Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشروع "ديوان الشعر المصري" هل يهدد بتشرذم التراث العربي؟

صدرت منه 4 كتب بإشراف أحمد الشهاوي والطموح الوصول إلى مئة والخوف من نزعة شوفينية

لوحة بعنوان "هارون الرشيد في خيمته مع رجال الحكمة والأدب"، بريشة غاسبار لاندي (غيتي)

ملخص

صدرت منه 4 كتب بإشراف أحمد الشهاوي والطموح الوصول إلى مئة والخوف من نزعة شوفينية

أطلقت الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة جديدة، تحت عنوان "ديوان الشعر المصري"، وأُسنِدت إلى الشاعر أحمد الشهاوي مهمة الإشراف عليها. وتستهدف السلسلة نشر مختارات من دواوين شعراء مصريين عاشوا في الحقبة الممتدة من بعد انقضاء قرون قليلة على اعتماد العربية لغة رسمية لمصر، وحتى منتصف القرن الميلادي التاسع عشر، أي خلال نحو ألف سنة. وعُرِفت مصر خلال تلك الحقبة بوصفها إحدى ولايات دولة الخلافة، من العصر العباسي إلى العصر العثماني. وصدر من هذه السلسلة حتى الآن أربعة كتب، اختار الشهاوي القصائد التي تضمها وقدَّم لها، بعدما حقّقها، وهي على التوالي: "يا شقيق الروح من جسدي" لابن سناء المُلك (550 – 608 ﻫـ)، و"أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا" لابن النبيه (559 – 619 هـ)، و"قامت قيامة قلبي" لابن نُبَاتة المِصْري (676- 768 هـ)، و"يا مَن لعبتْ به شَمُولُ" للبهاء زهير (581 - 656 هـ). لكن السؤال المطروح هنا: ماذا لو عمدت كل دولة عربية إلى اختيار شعراء من التراث العربي ونسبتهم إليها؟ ألا يصاب التراث الشعري العربي بالتشرذم ويفقد مناخه الفريد فتبرز ظاهرة يمكن وصفها بالشوفينية الشعرية والثقافية؟   

قدم رئيس الهيئة أحمد بهي الدين للمشروع بكلمة جاء فيها أنه لما كان الشعر للعربية ديوانها، كان لمصر ولا يزال نصيبٌ من الإبداع في بنائه، والارتقاء بأغراضه، واستمراريته طوال قرون منذ اتصلت باللغة العربية، لساناً وثقافةً وعلماً، فقدمت للعربية شعراء كباراً، أسهموا بإبداعهم في هذا البناء الشامخ، لقي هذا النصيب عناية ورواجاً، وبقي الآخر كامناً في كتب التراث،  والمخطوطات، وظلَّ في بطون أمهات الكتب إبداعٌ فريد؛ آن لنا أن نميط اللثام عنه، وأن نغطِّي جوانبه؛ لنكشف عن إسهام مصر في الشعر الذي يعود بنا إلى أبعد. يبدأ هذا المشروع عند البداية الأولى، عندما باتت العربية لسان أهل مصر، فأبدعت في الشعر، وتغنى بها شعراء عرب كبار عندما زاروها أو مكثوا بها".

وأضاف بهي الدين: "لدينا ذخيرة شعرية ضمَّت صنوف الإبداع الشعري، ولعل هذا التنوع يكشف عن رصيد مصر الشعري حتى منتصف القرن التاسع عشر، ونرجو أن تعرف أجيال قادمة إبداع الأجداد وليعرفوا نصيب مصر في بناء الشعر العربي السامق، وأن مصر أثرتْ الثقافة العربية إبداعًا شعرياً، كما أثرتْ الثقافة الإنسانية قديماً وحديثاً، على مستويات الفن والإبداع والعلوم". ويتولى الفنان عبد الرحمن الصوَّاف تصميم أغلفة كتب هذا المشروع.

نفض التجاهل

وحرص الشهاوي على تأكيد أن هذا المشروع "هو تجربة بالغة الأهمية"، وأنه "بعيدٌ تماماً عمَّا يمكن أن يتصوره البعض من أنه يعبر عن نزعة شوفينية". وأوضح أن الغرض الأساسي من المشروع هو تسليط الضوء على شعراء كاد يطويهم النسيان، وكاد ما تركوه من شعر يضيع إذا ما لم يُجمعْ في دواوين. وأضاف أنه كانت هناك محاولة من جانب طه حسين عندما أسَّس كرسياً لتدريس الأدب المصري، في العهد الإسلامي، في كلية الآداب جامعة القاهرة، واستمر لبضع سنوات، كان يجب أن تنتشر هذه النزعة في باقي الجامعات المصرية بعد ذلك، "ولكنني ألوم على من خلفوا عميد الأدب العربي من الأساتذة الكبار الذين درَّسوا الشعر الجاهلي والأندلسي وغيره ونسوا تدريس الشعر الذي أنتجته مصر خلال ألف عام، بدأت في منتصف القرن الثالث الهجري". وذكر في هذا السياق كتب كل من محمد كامل حسين (1901 – 1977) "الأدب العربي في مصر من الفتح الإسلامي إلى دخول الفاطميين"، وأمين الخولي (1895 - 1966) "في الأدب المصري"، وعبد اللطيف حمزة (1907 - 1971) "الأدب المصري من قيام الدولة الأيوبية إلى مجيء الحملة الفرنسية".

وأوضح الشهاوي أن هذا العمل، لا يساير ما سبق أن دعا إليه سلامة موسى (1887 – 1958) ومحمد حسين هيكل (1888 - 1956) من ضرورة النزوع نحو "أدب مصريٍّ خاص". وأضاف: "ندعو إلى نفض تراب النسيانِ أو التناسي أو التجاهل لمنجز مهم في تاريخ الشعر المِصري، المكتوب باللغة العربية". وأشار الشهاوي في هذا السياق إلى قول طه حسين (1889 - 1973) في كتابه "في الأدب الجاهلي" الذي صدر سنة 1927 إن "الكاتبَ أو الشاعرَ هو أثرٌ من آثارِ الجنس والبيئة والزَمان، فينبغي أن يلتمس من هذه المؤثرات، وينبغي أن يكونَ الغرض الصحيح من درْس الأدبِ والبحث في تاريخه، إنما هو تحقيق هذه المؤثرات التي أحدثت الكاتب أو الشاعر، وأرغمته على أن يصدر ما كتب أو نظم من الآثار".

بين التبعية والاستقلال

ولفت إلى أنه يطمح إلى أن تصل السلسة إلى 100 كتاب، مشدداً على أن هذا المشروع؛ "ليس في هذا تجنيًّا على عروبة مصر وإسلاميتها، فلا نكرانَ ولا هدرَ للإرث العربي ولا الإرث المصري القديم؛ لأنَّهُ من المُستحيل أن تكونَ هناك وحدةٌ أدبيةٌ بين بلدان العرب، إذ إن كل شاعرٍ هو ابن لمكانه وبيئته". وذكر أنه حاول اختيارَ نصوصٍ لشّعراء عاشوا في القرن الثالث الهجري في مصر وما بعده بقرونٍ أربعة، حيثُ محا العهد الأيوبي الكثير ممَّا كُتب في زمن الفاطميين، "ولولا أن بعضَ الكُتب قد خرجت من مِصر وقتها إلى أقطارٍ أخرى ما وصل إلينا منها شيء".

ولاحظ أنَ مصر ظلت ولايةً تابعةً لدولة الخلافة من العهد الأموي إلى العهد العثماني، لكن منذ منتصف القرن الثالث الهجري، حكمت دولٌ جديدة مصر حُكمًا مستقلا عن الخلافة، مثل الدولة الطولونية، فالأخشيدية ثم الفاطمية فالأيوبية، فالمماليك البحرية، وبعدهم المماليك البرجية، ثم ضاع ذلك الاستقلال مع الخضوع للحكم العثماني.

ويعد ابن سناء الملك من أكبر شُعراء مصر في العصر الأيوبي ومن أكثرهم إنتاجًا للمنظُوم والمنثور. ولابن سناء الملك ديوانٌ شعريٌّ، طُبِعَ بتحقيق محمد إبراهيم نصر، ومراجعة حسين نصار في القاهرة سنة 1969، ثم أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة طبعه سنة 2003. وله كتابٌ شهيرٌ هو "دار الطراز"، ونلحظ أنَّ كل من ذكر هذا الديوان يذكِّر بهذا البيت: "سواي يهابُ الموتُ أو يرهبُ الرَّدى / وغيري يهوى أن يعيشَ مُخلَّداً". وطُبع ديوانه بتحقيق جودت الركابي في بيروت سنة 1949، وأعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر طبعه سنة 2004.

وبحسب الشهاوي، لم يُعرَف ابن النبيه إلا بين خاصَّة الخاصَّة، على الرغم من أنه كان يعرفُ كيف يخاطبُ الرُّوحَ المصريةَ التي تتبدَّى في شعرِه بوضُوحٍ، كما أنَّ نصوصَهُ اتسمتْ بالرقَّة والعذوبة والسُّهولة. جُمِعَ شعره في ديوانٍ حمل اسمه عام 1839 على يد الوزير عبد الله باشا فكري. كان واحدًا من أهل الغزَل في العصر الأيوبيِّ، ممَّن أطلِقَ عليهم أصحاب "الطريقة الغرامية" وهي طريقةٌ مصريةٌ خالصةٌ، وألفاظ شعر ابن النبيه ليِّنة، وبحوره مجزأة أو قصيرة، ومن سماته وهو الذي كان رئيساً لديوان الإنشاء للملك الأشرف موسى، ورحل إلى نصيبين (وهي الآن مدينةٌ تاريخيةٌ تقعُ في محافظة ماردين، تركيا) فسكنها وتُوفي بها. ورأى الشهاوي أن ابن النبيه ذِكر البلدان والأماكن، وتلك كانت خصيصة من خصائص الشِّعر في مصر الإسلامية، حيثُ يكادُ الشِّعرُ المِصري يقدم سجلًا جغرافياً بأسماء البلدان والأماكن المصرية من مدنٍ وأحياءٍ ومعالم. ورأى الشهاوي أن الروح المصرية لا تغيب لحظةً واحدةً عن شِعر ابن نُباتة المصري، الذي ذاع صِيته في المئة الثامنة للهجرة (الرابع عشر الميلادي)، وكان أشعرَ شُعراء مصر في زمانه، حيثُ ذاع صيته واشتهر شعرُهُ في شتى الآفاق، بعدما خلق لنفسه الشأن والمكانة الرفيعة.

هو ابن نتاج ثقافةٍ مصريَّةٍ، إذْ انتقل إلى الشام سنة 717هـجرية وعمره ثلاثون عاماً؛ شاعراً متكوناً متحققاً، وهو غير الشَّاعر ابن نباتة السَّعدي (327- 405 هـ) أحد شُعراء سيف الدولة الحمداني. أُطلق عليه "أمير شُعراء المشرق "، وامتاز بالدَّفق المُوسيقي، والذهاب نحو لُغةِ الحياة اليومية، والاعتماد على التورية. وهو عندي – يقول الشهاوي - شاعرُ غزلٍ، إذ جاءت مطالعُ أكثر قصائده غزلية، واحتل شِعرُ الحب مساحة كبيرة من ديوانه الذي تجاوز الألف قصيدة. وفي مديح النبي محمد لم يعارض البوصيري (608 - 696 هـ)، بل كتب قصيدةً مطوَّلةً مُختلفةً عن "البُردة"؛ "فلقد أراد أن يكون مُستقلًا لا مقلِّدا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مراسلات الغزل

أما البهاء زهير فشيوع شِعْره تأخَّر، لتأخر وصول ديوانه إلى المعاصرين، كما يقول الشهاوي؛ حيث لم يتم تحقيق مخطوط الديوان ونشره إلَا في القرن التاسع عشر الميلادي، أي بعد نحو 800 سنة بعد وفاته، وهو كان ملء السَّمع والبصر في زمانه، وكان شهيراً بشِعْرِه بين الناس، بل إنَّ أهل مصر كانوا يحفظون الكثيرَ من شِعْره ويتداولونه ويستخدمونه في مراسلات الغزل والشَّوق والعِتاب بين المُحب والمحبُوب. و"شعر البهاء زهير كله لطيف"، "السهل الممتنع"، ويقول عنه الشيخ مصطفى عبد الرازق: "لستُ أعرف شاعراً نفخت مصر فيه من روحها ما نفخت في البهاء زهير، فهو مصريٌّ في عواطفه، وفي ذوقه، وفي لهجته إلى الغاية القصوى". "ولا بد من عبقريَّةٍ كعبقريَّةِ البهاءِ زهيرٍ لتُوَفَّقَ هذا التوفيق في إِنْشَاءِ أشعار من الطراز الأوَّل، يطرَبُ لها الخاصَّةُ، ولا تكُونُ العامةُ أقلَّ بها طَرَبًا، بلسانٍ هو لسان التحاور ولسان البيوت والأسواق"، وفقاً لما ذكره عنه مصطفى عبد الرازق.

وأخيراً، يقول الشهاوي: "آن الأوان لأن نعيدَ هؤلاء الشعراء إلى الحياةِ مرةً أخرى، خصوصاً أن نصوصهم غائبة، كما أنهُ ينبغي إدراك خصوصية الشَّاعر المصري وشِعْره المكتوب في بلاد النيل، حيثُ يغيبُ ذكر الأطلال والرسُوم أو بُكاء الديار والدِّمن، ولا نسمعُ عن حديث الأثافي والناقة أو غير ذلك مِمَّا اعتَدناه من شعراء البادية، فالحياة مُستقرةٌ مثل مصر، ولا ترحُّلَ من مكانٍ إلى آخر، ولذا اتسمت  نصوص الشعراء بالوضوح والبساطة، والبُعد عن التعقيد، حيثُ الحياة ليِّنةٌ ومُترفةٌ، واستخدم الشُّعراءُ  ألفاظًا رقيقةً سهلةً ومالوا إلى البُحُورِ القصيرةِ التفاعيل، ثم زهدُوا في القصائدِ الطويلةِ بعد ذلك، واستعاضُوا عنها بالمقطَّعات".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة