Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

2023 عام الأرقام القياسية والتوقعات الفاشلة

قد يستغرب بعض المتابعين أن أغلب الزيادة في إنتاج النفط جاءت من ثلاث دول تعد في مقدمة محاربي التغير المناخي: الولايات المتحدة وكندا والنرويج

ارتفعت احتياطيات النفط والغاز العالمية (أ ف ب)

ملخص

وصل الطلب العالمي على النفط عام 2023 إلى أعلى مستوى له تاريخياً، ضارباً بعرض الحائط كل التوقعات التي قالت إن الطلب على النفط وصل إلى أوجه عام 2019 أو 2022

كان عام 2022 عاماً تاريخياً في أسواق الطاقة، وستذكره كتب التاريخ كعلامة فارقة في أسواق الطاقة، بخاصة في مجال النفط والغاز. عام 2023 لم يكن بذلك المستوى، إلا أنه كان عام الأرقام القياسية والتوقعات الفاشلة! كان العام الذي رسخ دور السعودية المهم في أسواق النفط العالمية، ومرونة منتجي النفط الصخري الأميركي وقدرتهم على التأقلم والتعايش مع ظروف السوق المختلفة. كما أثبت أن بقاء أسعار النفط في مستويات تطلبها موازنات دول "أوبك" يعني أن إنتاج دول "أوبك" لن يزيد، وأن الزيادة في الطلب العالمي على النفط ستتم مقابلتها بزيادة إنتاج دول خارج "أوبك". وقد يستغرب بعضهم أن أغلب الزيادة في إنتاج النفط جاءت من ثلاث دول تعد في مقدمة محاربي التغير المناخي: الولايات المتحدة وكندا والنرويج!

كان 2023 عاماً تاريخياً لأسواق الطاقة في الولايات المتحدة، إذ ارتفع إنتاج النفط إلى أعلى مستوى له في تاريخ الصناعة منذ ولادتها عام 1859! كما وصل إنتاج الغاز إلى مستويات تاريخية، وكذلك صادرات النفط والغاز. وفي الوقت نفسه وصلت القدرة على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح وكمية الكهرباء المولدة منها إلى أعلى مستوى لها تاريخياً، وكذلك مبيعات السيارات الكهربائية وعددها في الطرق. الفوائد الاقتصادية والسياسية التي جنتها الولايات المتحدة من الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، لا تقدر بثمن. 

في عام 2023، وصل الطلب العالمي على النفط إلى أعلى مستوى له تاريخياً، ضارباً بعرض الحائط كل التوقعات التي قالت إن الطلب على النفط وصل إلى أوجه عام 2019 أو 2022. كذلك وصل الطلب على الفحم والغاز المسال إلى أعلى مستوى له في التاريخ. 

وكان عام 2023 تاريخياً أيضاً لقناة السويس، إذ وصلت الإيرادات إلى مستويات قياسية، ومر بها أكبر عدد من ناقلات النفط في تاريخها، وذلك بسبب تحول اتجاهات التجارة الدولية بسبب العقوبات على روسيا. فتحول النفط الروسي من أوروبا إلى آسيا، وزادت كمية النفط الروسي العابرة لقناة السويس بأكثر من سبعة أضعاف، وهذا يعني زيادة كبيرة في عدد الناقلات. كما قامت دول الخليج بتحويل جزء من النفط من آسيا إلى أوروبا، فزاد عدد ناقلات النفط المتجهة شمالاً في قناة السويس.

وما يميز 2023 أيضاً مشكلات شحن النفط والغاز المسال لأربعة أسباب، الأول هو مشكلات الجفاف في وسط أميركا، مما خفض منسوب المياه في قناة بنما وخفف من حركة الملاحة فيها بشكل كبير، ونتج من ذلك تأخير الشحنات وارتفاع التكاليف، ومن ثم تحويل الشحنات إلى قناة السويس أو حول أفريقيا. الثاني حرب غزة التي نتج منها ارتفاع تكاليف التأمين في حوض المتوسط. والثالث هو ضرب الحوثيين للسفن أو تهديدها حول مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وما نتج منه من تدخل البحرية الأميركية، وارتفاع تكاليف التأمين وتحويل السفن لتبحر حول أفريقيا. والرابع هو وصول عدد حاملات النفط التي لا تشغل أجهزة التتبع، التي تسمى بـ"الأشباح"، التي تحمل النفط الروسي والإيراني والفنزويلي، إلى أعلى مستوى له في التاريخ. 

شهد عام 2023 تغيراً في سلوك "أوبك+"، إذ تم اللجوء إلى الخفض الطوعي في ضوء رفض بعض الدول خفض الإنتاج.  أي قرار لـ"أوبك" أو "أوبك+" يجب أن يكون بالإجماع، ومن ثم فإن معارضة دولة واحدة يمنع التوصل إلى قرار موحد. اللجوء إلى الخفض الطوعي أبرز أكبر عيوب "أوبك"/"أوبك+": الصوت للدولة مهما كان حجم إنتاجها. بعبارة أخرى، النظام لا يفرق بين دولة تنتج 10 ملايين برميل يومياً وأخرى تنتج 100 ألف برميل يومياً. كل منهما لها صوت واحد. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما شهد عام 2023 تغيراً في سردية المناخ بسبب تراجع عديد من الدول والشركات عن أهدافها المناخية، وعودة بعض الدول الأوروبية للفحم، وتوقيع عقود متوسطة المدى للغاز المسال. وظهر ذلك واضحاً في مؤتمر المناخ "كوب 28" في دبي، إذ حققت الدول النفطية وشركات النفط أهدافها بأن يكون نص البيان الختامي متوافقاً مع رؤيتها. وثبت بشكل قاطع أن محاربة التغير المناخي "سلعة كمالية" تتبناها الحكومة وقت الرخاء وتتخلى عنها وقت الشدة. 

وأثبتت أسواق النفط في 2023 فشل العقوبات الاقتصادية، والحظر النفطي على روسيا، كما أثبتت فشل السقف السعري الذي أقرته مجموعة الدول السبع ودول الاتحاد الأوروبي. والحقيقة أن كل ما يقال عن خفض السقف السعري لإيرادات الحكومة الروسية هو محض خيال، مصدره وزارة الخزانة الأميركية والإعلام المروج لها. فانخفاض الإيرادات نتج من الانخفاض العام في أسعار النفط وزيادة تكاليف الشحن بسبب التحول من أوروبا إلى آسيا. بعبارة أخرى، أغلب التخفيضات السعرية سببها ارتفاع تكاليف الشحن.

كما أثبتت أحداث أسواق النفط فشل إدارة جو بايدن في إعادة ملء المخزون الاستراتيجي، على رغم الوعود المتكررة بإعادة ملئه.  والكميات التي تم شراؤها حتى الآن كميات صغيرة لا تذكر وبأسعار عالية. وتوحي عمليات الشراء بأنه قد تكون هناك أسباب فنية للشراء، أكثر منها استراتيجية، وهي أمور تتعلق بالمغارات الملحية المخصصة لتخزين النفط.

وعلى رغم كل مشكلات عام 2023، ارتفعت احتياطيات النفط والغاز العالمية. فقد نشرت منصة الطاقة المتخصصة تقريراً منذ أيام أشارت فيه إلى زيادة احتياطيات النفط العالمية بنسبة 0.4 في المئة إلى 1.754 ترليون برميل. وعلى رغم صغر هذه الزيادة، إلا أنه علينا أن نتذكر أنه تم التعويض عما تم إنتاجه في عام 2023 بالكامل، وهي كمية تجاوزت 30 مليار برميل. وذكرت المنصة أن احتياطات الغاز ارتفعت بنسبة 0.7 في المئة إلى 7506 ترليون قدم مكعبة. وهذا يتضمن التعويض عن أكثر من 140 ترليون قدم مكعبة تم إنتاجها عام 2023، وجاءت أغلب الزيادة من الأميركيتين والشرق الأوسط. 

ما يميز عام 2023 هو فشل جميع التوقعات، وفي كل المجالات تقريباً. فشلت كثير من التوقعات المتعلقة بالطلب على النفط وإنتاجه وأسعاره، وفشلت التوقعات المتعلقة بالغاز المسال، وفشلت التوقعات المتعلقة بتجارة النفط والغاز الروسيين. كما فشلت التوقعات المتعلقة بـ"أوبك+"، إذ إن التوقعات في نهاية 2022 تشير إلى ضرورة قيام هذه الدول بزيادة الإنتاج في نهاية 2023، وما حصل هو العكس. 

ولو نظرنا إلى أسعار النفط، نجد أن أغلب التوقعات كانت فوق 88 دولاراً لخام برنت. التوقع الوحيد الذي أثبت صحته جاء من بنك "سيتي" المعروف، إذ توقع أن يكون متوسط سعر برنت 80 دولاراً، وكان المتوسط الفعلي نحو 82 دولاراً للبرميل. كل التوقعات التي كانت ترى أن أسعار النفط ستتجاوز 100 دولار للبرميل فشلت فشلت ذريعاً.

من التوقعات التي فشلت أيضاً ترجيح بعضهم بأن تقوم إدارة بايدن بإعادة ملء المخزون الاستراتيجي، ونمو كبير في الطلب على النفط نتيجة الانفتاح الصيني، وانخفاض إنتاج النفط الأميركي. 

ويأتي فشل بعض التوقعات، بخاصة في ما يتعلق بالغاز والطاقة المتجددة، نتيجة عدم فهم كثيرين لاستهلاك الطاقة في أوقات الركود الاقتصادي أو انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي. ففي هذه الحالات، تزداد "حصة" الطاقة المتجددة وتنخفض حصة "الوقود الأحفوري"، هذا لا يشكل اتجاهات جديدة لأن الأمور ستنقلب رأساً على عقب مع ارتفاع معدلات النو الاقتصادي.

بالنسبة إلى كاتب هذه المقالة، فشلت توقعاته للربع الرابع بشكل ذريع، إذ كان يتوقع زيادة ملحوظة في الطلب تدعم أسعار النفط وترفعها فوق 90 دولاراً للبرميل، ولكن ضعف الاستهلاك في الصين والولايات المتحدة أثبت خطأ هذه التوقعات. كما أسهم قرار الحكومة الصينية بتحجيم حصص التصدير للمصافي المستقلة في خفض واردات الصين من النفط، كذلك أسهم في رفع مستويات المخزون بشكل غير متوقع.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء