Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشعر الملحون مهدد بالزوال من مخيلة الجزائريين

يعود ظهوره إلى القرن الـ 16 بمدينة مستغانم غرب البلاد على يد الشاعر والمتصوّف بن خلوف الذي يعتبر الأب المؤسس لهذا النوع من الأدب

يحمل الشعر الملحون بين أبياته أسرار الأمم وتاريخ الشعوب (وكالة الأنباء الجزائرية)

ملخص

من أجل إعادة الاعتبار لهذا الفن التراثي خوفاً من زواله أمام أمواج العصرنة العاتية، تحاول وزارة الثقافة في الجزائر تنظيم لقاءات ومهرجانات وحتى أفلام حول الشعر الملحون

يحظى الشعر الملحون بمكانة خاصة في وجدان الشعب الجزائري منذ زمن بعيد، وبقدر ما ارتبط بالفرح والغزل والحب والمقاومة، يعيش حالياً وضعاً هشاً يهدده التحضر بالزوال على رغم أن الغناء العصري يرجع في نجاحه وتوسعه إلى كلمات هذا الفن، فهل تتمكن مجهودات المؤسسات الثقافية من إعادة الاعتبار لهذا التراث؟

وسيلة للتعبير

الشعر الملحون أو الشعبي أو العامي أو فن الملحون، يُطلق على الشعر الفردي الغنائي المنطوق باللغة المتداولة، وهو واحد من الحركة الشعرية التي اتخذت من لغة الحياة اليومية وسيلة للتعبير، وهو مرتبط بالغناء والتلحين. وتشير المصادر التاريخية إلى أن ظهوره في الجزائر يعود إلى القرن الـ16 بمدينة مستغانم غرب البلاد، على يد الشاعر والمتصوّف لخضر بن عبدالله بن خلوف، الذي يعتبر الأب المؤسس لهذا النوع من الفن الأدبي، وعُرف بقصائد المديح الديني والمقاومة، ولعل قصيدته المطوّلة التي وصف فيها "معركة مزغران" التي وقعت في 26 أغسطس (آب) من عام 1558، بين الجزائريين والإسبان عند محاولتهم غزو مدينته مستغانم، وانتهت بانتصار أصحاب الأرض، تبقى راسخة في ذاكرة ليس الشعراء والفنانين فحسب، بل كل الجزائريين.

كذلك يعتبر محمد بلخير الذي رافق قائد المقاومة الجزائرية الشيخ بوعمامة في ثورته الشعبية بين 1881 و1908، والطاهر بن حوّة، الذي عاصر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبدالقادر بين 1808 و1883، من بين أهم شيوخ الشعر الملحون الذين وثقوا فترات المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.

دعوات لحماية هذا الشعر

وبعد أن كان من يوميات الجزائريين وطاول وانتشاره كل مناطق البلاد وبالأخص الجهة الغربية، ومختلف الأماكن لا سيما الأسواق والمقاهي والمجالس الليلية والحفلات والمآتم، أصبحت مساحة تحركه لا تتعدى الحفلات الرسمية وبعض الأسواق واللقاءات الشعبية الضيقة، الأمر الذي يكشف عن تراجع الشعر الملحون إلى مستويات تهدده بالاختفاء من المشهد الثقافي ومنه من المخيال الهوياتي للمجتمع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق، يرى الباحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، بلقاسم بومديني، أن الشعر الملحون هو أرقى مستويات التعبير في اللغة العامية. وقد تحدث ابن خلدون عن وجود هذا النوع من الشعر المغنى في زمانه، كما وصلتنا قصائد للشاعر لخضر بن خلوف تعود إلى حوالى 1550، مشدداً على ضرورة تصنيف هذا الشعر ضمن التراث العالمي من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، بهدف الحفاظ عليه من السطو والاندثار، وأشار إلى العديد من القصائد التي يعاد غناؤها، ولا يعرف من هو مؤديها الحقيقي.

يخضع لمواصفات الشعر النخبوي

من جانبه، يشير أستاذ التاريخ عبدالحميد بورايو، إلى أن من خصائص هذه الحركة الشعرية أنها نخبوية، وهي مختلفة تماماً عن الشعر الجمعي ذي الطبيعة الفولكلورية الذي تنطبق عليه أكثر الصفة الشعبيّة نظراً لتعبيره الجمعي المجهول المؤلف، مضيفاً أنها من نوع الشعر الفردي الذي يتمتع بتقاليد فنية وببناء معيّن للقصيدة، وإيقاعات وأوزان وطرق في النظم يمكن رصدها وتقعيدها. وأبرز أنه يخضع تقريباً لجميع مواصفات الشعر النخبوي الرسمي المدون، وتم تداوله شفوياً، وقال "لكننا كثيراً ما نعثر عليه مدوناً في كنانيش وكراريس ومخطوطات".

وأضاف بورايو أن معظم منتجي هذا النوع من الشعر ذوي ثقافة تقليدية تلقوها في المؤسسات التعليمية التقليدية، لذلك لغته الخاصة ذات الطبيعة الأدبية المتميزة عن لغة الحياة اليومية، وقال: "صحيح أنه يستقي معجمه من هذه الأخيرة، غير أنه يضعها في سياقات تعبيرية أدبية تعتمد على الاستعارة والمجاز والتصوير الرمزي، ولها معجمها الخاص الواصف لها". وأوضح أنه يتميز بطغيان الروح الفردية والتعبير عن ذات الشاعر والغنائية، والثبات النسبي للقواعد الفنية، والحرص على المحافظة على ما ينتجه الشاعر، بحيث يصبح أدنى تغيير مدعاة للانتقاد والاستهجان، ليس فقط من طرف الشاعر نفسه بل من طرف متداولي شعره ورواته.

اهتمام رسمي ولكن

ومن أجل إعادة الاعتبار لهذا الفن التراثي خوفاً من زواله أمام أمواج العصرنة العاتية، تحاول وزارة الثقافة في الجزائر تنظيم لقاءات ومهرجانات وحتى أفلام حول الشعر الملحون. ويبقى المهرجان الثقافي الوطني للشعر الملحون واحداً من أهم المناسبات التي تجلب بعض الاهتمام، إذ تعتبر وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، أن الشعر الملحون الجزائري عبارة عن خزان ثري يحتوي عصارة إبداعات شعراء كبار، أمثال سيدي لخضر بن خلوف وبن مسايب وبن تريكي وعبدالقادر الخالدي ومصطفى بن براهيم، وهو جزء لا يستهان به من الثقافة الشفوية التي تنتقل من جيل إلى جيل، حاملة معها رسائل دينية وحقائق تاريخية ومشاعر وجدانية، تعبر بصدق عن الحياة الاجتماعية للمنطقة التي ولد فيها بأسلوب متوازن جميل يستهوي القارئ والسامع، ودعت كل الأساتذة والمختصين لإنجاز دراسات علمية جادة تسهم في تمحيص تدوين هذا النوع من الأدب الشعبي.

كما قدمت وزارة الثقافة رعاية رسمية خاصة بهدف إنجاز فيلم روائي طويل يسرد حياة الشاعر لخضر بن خلوف، الملقب بـ "أمير شعراء الشعر الشعبي" في الجزائر. وقالت في بيانات صحافية إن الفيلم الذي يستغرق 100 دقيقة يروي قصة "أب الشعر الملحون أو الشعبي"، معتبرة أيضاً أن الفيلم يدور حول شخصية فذة لها رمزية وحضور في الذاكرة الشعرية والنضالية الشعبية الجزائرية، مبرزة أن إنجاز مثل هذه الأعمال التاريخية لهذه الشخصيات الجزائرية، تسهم في إحياء مآثرها وتراثها لدى الأجيال الجديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة