Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واقع المرأة في الجزائر بين المكتسبات والضعف الاقتصادي والعنف الأسري

41 في المئة من إجمال الموظفين نساء وأكثر من 21 ألفاً من موظفات الإدارة العمومية يشغلن مناصب عليا

جانب من مشاركة المرأة في مسيرات حراك 22 فبراير (مواقع التواصل)

ملخص

ارتفاع أعداد العناصر الأنثوية في المجتمع الجزائري يفرض إعادة الحسابات وضبط السياسات وفق المتطلبات

أعاد البرلمان الجزائري فتح ملف واقع المرأة في البلاد بعد الإعلان أن الارتقاء بحقوق المرأة ليس قضية قانونية وسياسية فقط، بل هي قضية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، مما أدخل الشكوك حول حقيقة المكتسبات التي كانت محور فخر الحكومات الجزائرية المتعاقبة.

ترسيخ حقوق المرأة

وأوضح رئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) إبراهيم بوغالي أن "الجزائر تضع اليوم ملف ترسيخ حقوق المرأة في المجتمع على قائمة الأولويات والإستراتيجيات، وذلك تجاوباً مع قدرتها على التغيير الإيجابي لمصلحة البلاد"، معتبراً أن "المكتسبات الدستورية للمرأة الجزائرية تشكل عينة من الجهود المستمرة التي ترمي إلى تعزيز مكانة المرأة بالشكل الذي يستجيب لتطلعاتها ويرقى إلى مستوى تضحياتها في سبيل الوطن"، مذكراً بدورها أثناء المقاومة والتحرر من الاستعمار بصورة "أثبتت فيها تعلقها بالأرض والعرض، شأنها شأن أخيها الرجل".
وأشار بوغالي إلى المبادئ الدستورية التي كرست المساواة بين الجنسين، إضافة إلى "الارتقاء بالحقوق الأساس للمرأة من خلال ضمان حظوظ تمثيلها في المجالس والهيئات المنتخبة، وحمايتها من أشكال العنف كافة إلى جانب دعم انضمامها للحياة الاقتصادية"، مبرزاً "أهمية إيلاء المرأة مكانة تستحقها".

مكتسبات سياسية واجتماعية وضعف اقتصادي

وتحمل تصريحات رئيس البرلمان الجزائري في طياتها إشارات إلى نقائص مسجلة أو رغبة في تحقيق المزيد، لكن بالعودة للواقع فإنه ما من شك في أن الوجود المتزايد للمرأة في الحياة العامة يمثل أحد ركائز التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الجزائر منذ استقلالها، ويكشف عن مواكبة المرأة في هذا البلد مسار التغيير الحاصل انعكاساً لدورها وفعاليتها في مختلف الميادين. وارتكز هذا الحضور على مسايرة المرأة للتحولات من جهة وعلى موقف الحكومات المتعاقبة وسياساتها إزاء المرأة من جهة أخرى.
وإذا كان الاعتراف بالمكتسبات مقبولاً لدى كثير من الأطراف، ولا سيما الرسمية، على اعتبار أنها حقيقة ملموسة ميدانياً، تبقى الإشارة إلى ضعف البعد الاقتصادي في حقوق المرأة، إحدى أهم النقاط التي يجب التوقف عندها، إذ وبعد دخول النساء سوق العمل في عدد من القطاعات الاقتصادية الحديثة صار من الضروري زيادة كفاءتهن وقدراتهن وسن القوانين المنظمة لشؤونهن من دون تمييز، على اعتبار أن المرأة العاملة في الجزائر تواجه صعوبات مختلفة تشكل عائقاً أمام مسيرتها التنموية في المجتمع، وتظهر على شكل تحديات نابعة من الموروث الثقافي وخصائص المجتمع، وذلك على صعد مختلفة انطلاقاً من مكان العمل إلى البيت وغيرها.

تعامل وفق ما تقتضيه العولمة والبرامج الدولية

وفي السياق يرى الباحث في الشأن القانوني أحمد بوخاري أن "الحكومات الجزائرية المتعاقبة تعاملت في سياساتها العامة مع مسألة حقوق المرأة وفق ما تقتضيه العولمة ومقررات الندوات والبرامج والإستراتيجيات الدولية، وبخاصة الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مثل "معاهدة سيداو" التي تعنى بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وتصفها بأنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء"، مضيفاً أنه "خلال الفترة الماضية رُكز على الإيجابيات ونسبها إلى جهود الحكومة، مثل عدد التلميذات والمعلمات والعاملات في قطاعات الصحة والقضاء والإدارة والسياسة، التي سجلت دمج عدد كبير من النساء، ولكن افتقار مجالات أخرى مثل الصناعة والزراعة إلى العنصر النسوي يعبر عن قصور السياسات العامة في عملية دمج المرأة في القطاع الاقتصادي، وهو ما تفطنت له السلطة الحالية من خلال تصريح رئيس البرلمان".
ويواصل بوخاري أن "مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية من طريق العمل قد تزايدت خلال الأعوام الأخيرة لكنها تبقى ضعيفة مقارنة بالدول المجاورة"، مشيراً إلى "توجه السياسات العامة نحو إيلاء بعض الاهتمام لمسألة دمج المرأة في الحياة الاقتصادية".

وأوضح أن "النساء الجزائريات واكبن بأنفسهن التغيرات التي عايشتها البلاد، إذ بدا الدمج الاقتصادي للمرأة وكأنه اتجاه طبيعي بسبب الظروف الاقتصادية والمتطلبات المعيشية"، وختم أن "الدستور الجزائري كرس مبدأ المساواة بين الجنسين في ميدان العمل وتولي مناصب المسؤولية، فضلاً عن نبذ كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء، وتعزيز مكانتها السياسية من طريق ترقية حقوقها السياسية وتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس النيابية".

مفارقات وأرقام متناقضة

وعلى رغم أن الجزائر تضم النسبة الأكبر من خريجات الهندسة في العالم بنسبة 48.5 في المئة من مجموع خريجي الهندسة في البلاد أمام 26.1 في المئة في فرنسا و19.7 في المئة في كندا و14 في المئة في اليابان، وفق تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، وأنهن بذلك أنهين احتكار الرجال للاختصاص، إلا أن الرجال لا يزالون يسيطرون على المهنة بحد ذاتها في الوظائف، كما تعاني النساء من رائدات الأعمال ضعف الحضور بسبب أعراف اجتماعية وثقافية متجذرة، مثل المفاهيم التقليدية وغياب الدعم العائلي أو نقص رأس المال وغياب الدعم المؤسسي.
وتعمل الحكومة وفق مقاربة اقتصادية على تعزيز "المقاولاتية النسوية" وإسهام المرأة في دعم عجلة التنمية مع أولوية خفض نسبة البطالة وسط النساء عبر تقديم كل التسهيلات والتحفيزات من أجل ضمان انضمام أكبر للمرأة في النشاط الاقتصادي، إذ صرح الوزير الأول الجزائري السابق أيمن بن عبدالرحمن أن المرأة تسجل إسهاماً فعالاً في المجال الاقتصادي من خلال عدد معتبر من المؤسسات المصغرة بأكثر من 41500 مؤسسة في إطار الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية (أناد)، والوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر (أنجام) وهيئات أخرى، إضافة إلى تسجيل انضمام أكثر من 175 ألف امرأة في السجل التجاري.
وبحسب آخر الأرقام فإن 62 في المئة من الطلبة الجامعيين نساء، كما أن للمرأة حضوراً قوياً في الإدارة العمومية بواقع 900 ألف موظفة، أي 41 في المئة من إجمال الموظفين، كما أن 21500 من الموظفات في الإدارة العمومية يشغلن مناصب عليا، فيما يشغل 1209 منهن وظائف سامية في الدولة، وفق ما كشفه رئيس الوزراء السابق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


العنف وضغوط المجتمع

وقالت الناشطة الاجتماعية والتربوية زهرة فاسي إن "المجتمع الذي لا تسهم المرأة  في عجلة تنميته مبتور ولا يمكن له أن يرقى إلى الفعالية الضرورية لبنائه على أسس متينة"، مشددة أنه "على رغم الإنجازات الواضحة والمكانة المرموقة التي أحرزتها المرأة الجزائرية بفضل كفاءتها واجتهادها في شتى المجالات إلا أنها لا تزال تعاني ضغوط المجتمع وتبحث عن منافذ بين القانون المنصف والواقع الجائر، وأوضحت أن بعض النسوة لا زلن يُقهرن في منازلهن وفي الشارع بسبب العقليات والقناعات الرجعية المستوردة من مفهوم التربية بأسلوب التعنيف وتطبيق كل التناقضات المجتمعية".
وأمام الحقوق التي حققتها المرأة الجزائرية يبقى العنف أحد أسوأ الممارسات التي تعوق تحقيق العدالة المرجوة، مما يستدعي إعادة النظر في سياسات الحماية وقوانين العقوبات على حد سواء، وهو الوضع الذي أشارت إليه الحقوقية نسرين ساعي بالقول إن "المشرع الجزائري أقر قوانين عدة تضمن للمرأة حقوقها وتمنع عنها شتى مظاهر العنف الجسدي واللفظي"، مبرزة أن "درجة الوعي لدى المرأة الجزائرية ارتفعت بعد أن أصبحت تبحث وتسأل عن حقوقها وتطرح الإشكالات وتريد فهم القوانين".

عنف جسدي ونفسي داخل الأسرة و6 آلاف حالة سنوياً

وتتعرض المرأة الجزائرية إلى عنف جسدي ونفسي قوي، ولا سيما داخل الأسرة ومن الزوج تحديداً، إذ تشير أرقام المديرية العامة للأمن الوطني، وهي لا تعبر إلا عن الجزء المرئي للظاهرة، إلى أكثر من 6 آلاف حالة عنف ضد المرأة، وتوقيف 6152 شخصاً على المستوى الوطني عام 2022.

وتعد جرائم قتل النساء المرحلة الأخيرة من العنف المنزلي والزوجي بعد تسجيل حالات عدة آخرها إقدام رب عائلة على قتل زوجته ذات الـ 40 عاماً وأبنائه الثلاثة في مدينة عنابة شرق الجزائر.
كما أكدت رئيسة جمعية "نساء في شدة" مريم يعلى "تسجيل ما بين 7 و 8 آلاف حال عنف ضد المرأة سنوياً".

وقالت إن "هذه أرقام لا تعكس الحجم الحقيقي لما تعانيه كثير من الجزائريات بسبب العنف الأسري، لأنها محصورة بالشكاوى التي تقدمها الضحايا اللواتي يفتقدن الدعم، وخوفاً من الزوج الذي قد يلجأ إلى استعمال وسائل أعنف".
وتنشط جمعيات نسوية ضد بعض مواد قانون الأسرة الذي تعتبره مجحفاً بحق المرأة وأنه يكرس الهيمنة الذكورية ويعد انتهاكاً لمبدأ المواطنة ومنافياً لروح الدستور الجزائري الذي يشدد على المساواة بين الجنسين، بخاصة المادة (66) منه التي تنص على إسقاط حق الحضانة عن الأم المطلقة في حال تزوجت ثانية ومنحه للأب وإن كان متزوجاً، إذ يشدد مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة (سيداف) على أن أحكام القانون الحالي هي مصدر للعنف ضد المرأة، "ونعمل على تغيير هذه المادة لأن هناك نساء اُعتدي عليهن من طرف الأزواج السابقين بعد زواجهن مرة أخرى، وهناك أزواج لا يهتمون بأطفالهم أبداً، لكن عندما تقرر المرأة الزواج مرة ثانية ينتقم منها ويحرمها من أولادها، كما تعيش أخريات حياة مليئة بالضغط والقلق بسبب إخفائهن زواجهن مجدداً".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي