Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فتاة بيت لحم"... الحب يقتل المراهقات والسوشيال ميديا الفخ

هوس مواقع التواصل الاجتماعي اجتاح الغالبية... وتعددت أساليب الخداع وتاهت الحقائق

علامات استفهام كثيرة تحيط بوفاة الفتاة الفلسطينية إسراء غريب أجاب السوشيال ميديا عن جزء كبير منها (مواقع التواصل الاجتماعي)

الصغيرات في مهب فورات الغضب، وفي مهب السوشيال ميديا أيضاً، يسقطن ضحية وراء أخرى، لأن أحداً ذا شارب كث وجد تصرفاتهن لا توافق مزاجه الشخصي، ولا قوانين العصبية التي يتباهى بها بين أقرانه.

القصة لم تكن قديمة يوماً ولا عفا عليها الزمن أبداً، تبدو أكثر حدوتة براقة ومنتعشة ومتجددة وفقاً لما تبثه وكالات الأنباء على مدار اللحظة، المغدورات عددهن كبير، لكن لا تصل أسماؤهن جميعاً إلى بؤرة الاهتمام، فقط من حين إلى آخر تظهر واحدة على السطح، وقد أصبحت "نجمة الأخبار"ـ

إسراء غريب ضحية الحب
قصة إسراء غريب الشابة الفلسطينية، ابنة بيت لحم التي لتوها غادرت عامها العشرين وغادرت أيضا الحياة، لم يقل القضاء فيها القول الفصل بعد، لكن حسب التصريحات الرسمية أيضاً فتناقض روايات الأهل، وتعنتهم في التعامل مع أزماتها الصحية والنفسية لا يبشر بنزاهة، ويضعهم تحت المسؤولية المباشرة. تتردد معلومات عن قمع وضرب وكدمات بسبب قصة حب كانت تلوح في الأفق بين طالبة اللغة الإنجليزية وشاب، حدث بينهما تجاوب وإعجاب.

 

الرواية الكاملة لم تروَ بعد من أي طرف، لكن العناوين بدت مقبضة، فالصغيرة دفعت حياتها ثمناً لتصرفات غامضة وغير مفهومة، حاول البعض إرجاعها إلى كونها ملبوسة بـ"الجن"، وهي المعلومات التي تبددت سريعاً، فيما جاءت إدانة السوشيال ميديا للأهل سريعة جداً، واعتمد روادها على شهادات الجيران وصرخات الفتاة التي لم تقض مضاجع المقربين ليخففوا عنها فذهبت إلى خالقها في الـ22 من أغسطس (آب)، مخلفة مظاهرات تجوب شوارع فلسطين وعشرات التدوينات التي تطالب بالعدالة وحماية الفتيات من تصرفات الأهل ضدهن بناء على مجرد "شبهات" بأنهن خرقن قواعد المجتمع.

ظلم المراهقات
تبدو القضية منظورة أمام القضاء الفلسطيني الآن، فيما الرأي العام أصدر فيها حكماً سريعاً بناء على قضايا شبيهة جرت في المجتمع تكررت فيها التفاصيل نفسها، وقد أعادت إلى الأذهان قصص ظلم الفتيات، فلا فرق هنا بين فتاة تدرس اللغة الإنجليزية بالجامعة، وتعمل خبيرة تجميل ولها متابعون بالآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبدو أنيقة وواثقة من نفسها وناجحة وطموحة مثل إسراء غريب وبين فتاة بالكاد تفك الخط، وتعمل في مصنع للملابس الجاهزة، اسمها هيام، اختارها الراحل محمد خان لبطولة فيلمه الشهير "فتاة المصنع" المعروض عام 2014.

 

تعرضت فتاة المصنع إلى شتى أنواع الضغوط والاعتداءات من الأهل بسبب قصة حب بريئة، مثلما تعرضت أيضاً إسراء، إذ حلمت بطلة الفيلم بأن تصبح مرتبطة بالمهندس صلاح، وتنتهي القصة بسبب الطبقية، وتكاد هيام تفقد حياتها ثمناً لتفكيرها بأن تعيش قصة رومانسية حتى لو من بعيد. هيام محظوظة لأن الحقيقة تكشفت بمحض الصدفة، فخرجت من الأزمة قوية وأكثر مثابرة بل ترقص ببهجة في حفل زفاف الحبيب الذي لم يستحق تفانيها، بينما إسراء دفعت الثمن حياتها، رغم أن فتاة المصنع فقدت شيئا من عفويتها وبراءتها. القتل هنا تتعدد صوره وطرقه. مثلهما أيضاً (بيسة) بطلة فيلم "دكان شحاتة" 2009، إذ كانت تتعرض للتشوه والضرب المبرح، لأنها ترغب في الزواج من شاب يرفضه شقيقها بلا سبب، وفي النهاية ولمجرد العند وبعد سنوات من الاعتداء تزوجت من رجل تكرهه رغما عنها بعد ما أجبرها أخوها على ذلك وعاشت في حزن ويأس.

السوشيال ميديا متهمة أيضاً
كانت القصة أكثر مأساوية قبل سبعين عاماً في فيلم "دعاء الكروان" المعروض عام 1959، فالفتاة المكبوتة المنغلقة التي نشأت في مجتمع تقليدي إلى أبعد حد تنخدع أيضاً بشخصية المهندس الوسيم، ولفرط سذاجتها وعدم وجود حوار صريح مع عائلتها تدفع الثمن حياتها أيضاً بعد أن أقدمت على تصرفٍ ليس من شيمها، فيما تظل آمنة شقيقتها التي تتعلم الدرس جيدا تردد: "وين هنادي يا خال؟!".

هنادي لم تأت، لكن على مدار السنوات تظهر غيرها كثيرات، بل إنهن يدفعن حياتهن ثمناً لجرائم اخترعها الأهل، فإحداهن قتلت بسبب تبادلها بعض الرسائل مع صديقها على "فيسبوك"، وأخرى لأن والدها منعها من مجرد الخروج فرفضت الانصياع، وهي كلها قصص أفردتها مساحات الأخبار على مدار الأسابيع والأيام الماضية، فالقتل بات بالشبهة فقط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن على ما يبدو أن هوس السوشيال ميديا سواء لدى الأهل أو الأبناء مؤخرا أصبح يلعب دوراً كبيراً، وتهور بعض العائلات يجعله ذريعة لعقاب قاسٍ لبناتهن، فكثير من فصول قصة فتاة بيت لحم كان حسابها على (إنستغرام) بطلا لها، سواء بنشرها صوراً مع خطيبها المنتظر وصوراً أخرى تشير من خلالها لإصابتها بالعمود الفقري، وأخرى تكشف من خلالها عن تعرضها لظلم بيّن.

تقول الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع، "البعض يستعمل وسائل التواصل الاجتماعي بهدف الإيقاع ببناتهن أو الأزواج ليوقعن بزوجاتهن، ويدخلون على تلك الوسائل تحت أسماء مستعارة وشخصيات مختلفة ويتحدثون معهن ومن ثم يرون أنهن غير مؤهلات للثقة، ثم يبدأون معهن سلسلة من المشكلات والاعتداءات، والأمر قد يصل إلى جرائم شرف".

وأضافت "بعض الفتيات يكن في مكانهن ولا يتحركن، ولم يرتكبن أي شيء وعن طريق السوشيال ميديا يظهرن لمن حولهن وكأنهن فعلن كل شيء، فمواقع التواصل وسيلة سهلة ويساء استخدامها كثيراً من الطرف الظالم والمظلوم".

وتابعت، "تتعدد أساليب الخداع في مواقع التواصل، وتتوه معها حقيقة الاتهامات، وعلى الجميع أن ينتبه جيدا في التعامل مع الآليات الجديدة كي لا يخسر ويتسرع في الأحكام، وبالنسبة إلى الفتيات يجب أن يكن أكثر حرصاً وذكاءً ولا ينخدعن، وأيضاً على الأهل أن يكونوا أصدقاء لهن أولاً كي يحافظوا على توازنهن".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات