Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملامح السياسة الخارجية التركية في العام الجديد (1)

من المفيد بأن تستمر في تطوير علاقاتها المؤسساتية مع دول المنطقة على أساس المنفعة المتبادلة حتى لا يستبعد من التطورات في منطقة الشرق الأوسط، الحبلى بالتغيير

تواجه تركيا اليوم في السياسة الخارجية وضعاً أكثر تعقيداً مقارنة بما كانت عليه قبل قرن من الزمان (أ ف ب)

ملخص

العلاقات التركية - الإسرائيلية وصلت إلى نقطة الانهيار مع حرب غزة، كما تسببت أزمة الثقة بين الولايات المتحدة وتركيا في استبعاد واشنطن لتركيا من البحث عن حلول في المنطقة

خلال عام 2023 تراكمت الأحداث، مثل استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، والتوتر في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والانقلابات والحروب الأهلية في القارة الأفريقية، والكوارث الطبيعية، وحروب الممرات، لذلك اكتسبت المنظمات الإقليمية أهمية أكبر، إذ إن المنظمات العالمية لم تكن كافية لإيجاد حلول لمشكلات القرن الـ21، وقبل نهاية العام تركت حرب غزة بصماتها.

وفي 2023 احتفلت تركيا بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية، وهذه الجمهورية تواجه اليوم في السياسة الخارجية وضعاً أكثر تعقيداً مقارنة بما كانت عليه قبل قرن من الزمان، ففي حين واصلت أنقرة إصلاح علاقاتها مع دول المنطقة، فإنها من ناحية أخرى حاولت اتخاذ موقف يتوافق مع مصالحها الوطنية في مواجهة التحديات الجديدة.

في هذه المقالة أريد بشكل عام مناقشة أهم مواضيع السياسة الخارجية في جغرافيتنا القريبة، التي تعد مهمة لتركيا في عام 2023، وقد تشغل الأجندة التركية في العام الجديد.

الحرب بين روسيا وأوكرانيا

في العام الماضي واصلت تركيا سياسة التوازن بين الأطراف المتحاربة، ووبذلت جهوداً لإنهاء الصراع وإعادة الأطراف لطاولة المفاوضات، كما بذلت جهوداً دبلوماسية مكثفة لتمديد اتفاق الحبوب، ومدد الاتفاق الموقع في يوليو (تموز) 2022 أربع مرات لمدة عام، وخلال هذه الفترة وصل إلى أكثر من 30 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق العالمية.

من ناحية أخرى تعرضت تركيا، التي لا تشارك في عقوبات دول ثالثة من حيث المبدأ، لضغوط متزايدة من الغرب في ظل استمرار الحرب. وفي هذا السياق فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض الشركات والأفراد الأتراك، لكن على العموم من الممكن أن يحصل تغيير في الموقف الغربي تجاه أوكرانيا بسبب قرب الانتخابات الأميركية، وفي واقع الأمر كانت عودة زيلينسكي خالي الوفاض من زيارته لواشنطن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفشل الاتحاد الأوروبي في الموافقة على حزمة المساعدات متعددة السنوات لأوكرانيا بسبب حق النقض الذي استخدمته المجر، أولى علامات هذا التغيير في الموقف.

وعلى رغم كل أنواع المساعدات العسكرية والمادية، فإن فشل كييف في تحقيق أهدافها وحقيقة أن جزءاً كبيراً من أراضيها المحتلة لا يزال تحت السيطرة الروسية، قد يدفع الغرب إلى تشجيع أوكرانيا على العودة لطاولة المفاوضات في المستقبل القريب، وإلى أن يتم الوصول إلى هذه المرحلة، ستحتاج تركيا إلى التصرف بحذر لتجنب التعرض لعقوبات أخرى. إضافة إلى ذلك من الضروري أن تستمر تركيا في الحفاظ على مسافة متساوية من الأطراف المتحاربة في الفترة المقبلة حتى تكون "وسيطاً نزيهاً" لكي تتمكن من القيام بدور الوساطة الذي لعبته في بداية الحرب... في حال استئناف المفاوضات.

آسيا الصاعدة

في عام 2023 واصلت تركيا تطوير علاقاتها مع دول آسيا الوسطى التي تربطها بها روابط تاريخية وثقافية واجتماعية، ومع القارة الآسيوية ضمن مبادرة "آسيا من جديد". وفي هذا السياق بينما عززت تركيا علاقاتها مع المنظمات الإقليمية، وخصوصاً "منظمة الدول التركية"، فإنها سعت إلى إقامة تعاون أكثر جوهرية ومؤسساتية مع القارة العجوز من خلال الزيارات الثنائية. لكن في عام 2023 أصبحت دول آسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية، منطقة تنافسية للقوى العظمى، وذلك بسبب سياسة الولايات المتحدة الأميركية في محاصرة الصين، والفجوة التي خلقها تحول روسيا نحو أوكرانيا، وأزمة الطاقة، إذ ازدادت أهمية "الممر الأوسط"، في حين تمتلك تركيا ثقلاً في هذه المنطقة من خلال إبراز موقعها الجيواستراتيجي في إطار الديناميكيات العالمية المتغيرة والتعاون مع الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة، في ما يتعلق باستراتيجيات جديدة سيتم خلقها لآسيا الوسطى، من دون التأثير في علاقاتها مع روسيا، وهذا إن تم سيمنح تركيا تأثيراً مضاعفاً في قوتها الإقليمية.

أما العلاقات التركية - الصينية فشهدت تطوراً إيجابياً خلال العام الماضي، ومثال على ذلك زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى تركيا، والقرار الذي اتخذته الأطراف في شأن تنسيق مبادرات "طريق الحزام الواحد" و"الممر الأوسط". وأعتقد أن هذا التطور يأتي في ظل سياسة الصين التي تشهد انفتاحاً متزايداً باتجاه الشرق الأوسط، وسيكون من المصلحة الاستراتيجية لتركيا، التي اتبعت سياسة التوازن مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، أن تتبع سياسة توازن مماثلة في مواجهة التنافس بين واشنطن وبكين. ومن المهم لتركيا أن تضع سياسة طويلة الأمد من شأنها تعزيز دورها كجسر بين الولايات المتحدة والصين في محور الشرق والغرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القوقاز... قريبة جداً وبعيدة جداً من السلام

بعد انتصار أذربيجان على أرمينيا في حرب قره باغ الثانية، استمرت آلام تغير التوازنات في القوقاز. لذلك فإن التوتر المستمر بين أرمينيا وأذربيجان، اللتين حاولتا وضع القوى الكبرى خلفهما، تسبب في صراعات ساخنة من وقت لآخر. ونتيجة للانتخابات الرئاسية التي أجراها أرمن قره باغ والأعمال التي وصفت بـ"الاستفزازية"، استعادت أذربيجان أراضيها المحتلة من خلال عملية عسكرية جرت في سبتمبر (أيلول) الماضي، ثم توصل الأطراف مع الوسطاء إلى خطوة جدية في إجراء مفاوضات مباشرة، أثمرت عن اتفاق البلدين على بعض إجراءات بناء الثقة، وفي هذا الإطار تم تبادل الأسرى بينهما.

العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان كانت تؤثر بشكل مباشر في العلاقات التركية - الأرمينية، وبعد زلزال السادس من فبراير (شباط)، كانت أرمينيا من أوائل الدول التي أرسلت مساعدات إلى تركيا، تلا ذلك زيارة وصفت بـ"التاريخية" أجراها وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان إلى أنقرة، أدت إلى الاتفاق على بعض إجراءات بناء الثقة بين الطرفين.

في ظل هذه التطورات، يبدو أن توقيع اتفاق السلام النهائي في 2024 بين أذربيجان وأرمينيا، سيسهم بشكل إيجابي في تطوير العلاقات بين تركيا وأرمينيا.

فلسطين قلب الشرق الأوسط

في مقالتي مطلع العام الماضي ذكرت أن "وصول بنيامين نتنياهو إلى منصب رئيس وزراء إسرائيل للمرة السادسة، وبالتالي تشكيل التحالف الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، قد يؤديان إلى زيادة التوترات بين امتدادات إيران في سوريا ولبنان وفلسطين وإسرائيل".

إن التصرفات الاستفزازية التي يقوم بها شركاء الائتلاف اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو ضد الفلسطينيين، وتأجيج نتنياهو للانقسام بين الفلسطينيين، وزيادة سوء الأوضاع المعيشية، كلها أدت بالنتيجة إلى زيادة ردود الفعل لدى الفلسطينيين، كما أظهرت عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها "حماس" ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بوضوح أن رياح السلام التي تهب على الشرق الأوسط لا يمكن أن تستمر من دون حل القضية الفلسطينية.

العلاقات التركية - الإسرائيلية، التي ارتبطت بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي منذ الماضي، وصلت إلى نقطة الانهيار مع حرب غزة. ومن ناحية أخرى تسببت أزمة الثقة العميقة بين الولايات المتحدة وتركيا في استبعاد الولايات المتحدة لتركيا من البحث عن حلول في المنطقة، ففضلت واشنطن إجراء عملية التفاوض مع قطر التي تدعم "حماس" وتستضيف كبار مسؤوليها، لكن في المقابل دخلت تركيا إلى غزة كمقدم مشارك للمسودات المطروحة على الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال انضمامها إلى مجموعة العمل المكونة من وزراء خارجية سبع دول نتيجة لقرارات منظمة التعاون الإسلامي، كما أسهمت في إرسال المساعدات الطبية والإنسانية إلى غزة.

في عام 2024 ينبغي لتركيا، التي تربطها علاقات تاريخية بالمنطقة، أن تصبح جزءاً من الحل، وأن تزيد جهودها الدبلوماسية لإحلال السلام الدائم. ولا شك أن الخطوات المتخذة نحو إنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ستكون لها انعكاسات إيجابية على أمن تركيا، لكن لا يبدو أن العلاقات التركية - الإسرائيلية ستتحسن طالما بقي نتنياهو في السلطة، أما إذا وصلت إلى السلطة في إسرائيل حكومة تدعم حل الدولتين، فقد تكون خطوات إعادة تحسين العلاقة بين البلدين على جدول الأعمال.

على صعيد المنطقة أيضاً عملت تركيا في العام الماضي على تحسين علاقاتها مع السعودية والإمارات ومصر، ومن المفيد لتركيا في العام الجديد أن تواصل هذا النهج، وتستمر في تطوير علاقاتها المؤسساتية مع دول المنطقة على أساس المنفعة المتبادلة، حتى لا تستبعد من التطورات في منطقة الشرق الأوسط، الحبلى بالتغيير، وتوجيه هذه التطورات بما يتفق ومصالحها.

سوريا والعراق... تأثير مباشر في الأمن القومي التركي

في الأسبوع الأخير من عام 2022، وللمرة الأولى منذ 11 عاماً، جرت اتصالات رسمية بين تركيا والنظام السوري بوساطة روسية، فكانت أولى خطوات تطوير العلاقات التركية مع الأسد. وعلى رغم أن الأطراف اجتمعت مرة أخرى عام 2023، إلا أن العملية لم تتقدم بالوتيرة والطريقة المطلوبتين بسبب عدم التزام حكومة دمشق، إضافة إلى أن عودة سوريا لجامعة الدول العربية، جعلت دمشق تشعر بأن التطبيع مع تركيا ليس أولوية، كما أن هناك عديداً من القضايا التي تنتظر الحل بين البلدين، بخاصة مكافحة الإرهاب واللاجئين.

إضافة إلى كل ذلك، فإنه في حال إعادة انتخاب دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر إجراؤها عام 2024، قد يتم طرح انسحاب القوات الأميركية من سوريا على جدول الأعمال، وهذا الوضع قد يجعل التعاون مع النظام السوري في مكافحة الإرهاب أكثر إلحاحاً. وفي ضوء كل هذه القضايا سيكون من المفيد البدء بخطوات تطبيع مع سوريا، بحيث يكون هناك خط اتصال مباشر بين دمشق وأنقرة من دون وسيط.

أما في العراق فإن المادة السابعة من الدستور العراقي تلزم الدولة العراقية بعدم إيواء التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطراً على دول الجوار على الأراضي العراقية، وعلى رغم ذلك فشلت الحكومة العراقية في القضاء على "التهديد الإرهابي" ضد تركيا من داخل الأراضي العراقية حتى الآن، لذلك من الضروري في الفترة المقبلة أن تقوم تركيا بمطالبة العراق باتخاذ موقف حازم في مجال مكافحة الإرهاب، والتأكد من أن آليات التعاون الأمني القائمة بين البلدين تعمل بشكل أكثر فعالية.

باختصار الجهات الفاعلة من خارج المنطقة ستنسحب عاجلاً أم آجلاً من سوريا والعراق، لذلك من المهم أن تتعاون أنقرة مع دمشق وبغداد.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذه المقالة تخص المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت تركية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل