Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الملك بيبي" الذي لا يقهر

شغل نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية 6 مرات واشتهر بالعند لكن نظرة العالم له تتغير منذ "هجوم حماس"

قدرات نتنياهو الخطابية ولكنته الإنجليزية المميزة جعلته يمتلك وجهاً إعلامياً مقبولاً منذ صغره (أ ف ب)

ملخص

بعد أكثر من 12 عاماً في السلطة لم يعد نتنياهو يمثل نموذج الزعيم الأوحد لحزب "الليكود" الذي يتحكم في مصير إسرائيل ويرسم صورتها المستقبلية بل أصبح بين مؤيديه "الملك بيبي" الذي لا يقهر سياسياً.

على رغم لوائح الاتهامات الموجهة إليه بالفساد والرشوة وسوء الأمانة، تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من كسب قلوب الإسرائيليين لعقود، شكل خلالها بالنسبة لكثيرين فجراً جديداً لبلادهم وظاهرة لا تتكرر في الحياة السياسية وقائداً ذا كاريزما يمتلك عبقرية سياسية، كيف لا وهو الوحيد الذي شغل منصب رئاسة الحكومة لست مرات، وحطم الرقم القياسي الذي لم يبلغه أي رئيس وزراء آخر في تاريخ إسرائيل.

نجح نتنياهو خلال تلك الفترة في تجاوز حملات خصومه السياسيين الشديدة، وبنى مسيرته على وعد أنه سيبقي إسرائيل آمنة ونهج لا هوادة فيه تجاه جيرانها، تاركاً عند ناخبيه في كل مرة أثراً يصعب تجاوزه، فالحافظ على يهودية الدولة وسيطرة اليمين تهمهم أكثر مما تشغله تهم الفساد وسوء الأمانة.

وبعد أكثر من 12 عاماً في السلطة، لم يعد نتنياهو يمثل نموذج الزعيم الأوحد لحزب "الليكود" الذي يتحكم في مصير إسرائيل ويرسم صورتها المستقبلية بل أصبح بين مؤيديه "الملك بيبي" الذي لا يقهر سياسياً، المتمسك بسياسة صقرية، على المستويين السياسي، بما يتعلق بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وأيضاً في السياسة الاقتصادية التي ظهرت على يديه كمركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.

نشأة

ولد نتنياهو في تل أبيب عام 1949 لأب من أصل بولندي وأم أميركية يهودية تدعى زيلا سيغال وعاش أعوام حياته الأولى متنقلاً بين إسرائيل والولايات المتحدة، عندما عرض على والده بن تسيون ميليكوفسكي، منصباً أكاديمياً مرموقاً كمؤرخ بارز وناشط يهودي، وهو الذي أدى دوراً أساسياً في بلورة شخصيته وآرائه ومواقفه.

وتلقى بنيامين نتنياهو تعليمه الثانوي في مدرسة شلتنهام بولاية فيلادلفيا الأميركية، ولدى عودته إلى إسرائيل لتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش عام 1967 التحق في وحدة النخبة "ساييرت ماتكال" التابعة لسلاح الاستخبارات العسكرية، إذ شارك في عمليات مختلفة ونوعية، ومنها إنقاذ الرهائن في طائرة مختطفة تعود لشركة "سابينا" البلجيكية عام 1972، أصيب خلالها في كتفه.

 

 

قبل أن تنهي الإصابة خدمة نتنياهو الإلزامية في الجيش، قلده الميجر جنرال مردخاي غور في العام ذاته وساماً خاصاً تقديراً لأدائه القيادي العملياتي المميز، وأسهمت هذه التجربة في بلورة حياته العسكرية وتعزيز انتمائه للجيش والدولة، كما شارك في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973. إلا أن ذلك لم يحل دون عودته للولايات المتحدة ليكمل دراسته الجامعية وحصل على بكالوريوس في الهندسة المعمارية من معهد ماستشوستس للتكنولوجيا (MIT) في جامعة ماستشوستس، وشهادة في إدارة الأعمال من الجامعة نفسها، كما حصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة هارفرد، وكان أول عقد عمل له مع شركة Boston Consulting Group براتب سنوي بلغ 100 ألف دولار، وضمن إطار عمله كان يزور إسرائيل كثيراً.

في تلك الفترة، تزوج من ميكي وايزمان التي كان قد تعرف إليها خلال زياراته لإسرائيل وأثمر زواجهما عن ولادة ابنته (نوعا) في عام 1978، لكن هذا الزواج ما لبث أن واجه كثيراً من الصعوبات، وتركت وفاة شقيقه الأكبر يوني عام 1976، الذي كان مثاله الأعلى في الحياة وكانت علاقته به وثيقة جداً، ندوباً عميقة في نفسه أدت لطلاقهما بعد 6 سنوات من الزواج.

ثم في عام 1981 تزوج فلور كاتس الإنجليزية الأصل، في بوسطن بعد اعتناقها الديانة اليهودية، لكن هذا الزواج أيضاً لم يدم أكثر من 8 سنوات، ليعاود الزواج للمرة الثالثة عام 1991 من مضيفة الطيران سارة بن أرتسي.

صعود دبلوماسي

قدرات نتنياهو الخطابية ولكنته الإنجليزية المميزة جعلته يمتلك وجهاً إعلامياً مقبولاً، وأول من اكتشف ذلك كانت القنصل الإسرائيلي في بوسطن كوليت أفيتال، عندما دعته إلى المشاركة في مناظرة عن "حرب تشرين" والوضع في الشرق الأوسط في تلفزيون بوسطن المحلي مع إدوارد سعيد، الذي كان آنذاك أحد أهم الشخصيات الفلسطينية في الولايات المتحدة.

منذ تلك المناظرة، بدأ ظهور نتنياهو في وسائل الإعلام الأميركية، وكثرت المقابلات معه للحديث عن الوضع في إسرائيل والمنطقة، وبدأ يظهر حبه الكبير للكاميرا. وفي ذروة الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 1982 طلبه سفير إسرائيل لدى واشنطن آنذاك موشيه أرينز للالتحاق به فوراً كملحق سياسي، للدفاع عن الموقف الإسرائيلي. وخلال تلك الفترة تمكن نتنياهو بحكم معرفته بالحياة الأميركية، وإتقانه اللغة الإنجليزية، وبراعته الخطابية من نسج علاقات وثيقة بكبار الإعلاميين الأميركيين، ومع قادة الجالية اليهودية التي أسهمت بإثراء أفكاره السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

 

 

كل هذا أهل "بيبي" بقوة للترشح بأن يحل مكان أرينز سفيراً في واشنطن، لكن مناحيم بيغن وموشيه شمير حينها لم يكونا متحمسين، ورأيا أن نتنياهو كان يفتقر إلى الخبرة. وما إن جاءت حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل عام 1984 حتى عين سفيراً في الأمم المتحدة وكان لا يزال في الـ34 من العمر، تمكن خلال تلك الفترة من حياته التي قضاها في هذا المنصب من تلميع صورته، وبادر لعقد مؤتمرين دوليين حول قضية مكافحة الإرهاب، تم خلالهما تأكيد ضرورة محاربة التنظيمات الإرهابية والأنظمة الواقفة وراءها، ونشر في عام 1986 كتابه Terrorism: How the West can Win.

 كما كتب وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتز، أن النشاط الذي مارسه نتنياهو في الساحة العامة والكتب التي وضعها حول قضية الإرهاب كان لها التأثير الحاسم في صياغة السياسة الأميركية في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب الدولي.

تجربة سياسية

بعد عودته من عمله بالأمم المتحدة وتعبيد طريق دخوله إلى الحياة السياسية في إسرائيل، نجح نتنياهو في الانضمام إلى الكنيسيت للمرة الأولى في انتخابات عام 1988، كعضو عن حزب "الليكود"، وعمل مساعداً لوزير الخارجية، ووظف خبرته السياسية في مجال العمل الدبلوماسي ومعرفته بالمجتمع الإسرائيلي، وقدراته الخطابية لإثارة إعجاب الإسرائيليين وإقناعهم بفكره السياسي، حتى تمكن في 29 مايو (أيار) من عام 1993، أن يتوج زعيماً لحزب "الليكود" مقدماً نفسه نموذجاً لزعامة شابة منفتحة على كل ما هو جديد، وعمل على ترميم الحزب مالياً وتطويره تقنياً ورص صفوفه من جديد، وخاض مواجهات شرسة مع زعماء الحزب التقليديين من أمثال أرئيل شارون وديفيد ليفي.

وبعد إجراء انتخابات مبكرة إثر اغتيال إسحاق رابين عام 1996، أصبح نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي منتخب بشكل مباشر وأول رئيس حكومة ولد بعد قيام دولة إسرائيل، وكان أصغر من تولى هذا المنصب في تاريخها، وكان يبلغ من العمر آنذاك 46 سنة.

 

 

أحدث دخول بنيامين رئاسة الوزراء زلزالاً في الحياة السياسية الإسرائيلية، بعد أن ربط حزب "الليكود" بالجمعيات الدينية وبمشروع هيمنة اليمين على المجال السياسي والاجتماعي في إسرائيل، حتى أصبح المجتمع المدني اليميني الظهير السياسي الأول لحزب "الليكود" ولنتنياهو شخصياً طوال مسيرته السياسية.

وعلى رغم انتقاده الشديد لاتفاقية أوسلو للسلام عام 1993 ودفع المزيد من المستوطنين للانخراط تحت مظلة حزبه، إلا أنه وقع اتفاقيتين مع الفلسطينيين، تلتزم الأولى بتسليم 80 في المئة من مدينة الخليل للسلطة الفلسطينية، وتوافق الثانية على انسحاب الجيش الإسرائيلي من مناطق بالضفة الغربية وتسليمها إلى السلطة الفلسطينية، وعلى رغم هذه القرارات التي قوبلت بسخط وغضب من اليمين المتطرف، إلا أنه سعى لإرضائهم بزيادة إنشاء المستوطنات التي تعتبر غير شرعية بحسب القانون الدولي.

بعد خسارة الانتخابات في عام 1999 أمام زعيم حزب العمل إيهود باراك، قرر نتنياهو اعتزال السياسة والتنحي عن زعامة حزب "الليكود" لأرئيل شارون، وعمل مستشاراً لأعمال عدة شركات إسرائيلية في مجال التقنيات المتقدمة، كما أنه تمتع بشعبية كبيرة بصفة محاضر في منتديات مختلفة في أنحاء العالم.

دور مركزي

بعد انتخاب شارون رئيساً للوزراء عام 2001، أتيحت الفرصة لنتنياهو من جديد العودة إلى معترك الحياة السياسية، وتولى بداية منصب وزير الخارجية ومن ثم منصب وزير المالية، قاد خلالها سياسة تستند إلى تشجيع النمو الاقتصادي من خلال تقليص الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب والانتقال من سياسة المخصصات الحكومية إلى التشجيع على العمل، إضافة إلى إلغاء الاحتكارات واستئناف إجراءات الخصخصة واعتماد الإصلاح في الصناديق التقاعدية.

وأدت هذه الخطوات التي نالت الإطراء من الحكومة الأميركية ووكالات التصنيف الائتماني وصندوق النقد الدولي، إلى وقف تدهور المرافق الاقتصادية وأهتمت في خفض نسبة البطالة وعودة الاقتصاد الإسرائيلي الذي انكمش خلال عامي 2001-2002 إلى النمو عام 2003. إلا أنه استقال من منصبه كوزير للمالية عام 2005 اعتراضاً على الانسحاب الإسرائيلي من غزة بما يعرف بخطة "فك الارتباط".

 

 

وبعد تنحي شارون عن زعامة حزب "الليكود" وتأسيسه حزباً وسطياً جديداً هو حزب "كاديما"، وإصابته بسكتة دماغية تركته في غيبوبة، عاد نتنياهو للزعامة من جديد، وانتخب رئيساً للوزراء للمرة الثانية في مارس (آذار) عام 2009، وافق بعدها على تجميد غير مسبوق لبناء المستوطنات في الضفة الغربية لمدة 10 أشهر، مما سمح بإجراء محادثات سلام مع الفلسطينيين، قبل أن تتعثر المفاوضات أواخر عام 2010.

وعلى رغم أن الكنيست الإسرائيلي صوت عام 2013 على حل حكومته جراء إقالته ستة وزراء من حكومته آنذاك، تمكن نتنياهو من الفوز بالانتخابات التي حدثت في تلك الفترة وما بعدها حتى عام 2019.

جوانب مظلمة

كرس نتنياهو خلال 12 سنة متتالية من توليه السلطة، سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكل واسع، وفتح الباب على مصراعيه للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى وممارسة عنف غير مسبوق في الضفة الغربية وعرقل كل الجهود الدولية لحل الدولتين.

وأدت إعادة انتخابه للمرة السادسة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وقيادة تحالف هو الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، لاحتجاجات جماهيرية واسعة النطاق لم يشهد لها مثيل منذ تأسيس إسرائيل قبل 75 عاماً.

وإلى جانب أن إصلاحاته المخطط لها ومحاولات حكومته تقييد صلاحيات المحكمة العليا كانت واحدة من أكبر الأزمات في حياته السياسية الطويلة، إلا أن أحداث السابع من أكتوبر الماضي، وهجوم حركة "حماس" ضد مستوطنات غلاف غزة وقتلها واحتجازها عشرات الإسرائيليين بطريقة دراماتيكية، حطمت الصورة التي رسمها نتنياهو لنفسه خلال سنوات طويلة تصدر فيها المشهد السياسي الإسرائيلي بوصفه "حارساً أميناً لإسرائيل"، وانتهت إكلينيكياً مسيرة أطول رؤساء الوزراء خدمة في تاريخ بلاده، التي فاق طولها عدد سنوات تولي المؤسس ديفيد بن غوريون للمنصب ذاته. وأصبح بنظر العالم زعيماً يقود دولته نحو الخراب لارتكابه "حرب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة لا تزال مستعرة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير