ملخص
هل يقود إعلان إثيوبيا ممارسة النشاط التجاري في خدمات الأرصاد البحرية إلى تأزم جديد في منطقة القرن الأفريقي
أعلن معهد الأرصاد الجوي الإثيوبي أنه يجري الاستعدادات لاستخدام التقنيات البحرية لتقديم خدمات الأرصاد الجوية على المسطحات المائية بما في ذلك الموانئ.
وقال المدير العام للمعهد فطنى تشوما لوكالة الأنباء الإثيوبية الخميس الماضي إن خدمات التنبؤ بالطقس التي يقدمها المعهد تحقق فوائد متعددة للدولة.
الإعلان أثار نوعاً من التساؤلات عما يحمل من معنى هل حسمت إثيوبيا أمر المنفذ البحري ضمن اتفاقها مع سلطات أرض الصومال "صوماليلاند"؟ وإلى أين تتجه رياح الخلافات في ما يثيره الاتفاق السابق مع جمهورية الصومال؟ وما هي أبعاد ومترتبات الإعلان الجديد بممارسة النشاط التجاري في خدمات الأرصاد البحرية؟
ردود الأفعال
وكانت إثيوبيا عقدت اتفاقاً مبدئياً مع حكومة أرض الصومال (غير المعترف بها دولياً) وقعه كل من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي الذي زار أديس أبابا في الثاني من يناير (كانون الثاني) الجاري، ومثل الاتفاق مذكرة تفاهم تمهد تأمين تملك إثيوبيا منفذاً خاصاً على البحر الأحمر وفق اتفاق متكامل المنافع بين الطرفين. وقد ظلت أديس أبابا تحتفظ بعلاقات خاصة مع أرض الصومال "صوماليلاند" منذ انشقاقها عن الصومال في مايو (أيار) 1991، وتطورت العلاقة في ما بينهما لتحقيق مصالح متبادلة تستفيد فيها إثيوبيا من الموقع الجيوستراتيجي لـ"صوماليلاند" بينما تنظر الأخيرة إلى فك عزلتها وخلق شرعية دولية وإقليمية تسيّر بها أهدافها كحكومة منفصلة عن الصومال.
وضمن ردود الأفعال كانت الحكومة الصومالية أعلنت رفضها القاطع لمذكرة التفاهم المبرمة بين الطرفين لاعتبارات سيادية لدولة الصومال الموحدة، وأعلن مجلس الوزراء الصومالي في يناير الجاري رفضه القاطع لاتفاق الجانبين، مؤكداً أنه "اتفاق غير مشروع ولا أساس له من الصحة".
التنبؤات الجوية
ووفق الرأي الإثيوبي في أهمية السير قدماً لتقديم خدمات الأرصاد البحرية، أضاف فطنى تشوما أن "خدمة التنبؤات الجوية هي العمود الفقري لقطاع الطيران ويجب الاستفادة منها أيضاً في خدمات النقل المائي".
وأكد أن "معهده يستعد لتقديم معلومات الأرصاد الجوية بغية تسهيل تقديم خدمات أفضل للنقل على المسطحات المائية بما فيها الموانئ باستخدام التقنيات البحرية الحديثة"، وأضاف أن "إثيوبيا ظلت غير ساحلية لعقود من الزمن، ولم تتمكن البلاد من اللجوء إلى التقنيات البحرية لخدمات الأرصاد الجوية، لكن مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال في شأن استخدام خدمات الموانئ ستوفر فرصة لاستعمال هذه الخدمات".
ونوه تشوما إلى أن إثيوبيا عضو في الوكالة العالمية للأرصاد الجوية وتترأس فرعها الأفريقي وأن البلاد قادرة على تقديم خدمات أرصاد جوية دولية جديرة بالثقة"، لافتاً إلى أنه "يجري حالياً الإعداد لبناء محطات مختلفة خاصة بخدمات الأرصاد الجوية لجمع المعلومات اللازمة للتنبؤ بالطقس بالاعتماد على التكنولوجيا البحرية الحديثة"، وأردف أن المعهد يستعد لتركيب أجهزة حديثة لجمع معلومات الطقس على الطائرات المملوكة لمجموعة الخطوط الجوية الإثيوبية.
احتضان الجيران
توجه الاستراتيجية الإثيوبية نحو سياساتها الإقليمية كشف عنه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية دمقي مكونن بقوله إن "الدبلوماسية الإثيوبية حققت نتائج ملموسة لحماية مصالحها وركزت في سياستها الخارجية على تعزيز أمنها القومي".
وأضاف مكونن في حديثه إلى مؤسسة الصحافة الإثيوبية، خلال أسبوع الدبلوماسية الذي احتفت به أديس أبابا في الـ11 من يناير الجاري، أن "الدبلوماسية الاقتصادية والمتعددة الأطراف تشكل أحد أركان السياسة الخارجية الحالية للبلاد".
وتابع أن "إثيوبيا عملت على دمج منطقة شرق أفريقيا مع البنية التحتية واحتضان جيرانها"، موضحاً أن العلاقات الخارجية للبلاد تركز بصورة كبيرة على ضمان المصلحة الوطنية والسيادة، وقال "تم تصميم السياسة الخارجية لإثيوبيا بطريقة تحتضن جيرانها، وهي العامل الرئيس وراء مشاركة البلاد الضخمة في التكامل الاقتصادي الإقليمي".
خدمات ساحلية
إعلان إثيوبيا استعدادها لخدمات الأرصاد الجوية البحرية يشير إلى تمهيدها لمسيرتها المقبلة كدولة تقدم خدماتها في المجال البحري مثل غيرها من الدول الساحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الإطار يقول الباحث السياسي موسى شيخو إن "إبداء إثيوبيا استعدادها لتوفير خدمات الأرصاد الجوية للموانئ البحرية، معناه أنها تعبر عن إصرارها وموقفها الثابت والعزم في الانضمام إلى الدول التي تملك الموانئ والمنفذ البحري بأي طريقة".
وأضاف أن "المنفذ البحري ليس بالضرورة أن يكون ميناء تم الاتفاق عليه مع جمهورية أرض الصومال، فقد سبق وكانت هناك جهود حثيثة لاستخدام ميناء عصب الإريتري فور وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة عقب المصالحة الإثيوبية- الإريترية، وكانت تتضمن الإقدام على العودة لميناء عصب بالاتفاق مع أسمرة، وهناك أيضاً مشروع قديم إبان عهد رئيس الوزراء ملس زيناوي ودشنته أديس أبابا مع الحكومة الكينية لاستخدام ميناء لامو".
وأشار شيخو إلى "حديث قديم مع الحكومة الصومالية في مقديشو لاستخدام موانئ الصومال، كما صرحت بذلك السلطات الصومالية خلال حديثها المعترض على الاتفاق مع ’صوماليلاند‘ حيث كشف المسؤولون الصوماليون عن أن هناك حديثاً إثيوبياً ظل جارياً في شأن المنفذ البحري".
وتابع أنه "بغض النظر عن استخدام موانئ أرض الصومال، فإن إثيوبيا لديها خططاً وطموحاً لاستعمال أكثر من ميناء، لذلك فهي تستعد وتمهد تجاه كل المتطلبات المفترضة سواء كانت خدمات للأرصاد الجوية أو غيرها من مستلزمات وهذا هو المعنى في الإعلان الإثيوبي".
تتويج التعاون
أما رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد، فيرى أن "التعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال لم يبدأ بتوقيع مذكرة التفاهم بينهما في يناير الجاري، ولكن تعتبر المذكرة تتويجاً للتعاون الثنائي الذي بدأ منذ عام 1991 وتطور مع الزمان".
وقال إن "مذكرة التفاهم بين إثيوبيا و’صوماليلاند‘ تقوم على تبادل المنافع والتنمية المشتركة، فتحصل إثيوبيا على منفذ بحري مقابل اعترافها بأرض الصومال كدولة مستقلة وكذلك حصولها على نسبة 20 في المئة من الخطوط الجوية الإثيوبية"، مضيفاً أنه "في ظل عدم تجاوب كل من الصومال وإريتريا مع تلبية حاجات إثيوبيا إلى منفذ بحري على البحر الأحمر، فإن أديس أبابا ليس لديها خيار آخر".
ولفت أحمد إلى أن "نوايا الحكومة الإثيوبية هي تحريك كل المؤسسات المعنية في الدولة لتقوم بدورها في وضع الخطط والدراسات اللازمة استعداداً لما بعد حصول البلاد على المنفذ البحري على البحر الأحمر حتى تقوم بمهماتها، كما تم تدريب القوات البحرية الإثيوبية بالتعاون مع فرنسا بعد توقيع اتفاق تعاون مشترك في 2019".
وبالنسبة إلى ما تحدثه التطورات ضمن الخلاف القائم والمعترض على الاتفاق مع سلطات أرض الصومال، إلى جانب النشاط البحري الذي تستبق به إثيوبيا الأحداث، يقول أحمد "أستبعد أن تقود مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال إلى أزمة توتر في منطقة القرن الأفريقي لأن هناك تفاهمات دولية وإقليمية لحماية المصالح المشتركة وأمن البحر الأحمر، كما أن حصول إثيوبيا على منفذ بحري يدل على انتقالها من قوة محلية إلى إقليمية لتصبح لاعباً مهماً ضمن المعادلات الإقليمية والدولية في حماية أمن البحر الأحمر جنوباً ومدخل باب المندب وتأمين ممر التجارة الدولية".
نزاع وتوتر
وفي السياق، يقول الكاتب الصومالي فرحان حرسي إن "الاتفاق الإثيوبي مع ’صوماليلاند‘ أحدث نزاعاً وتوتراً كانت المنطقة في غنى عنه، فعقب الإعلان جاء الرد الصومالي سريعاً"، لافتاً إلى أنه "يمس السيادة وهو بمثابة تعدٍّ سافر على حدوده البحرية، واستدعى الصومال سفيره للتشاور، كما أنه فتح قنوات دبلوماسية للضغط على أديس أبابا".
ورأى حرسي أن "إثيوبيا لم تكن موفقة في خطوتها، إذ إن نظام هرجيسا جزء لا يتجزأ من الصومال وليس لها حق إبرام اتفاق كهذا"، مشيراً إلى أن "إثيوبيا تلقت ردوداً دولية وإقليمية سلبية تجاه هذا الاتفاق، مما جعلها تعتذر من حضور قمة ’إيغاد‘ الطارئة".
ولفت الكاتب الصومالي إلى أن "إنشاء إثيوبيا خدمات الأرصاد الجوية على مسطحات مائية ربما تقيمها على أنهارها أو على سفنها التجارية، لكن في الوقت نفسه فإن الخطوة تشبه تأسيس القوات البحرية على رغم أنها دولة حبيسة".