Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرأة السودانية في زمن الحرب... حراك بلا أيديولوجيات

النسوة من جميع الولايات تناسين البرغماتية السياسية أثناء التوترات الأخيرة واصطففن خلف المطالب الوطنية

تحرك نحو 70 كياناً نسوياً سودانياً للمطالبة بالإشتراك في أي حراك لوقف الحرب وتحقيق السلام (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

هل تضيع بوصلة الحراك النسوي السوداني في زمن الحرب؟

تميزت المشاركة النسائية السودانية في انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018 بتحدي النظام بعد ثلاثة عقود قمعت خلالها انتفاضات عدة، واتخذت سمات وطنية موحدة لا تنفصل عن الحقوق العامة للإنسان اختصرت في شعار الثورة الشهير "حرية سلام عدالة"، ولكن بعد كثير من المعاناة التي أثقلت كاهل المرأة خلال ذلك الحراك الثوري التي بلغت أوجها ليلة فض الاعتصام وكان مسرحها القيادة العامة للقوات المسلحة، ثم اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" وتأثر المرأة بها نفسياً وجسدياً واقتصادياً، ظهر الطابع النسوي مرة أخرى في دعوات الناشطات النسويات وعضوات لجان المقاومة والناشطات السياسيات وغيرهن، ومطالباتهن بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ظن كثيرون أن المرأة قطعت شوطاً واسعاً في الحصول عليها.

بسبب القتال الدائر في العاصمة الخرطوم، اضطر سكانها لمغادرة منازلهم والبحث عن مأوى في أقاليم السودان الآمنة، ولكن تحيط بهؤلاء النازحين ظروف معيشية وصحية صعبة، إذ أنتجت الحرب واقعاً كارثياً انعكست آثاره المباشرة وغير المباشرة في السودانيين خصوصاً النساء والأطفال إذ لجأ أكثرهم إلى معسكرات النزوح وارتفع عددهم داخل السودان إلى 7.1 مليون شخص، أي أن أعداد النازحين تضاعفت منذ اندلاع الحرب، بحسب ما أعلنت منظمة الهجرة الدولية.

دور فاعل

تحرك نحو 70 كياناً نسوياً سودانياً للمطالبة بإشراكهن في الحراك الذي يهدف إلى وقف الحرب وتحقيق السلام، وتدير هذه الكيانات نشاطاتها من عواصم اللجوء خصوصاً في دول الجوار مثل القاهرة وأديس أبابا.

وشهدت العاصمة الأوغندية كمبالا مؤتمراً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شاركت فيه حوالى 50 امرأة ناقشن قضايا النساء وهمومهن وكيفية معالجتها خلال ثلاث مراحل، وورد أن الخطة تشمل "على المدى القصير حماية النساء من العنف الجنسي أثناء النزاع وفتح ممرات آمنة لحمايتهن، وكذلك توفير مياه نظيفة وأدوية منقذة للحياة والعمل على حماية المتطوعات".

وعلى المدى المتوسط تطالب الخطة بمساهمة النساء في "التوثيق وجمع المعلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان بخاصة تلك المتعلقة بالعنف الجنسي، أما على المدى الطويل فإنها تدعو إلى تخصيص 25 في المئة من موارد العون الإنساني لمشاريع إنتاجية للنساء في مناطق النزاع ومعسكرات الإيواء، و50 في المئة من موارد مؤسسات الدولة للتمويل الأصغر للنساء، و25 في المئة من الأموال والأصول المستردة من تفكيك المؤسسات المالية والفساد لصالح النساء".

 وركز المؤتمر كذلك على ضرورة إشراك المرأة في توزيع المساعدات بالتنسيق مع الجهات المعنية، ومشاركتها في محادثات السلام، واعتماد رؤيتها ضمن المبادرات المقدمة، كما طالب بأن يكون للمرأة دور فاعل في مواقع صنع القرار في مؤسسات وهياكل الحكم المختلفة.

سد الاحتياجات

  تحيط بتوزيع المساعدات الغذائية والصحية في ظل الحرب تحديات كبيرة سواء على العاملين أو متلقيها الذين يوجدون في مواقع النزاع أو تهددهم أخطار أخرى في مراكز الإيواء خصوصاً النساء والأطفال.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر السوداني وزعت مساعدات غذائية أساسية على حوالى 1500 نازح في منطقة المناقل بولاية الجزيرة، ولكنها تضمن سد الحاجات الأساسية لهؤلاء الأشخاص لشهرين قادمين فقط، ودعت المنظمات الإنسانية الأخرى للمساعدة.

 

 

 وأضافت اللجنة الدولية أنها تبرعت بأدوية ومواد ومعدات جراحية لمستشفيين في ولاية الجزيرة، إذ تواجه المستشفيات ضغوطاً متزايدة بسبب تدفق الأشخاص الفارين من الخرطوم، كما تواصل دعمها لبعض المستشفيات في الخرطوم والمناطق المحيطة بها ودارفور وغيرها من دون سد الحاجة.

 وفي الولاية الشمالية يدعم برنامج الغذاء العالمي والمجتمعات المستضيفة مراكز الإيواء، ونسق الهلال الأحمر السوداني مع صندوق الأمم المتحدة للسكان ووزارة الصحة والتنمية الاجتماعية لتنفيذ برامج وأنشطة صحية بمراكز الإيواء التي اشتملت على عيادات متجولة بمحليتي دنقلا وحلفا.

وأكد منسق مشروع برنامج الغذاء العالمي وجمعية الهلال الأحمر السوداني بالولاية الشمالية هشام عنتر أن "المساعدات حوت حوالى 19 ألف جوال ذرة و3 آلاف جوال بقوليات وألفين كرتونة زيت و800 جوال ملح".

وأوضحت وكالة السودان للأنباء (سونا) أن "عدد المستفيدين في الولاية يبلغ 62 ألف شخص أي ما يعادل 13 ألف أسرة".

وعن الأخطار المحيطة بالعمل في مجال المساعدات، أورد برنامج الغذاء العالمي أنه "قتل ثلاثة سودانيين من موظفي البرنامج في منطقة نائية بولاية شمال دارفور في اليوم الأول الذي اندلع فيه القتال إذ كانوا يقدمون المساعدات النقدية الطارئة لبعض الأشخاص الأكثر ضعفاً في السودان، كما تعرضت المساعدات أيضاً لهجوم مباشر، ونهب ما لا يقل عن 53 مستودعاً إنسانياً و87 مكتباً، وبلغت حصيلة المساعدات المنهوبة أكثر من 40 ألف طن من جملة المساعدات التي يقدمها البرنامج".

وجاء في تقرير برنامج الغذاء أنه "على رغم الأخطار الحقيقية التي تهدد حياتهم، يواصل العاملون في المجال الإنساني على الأرض في السودان التغلب على التحديات الهائلة لدعم أولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم في هذا الصراع"، وقال "يبلغ الجوع مستويات قياسية، فهناك حوالى 6.3 مليون شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة".

هشاشة سياسية

نشطت مبادرة "لا لقهر النساء" في مواجهة النظام السابق، كما لم تتفق مع حكومة الفترة الانتقالية إذ ترى أن "النظم الحاكمة في السودان بسبب التعنت العسكري عملت على تحجيم مشاركة المرأة بالمحافل كافة، مما نتج منه هشاشة سياسية أدت إلى إعادة إنتاج تاريخ متوال من العنف والاغتصاب". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت السلطات الأمنية بمدينة ود مدني منعت إقامة ندوة أجلت مرتين على التوالي، بحجة أنها تدعو إلى وقف الحرب ما يتعارض مع موقف الولاية الداعم للجيش السوداني.

وأهم ما جاء به هذا الحراك النسوي في فضاء الإنترنت هو اتهام جهاز الأمن والاستخبارات العسكرية بالسيطرة الكاملة على الدعم المقدم من الجهات المانحة لإعاقة عمل المبادرات النسوية، ودعت مديرة المنظمة السودانية للبحث والتنمية "سورد" عائشة الكارب ممثلي المنظمات الأممية لمناقشة الدعم والإغاثة ومعالجة النقص والخلل في برنامج المساعدات، إضافة إلى مخاطبة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية "اوتشا" حول تنسيق العمل الإنساني.

 وطالبت الكارب بالتأثير في المنظمات المانحة، وأضافت "يخنق المنظمات الوطنية وإغراقها بالإجراءات التعسفية والهجوم على المبادرات في ولاية الجزيرة وهي الأكبر من حيث عدد النازحات".  

وأوردت مديرة المنظمة السودانية للبحث والتنمية أن "الحكومة تعمل على تهديد النازحين واللاجئين في معسكرات الإيواء بإخلاء المراكز بحجة فتح المدارس، ومنحهم مهلة شهرين لإخلائها"، وكشفت عن وجود حالات اغتصاب للنازحات داخل مراكز الإيواء والمجتمعات المضيفة.

تغيرات عميقة

والآن وبعد مضي ما يقارب ثلاثة عقود منذ انعقاد مؤتمر بكين عام 1995 ومع كثير من النجاح الذي حققته المرأة السودانية في بعض المجالات لكن لا تزال الفجوة النوعية لدى المرأة في المجتمع السوداني كبيرة.

ونص إعلان "مؤتمر بكين" احتوى على 12 قضية أساسية منها الفقر والتعليم والتدريب والصحة، وكذلك العنف ضد المرأة والصراعات المسلحة والاقتصاد والسلطة، إلى جانب صنع القرار والآليات المؤسسية وحقوق الإنسان ووسائل الإعلام بما فيها البيئة والفتيات.

 وفي ذلك ذكرت الباحثة في "تمكين المرأة" إلهام مصطفى "صادفت السنوات الـ10 الأولى بعد مؤتمر بكين حدوث بعض المتغيرات التي لعبت دوراً في الحراك المجتمعي باتجاه مقررات بكين، مثل إحلال السلام في السودان ومشاركة المرأة في الانتخابات".

 وقالت مصطفى إن "الاتحاد العام للمرأة السودانية ركز مع مراكز دراسات المجتمع ومنها مركز الجندر للبحوث والتدريب، ومركز المرأة للسلام والتنمية، ووحدة المرأة بمركز الدراسات الاستراتيجية لحقوق الإنسان، والمنظمة السودانية للبحث والتنمية (سورد) وسالمة وغيرها، على ندوات طالب فيها بضرورة النظر إلى المتغيرات العميقة والواسعة وسط كيانات المرأة في الريف والمدينة، والوقوف على الاتفاقات الدولية حول المرأة والخصوصية الثقافية لدى نساء الأقاليم، كما طالب بتمثيل المرأة السودانية في المحافل الدولية والمؤتمرات وعدم احتكاره على الرجال".

ثمن الحرب

 يبدو أن ندوباً عميقة ستتركها الحرب على المرأة السودانية، فحتى لو انتهت فإن آثارها ستظل باقية لعقود، فعندما اندلعت كان السودان يعاني أزمات اقتصادية متتالية والآن يتكبد تكاليف الحرب وضحيتها الأولى المرأة بفقد مصدر أمنها ورزقها وفقد العائل، وبعدها ستكون معضلة تكاليف إعادة الإعمار.

فعندما قرر طرفا الصراع وهما المسؤولان الرئيسان في حكومة الفترة الانتقالية، رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" الدخول في الحرب لم يقدر أي منهما التكلفة الاقتصادية والبشرية للحرب لتجنبها، وحتى الآن لا توجد تقديرات للخسائر حتى تؤدي إلى اتخاذ القرار فيما يتعلق بالاستمرار فيها أو إنهائها.

 

 

كتب متخصص القانون في جامعة فاندربيلت الأميركية، دبليو كيب فيسكوسي عن "مقياس كلفة الوفيات ضمن تكاليف الحرب" أنه "تشمل تقديرات تكاليف الحرب التكاليف المالية والأرواح التي تزهق، باستخدام تقديرات قيمة الحياة الإحصائية وقيمة الإصابة الإحصائية، يمكن تحويل الخسائر الصحية إلى مقياس نقدي مشترك وإضافتها إلى تكاليف الموازنة، إذ إن حساب القيمة النقدية للوفيات والإصابات المباشرة المرتبطة بالحرب يلعب دوراً أكبر نسبياً". 

 واقترح الكاتب مقياساً بديلاً لكلفة الحرب يعترف بالأرواح التي تزهق أيضاً بسبب تحويل الموارد الاقتصادية إلى الجهود الحربية، وتحول جميع التكاليف إلى تكاليف الوفيات باستخدام مقياس لكلفة فرصة الوفيات التي يتحملها الجمهور من النفقات المرتبطة بالحرب.

تقسيم اجتماعي

 بدورها قالت الاستشارية الاجتماعية فوزية حسن إن "من أهم آثار الحرب أنه تغيرت نوعية الخطاب النسوي السوداني وآلياته، وفي رغم أن لكل منطقة جغرافية في السودان خصوصيتها الثقافية، إلا أن نضال المرأة كان موحداً ضد النظام السابق، وحتى اللاتي كن ضمن التنظيم الإسلامي أو ما يسمين بالأخوات المسلمات كن ضد الشيوعيات والليبراليات معاً، أي أن الفكرة الخاصة بالنضال هي من أجل الحقوق كل من منظورها الخاص".

وأضافت حسن "ربما انعكس تأثير الحرب والتقسيم المناطقي لقوات الطرفين، ومشروع الحكومة المستقبلية أيضاً في إبراز تقسيم اجتماعي، وعلى أساس النوع لم يكن بمقدوره الظهور إلى العلن لولا أن هذه الحرب أخرجته بفعل التغيرات المتسارعة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير