Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منظومة التعليم العربية... الخطط طموحة والموازنات مكبوحة

النزاعات تقطع رواتب المعلمين وتغلق أبواب المدارس والكوارث الطبيعية تأخذ ما تبقى في طريقها والتسرب المدرسي يتهدد الأجيال

ملايين الأطفال العرب في سن المدرسة يواجهون صعوبة في البقاء على قيد الحياة (علاء رستم ـ اندبندنت عربية)

ملخص

 لم ولن يواجه ملايين الأطفال العرب في سن المدرسة طوال عام مضى وعلى الأرجح خلال العام الجديد صعوبة في ضمان جودة التعليم بقدر تلك التي يواجهونها في البقاء على قيد الحياة.

التعليم حق من حقوق الإنسان ومنفعة عامة ومسؤولية الجميع، فالتعليم هو الضمانة الوحيدة لتحقيق المساواة بين الجنسين وكسر دائرة الفقر التي تتسبب في تخلف ملايين الأطفال والشباب والكبار عن ركب التقدم.

احتفى العالم قبل أسابيع باليوم الدولي للتعليم تحت شعار "التعلم من أجل سلام دائم"، فيما ملايين الأطفال العرب في سن المدرسة على مدى عام مضى، وعلى الأرجح خلال العام الجديد، لم ولن يواجهوا صعوبة في ضمان التعليم الجيد المنصف بقدر تلك التي يواجهونها في البقاء على قيد الحياة.

فعلى رغم الهدوء النسبي في سوريا مقارنة بأعوام العقد الماضي، فإن هناك نحو 2.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام و17 عاماً خارج المدرسة، وهؤلاء يمثلون نصف الأطفال في سن الدراسة في هذه المرحلة العمرية، وبعض الأطفال في سوريا فقدوا بالفعل 10 أعوام من المدرسة، وكلما طال أمد البقاء خارج المدرسة زادت صعوبة لحقاهم بالركب.

وكذلك وضع آخر أكثر صعوبة ذلك الذي يستعصي على أكثر من مليوني طفل يمني اللحاق به، ولم يمض عام على هدوء نسبي في الأوضاع وبدء ملامح طفيفة للبحث عن سبل تعليم ولو غير تقليدية أو رسمية حتى دخل اليمن من جديد في جبهة قتالية تقلص احتمالات إصلاح الكارثة التعليمية.

ومن كارثة تعليمية عربية إلى أخرى حيث أزمات اقتصادية طاحنة تؤثر سلباً في خطط إصلاح أو الحفاظ على ما جرى إصلاحه في دول مثل مصر وتونس ولبنان، وصراعات مستمرة أو تهدد بالانفجار بين لحظة وأخرى في سوريا واليمن وليبيا والسودان، وتأتي حرب القطاع لتمثل القشة التي تضع التعليم المدرسي العربي، باستثناء دول الخليج، في خانة بالغة الصعوبة.

مصر... مشروع الإصلاح جاهز والإنفاق غائب

صعوبة المضي قدماً في مشروع مصر القومي لإصلاح التعليم المدرسي، وهو المشروع الطموح الذي بدأته مصر عام 2018، اتضحت خلال العام المنقضي، إذ شهد 2023 عروضاً رسمية للخطة الإستراتيجية لإصلاح التعليم، وحوارات مجتمعية لمناقشة الخطة وأخرى حكومية لدراسة خريطة الطريق المستقبلية، كما شهد أيضاً تفاقماً لأزمات مصر الاقتصادية، سواء تلك الناجمة عن أوضاع عالمية أو التي نشأت لعوامل داخلية.

وبحسب ورقة صادرة عن مشروع "حلول للسياسات البديلة" (مشروع بحثي في الجامعة الأميركية بالقاهرة)  تحت عنوان "التعليم ليس للجميع" في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإن معدلات الإنفاق الحكومي على التعليم أقل من نظيرتها في دول ذات أوضاع وظروف يمكن مقارنتها بالاقتصاد المصري.

وإضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يؤثر سلباً في مخصصات التعليم، فإن الدروس الخصوصية انتقلت من مرحلة الآفة إلى المنظومة التي باتت تحظى بقبول جميع الأطراف، أو في الأقل السكوت الذي يعني الرضا.

 

 

مدرس ودروس خصوصية

الإحصاءات الصادرة عن "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" كفيلة بشرح حال التعليم المدرسي، فإنفاق الأسر المصرية على التعليم مقسم كالتالي:

 38.6 في المئة كمصروفات ورسوم مدرسية.

 28.3 في المئة كدروس خصوصية ومجموعات تقوية.

 11.8 في المئة تمثل الكتب والأدوات المدرسية.

 9.6 في المئة انتقالات من وإلى المدرسة.

 7.2 في المئة ملابس وحقائب مدرسية.

 4.4 في المئة مصاريف تعليمية أخرى.

وبالتبعية زاد إنفاق الشرائح الاقتصادية الأكثر حاجة إلى للدروس الخصوصية ومجموعات التقوية، لأن أبناء تلك الفئة يشكلون الغالبية المطلقة من الملتحقين بالمدارس الحكومية التي تعاني توليفة من المشكلات، مثل الكثافة المرتفعة للفصول ونقص المعلمين وتدني أجورهم.

وتدهور حال التعليم الحكومي الذي يستوعب 82 في المئة من الطلاب في الريف ونحو 51 في المئة من طلاب الحضر في حاجة ماسة إلى مزيد من الإنفاق الحكومي، وتشير الورقة إلى ما سمته بـ "التوجيه الخاطئ للموارد المالية الحكومية المحدودة"، سواء بتوجيه مبالغ كبيرة لإنشاء مدارس حكومية مرتفعة المصروفات، مما يزيد الضغط والأعداد على المدارس الحكومية الأخرى، إضافة إلى إقامة كثير من المشاريع القومية العملاقة، مثل النقل والطرق والجسور، وكان في الإمكان توزيع هذا الإنفاق بصورة تصب في مصلحة التعليم الحكومي المجاني الضرورة بصورة أفضل وأكبر.

مقاومة التحديث

وعلى رغم أن الإصلاح ليس مزيداً من الإنفاق على التعليم المجاني فقط، بل هو تحديث لأدوات التعليم وتعديل لأدواته وارتقاء بمخرجاته، فإن جزءاً من رؤية تحديث التعليم يتمثل في المدرس المصري وتحديثه، جرى وأده لأسباب شتى.

مشروع "التابلت" أو اللوح الرقمي الذي دشنه وزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق طارق شوقي بدءاً من العام الدراسي 2018 - 2019 واجه مقاومة شعبية هائلة منذ اللحظة الأولى، فبين أهل مقاومين للتغيير ومعلمين خائفين على مصدر دخلهم الرئيس من الدروس الخصوصية، وبعضهم في مؤسسات رسمية من معارضي هذا النوع من التحديث الذي يهدف إلى وصول الطالب لمصادر المعرفة الرقمية وتغيير العقيدة التعليمية من حفظ وتلقين إلى استيعاب وتفكير، لم يؤت التحول من الكتب الورقية والامتحانات المعتمدة على قياس فهم الطالب الكم المحفوظ من الثمار المطلوبة.

وقد كان المطلوب، بحسب الدستور، أن تنفق مصر ستة في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي على التعليم الجامعي (2 في المئة) وقبل الجامعي (4 في المئة)، وكان المفروض أن تبلغ موازنة التعليم 710 مليارات جنيه (23 مليار دولار)، إذ إن الناتج المحلي الإجمالي في الموازنة العامة 2023 - 2024 بلغت قيمته 12 تريليون جنيه (390 مليار دولار)، لكن بحسب موازنة العام المالي نفسه جرى تخصيص 230 مليار جنيه (7.3 مليار دولار) لقطاع التعليم.

وفي نهاية 2023 قال وزير التربية والتعليم رضا حجازي إن موازنة التعليم في الموازنة العامة 160 مليار جنيه (5.18 مليار دولار)، مضيفاً أن هناك حاجة ماسة إلى المزيد بسبب عجز المعلمين وكثافة الفصول وكلفة تطوير المناهج.

وفي اليوم الدولي للتعليم لم يعد معظم المصريين يتطرقون كثيراً إلى مطالبات إصلاح التعليم وتطوير المناهج وربط المحتوى بسوق العمل وغيرها من مطالب شغلتهم على مدى عقود مضت، واليوم يعيد المصريون ترتيب أولويات القلق حيث الاقتصاد بأوضاعه بالغة الصعوبة يلقي بظلاله الثقيلة على الجميع، وتجربة الإصلاح الحقيقية التي قاومها الجميع، إلا قليلاً، تحتاج ما يرد إليها الاعتبار.

 

 

تونس... رد الاعتبار للمدرسة بين الشعار والتطبيق

"رد الاعتبار للمدرسة" هو الشعار الذي وضعته وزارة التربية التونسية للعام الدراسي 2023 – 2024، وهذا العام شهد أولى الخطوات نحو إصلاح منظومة التعليم التي تعاني صعوبات عدة منذ أعوام، بين مناهج تنتظر التعديل وصراع دائم بين النقابات والسلطة وزيادة المطالب، مما أدى إلى تعطل الدراسة مرات عدة وهرب كثير من المواطنين إلى التعليم الخاص لضمان التحصيل الدراسي لأبنائهم.

الانقطاع عن التعليم

 وتمثل ظاهرة الانقطاع المدرسي أحد الملفات الخطرة التي تشغل السلطات التونسية، وتشير تقارير إلى أن نحو 30 ألف طالب تونسي يتسربون من المدارس كل عام، مما جعل وزارة التربية تطلق برنامج "الفرصة الثانية" لإعادة المنقطعين إلى صفوف الدراسة.

وكان وزير التربية محمد علي البوغديري حذر في وقت سابق من خطورة هذه الظاهرة، معتبراً "أنها تهدد شباب البلاد ومستقبلها، وأن المنقطعين عن الدراسة يكونون عرضة لكثير من الأخطار مثل الهجرة غير النظامية والانحراف".

وقطاع التعليم في تونس أول المتأثرين بالأزمات، وعلى رغم محاولات الإصلاح التي تشهدها تونس على مدى أعوام لكن معظمها لا يزال "محلك سر"، ولا تزال الغالبية المطلقة من البرامج والكتب المدرسية على حالها منذ أعوام، أضف إلى هذا النزف الناجم عن تكرار إضرابات المعلمين التي تؤثر سلباً في التحصيل الدراسي، لا سيما في المرحلة الابتدائية، وفق دراسات رسمية، وهو من بين ملفات وزارة التربية التونسية.

وشددت أصوات تربوية عدة على أن المنظومة الحالية دخلت مرحلة "اللا جودة" قبل ما يزيد على ثلاثة عقود، وصارت خاضعة لتجاذبات معلنة بين الوزارة والنقابات، وفي المقابل جرى إقصاء جميع الأطراف ذات العلاقة بالمنظومة التعليمية مثل منظمات المجتمع المدني والطلاب أنفسهم وذويهم.

 

 

الجزائر... المخصصات لا تحل المشكلات

وفي الجزائر تشير تجربتها التعليمية إلى كثير من أوجه الشبه مع كل من تونس ومصر، فعلى رغم مجانية التعليم وإلزاميته وكلفته الكبيرة إلا أنه لا يزال يواجه مشكلات كثيرة، والمهتمون في شأن التعليم في الجزائر يتحدثون عن صراعات القطاعات الداخلية، وسياسات يصفونها بـ"العرجاء" لمختلف الحكومات المتعاقبة.

فبموازنة تجاوزت 12 مليار دولار خلال موازنة 2023، وهي ثالث أكبر مخصصات بعد المالية والدفاع، تسعى الجزائر إلى تقديم نظام تعليمي متقدم لنحو 13 مليون طالب في أكثر من 30 ألف مؤسسة تعليمية، 11 مليوناً منهم في الأطوار التعليمية الثلاثة يؤطرهم 600 ألف أستاذ على مستوى أكثر من 20 ألف مدرسة ابتدائية و6 آلاف كلية و2658 ثانوية.

وقد خصص لهم ما يقارب 17 ألف مطعم مدرسي، فيما جرى تجهيز قرابة 2800 مدرسة ابتدائية بالألواح الإلكترونية ولواحقها، والسبورات التفاعلية والحواسيب المحمولة وبخاصة الأساتذة، في انتظار تعميم العملية على باقي المؤسسات التعليمية.

مجهودات كبيرة واستثمارات ضخمة يستفيد منها التعليم الذي يعتبر أحد أهم الأولويات، لكن كثيراً من الاختصاصيين التربويين والمهتمين يشيرون إلى أن التعليم يعاني تدهوراً على المستوى النوعي، وهؤلاء يعتمدون على مقارنات بين الأجيال التعليمية المختلفة والموارد المتاحة سابقاً وحالياً.

"تحجر" التعليم

من جانبه أشاد أستاذ التكوين البيداغوجي بوعلام جمعي بتخصيص الحكومة موازنة ضخمة للتعليم، لكنه أشار إلى أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية عرقلت تقدم المؤسسة التعليمية في الجزائر، كما أثرت المعارك السياسية سلباً في المنظومة، ولا سيما بعد ما تحول قطاع التعليم إلى ساحة تصادم الأفكار والمواقف السياسية مما تسبب في الإضرار بالمدرسة وتأجيل تطورها.

وأضاف أن تدهور القدرة الشرائية وتراجع النمط المعيشي جراء الأزمات الاقتصادية التي تؤدي أيضاً إلى مشكلات اجتماعية تلعب دواًر في تحجّر التعليم وبقائه خاج دائرة التطور، على اعتبار أن ذلك يضغط في اتجاه تراجع دور الأسرة وانسحاب الأهل من تحمّل مسؤولية الأبناء في مراحل التعليم، مما يلحق الضرر بالاهتمام الدراسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اختلالات المنظومة التربوية

من جانبه يرجع رئيس المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي عبدالحفيظ ميلاط تدني مستوى الطلاب في الجامعة إلى ضعف نظام التعليم والمناهج الدراسية في المدارس واختلالات في المنظومة التربوية التي قال إنها أثرت سلباً في مردود التلاميذ في كل المراحل التعليمية.

وأضاف ميلاط أن قطاع التربية والتعليم يصدر للجامعة سنوياً أكثر من 300 ألف طالب جديد، غالبيتهم غير مكونين تربوياً وعلمياً ويفتقرون إلى الحد الأدنى من متطلبات التعليم العالي والبحث العلمي، ويرى أن أي إصلاح للتعليم العالي من دون إصلاح التعليم الابتدائي سيكون من دون جدوى.

التعليم الجزائري في أرقام

يشار إلى أن الجزائر احتلت المرتبة الخامسة أفريقياً ضمن أفضل 10 أنظمة في التعليم لعام 2022، وفقاً لتصنيف أجراه "منتدى التعليم العالمي"، فيما شغلت المرتبة 88 عالمياً والـ 65 في العالم من حيث متوسط مدة الدراسة، وخامس أفضل معدل معرفة بالقراءة والكتابة في القارة الأفريقية، وهو ما عبر عنه وزير التربية عبدالحكيم بلعابد بالقول إن "نسبة الأمية في الجزائر تراجعت إلى 7.40 في المئة".

 المغرب... التزامات حكومية لا تحقق المطلوب

وفي المغرب انطلق العام الدراسي 2023 على إيقاع الاحتجاجات والإضرابات الحاشدة للعاملين بالتعليم إثر النظام الأساس الجديد الذي جرى الإعلان عنه في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أدى إلى توقف الدراسة وشل حركتها بصورة غير مسبوقة بعدما أفضت الإضرابات إلى توقف الدراسة طوال أشهر قبل أن يعود الطلاب للدراسة في الشهر الحالي عقب حلحلة الملف الشائك، لكن المنظومة التعليمية لا تزال تعاني جراء ذلك على مستوى الزمن المدرسي ومواعيد الامتحانات.

وفي الوقت الذي تركز فيه الحكومة المغربية على تنفيذ 12 التزاماً لتحسين التعليم المدرسي، وتعد أن يكون هذا الإصلاح رافعة لهدفها الرئيس المتمثل في تحقيق "الدولة الاجتماعية"، ينتقد متخصصون عدداً من الإشكالات وأبرزها تكافؤ طلاب المدارس الخاصة والمدارس العمومية (الحكومية)، وأيضاً البنى التحتية للتعليم المدرسي، ولا سيما في القرى والمناطق النائية.

 

 

موريتانيا... "الأساس" ليس بخير

وتتفق الغالبية في موريتانيا على أن التعليم الابتدائي في بلادهم ليس بخير ويحتاج إلى إعادة تأسيس للنهوض بهذه المرحلة الأساس في العملية التربوية.

ويُعدد المفتش المكلف بالتعليم الأساس في وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي الموريتانية محمد مني غلام أبرز تحديات التعليم الأساس بأنها "مقاومة الخريطة المدرسية العشوائية لجهود التنظيم، وضعف جاذبية مهنة المعلم نتيجة ضعف الرواتب، وعدم توفر الإمكانات اللازمة لمتابعة أنشطة للمعلم".

ومن وجهة نظر نقابية يرى الأمين العام للنقابة الوطنية للمعلمين محمد عبدالرحمن أجيه أن التحديات الحقيقية هي عدم توحيد المنظومة التربية وتنظيم الخريطة المدرسية وتحقيق الإنصاف والشمولية، ويضيف عوامل أخرى مثل التدني المذهل للمستويات وضحالة المناهج وجمود الأهداف والمقررات الدراسية ومشكلات البنى التحية وانهيار المنظومة الأخلاقية.

يشار إلى أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني رفع في حملته الانتخابية عام 2019 شعار إصلاح التعليم، وهو ما حاول تطبيقه عبر سياسات حكوماته المتعاقبة.

ويرى الخبير التربوي محمد التراد أن الإصلاح الجاد يتطلب تعيين خبراء الشأن التربوي في مراكز القرار، وتوفير الوسائل الضرورية من أدوات وفصول مدرسية وغيرها، وتحسين المستوى المادي لموظفي قطاع التعليم، ومن دون هذه الخطوات فإن الخطر سيظل يدق أبواب التعليم.

الأردن... الكل يضرب ناقوس الخطر

وفي الأردن وعلى رغم زيادة الإنفاق من قبل الحكومة بنسبة بلغت 15 في المئة من موازنة الحكومة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إلا أن عدداً من المراقبين دق ناقوس الخطر في شأن جودة التعليم بالبلاد.

وبلغ عدد المدارس في الأردن 7315 مدرسة، منها 3093 خاصة و4005 مدارس تابعة لوزارة التربية والتعليم، كما بلغت نسبة الالتحاق بالمدارس في الأردن نحو 99 في المئة عام 2022، وهي نسبة عالية مقارنة بالدول العربية الأخرى، إلا أن نسب تراجع مستويات الطلاب الأردنيين آخذة في الاستمرار لعوامل عدة بينها الزيادة الكبيرة في أعداد الطلاب، إذ شهدت البلاد زيادة كبيرة في أعدادهم داخل الفصول جراء موجات اللجوء من دول مجاورة، مما أدى إلى ضغوط على النظام التعليمي.

وفي المقابل فثمة نقص في عدد المعلمين المؤهلين في الأردن انعكس سلباً على انخفاض الجودة، فضلاً عن الافتقار إلى البنية التحتية التعليمية المناسبة، إضافة الى عوامل اجتماعية واقتصادية مثل التسرب المدرسي وازدياد معدلات الفقر.

 

 

 العراق... المشكلة تبدأ في "الأبنية المدرسية"

وفي العراق يرى مراقبون في مجال التعليم أن قلة عدد الأبنية المدرسية هي المشكلة الأكثر تعقيداً في البلاد، فمع زيادة عدد السكان وعدم وجود الأبنية الكافية اضطرت الوزارة إلى تحويل الأبنية المدرسية إلى الدوام المزدوج، أي تشارك مدرستين أو ثلاث في المبنى نفسه بأوقات مختلفة.

وقد أدى الدوام المزدوج إلى تقليل الساعات الدراسية وعدم إيلاء الاهتمام للمواد الإثرائية التي تسهم في بناء شخصية الطالب.

ويوضح معاون مدير العام للشؤون الإدارية الرصافة الثانية حميد عبدالله حسن لـ "اندبندنت عربية" أن العراق يحتاج إلى خمسة أعوام من الجهد الحكومي المستمر لحل مشكلة الاكتظاظ وقلة الأبنية المدرسية.

وفي السياق يوضح المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد أن حركة تشييد مزيد من الأبنية المدرسية توقفت منذ عام 2013 مع زيادة نسبة السكان، مضيفاً أن العراق يحتاج حالياً إلى 8 آلاف مدرسة إضافية.

وقال السيد إن وزارة التربية أطلقت على العام 2023 تسمية "عام الأبنية المدرسية"، فقد بلغ عدد المدارس الجديدة التي دخلت الخدمة 500 مدرسة، وشهدت 1000 مدرسة عمليات الترميم بدعم جهات مانحة ودولية، وموازنات المحافظات ستشهد الأعوام المقبلة تنامياً في عدد المدارس، ولا سيما بعد دخول مشروع المدارس الصينية قيد التنفيذ.

كما تسعى الوزارة إلى أن تكون المدارس في العراق أحادية الدوام وليست مزدوجة، ولا سيما "أن تحسين واقع الأبنية المدرسية هو تحسين لجودة التعليم بصورة عامة"، بحسب ما أكد السيد.

ويوضح المستشار التربوي السابق في وزارة التربية إحسان عمر الحديثي أن العراق، ووفق الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم، في حاجة إلى 12 ألف بناية لسد نقص عدد الأبنية المدرسية، وأن الحكومات المتعاقبة لم تستطع إنجاز ما كان مخططاً له لبناء 8 آلاف بناية، ولم تتعد نسبة الإنجاز 10 في المئة من المرجوة.

 

 

لبنان... ارتفاع نسب التسرب المدرسي

ويشهد قطاع التعليم في لبنان تدهوراً ومشكلات متصاعدة أيضاً، خصوصاً منذ جائحة كورونا وظروف التعليم عن بعد، إضافة بالطبع إلى الأزمة الاقتصادية الجارية في البلاد، كما سجل قطاع التعليم تراجعاً ملحوظاً في المهارات بين الطلاب سواء في المدارس الخاصة والرسمية.

وأظهرت نتائج دراسة أجراها المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتعاون مع البنك الدولي، وتناولت اللغات والمواد الأساس، أن التراجع الحاصل هو بمعدل عام واثنين، وهو بنسب متفاوتة بحسب المراحل التعليمية، وبدا واضحاً أن الخسارة الكبرى سجلت في العلوم وعلى مستوى الرياضيات، وتحديداً الحساب وعلم الهندسة، وفي التفكير العلمي إضافة إلى اللغات، وبخاصة الكتابة.

كما أسهمت الأوضاع الاقتصادية اللبنانية الحرجة في ارتفاع نسبة التسرب المدرسي خلال الأزمة، وتبدو نتائج التسرب المدرسي مقلقة أكثر في ظل التدني الحاصل في المستوى التعليمي. وفي مثل هذه الظروف سيطاول الانهيار مختلف مؤسسات الدولة، فيما تزيد التحديات في مساعي النهوض بها.

سوريا... النظام التعليمي تحت وطأة الصراع

ولا يزال تردي التعليم في سوريا هو السمة السائدة، ويرجعه تربيون لواقع الحال في البلاد وطول أمد الحرب والنزاعات المتلاحقة في عموم البلاد، إضافة إلى الكوارث المتلاحقة التي خلفتها المعارك والنزاعات الداخلية، ومن أبرزها الجهل والفقر والعوز وعدم قدرة الأهالي على إرسال أولادهم للتدريس بسبب غلاء المعيشة.

ويواصل صغار سوريا دفع ثمن الأزمة بعد مرور ما يزيد على 10 أعوام، إذ يعاني الجهاز التعليمي الإجهاد الكبير ونقص التمويل والتفكك وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة للملايين من الطلاب.

 

 

من جانبها ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أنه يوجد في سوريا أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 في المئة تقريباً من الفتيات، ومن المرجح ارتفاع العدد في دراسة لها عام 2021، إذ أرخت أزمة "كوفيد-19"على واقع البلاد أزمات الإغلاق وتداعيات أزمة مالية متلاحقة.

وبحسب دراسة أممية فإن واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سوريا صالحة للاستخدام، لأنها تعرضت للدمار والضرر، وتؤكد الأمم المتحدة وقوع نحو 700 هجوم على منشآت التعليم وطواقمه في البلاد.

إهمال واستنزاف

ويعاني الجهاز التعليمي كثيراً من الإهمال نتيجة استنزاف موارد البلاد، إضافة إلى أن الأجور الشهرية متدنية وتبلغ 300 ألف ليرة ( 20 دولاراً أميركياً) في أفضل أحوالها، وقد أثر ذلك في أداء الكادر التدريسي سلباً، علماً بأن سعر الصرف وصل للدولار الواحد إلى ما يعادل 15 ألف ليرة، بحسب سعر السوق الموازية الأكثر تداولاً.

للأمن أيضاً أثر

وفي المقابل ترتفع أقساط التعليم في المدارس الخاصة بشكل لا طاقة للمواطن على تحمله، وباتت مقتصرة على الأسر ميسورة الحال، إذ يصل سعر القسط المدرسي إلى ما يقارب 10 ملايين ليرة في العام (700 دولار أميركي)، وتعزو المدارس الخاصة هذا الرقم المرتفع إلى أسباب تتعلق بكلف المواصلات والنقل المدرسي وتأمين الكتب والقرطاسية التي توفرها تلك المدارس للطلاب، إضافة إلى اللباس الخاص بالمدرسة وتقديم أجر مجز للمعلمين حرصاً على تقديم درس بجودة عالية، واستئجار مبنى خاص بحي يعد من الدرجة الأولى ضمن المدن، بعدما لحق الدمار بمعظم مباني المدارس الخاصة التي كانت توضع في ضواحي المدن الكبرى.

وفي هذا الواقع المعيشي بالغ الصعوبة بات العزوف عن تلقي التعليم كبيراً في مختلف مناطق النفوذ، ولا سيما أن 90 في المئة من سكان سوريا تحت خط الفقر، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، ولهذا يتراوح دوافع إرسال الأسر الأشد عوزاً إلى تأمين لقمة العيش بدلاً إرسال الأبناء إلى تلقي الدراسة.

 

 

ليبيا... الأزمة السياسية والأمنية تنعكس على التعليم

وهناك مشكلات تعليمية من نوع آخر، لكن في منطقة خاضت صراعاً مميتاً وكارثة طبيعية قاتلة أيضاً، فإنها تلقي بظلالها على المنظومة المدرسية في ليبيا على رغم أن التعليم هناك تمكن عام 2023 من تجاوز مشكلة عدم توافر الكتاب المدرسي التي عاناها الأعوام الماضية، ولكن السنة الدراسية 2023 شهدت عدداً من الخيبات أبرزها نزوح أكثر من 16 ألف طفل بسبب الفيضانات بينهم نسبة كبيرة من الطلاب، إثر "عاصفة دانيال" التي حلت بمناطق الشرق الليبي في الـ 10 من سبتمبر (أيلول) 2023، بحسب منظمة "يونيسف".

تضرر المدارس

وبينما التحق جميع الطلاب بمدارسهم في ليبيا، وفق قرار وزير التربية والتعليم موسى المقريف، إلا أن مدارس درنة تخلفت عن فتح أبوابها لاستقبال الطلاب بسبب الأضرار التي نقشها الإعصار على محيطها، وتحول ما تبقى منها إلى مأوى للناجين من الكارثة.

وحتى في الحالات التي التحق فيها الأطفال الناجون من الكارثة بمدارس أخرى قريبة من مواقع نزوحهم على غرار بنغازي والبيضاء، وعدد من المدارس العامة والخاصة بطرابلس وترهونة ومصراته وغيرها، فإن "مصلحة المرافق التعليمية" أكدت أن "عاصفة دانيال" تسببت في تضرر 114 مؤسسة تعليمية في الشرق الليبي كانت تضم 189157 طالباً في كل من القبة ودرنة وأم الرزم الأبرق والقيقب وشحات وسوسة وردامة والبيضاء وعمر المختار والساحل والمرج، وغيرها من المؤسسات التعليمية. 

حاجة ماسة إلى علاج

ويقول المتخصص في إدارة التعليم والتخطيط التربوي فرج عمر موسي إن ليبيا في حاجة ماسة إلى معالجة مخرجات التعليم التي أصبحت ضعيفة خلال العقدين الأخيرين، ولتحسين جودة المخرجات التعليمية ينبغي توافر مبانٍ تعليمية ذات مواصفات وتجهيزات تحاكي العصر الحالي، إذ يعاني بعض المناطق في الجنوب الليبي من تواصل وجود مدارس الصفيح، كما بينت تقارير "يونيسف" عدم توافر الخدمات الأساس مثل المياه الصالحة للشرب ودورات مياه صحية في عدد من المؤسسات التعليمية في ليبيا.

 

 

السودان... الحرب فرضت نفسها على القطاع التعليمي

ومن نقص التكنولوجيا الرقمية في ليبيا الخارجة لتوها من صراع طويل إلى زعزعة النظام التعليمي برمته في السودان الذي استهل فصلاً عربياً جديداً من فصول الصراع والحروب، فخلال عام 2023 زعزعت حرب الخرطوم أوضاع التعليم في السودان وعطلت الدراسة في مرحلتي الأساس والثانوي، وبات المصير الدراسي لآلاف الطلاب مجهولاً.

ومنذ أول مايو (أيار) 2023 والمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة في العاصمة وجميع أنحاء البلاد موصدة الأبواب بسبب اندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، مما جمد العام الدراسي بأكمله.

المدارس مقار للنازحين

ومع تصاعد وتيرة المعارك في الخرطوم فقد نزح الآلاف إلى الولايات الآمنة وتحولت المدارس إلى دور إيواء، ووفق إحصاء أجرته لجنة المعلمين السودانيين فقد تأكد أن نحو 1245 مدرسة أصبحت مقار سكن للفارين من جحيم القتال، منها 154 مدرسة في ولاية نهر النيل و53 في ولاية سنار و57 في ولاية كسلا و501 في ولاية الجزيرة و510 في ولاية النيل الأبيض.

وإلى جانب الحرب فقد أسهمت أزمة الاقتصاد السوداني الذي يواجه كماً هائلاً من المشكلات في تعثر العملية التعليمية، وباتت الأوضاع المادية للعاملين في قطاع التعليم تنافس العام الدراسي في الصعوبات والمعضلات، كما تعثرت عملية صرف الرواتب على مدى تسعة أشهر، ورفضت لجنة المعلمين المقترحات التي قدمتها الدولة لاستئناف الدراسة في مرحلتي الأساس والثانوي في الولايات الآمنة، ورهنت الخطوة بحل أزمة الرواتب وتوفير معينات العملية التعليمية من إجلاس وكتب وتجهيز مساكن بديلة للنازحين، ولم تسلم الأسر من الضائقة الاقتصادية إذ واجه كثير من أولياء أمور الطلاب مصاعب جمة لتدبير الرسوم الدراسية والمستلزمات الأخرى.

ويرى الخبير التربوي عبدالرحمن حامد أن العام الدراسي في السودان لم يكمل الحد الأدنى من أيام الدراسة المتفق عليه عالمياً وهو 180 يوماً، إذ لم تتعد في أحسن الحالات 90 يوماً، وتعود الأسباب لمطالب المعلمين ومماطلة الدولة وتجاهلها للحقوق، إضافة إلى الحرب التي دارت في وقت كان ينبغي أن يعالج هذا الخلل، وفي كثير من الولايات اعتمدت نتيجة الفترة الأولى من دون أن يخضع الطلاب للامتحان النهائي.

وأضاف حامد أن "امتحانات الصف السادس (نهاية المرحلة الابتدائية) أجريت على عجل ولم تراع الوضع الأمثل للامتحان من ناحية إعداد الطلاب والامتحان كعملية، وكان لافتاً فرض رسوم قاد العجز عن سدادها إلى حرمان عدد كبير من التلاميذ من الامتحان، مما فاقم عدد المتسربين من المدارس"، لافتاً إلى أن توقف المدارس منذ أكثر من تسعة أشهر يهدد مستقبل السودان.

خيارات وبدائل

وبحسب "يونيسف" فإن نحو 19 مليون طفل في السودان، أي واحد من كل ثلاثة أطفال، لا يزالون خارج أسوار المدرسة، وإزاء هذا الوضع لجأت الأسر المقتدرة اقتصادياً إلى النزوح لدول الجوار مثل مصر وأوغندا وكينيا لإلحاق الأبناء بالمدارس حتى لا يضيع مستقبلهم بسبب ظروف الصراع المسلح في البلاد.

اليمن... الحرب دمرت البنية التحتية 

ليس عاماً واحداً بل تسعة أعوام، وهي عمر كابوس اليمن المتمثل في أعوام الحرب، كانت كافية لتدمير البنية التعليمية وإلحاق الضرر بمؤسساتها، وقد تمثلت أولى الإشكالات في انقطاع رواتب المعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين حيث العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات المجاورة، ناهيك عن تجريف المناهج الدراسية وتحويلها إلى مناهج طائفية تؤسس لتشتيت الأجيال الصغيرة بصراعات مستدعاة من الماضي السحيق، كما اشتمل تجريف المناهج على إدماج أجندات طائفية وغير وطنية.

ويعاني اليمن حرباً مستمرة منذ أعوام خلفت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية، وألقت بانعكاساتها السلبية على قطاع التعليم.

وعلاوة على ذلك يكابد أطفال اليمن مشاقاً مركبة تتنوع بين عدد المدارس والتسرب الذي فرضه النزوح المرير هرباً من نيران الحرب، فالطلاب إن حضروا غاب مدرسوهم جراء إصرار الحوثيين عدم صرف رواتب موظفي الدولة للعام السابع بحجة عدم سيطرتهم على ثروات البلاد النفطية التي تقع في نطاق الحكومة الشرعية.

ووفقاً لتقارير أممية فلم يحصل غالبية الطلاب على تعليم يؤهلهم للالتحاق بالجامعات، مما يهدد مستقبل أجيال متلاحقة في البلاد.

وفي مطلع العام الماضي حذرت الأمم المتحدة من انهيار النظام التعليمي في اليمن وقالت إنه بات "على حافة الانهيار" جراء استمرار الحرب، بينما أعلنت منظمة "إنقاذ الطفولة" أن ملايين الأطفال في اليمن بحاجة إلى مساعدات تعليمية.

وبحسب "يونيسف" فإن الهيكل التعليمي هناك يواجه مزيداً من العوائق تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (نحو 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بصورة غير منتظمة منذ عام 2016، أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.

من المدراس إلى المتارس

ومع التصعيد العسكري منذ اندلاع الحرب في سبتمبر (أيلول) 2014 اتهمت منظمات أممية ومحلية الحوثيين بتجنيد الأطفال والزج بهم في جبهات القتال، وكشفت منظمة "إنقاذ الطفولة" أن "أكثر من 8 ملايين طفل في اليمن (80 في المئة من الأطفال في سن المدرسة) يحتاجون إلى مساعدة تعليمية"، وقالت إن "معدل تسرب الأطفال من المدارس ينذر بالخطر، كما ينضم كثير من هؤلاء الأطفال إلى جبهات القتال أو سوق العمل".

وعلاوة على التجنيد فإن النزوح يشكل قصة أخرى تتعدد فيها صور المأساة للواقع غير المسبوق الذي بلغه أطفال اليمن وتسبب في حرمانهم من الالتحاق بالتعليم.

وفي جردة مخيفة أعلنت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين (حكومية) في فبراير (شباط) 2023 تسجيل ما يقارب "3 ملايين نازح في 13 محافظة"، وهي مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها، وقالت إن "أكثر من 39 ألف طفل نازح محرومون من التعليم".

غزة... الطوفان أطاح بالتعليم

كارثة أخرى تدور رحاها، ربما بصورة أبشع وبوتيرة أسرع، في غزة الغارقة في حرب القطاع أعقاب هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فقد بدأ العام الدراسي في سبتمبر (أيلول) 2023 وعادة يحتاج الأطفال إلى أسبوعين لاعتياد الانتظام في مقاعدهم الدراسية وانطلاق العملية التعليمة، وما إن بدأ الطلاب في تصفح الكتب والمذاكرة حتى اندلعت حرب القطاع الضارية.

ويواجه طلاب المدارس في غزة ثلاث مشكلات في العملية التعليمية لعام 2023، تتمثل في قلة عدد المدارس والمعلمين، ثم تعرضوا لانتكاسة غير مسبوقة بعدما اندلعت الحرب الشرسة.

ويقدر عدد الطلاب الملتحقين بمدارس غزة بـ 608 آلاف طالب، ويعد هذا رقماً ضخماً لدى مقارنته بعدد المدارس الذي لا يزيد على 310 مبان تعليمية فقط في جميع محافظات القطاع.

ويقول وكيل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أيوب عليان إن "كل 2000 طالب يتعلمون في مدرسة واحدة، وهذا يسبب ازدحاماً شديداً في الفصول الدراسية التي يقدر عددها بـ 30 فصلاً في المبنى الواحد، في كل منها نحو 60 طالباً".

 

 

مضيفاً، "نتيجة هذا الازدحام في الفصول الدراسية الناتج من محدودية عدد المدارس فإننا نضطر إلى العمل بنظام الفترتين، وهذا يعني أن يذهب مجموعة من الطلاب إلى المدرسة في الفترة الصباحية ثم تذهب مجموعة أخرى خلال الفترة المسائية".

ويشير عليان إلى أن وجود 60 طالباً في الفصل الدراسي الواحد في غزة يخالف لوائح "يونيسف"، وهي اللوائح التي تعمل بها وزارة التربية والتعليم في الأراضي الفلسطينية وتنص على وجود 30 طالباً كعدد أقصى في الفصل الدراسي الواحد.

ويوضح عليان أن تكدس الطلاب هذا يعقد مهمة المعلم الذي يتوجب عليه ضبط الفصل الدراسي، وعادة لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة لوحده لأنه يتعامل مع فئة الأطفال، وهؤلاء يحتاجون إلى جهد كبير لتوجيههم، فضلاً عن أن آلية شرح الدروس تصبح أكثر صعوبة لأن المدرس يجب عليه أن يتأكد من أن جميع التلاميذ استوعبوا المعلومات.

نقص المعلمين

وعلى ذكر المعلمين فإن قطاع غزة يعاني محدودية عدد المعلمين للعام الدراسي 2023، وكانت هذه مشكلة أخرى تواجه العملية التعليمة في غزة هذا العام، وقد بذلت وزارة التربية والتعليم جهوداً كبيرة لحل المشكلة لكنها الجهود لم تنجح.

ويقدر عدد المعلمين في قطاع غزة بنحو 7 آلاف، وهؤلاء تابعون لوزارة التربية والتعليم التي تديرها حركة "حماس"، وهو عدد قليل جداً عند مقارنته مع إجمال الطلاب الملتحقين بالمدارس.

كما يوضح وكيل الوزارة أيوب عليان أن كل مدرس في غزة عليه تأدية 60 حصة في الأسبوع، وهذا يتطلب جهداً كبيراً لا يمكن الوفاء به، إلا أن المعلمين في القطاع يقومون بهذا الواجب، لافتاً إلى أن ذلك يخالف المعايير التي تنص على أن المدرس عليه تأدية 25 حصة.

وفي إطار حل هذه المشكلة حاولت وزارة التربية والتعليم توظيف عدد من الجامعيين الذين كانوا يصطفون في طوابير البطالة، لكن الأزمة المالية التي تعصف في قطاع غزة حالت دون فتح باب التوظيف.

 

 

الحرب على المدارس

وما إن تعايش الطلاب والمعلمون مع هذه الظروف حتى بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة التي قلبت الأوضاع رأساً على عقب وتوقفت العملية التعليمية بالكامل، وتحولت المدارس محدودة العدد إما إلى مراكز إيواء أو أهداف للغارات الإسرائيلية.

ويقول المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور إن "التعليم يمر بأزمات وظروف معقدة إذ تعرضت 280 مدرسة لأضرار بالغة بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وهناك 30 مدرسة فقط بمنأى عن هذه الاعتداءات".

ويضيف، "هذه الظروف تفرض علينا أعباء رهيبة، فحتى بعد انتهاء الحرب سيكون من المستحيل العودة للعام الدراسي، وقد يستغرق الأمر أعواماً طويلة مما يعني أن الأمية قد تفرض حضورها مرة جديدة في غزة".

وفي الحرب لقي نحو 200 معلم حتفهم وأصيب أكثر من 500 آخرين بجروح خطرة، أما الناجون من الأستاذة فإنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالعمل، وفيما يتعلق بالطلاب فقد وصل عدد القتلى بينهم إلى 3117، فيما بلغ عدد الجرحى 4613.

ويؤكد مدير الإعلام في مكتب "يونيسف" في الأراضي الفلسطينية جوناثان كريك أن الأمية ستصيب طلاب غزة بسبب الحرب وتدمير إسرائيل مدارس القطاع بصورة مبالغ فيها.

ظلال وخيمة

تعاني أنظمة تعليمية عربية عدة أوضاعاً اقتصادية ضاغطة جمدت جهود الإصلاح والتطوير، وضبابية الرؤية في إدارة الملف برمته جعلت أنظمة تكتفي بوضعية "محلك سر"، بينما العالم يركض نحو آفاق تعليمية حديثة، والأسوأ والأصعب هو ما تكابده دول عربية من حروب وصراعات بعضها تفجر قبل أعوام ويأبى أن يمضي إلى حال سبيله، وبعضها الآخر آخذ في التبلور والكل يلقي بظلال ثقيلة وخيمة خطرة على ملايين الطلاب العرب.

وتقول المنظمات الأممية إن العالم يشهد احتداماً للنزاعات العنيفة المقترنة باستفحال مقلق للتمييز والعنصرية وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية، ويتجاوز وقع هذا العنف أية حدود قائمة على أساس الموقع الجغرافي أو قضايا الجنسين أو نوع العنصر أو الديانة أو السياسة عبر المنابر المتصلة أو غير المتصلة بالإنترنت.

وتخبرنا هذه المنظمات أيضاً أننا أحوج ما نكون إلى تعهد صريح وعاجل بإحلال السلام الذي يصب مباشرة في أوضاع التعليم حيث الحرب تعني تدهور التعليم، لا طوال أسابيعها أو أشهرها، ولكن أثرها يدوم لما بعد الحرب بأعوام، فما بالك بحروب تطفئ شمعتها التاسعة أو العاشرة.

المزيد من تحقيقات ومطولات