ("السد" لعلي شري). صحيح ان للصحراء صلة بالروحانيات، ولكنها تحضر هنا بعيداً من الرومانسيات التاريخية المرتبطة بها.

الغرفة رقم 2 تأتي بعنوان "أطلال" وفيها نموذجان سينمائيان، أحدهما هو "العرابة المدفونة 3" للمصري وائل شوقي، في حين تفتح الغرفة الثالثة ذراعيها للنيران ووظائفها المتعددة ورمزياتها المختلفة.

كانت النار ولا تزال موضوعاً متشعباً ودلالياً في السينما، وقد كتبنا عنها سابقاً في "إندبندنت عربية"، وتأتي هنا في 12 فيلماً نرى فيها ألسنة لهب من موقد يتحلّق حوله الناس لإشعال شرارة الثورة، نيران عالم محكوم عليه بالدمار الشامل، أو العقاب الطبيعي كما في فيلم "مونيزم".

الرعب والإعجاب

 يقول ماتيو أورليان الذي أخذنا في جولة داخل المعرض: "هذه ألسنة لهب من عالم في طور التحرر. انها أعراض لمجتمعات على حافة الاختناق. وهي تثير الرعب والإعجاب في آنٍ واحد، فالنار في حركة دائمة، ولا ينسى السينمائيون إنها سينمائية في جوهرها. المقاومة بلا عنف مستحيلة، والمخرجون يعلمون أن هذه النيران الداخلية التي يعتزون بها، من شروط التزامهم. بعض هذه الأفلام "الحارقة" لا تتردد في سرد قصص مبنية على وقائع حقيقية، وبالتالي إدخال التاريخ في لعبة التخييل، كحادثة التونسي محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده مطلقاً شرارة الربيع العربي". 

"الحدود" عنوان الغرفة الرابعة التي تتمثّل في خمسة أفلام، أحدها "باب سبتة" للمغربية رندة معروفي، الذي يعرض سلسلة من المواقف والظروف التي أُعيد تجسيدها بناءً على مشاهدات التُقِطت على حدود سبتة، الجيب الإسباني على الأراضي المغربية. يركز الفيلم على التوترات السياسية والاقتصادية التي نشأت في تلك المنطقة التي أصبحت بوابة بين أفريقيا وأوروبا. تستخدم المخرجة نمط المسرح المرسوم على الأرض لإعداد هذه المواقف المسرحية. عملياً، يصعب فصل تيمة الحدود عن كل ما سبق من حروب ونزاعات ومآسي واحتلال ضرب المنطقة العربية. يسأل المعرض: ماذا يحدث عندما يُجبر مواطنو هذه الدول على الهروب والاختباء داخل عوالم يشيدونها بأنفسهم؟ وهذا ما نراه مثلاً في فيلم "كذب أبيض" للمغربية أسماء المدير وفيه تحكي عن فصل من تاريخ بلادها من خلال مجسّمات ودمى. هذا النمط من الاشتغال السينمائي الهادف إلى اختزال الواقع المأزوم داخل بقعة مصغرة هو ما نكتشفه أيضاً في "اصطياد الأشباح" للفلسطيني رائد أنضوني الذي يعيد بناء سجن ليروي من خلاله معاناة المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، طارحاً فكرة الحدود بين الحرية من عدمها. هذه الغرفة الرابعة تمدّنا بالإحساس بأننا نقتحم الأماكن المحظورة. السينمائيون لا يكتفون بما هو مسموح وممنوع، بل يجسّدون الصورة المحذوفة على طريقتهم.

مسألة الحدود هذه، لا بد ان يواكبها "المنفى"، والمفردة الأخيرة تتصدّر الغرفة الخامسة من خلال ستّة أفلام بعضها يصوّر العالم الواسع كما لو كان منفى أبدياً. أحد الأفلام التي تجسّد جيداً هذه الفكرة هي "إن شئتَ كما في السماء" لإيليا سليمان. الغرفة السادسة معنونة ب "خلاص" وهي تتمحور على المرأة، ولا تتوانى عن طرح سؤال جوهري: ماذا تعرف النساء اللواتي كرمتهن السينما المستقلة عن مآسي النساء اللواتي يتفرجن عليهن؟ لا يأتي السؤال من فراغ، إذ يتم تقديم النساء في هذه الأفلام كنماذج نسائية تبحث عن الحرية والاستقلالية، في حين كل ما تسعى اليه هو حياة عادية. هذه الغرفة تتضمن أكبر عدد من مقاطع الأفلام، من بينها "موستانغ" للتركية دنيز أيرغوفن الذي يتحدّث عن مجموعة من الشابات اللواتي يُرغمن على الزواج في أحدى مناطق تركيا المحافظة.

في الغرفة السابعة التي تحمل عنوان "المستقبلية"، نجد فيلمين للأميركية القطرية صوفيا الماريا: "بلاك فرايداي" عن مراكز التسوق وما تجسّده من معقل للرأسمالية، و"المستقبل كان الصحراء 2" وفيه تناقش التشابك بين الاعتماد على الوقود الأحفوري والثروة والدمار البيئي. أفلام الماريا تركّز على عزلة الأفراد نتيجة إدمان التكنولوجيا والنزعة الاستهلاكية. تستكشف فكرة أان منطقة الخليج في بعض جوانبها تعيش داخل المستقبل الذي يتخيله الغرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الغرفة الثامنة بعنوان "فانتازما" تعيدنا إلى حضن السينما، فالأفلام المستعانة بها هي عن السينما، مثل "سلم إلى دمشق" لمحمد ملص يقول فيه المخرج السوري حبّه للشاشة. هذه الغرفة تشهد عودة للأشباح، من خلال سؤال يطرحه المعرض: أليست السينما هي الوسيلة الأكثر دقةً للأشباح؟ أشباح الليل بغرابتها المقلقة، أو أشباح ماضٍ لا يمكن الوصول إليه أو أشباح المستقبل الغامض أو اللاوعي المعذب؟ من دون أن ننسى الأشباح غير المادية للسينما نفسها، تلك الأشباح الموجودة فقط على فيلم 35 ملم. 

الغرفة التاسعة تتولّى تعريفنا على الكون، من خلال ثلاثة أفلام أحدها "النادي اللبناني للصواريخ" لجوانا حاجي توما وخليل جريج الذي يتحدّث عن تجارب إطلاق صواريخ في إحدى الجامعات اللبنانية خلال الستينيات انتهت بالفشل، ولكن كانت تمثّل يوماً الأمل المفقود. هذا الجزء من المعرض، وهو الأكثر ضعفاً، ينطلق من سؤال: ماذا لو كان استكشاف العالم يتضمن أيضاً المغامرة في آخر حدوده؟

في الختام، وبعد الكثير من المآسي، كان لا بد أن تتركنا الغرفة العاشرة والأخيرة على لحظة من الأمل، فكانت غرفة تحمل عنوان الرقص، حيث يعرض فيديو للمصري الأميركي حسن خان الذي يواجه في أعماله ظروف الحياة المشتركة بتجارب حميمة وسرية. يلجأ خان إلى مجموعة متنوعة من الوسائط، بما في ذلك الفيديو والتصوير الفوتوغرافي والفن الأدائي والتركيب، طارحاً أسئلة جوهرية تساعدنا على إعادة صوغ تجاربنا مع هياكل السلطة المتغيرة.

المعرض من إنتاج متاحف قطر تشارك في تنظيمه مؤسسة الدوحة للأفلام مع جهات أخرى، وفي سجل هذه المؤسسة بضع مئات من الأفلام العربية وغير العربية، التي إما دعمتها بالكامل أو شاركت في دعمها طوال السنوات الأخيرة، وذلك بالتعاون مع مؤسسات عربية أخرى كمهرجان البحر الأحمر أو الصندوق العربي للثقافة والفنون.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما