Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما بين "الدعم السريع" و"الحركة الشعبية" في السودان

لربما تأخرنا كثيراً في فحص تراكيب قوات مثل "الدعم" التي ربما حملها واحد من احتمالات الحرب إلى سدة الحكم

لم يعد "الدعم السريع" جيشاً موحداً وإنما مجموعات عسكرية يرغب قادتها في التنسيق بينها (أ ف ب)

ملخص

تركيبة "الدعم السريع" اختلفت اليوم عنها في 15 أبريل يوم نشوب الحرب القائمة في السودان... فكيف انتهت بها الحال؟

أثار الصحافي عثمان فضل الله مسألة متعلقة بطبيعة قوات "الدعم السريع" وتراكيبها قلت إثارتها في الخطاب حولها. وقيمة إثارة فضل الله في أنه ممن لا يمكن اتهامه بالتحامل على هذه القوات. فهو من أنصار وقف الحرب الآن وكثير اللوم للقوات المسلحة على امتناعها عن أن تعطي السلام فرصة.

قال فضل الله، إن الوضع في الحرب اقترب من الانفلات. وذكر للجيش عيوبه من هذه الجهة، لكنه قال إن دلائل هذا الانفلات أوضح ما تكون في "الدعم السريع"، فتركيبة هذه القوات، بحسب قوله، اختلفت اليوم عنها في 15 أبريل (نيسان) يوم نشوب الحرب القائمة في السودان. حيث كانت قوة شبه نظامية بقانون، لكنها انتهت في يومنا إلى تحالف من ست ميليشيات، بل واستصحبت جماعة مستنفرة معروفة بـ"أم باغة" تقاتل لأجل الغنيمة.

و"أم باغة" مما يطلق على الجماعة من الجنجويد الذين اشتهروا بربط باغات البلاستيك الفارغة سوى من حصى بداخلها بسروج خيولهم خلال مهاجمتهم لأهل القرى لإرهابهم. وبين قوى "الدعم السريع" اليوم طلاب غنيمة آخرون مستنفرون من قبلها عرفوا بـ"الكسابة" (جمع كاسب) ممن كتبت عنهم شبكة "عاين" قصة أخيرة بعنوان "الكسابة: النهابون والدعم السريع".

فلم يعد "الدعم السريع" بحسب فضل الله، جيشاً موحداً وإنما مجموعات عسكرية يرغب قادة "الدعم" في التنسيق بينها، لكن "المؤشرات جميعها ترجح احتمالية تفككها وتحولها إلى عصابات تهاجم المدن من أجل السلب والنهب في ظل الضعف البائن على الأجهزة الأمنية والعسكرية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمصادر عند فضل الله تشير إلى وعي قادة "الدعم" بهذا التطور السلبي وسعيهم لتحاشي مآلاته بتوقيع اتفاق سلام مع القوات المسلحة وحث قادة ميليشياتها على الانضباط. ومن ضمن إجراءات ضبط قواته امتنع "الدعم السريع" عن تسليح "أم باغة" أو "الكسابة" لأنهما قوى غير مستقرة ولا طاقة لها بتشكيل وحدة عسكرية.

هذا الانفلات الذي لفت إليه فضل الله في "الدعم السريع" مما أخذه عليهم أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي بشدة في بيان له بتاريخ السادس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري. فقال إنه بينما ارتكبت القوات المسلحة جرائم حرب نجد "الدعم السريع" يرتكب جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً، فقام بمؤازرة الميليشيات المتحالفة معه بترويع النساء خلال العنف الجنسي، أو مهاجمتهن في منازلهن أو اختطافهن من الشوارع أو استهداف أولئك الذين يحاولون الفرار إلى بر الأمان عبر الحدود. وأضاف الوزير الأميركي أن في ذلك صدى من الإبادة الجماعية التي وقعت قبل عقدين من الزمان في دارفور، لكنهم طاردوا المدنيين من شعب المساليت هذه المرة أيضاً وتركوهم ليموتوا في الشوارع وأضرموا النيران في منازلهم بزعم أنه لا مكان لهم في السودان، وحذر بلينكن من أنه إن لم ترتدع أطراف الحرب فسيخضع تدفق المال والسلاح لهما إلى الرصد والإيقاف.  

وبدا أن "الدعم السريع" رأى سوء عاقبة الانفلات عليه فخرج باستراتيجية غير التي كان يلقى بها مثل هذه الاتهامات في أول عهده بها. فكان يرد جرائم النهب والاغتصاب إلى متفلتين بين صفوفه خضعوا للعقاب أو للقوات المسلحة التي تتزيا استخباراتها بزيه وتفسد في الأرض أو إلى المحكومين الذين خرجوا من السجون التي لم تعد حفيظاً عليهم بعد اندلاع الحرب. ووجدت هذه الاستراتيجية تعبيرها في خطتين: أولهما تقديم "الدعم السريع" ككيان معني بحقوق الإنسان لا مجرد مدافع عن انتهاكه لها. وانتهز سانحة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان من قريب ليعرض بصورة إيجابية الحفاوة بالمناسبة والتزامه بمعانيها، وأكد "الدعم" موقفه الثابت من احترام "حقوق الإنسان والعمل على ترقيتها وتطويرها وحمايتها" التزاماً بقواعد القانون الدولي الإنساني، بل اتخذ من المناسبة منصة لازدراء خصمه السادر في خرق حقوق الإنسان، فأدان الحرب التي يشنها قادة الجيش وحلفاؤهم المتطرفون في حزب "المؤتمر الوطني" لنظام الإنقاذ المباد.

ودفع وعي "الدعم السريع" بشرور الانفلات عليه، من جهة ثانية، للتعبير عن أسفه لأحداث العنف القبلي التي جرت في مدينة الدلنج وما حولها بولاية جنوب كردفان قبل أسبوع. ونعى فقد الأرواح جراء هذا العنف، ودمار الممتلكات، والاستقطاب القبلي دون المنتظر من الجميع في هذه المرحلة المفصلية في الحرب ضد قوى الظلام، أي فلول النظام القديم من وراء الجيش. وهي القوى التي امتهنت، في قوله، الفتنة القبلية لـ30 عاماً من دولتها في البلاد.

وأدان "الدعم" بقوة العنف القبلي في الدلنج وما حولها، وأكد وقوفه على مسافة واحدة من المكونات القبلية. وناشد رموز المنطقة تفويت الفرصة على المتربصين بأمنهم واستقرارهم "لتحقيق مكاسب سياسية عجزوا عن تحقيقها في ميدان الحرب التي أشعلوها في الخرطوم". وجدد "الدعم" التزامه بتأسيس دولة المواطنة بلا تمييز في بلد تميز بالتنوع الذي يريدون له أن يكون عاملاً من عوامل القوة والثراء والاستقرار.  

ولم تكن وقائع الدلنج التي استنكرها "الدعم السريع" نزاعاً قبلياً كما أراد لنا أن نفهم منها. إذ كانت في الواقع حربه هو ضد الحركة الشعبية - جناح الحلو، التي تقيم دولة لها في "أرض محررة" من إقليم جبال النوبة منذ 2011. وهي حربه نيابة عن جماعته العرقية من عرب البقارة ضد الحركة الشعبية وجماعتها من شعب النوبة. ودارت المعركة بينهما في قاعدة "التكمة" العسكرية (10 كيلومترات من الدلنج)، فجاء "الدعم السريع" بآلاف المقاتلين واقتحموا القاعدة التي سيطر عليها الجيش الشعبي في أغسطس (آب) الماضي. وبعد ساعتين من القتال انسحبت قوات الجيش الشعبي ليضرم "الدعم السريع" النار في مساكن الأهالي وأغلبهم من النوبة ففروا إلى الدلنج، ثم عاد الجيش الشعبي بعد تنظيم صفوفه ليسيطر مجدداً على "التكمة". وتفرق سكان المدينة عرقياً تحت وابل القذف والنيران، فلاذ البقارة إلى منطقة سيطر عليها "الدعم السريع"، بينما اتجه النوبيون إلى الجبال الغربية التي يسيطر عليها الجيش الشعبي. واكتنف هذه التفرقة خطاب كراهية شديد بين الأطراف ترك الأسر المختلطة الأعراق منهما في حيرة من أمرها من جهة فرز كومها الذي تأوي إليه.

إذا لم نعد بيان "الدعم السريع"، الذي تبرأ فيه من حرب "التكمة" وعدها نزاعاً قبلياً ضريراً عمي عن المعركة الكبرى ضد الفلول وجيشهم، من بين خططه لتجلية صورته مما علق بها من عرقية، فلربما عددناه مبادرة منه لعدم توسيع شقة الخلاف بينه والحركة الشعبية. فباندلاع هذه الحرب بينهما خرقا اتفاقاً مبرماً بينهما في مايو (أيار) الماضي يكونان به معاً بندقية واحدة على الجيش. وتكفل "الدعم السريع" بالسيطرة على شمال وغرب ولاية كردفان، بينما تكفل الجيش الشعبي باحتلال كل حاميات الجيش في جبال النوبة. وانبنت هذه الخطة على فهم للصفاء العرقي جغرافياً لا مكان له من الإعراب في شأن التداخل التاريخي والاجتماعي بين الجماعتين. ووقع الصدام بينهما فاستدعت جماعة البقارة في شمالي مدينة الدلنج "الدعم السريع" لنجدتهم ففعل ورتب في الأثناء أن يحتل الدلنج نفسها التي تسيطر عليها القوات المسلحة. وهو ما لم تقبل به الحركة الشعبية، فالدلنج زهرة مدائن جبال النوبة والأغلب في الجيش هم النوبيون أنفسهم بنسبة 40 في المية. ومع ما بدا على الجيش من حياد بينهما فإنه غض الطرف عن تحركات الجيش الشعبي في مدينة الدلنج وإقامة منصاته المسلحة ليرد الصاع صاعين على "الدعم السريع" متى حاول الهجوم على الدلنج.

الانفلات الذي يسم تكوين "الدعم السريع" وتراكيبه، الذي نوه به فضل الله، ناشب بمفاصله مهما يكن من أمر المواجهة بين "الدعم" والحركة الشعبية. فلم يكن الأول الوفاء بميثاقه معها لأنه "فزع" (وهو الجماعة في البادية تفزع لنصرة الواحد منهم متى أصابه مكروه في ماله ونفسه) حاضنته العرقية وهم بقارة جنوب كردفان. فمتى استصرخوه لبى لا يسألهم في النائبات على ما قالوا برهاناً. وهذا ما حدث هذه المرة. فما تضررت الحاضنة حتى جاء "الدعم السريع" لنجدتها حتى لو خرق ميثاقاً مثل ميثاقه مع الجيش الشعبي الذي أخلى ما بينه وبين الجيش.

وسبق لـ"الدعم" التدخل لنصرة بقارة هذه المنطقة في أغسطس (آب) 2022 ولكن بصورة سلمية. فطلب الفريق محمد حمدان دقلو من سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان التوسط عند عبد العزيز الحلو، زعيم الجيش الشعبي ليطلق سراح نفر من البقارة محتجزين لديه بدل زمالة السلاح بينهما في الحركة الشعبية لتحرير السودان في السودان القديم. وربما، وقد دق "الدعم السريع" والجيش الشعبي عطر منشم بينهما، أن عاودتهما أيام معركة طروجي بينهما في 2015. وكان نظام الإنقاذ قد بعث بـ"الدعم السريع" ليقتحم مقر الحلو الحصين فوق جبال النوبة (كاودا)، ومنّى الرئيس المخلوع عمر البشير نفسه بـ"الصلاة في كاودا" متى انهزم الحلو، أو كما قال. وخسر "الدعم السريع" المعركة وعاد بخفي حنين.

لربما تأخرنا كثيراً في فحص تكوين وتراكيب قوات مثل "الدعم السريع" التي ربما حملها واحد من احتمالات الحرب الثلاثة إلى سدة الحكم في البلاد.

المزيد من آراء