Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاعتداءات الإيرانية في الإقليم الكردي... أهداف أبعد من أمنية

يمكن وضع العملية الأخيرة التي استهدفت منزل رجل الأعمال الكردي بيشرو دزيي في سياق صراع المصالح الاقتصادية

طهران قالت إن ضربتها في أربيل كانت ضد مركز متقدم لعمليات التجسس لصالح جهاز الموساد (رويترز)

ملخص

الاختيار الإيراني للأهداف في الإقليم الكردي اختيار معقد ومركب ويخدم أكثر من هدف في وقت واحد

قبل نحو سنتين، وتحديداً في الـ13 من مارس (آذار) 2022، استهدفت القوة الصاروخية في حرس الثورة الإسلامية الإيراني منزل رجل الأعمال الكردي باز كريم البرزنجي داخل مدينة أربيل عاصمة حكومة إقليم كردستان العراق، معلنة أن الهدف عبارة عن مركز متقدم لعمليات التجسس التي يقوم بها جهاز الموساد ضد إيران، وأنه المسؤول عن العملية التي استهدفت مخازن الطائرات المسيرة، إضافة إلى الغارة التي شنتها المقاتلات الإسرائيلية داخل الاراضي السورية وقتلت فيها ضابطين من حرس الثورة. وهذا الاستهداف لم يترافق مع سقوط ضحايا أو قتلى في المكان المستهدف.

فجر يوم الثلاثاء الـ16 من يناير (كانون الثاني) الجاري، أعلنت هذه القوات أيضاً، استهداف منزل في أربيل، ووصفته مرة أخرى بأنه مركز عمليات لجهاز الموساد يستخدم لدعم الحركات المعادية للقوى الإيرانية المعارضة داخل إيران، وأدى هذا الاستهداف إلى سقوط عدد من القتلى من بينهم بيشرو دزيي وشقيقه، وقتل معهما كرم ميخائيل صاحب حصة شركة "سامسونغ" في العراق في حين أن الرواية الإيرانية تتحدث عن مصرع أربعة من كبار ضباط جهاز الموساد في المكان المستهدف، بحسب المعلومات التي سربتها قيادة الحرس في طهران، وأن هذه العملية تصب في إطار الانتقام لاغتيال الجنرال الإيراني الذي قتلته إسرائيل في سوريا رضا الموسوي.

لا شك أن المعلن من قبل إيران هو معركة مفتوحة بين أجهزتها الأمنية والعسكرية مع نظيراتها الإسرائيلية، وأن إيران سبق لها أن حذرت الحكومة العراقية الاتحادية في بغداد وحكومة الإقليم الكردية وزعيم الإقليم مسعود بارزاني، من أنها لن تسمح بوجود إسرائيلي على حدودها، وأنها لن تهادن في هذا القرار، وهي على استعداد للقيام بأي عمل للحفاظ على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية من دون مراعاة أي أعراف أو محاذير قانونية أو دولية، حتى وإن كان على حساب سيادة العراق.

وقد سبق لطهران أن استهدفت مقار الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة في إقليم كردستان (حزب كومله والديمقراطي الكردي الإيراني) في منطقة كويسنجق بصواريخ عدة من نوع فاتح 110، ثم استكملت ضغوطها في الإقليم من خلال توظيف الاتفاق الأمنية التي وقعتها مع الحكومة العراقية أواخر مارس 2023 لتنفيذ مطالبها بإبعاد العناصر الكردية - الإيرانية المعارضة التي تعمل في الإقليم العراقي عن حدودها ونقلهم إلى صحراء الأنبار في المنطقة القريبة من الحدود مع السعودية، من دون تقديم أي التزام بعدم تكرار هجماتها أو اعتداءاتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا ما كان الهدف المعلن لهذه العمليات الإيرانية، يأخذ طابع الصراع المفتوح بين الأجهزة الأمنية الإيرانية والإسرائيلية، فإن بعداً آخر لهذه العمليات لا بد من التوقف عنده، والذي يفسر كثيراً من جوانب هذا الصراع، ولا يرتبط بالجانب الأمني، ليشمل الجانب الاقتصادي والمشاريع الاستراتيجية بين الطرفين في الإقليم، بخاصة على الساحة العراقية التي تحولت إلى ساحة لصراع صامت بينهما.

فالاستهداف الأول الذي حصل في مارس عام 2022، والذي طاول منزل رجل الأعمال باز كريم البرزنجي، جاء في توقيت يثير كثيراً من التساؤلات، لأن المستهدف في هذه العملية هو رجل أعمال في قطاع الطاقة وتطوير حقول الغاز وإنتاجه في الإقليم شمال العراق الكردي، وأن الهجوم جاء بعد حصول طهران على معلومات عن اجتماعات استضافها البرزنجي لخبراء في قطاع الطاقة أميركيين وأوروبيين وإسرائيليين لدراسة مشروع بناء خط أنابيب لتصدير غاز الإقليم إلى تركيا وأوروبا، مما يجعل الهجوم الإيراني يتخطى الهدف المعلن لطهران واعتباره رداً على دور لجهاز الموساد الإسرائيلي في الاعتداءات التي تتعرض لها طهران، وهي الرواية التي تتمسك بها طهران لتسويغ كل العمليات التي تقوم بها في إقليم كردستان ومنها العملية الأخيرة، التي أعاد قائد قوات جوفضاء في حرس الثورة أمیر علي جاجي زادة تأكيد سرديتها ومتهماً الإقليم وحكومته بتسهيل عمل جهاز الموساد الإسرائيلي "الذي حول أراضي الإقليم إلى منطلق لمختلف عملياته الأمنية داخل إيران، منها اغتيال علماء نوويين ومصانع للطائرات في مدينة شاهين شهر قرب مدينة أصفهان وسط إيران، إضافة إلى مقر وقاعدة الطائرات المسيرة في كردستان الإيرانية".

وضربة أو هجوم مارس 2022 وضع التصعيد في إطار الصراع الإيراني مع القوى الإقليمي في دائرة الصراع على المصالح الاقتصادية، وبمثابة رسالة متعددة الأبعاد لكل الأطراف الإقليمية من مغبة الاستمرار في تضييق الحصار على إيران والمساهمة في الدفع بها خارج أسواق الطاقة في المنطقة، بخاصة أن المستهدف في هذه العملية هو التصويب على مشروع بناء خط جديد لضخ الغاز الكردي إلى تركيا وأوروبا بمشاركة إسرائيلية، على أن تتولى شركة "كار" التي يملكها البرزنجي بناء هذا الخط داخل أراضي الإقليم ووصله بالخط التركي الذي انتهى العمل به ووصل إلى حدود الإقليم من الجهة التركية. وتملك الشركة أيضاً ثلث خط أنابيب تصدير خام كردستان بالشراكة مع الشركة الروسية "روسنفط". وهذا ما يفسر أيضاً الاستهدافات التي تعرضت لها شركة "دانة غاز" الإماراتية التي تعمل في تطوير حقول نفط وغاز كركوك بشراكة مع مجموعة البرزنجي، وانتهى بها الأمر إلى إعلان انسحابها من الإقليم.

لا شك أن الاختيار الإيراني للأهداف في الإقليم الكردي اختيار معقد ومركب ويخدم أكثر من هدف في وقت واحد. ويوفر الذريعة "الإسرائيلية" لهذا العمل اعتبار أن هذه الأماكن تستضيف أشخاصاً إسرائيليين وأميركيين نظراً إلى طبيعة عمل أصحابها التي لا تخرج عن السائد السياسي في الإقليم بهذه الاستضافات لشخصيات إسرائيلية، فطهران تعرف وتدرك عمق وتاريخية العلاقات التي تربط قيادة الحزب الديمقراطي الكردي بزعامة مسعود بارزاني مع الجانب الإسرائيلي والتعاون القائم بين اجهزتها الأمنية وجهاز الموساد. ومن ناحية أخرى تخدم هذه الاختيارات البعد الاقتصادي الاستراتيجي في إطار المصالح القومية لإيران، والتي تسعى إلى منع تحويل الإقليم الكردي إلى مسرح للنفوذ الاقتصادي الإسرائيلي على خاصرتها العراقية.

من هنا يمكن وضع العملية الأخيرة التي استهدفت منزل رجل الأعمال الكردي بيشرو دزيي في سياق صراع المصالح الاقتصادية انطلاقاً من الاتهام الموجه له بأنه يقوم على تهريب النفط العراقي وبيعه إلى إسرائيل، من ثم يخدم الهدف الذي تسعى إليه طهران بتضييق الحصار على مصادر الطاقة التي تحتاج إليها تل أبيب بالتكامل مع الدور الذي تقوم به جماعة الحوثي في باب المندب واستهداف السفن الإسرائيلية أو المتوجه إلى الموانئ الإسرائيلية، إلى جانب استخدام الغطاء الأمني من خلال التركيز وتظهير الدور الأمني الذي يلعبه هذا الشخص من خلال الشركة الأمنية التي يملكها "فالكون"، والتي تعمل على توفير الخدمات الأمنية للمؤسسات الرسمية والخاصة في الإقليم والعراق، والتي تقول طهران إنها توفر الغطاء لعمل جهاز الموساد في الإقليم ضد المصالح الإيرانية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل