Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اضطرابات نفسية تطارد الجيش الإسرائيلي في غزة

صحيفة "هآرتس" ذكرت أن "1600 جندي عانوا صدمات الحرب وأعراض التوتر"

وجد الجيش الإسرائيلي نفسه يتكبد خسائر فادحة كانت سبباً في زعزعة ثقة الجنود وتأثر حالتهم المعنوية سلبياً (رويترز)

ملخص

الجنود الذين أصيبوا في معارك غزة يعانون صدمات نفسية صعبة وكوابيس مزعجة

قبل بدء المعركة البرية على قطاع غزة في الـ27 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي صورت الحرب للجنود الإسرائيليين كجولة قتال سريعة وضارية، وأن تفجير أنفاق "حماس" وإغراقها وتكثيف القصف والتدمير على القطاع بأسلحة فتاكة وقنابل متطورة سيحسم الحرب خلال أيام، لكن على أرض المعركة، كان الواقع عكس ذلك، وجد الجيش الإسرائيلي نفسه يتكبد خسائر بشرية فادحة كانت سبباً في زعزعة ثقة الجنود وتأثر حالتهم المعنوية سلبياً، وتجلى الضرر على المستوى الوظيفي في ردود الفعل لدى الجنود مثل الانزواء أو الصمت المصحوب بالقلق. كيف لا، وقد اكتشف الجنود بعد ثلاثة أشهر من المعارك الشرسة، ومقتل نحو 200 عسكري منذ بدء العملية البرية، عن أن تدريباتهم المكثفة على حرب المدن داخل المدينة الصناعية التي بنتها إسرائيل عام 2005 بأحدث التقنيات على مساحة تبلغ 21 مليون متر مربع، تبدو وكأنها مدينة شرق أوسطية نموذجية، تضم 600 مبنى موزعة حول شوارع ضيقة، لا تمت بصلة لما يواجهونه في قطاع غزة، ووفقاً للجيش الإسرائيلي، فإن مقاتلي "حماس" يمتلكون بوابات سرية يصعدون خلالها بسرعة إلى السطح لإطلاق الصواريخ، ثم يختفون تحت الأرض، ويظهرون فجأة وينخرطون في قتال من منزل إلى آخر ثم يختفون مرة أخرى، مما يعني أن الجندي الإسرائيلي، إلى جانب أنه يفقد قدرته على التنبؤ الذي يمكنه من المواجهة والرد السريع والاستفادة من تدريبه، بات مكلفاً مهمة مفتوحة ومعقدة للقضاء نهائياً على "حماس" يصفها كثر من الخبراء والمحللين بأنها "مستحيلة".

صدمات الحرب

بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تم تسريح 90 جندياً إسرائيلياً من الخدمة بسبب مشكلات نفسية منذ بدء الحرب على غزة. وأضافت أن "1600 جندي إسرائيلي عانوا صدمات الحرب وأعراض التوتر"، وبينت أنه هناك ثلاثة آلاف جندي إسرائيلي تواصلوا مع خط المساعدة المعني بالصحة النفسية.

وأكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "قسم التأهيل في الجيش الإسرائيلي قرر إطلاق برنامج لمساعدة الجنود الذين يعانون الاضطرابات النفسية بسبب الحرب، وتشكيل فرق من ممرضين، وأطباء نفسيين، يستطيعون التعامل مع الميول الانتحارية من أجل إجراء تقويم للجنود الذين يعانون اضطرابات نفسية". وأضافت الصحيفة أن "الحرب على غزة تفرض ثمناً باهظاً لا يطاق في الأرواح، والإصابات الجسدية، والاضطرابات النفسية، خصوصاً بين المعوقين من جنود جيش".

وكشفت مصادر طبية إسرائيلية، في وقت سابق، أن الجنود الذين أصيبوا في معارك غزة يعانون صدمات نفسية صعبة وكوابيس مزعجة من هول مشاهد الحرب. وقال موقع "واللا" الإسرائيلي نقلاً عن عائلات الجنود، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إن شراسة قتال "حماس" سببت صدمات واضطرابات للجنود العائدين من غزة. وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن المستشفيات تحقن الجنود المصدومين نفسياً بمواد مخدرة ليتمكنوا من النوم.

 

وكان تقرير صادر عن "المعهد الوطني لأبحاث السياسات الصحية" في إسرائيل كشف عن تخوف من الآثار النفسية والصحية على عقول الجنود الذين تأثروا بالمعارك من نقطة صفر مع مقاتلي "حماس"، إلى جانب تعرضهم للصدمة، جراء حوادث القتل الخطأ التي تعرض لها الجنود على أيدي زملائهم مرات عدة. وكشف المعهد، مطلع العام الحالي، عن صورة قاتمة لآثار السابع من أكتوبر الماضي، على الصحة العقلية والنفسية للإسرائيليين. ووفقاً للمجلس الوطني الإسرائيلي للصدمات، وتقرير "ماكينزي" الصادر عنه، قد يصاب ما بين 60 و80 ألف شخص بأعراض تخلف عقلي خطي ومستديم، بسبب الصدمة من الهجوم المفاجئ والحرب، كما سيصاب ما يصل إلى 550 ألف شخص بأمراض وأزمات نفسية متفاوتة.

واستعرض رئيس جمعية الصحة العقلية في المجتمع الإسرائيلي إيدو لوريا بيانات تتوقع أن يعاني ما يصل إلى 625 ألف شخص في إسرائيل من أضرار نفسية، نتيجة هجمات "حماس" والحرب التي أعقبتها على قطاع غزة. وفي حديث لصحيفة "يسرائيل هيوم"، قال لوريا "هذه التداعيات النفسية والعقلية، تجري في إطار حدث فريد من نوعه وخصائصه، وهو هجوم ضخم، هذه حالة طوارئ نفسية مستمرة".

قلق واكتئاب

وفقاً لأرقام إسرائيلية، فإن الشهرين الماضين شهدا زيادة بنسبة 25 في المئة في عدد الإحالات إلى خدمات الصحة العقلية والنفسية. وبينت الدراسات أن نسبة تشخيص اضطرابات القلق بين الإسرائيليين زادت عما كانت عليه، قبل السابع من أكتوبر، نحو 50 في المئة، في ما شهد تشخيص "ما بعد الصدمة" زيادة بنسبة 45 في المئة، وارتفع استخدام الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب وأدوية النوم بين الإسرائيليين بنسب مقلقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدورها، ذكرت مؤسسة "مكابي" للخدمات الصحية أن عدد وصفات المهدئات الطبية والأدوية النفسية الخاصة بعلاج الاكتئاب ومضادات القلق والصدمات ارتفع بين الإسرائيليين بنسبة 20 في المئة خلال أكتوبر الماضي، مقارنة بالشهر الذي سبقه، وأعلنت كبيرة أطباء الأمراض النفسية في المؤسسة ذاتها أنه "ليس كل من يزور الطبيب سيغادر بالضرورة بوصفة طبية، هناك أولئك الذين تكفيهم مكالمة طمأنينة أو إحالة للعلاج عبر الهاتف، وهناك أيضاً أولئك الذين سيوجهون لاستخدام المهدئات الطبيعية"، مما يعني أن "العدد الفعلي لمن يمرون بأزمة نفسية في المجتمع الإسرائيلي يفوق كثيراً تلك النسبة المعلنة".

وأعلنت مؤسسة "كلاليت" التي تعد أكبر مؤسسة خدمات صحية في إسرائيل وتهتم بمعالجة أكثر من نصف الإسرائيليين، أن عدد الوصفات الطبية النفسية ارتفع بنسبة 11 في المئة، خلال أكتوبر الماضي، وقالت المؤسسة إن الزيادة تظهر أوضح ما يكون في مضادات الاكتئاب والهلع والقلق.

إسعافات نفسية

وفي ظل اتساع الصدمة بين الإسرائيليين افتتح الجيش مركزين للصحة النفسية جنوب إسرائيل، إضافة إلى مركز اتصال هاتفي يعمل فيه علماء نفس وأطباء نفسيون وهم في خدمة الاحتياط. وبحسب هيئة البث الإسرائيلية "مكان" أنه منذ السابع من أكتوبر الماضي، يستقبل الخط الساخن للإسعاف النفسي أكثر من ثلاثة آلاف مكالمة يومياً، مقارنة بـ700 إلى 800 مكالمة في اليوم العادي. وتقول المتخصصة النفسية هداز شهرباني "الجنود الذين هم حالياً في الخدمة، سيعودون إلى منازلهم وهم يعانون أعراضاً نفسية، وعليه، فإن عدد الأشخاص الذين سيحتاجون إلى المساعدة والعلاج النفسي سيستمر في التزايد بعد انتهاء الحدث"، في حين أبلغت المديرة المهنية لخط دعم الإسعافات الأولية النفسية "عيران" شاري دنيلس عن حدوث قفزة في عدد الإحالات لتلقي العلاجات النفسية، إذ سجل 88 ألف طلب للعلاج النفسي منذ بداية الحرب، تعود 45 في المئة منها للرجال، بما في ذلك الجنود النظاميون وقوات الاحتياط، وتشير بيانات مؤسسة "ناتال" الإسرائيلية المتخصصة في مجال علاج الصدمات النفسية، إلى أن المكالمات على الخط الساخن في المؤسسة التي تطلب الدعم النفسي زادت من 25 مكالمة يومياً إلى نحو 1200 في اليوم، كما اضطرت المؤسسة إلى تدريب مزيد من المتطوعين لاستيعاب الكم الهائل من الاستشارات النفسية التي ترد عبر الإنترنت.

حالة طوارئ

وفي ظل الارتفاع غير المسبوق لإصابة الإسرائيليين، جنوداً ومدنيين، بإضرابات نفسية ما بعد الصدمة، والإحالات لتلقي العلاج النفسي، والتخوف من انهيار منظومة الصحة النفسية في إسرائيل، طالب "منتدى مديري مراكز الصحة النفسية" إعلان حالة طوارئ في مجال الصحة النفسية في إسرائيل، إذ تم في الشهرين الأوليين للحرب، تشخيص 300 ألف حالة لأشخاص يعانون أزمات نفسية متفاوتة، فيما ظل مئات آلاف، وفقاً للمنتدى من دون تشخيص، بسبب "عدم قدرة نظام الصحة النفسية على تقديم الخدمات لهذا الكم الهائل من الأشخاص".

وبعث المنتدى إلى مراقب الدولة الإسرائيلي متنياهو أنغلمان رسالة رسمية مستعجلة جاء فيها "أننا نشهد ارتفاعاً بمعدلات الإصابة بالأمراض العقلية، وحالات الانتحار، والعلاج في أقسام الطوارئ في المستشفيات في ظروف مزرية وغير إنسانية، هذا الوضع يعكس العجز التام من جانبنا". وأضاف "نحن غير قادرين على تقديم العلاجات والاستجابة المناسبة للحاجات والحالات العاجلة وتشخيص الكم الهائل من التوجهات اليومية، وليس بمقدورنا أن نفعل شيئاً، نطالبك باستخدام صلاحياتك من أجل إنقاذ الصحة العقلية لمواطني إسرائيل". وقدر مديرو المراكز أن الحرب ستحمل عواقب وتداعيات كبيرة في مجال الصحة العقلية. وأكد أعضاء المنتدى أن "خدمات الصحة النفسية بصفوف الجنود تضاعفت عشرات المرات ونتائجها صعبة ومثيرة للقلق، لأن مستوى الاعتلال النفسي، وحالات الانتحار باتت عالياً في صفوف الجيش".

"تسونامي" الصدمات

وبحسب الدراسات العلمية التي تناولت آثار الكوارث الإنسانية، فإن 11 في المئة من النساء وستة في المئة من الرجال يعانون ظاهرة ما بعد الصدمة. وتعد الكوابيس واحداً من عوارض هذه الإصابة، وهي تحتاج إلى علاج مهني عميق. وفي هذا المجال، رأى مدير مركز الصحة النفسية غيل زلتسمان أن مظاهر الخضات النفسية التي تصيب الجنود "تحتاج إلى علاج جذري قد يستغرق سنوات طويلة"، ولفت إلى أن عيادات الطب النفسي في إسرائيل تعمل على مدار الساعة في استقبال المصابين.

أضاف زلتسمان، في مقال نشره بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية "استثمرت دولة إسرائيل كثيراً من الجهد والمال لتطوير منظومة القبة الحديدية، وبناء جدار إلكتروني متطور في شتى مناطق الحدود وأسلحة متطورة لكي نحمي المواطن، وقد حان الوقت لأن نستثمر في موضوع العلاج النفسي". وبين زلتسمان أنه عندما يبدأ الجنود الإسرائيليون بالعودة من جبهة القتال "سنواجه تسونامي الصدمات النفسية"، مشدداً على ضرورة أن "نكون جاهزين لتقديم العلاج بطواقم عاملة وأدوات علاجية متطورة وملائمة".

بدوره، كشف المدير العام لوزارة الصحة الإسرائيلية موشيه بار سيمان عن خطة لتوسيع نظام الصحة النفسية بكلفة ملياري شيكل (550 مليون دولار)، في إقرار لعدم جهوزيته لأي حالة طوارئ. وأشار متخصصون نفسيون إسرائيليون إلى أنهم، منذ أحداث السابع من أكتوبر، يعملون مدة 20 ساعة يومياً معظمها تطوعية، ويتنقلون إلى جانب الأطباء النفسيين بين المستشفيات والفنادق، ويقدمون الإسعافات النفسية الأولية للناجين من المعارك ولأهالي القتلى والمحتجزين والجرحى والنازحين من منازلهم بسبب القصف وصدمات المعارك.

ضغط كبير

وبين ما يواجه نظام الصحة العقلية في إسرائيل من خطر الانهيار، وتزايد الطلب على خدمات الصحة النفسية بسبب الحرب، أشارت صحيفة "هآرتس" في تقرير لها إلى أن عشرات الأطباء النفسيين الإسرائيليين يغادرون إلى بريطانيا بحثاً عن ظروف حياة أكثر استقراراً، وقالت إن العشرات من الأطباء النفسيين أجروا اختبار الترخيص لممارسة الطب في بريطانيا، لكن قبل أشهر. ونقلاً عن مسؤول بارز في منظومة الصحة العقلية، أكدت الصحيفة أن "الإحباط بسبب عبء العمل الثقيل وعدم الشعور بأن الوضع سيتحسن، دفع الأطباء للمغادرة". إلى جانب أن نظام الصحة العقلية في بريطانيا يمتاز بأنه "أكثر تنظيماً، وأقل ازدحاماً، وساعات العمل أكثر عقلانية". ووفقاً لتقرير القوى العاملة الطبية الصادر عن وزارة الصحة الإسرائيلية، العام الماضي، فإن عدد الأطباء النفسيين للفرد في إسرائيل انخفض بنسبة 19 في المئة خلال العقد الماضي.

وأكد منتدى مديري مراكز الصحة النفسية أن النظام ينقصه نحو 400 طبيب نفسي، وفي غضون خمس سنوات سيتضاعف العدد، لأن عديداً من العاملين الآن يقتربون من سن التقاعد أو يتجاوزونه، فضلاً عن ارتفاع نسبة من يهاجرون بحثاً عن عمل مستقر، في حين بينت أرقام قدمها المعهد الوطني للخدمات الصحية وأبحاث السياسة الصحية الإسرائيلية، في مطلع العام الحالي، أنه يوجد في إسرائيل طبيب نفسي واحد فقط في الخدمة العامة لكل 11 ألفاً و705 أشخاص.

المزيد من الشرق الأوسط