Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أنقرة تعاقب "قسد" باستهداف بنى اقتصادية شمال شرقي سوريا

قصفت على مدى أيام منشآت حيوية من بينها موقع لتكرير النفط

دخان متصاعد من موقع لتكرير النفط شمال شرقي سوريا بعد القصف التركي (اندبندنت عربية)

ملخص

الجيش التركي لم يعد يكتفي بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني وبات يستهدف خلال الآونة الأخيرة المنشآت المدنية والحيوية.

أحالت الضربات الجوية التركية ليل شمال وشرق سوريا إلى نهار مع استهدافها على مدار أيام لمقار ومواقع حيوية إحداها مواقع لتكرير النفط، وأشعلت النار بها رداً على هجوم حزب العمال الكردستاني بالعراق على موقع عسكري، وهو ما يفسره مراقبون بنوع من الانتقام، إذ تركز الضربات على مراكز نفوذ الاقتصاد الكردي وعموده الفقري المتمثل في الطاقة التي تعج بها المنطقة.

غارات جوية

ولقي ثمانية مدنيين شمال شرقي سوريا مصرعهم إثر قصف تركي أمس الإثنين بعد يومين من شن أنقرة غارات على أهداف تابعة لمقاتلين أكراد في سوريا والعراق، وتجدد القصف ليستكمل سلسلة استهدافات طاولت مقار وبنى تحتية حيوية تابعة للإدارة الذاتية، وبلغ حجم الاستهداف بحسب المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي نحو 25 منشأة خدمية مدنية.

وكانت وزارة الدفاع التركية أعلنت أمس الإثنين مقتل 26 شخصاً وصفتهم بـ "إرهابيين" من تنظيم حزب العمال الكردستاني شمال سوريا والعراق، وأفاد بيان الوزارة بتنفيذ العمليات عبر غارات جوية نفذت يوم السبت ضد أهداف محددة ولا تزال مستمرة، ويأتي ذلك التصعيد بعد سقوط 12 جندياً وإصابة 13 آخرين يومي السبت والأحد الماضيين.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن ارتفاع عدد ضحايا الاستهداف الأخير إلى ستة أشخاص بعد ضربات جوية استهدفت مواقع متفرقة في مدينة قامشلي، من بينهم أربع ضحايا قضوا في مطبعة ومدني باستهداف محيط مطحنة في صوامع الحبوب، وآخر في استهداف لمقر مركز توزيع المحروقات.

بنى تحتية وسكان

في غضون ذلك طالبت الإدارة الذاتية الكردية جميع الأطراف السورية والدولية الفاعلة والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية باتخاذ موقف واضح حيال التصعيد التركي الأخير، وذكرت في بيان لها أمس الإثنين "ضرورة رفع الجهوزية التامة للدفاع عن مناطق شمال وشرق سوريا"، وعدت أن التصعيد "يهدف إلى تطويق مشروع الإدارة الذاتية ومنعه من التطور ومنح تنظيم ’داعش‘ فرصة لترتيب قوته من جديد".

كما تطرق البيان إلى كون الاستهداف التركي "يهدد ملايين السوريين ويزيد معاناتهم الإنسانية والاقتصادية، كما يهدد جهود الحفاظ على الاستقرار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال كلمة له في إسطنبول أن "دماء الجنود لن تذهب سدى وسيكون الرد بالمثل"، وأكد أثناء افتتاح مدرج مطار صبيحة غوكتشن الدولي الواقع في الشطر الآسيوي من المدينة مواصلته استهداف ما وصفها بالتنظيمات الإرهابية حتى النهاية، وانتقد في الوقت ذاته القوى السياسية الداخلية التي تهادن "الإرهابيين"، بحسب قوله.

وتشير تقديرات الموقف إلى تغيير في خطط الهجمات التركية بالآونة الأخيرة، فباتت تستهدف المنشآت المدنية والحيوية أكثر كسياسة عدها مراقبون وسيلة للضغط على القوات العسكرية الكردية بإضعاف مواردها المالية، في وقت تلاحق أنقرة العناصر المقاتلة من حزب العمال الكردستاني وتعده حزباً محظور النشاط داخل تركيا.

وتتهم تركيا قوات سوريا الديمقراطية "قسد" (قوة عسكرية محلية تأسست عام 2013 وشاركت مع التحالف الدولي لمكافحة داعش في سوريا) وعدد من الأحزاب الكردية بموالاة حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابياً، وتستعر بين حين وآخر مناكفات نارية بين الطرفين التركي والكردي.

ويشير المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد في حديثه لـ "اندبندنت عربية" إلى أن الهجمات المتكررة أخيراً لم تكن على مواقع عسكرية بأكملها بل في معظمها مواقع مدنية وبنية تحتية ومصادر للطاقة.

ويرى أن القصف الأعنف أمس الإثنين طاول منشأة طبية ومطبعة وصالة أفراح ومعمل للأسمنت، وعده استهدافاً لمفاصل لا يستغنى عنها السكان للعيش والحياة.

وأضاف، "هذه التكتيكات جزء من إستراتيجية واسعة جداً هدفها الدفع نحو تطهير المنطقة الشمالية من المكون الكردي فيها، سواء من خلال العمليات العسكرية كما حدث في ’نبع السلام‘ و ’غصن الزيتون‘ أو من خلال قتل مظاهر الحياة في المنطقة".

ويرى الأحمد تعمداً تركياً لاستهداف مصادر الطاقة لمنع أية استفادة للإدارة الذاتية منها مردفاً، "مصادر الطاقة هذه ملك للسكان المحليين والمدنيين العرب والكرد والأرمن والسريان وغيرهم، وهي ضمن سبل العيش في المنطقة، وفي حال استمرت الهجمات ستؤدي إلى تهجير ونزوح ليس للسكان الأصليين بل تهجير ثان للنازحين، حيث تؤوي المنطقة عشرات ومئات آلاف النازحين، وستضر بالمدنيين، ولا سيما حالياً بفصل الشتاء، مما يشكل جرائم حرب واضحة".

تغيير قواعد الاشتباك

في مقابل ذلك يرجح مراقبون أتراك أن العمليات العسكرية ضد الأحزاب الكردية أخذت وجهاً جديداً غير معتاد بضرب القواعد العسكرية وحسب، بل السعي نحو شل القدرات الاقتصادية والخدمية وجعل مناطق النفوذ الكردية في سوريا شبه مجمدة، لا سيما بعد إعلان العقد الاجتماعي في الـ 14 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وهو أشبه بدستور جديد للمنطقة وصفته الأوساط السياسية في سوريا بأنه دستور انفصالي عن البلاد.

وإزاء هذه التطورات يقول الباحث التركي في الشؤون السياسية فراس رضوان أوغلو في حديثه إلينا إن القصف تركز على بنى تحتية توفر مصادر مالية لـ "قسد" وسط دعم الولايات المتحدة الثابتة على موقفها، مردفا "أظن الآن أن الحرب بدأت في هذا المجال بعد ضرب المنشآت الحيوية".

وأضاف، "المرحلة الأولى أو القديمة كانت تعتمد على الاشتباك المباشر، ولا يزال موجوداً بلا شك والقوات التركية توغلت في كثير من الأراضي السوري والعراقية من أجل ملاحقة حزب العمال الكردستاني أو ’قسد‘ أو غيرهم، فلا يوجد تغيير في سياستها، لكن مع ذلك بدأت تردع المهاجمين باستهداف البنية الاقتصادية، وهذا بكل تأكيد رسالة غير مباشرة للولايات المتحدة الأميركية، وربما تكون لها آثار سلبية على الموارد المالية لقوات قسد".

وتابع الباحث التركي أن "كل ذلك يحدث في وقت ترفض تركيا التطورات الأخيرة بالسعي إلى تحويل شمال وشمال شرقي سوريا إلى فيدرالية، وهو موقف يتفق مع حكومة دمشق وحتى دول مثل العراق، وأيضاً يساعد تركيا في مسألة منع انفصال الشمال الشرقي السوري وحتى إن أصبح فيدرالياً ستمنع تركيا ذلك بدعم من إيران ودمشق وروسيا والعراق".

وفي هذه الأثناء حمل الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي التركي الزعيم الكردي المعتقل صلاح الدين دميرطاش حكومة العدالة والتنمية سقوط عدد من الجنود الأتراك في شمال العراق، واعتبر خلال جلسة دفاع له أن وجود سياسيين أكراد في السجون يعطل السلام بين الأكراد والأتراك.

وتتجه الأنظار إلى الشمال الشرقي وسط توترات يعيشه الإقليم برمته، لكن الأمر يتوقف عند الدعم الأميركي اللامتناهي لشريك محلي ساعد في القضاء على "داعش"، حيث تعيش القوات الكردية في الوقت الحالي تحدياً واسع النطاق بحرب مع فلول التنظيم، ومن جهة ثانية تواجه حرب العشائر التي اندلعت بقوة في سبتمبر (أيلول) الماضي وسط سيناريوهات حرب محتملة مع الجار التركي شمالاً أو البقاء على حال التوتر بين الطرفين.

المزيد من متابعات