Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب وتداعيات تحقيق المساءلة لعزل جو بايدن

إزاحة الرئيس عن منصبه تبدو صعبة لكنه سيواجه صداعاً في عام حملته الانتخابية يساويه بخصمه ترمب

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

ملخص

ما أسباب التحقيق مع الرئيس جو بادين وما تداعياته السياسية على الداخل الأميركي بينما يدخل عام الانتخابات؟

تشير موافقة مجلس النواب الأميركي على منح التفويض الرسمي لإجراء تحقيق مساءلة العزل للرئيس جو بايدن في شبهة تربحه من منصبه، حينما كان نائباً للرئيس بارك أوباما، إلى جولة صراع سياسي وقانوني طويلة خلال عام 2024، وهو ما أطلق الشرارة الأولى لجدل سيكتسب زخماً بمرور الأيام، فما أسباب هذا التحقيق وتداعياته السياسية على الداخل الأميركي والرئيس بايدن بينما يدخل عام الانتخابات؟ ولماذا يصر الجمهوريون على استكمال التحقيق الذي بدأوا الإعداد له منذ عام؟ وما الذي يمكن أن يصل إليه في النهاية؟

لماذا الآن؟

نفذ قادة الحزب الجمهوري وعدهم الذي أطلقوه منذ استعادتهم السيطرة على مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي عام 2022، وهو فتح التحقيق رسمياً في اتهام الرئيس جو بايدن بالتربح شخصياً من منصبه وإثراء نجله هانتر وعائلته حين كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما بين عامي 2009 و2017، وهو تحقيق بدأوه بصورة غير رسمية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، في حين يقول الديمقراطيون إن الرئيس السابق دونالد ترمب هو الذي دفع حلفائه الجمهوريين في الكونغرس إلى التحرك بسرعة في شأن مساءلة عزل بايدن.

والتصويت الذي تم مساء أول من أمس الأربعاء أضفى طابعاً رسمياً على التحقيق، والسبب في اللجوء إلى هذا الإجراء يعود لأن البيت الأبيض رفض جهود لجان مجلس النواب الرامية إلى إجباره على تسليم المعلومات، على اعتبار أن المجلس يحتاج إلى تفويض بقرار من المجلس بالكامل، واستغل الزعماء الجمهوريون هذا الموقف لإقناع المتشككين في صفوفهم بأن إجراء تحقيق رسمي هو السبيل الوحيد للتغلب على مماطلة البيت الأبيض.

وعلى رغم رهان البيت الأبيض والديمقراطيين على أن بعض النواب الجمهوريين الذين فازوا بمقاعدهم في دوائر انتخابية متأرجحة قد يترددون في الموافقة على اتخاذ هذه الخطوة، إلا أن رئيس مجلس النواب الجديد مايك جونسون تمكن من جمع 221 صوتاً لدعم القرار مما سمح بتمريره، وهو أمر من شأنه الآن أن يجبر الرئيس بايدن والبيت الأبيض على التعاون في التحقيق الذي سيستغرق أشهراً عدة، ويصبح بمثابة منصة أمام الجمهوريين لتسليط الضوء على اتهاماتهم بأن الرئيس تصرف بصورة فاسدة، بينما يستعد بايدن لخوض مباراة إعادة انتخابية ضد دونالد ترمب الذي كان أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يتم توجيه اتهامات إليه في مجلس النواب ومحاكمته في مجلس الشيوخ مرتين مختلفتين.

ثلاث جرائم محتملة

وبموجب القرار الجديد سيبحث الجمهوريون عن مزيد من الدلائل حول ثلاث جرائم محتملة يقولون إنهم يشتبهون في أن بايدن ارتكبها، يتعلق أولها بالرشوة عبر الاستفادة من التعاملات التجارية لعائلته وأنه تلقى 5 ملايين دولار رشوة من شركة "بوريسما" الأوكرانية للطاقة، كما تلقى شيكاً شخصياً عام 2018 بقيمة 200 ألف دولار من شقيق الرئيس جيمس بايدن الذي كانت له مصالح تجارية مختلفة، وشارك هانتر بايدن في أعمال مع عدد من المديرين في شركة طاقة صينية، وثانيها بسوء السلوك في منصبه كنائب للرئيس أوباما من خلال تصرفه بصورة فاسدة عندما دفع من أجل إقالة المدعي العام الأوكراني فيكتور شوكين لإلغاء التحقيق مع المالك السابق لشركة الغاز الأوكرانية "بوريسما" التي كان نجله هانتر بايدن عضواً في مجلس إدارتها، وثالثها يتعلق بعرقلة الكونغرس خلال توليه منصبه الرئاسي حالياً عبر تدخل إدارته لإبطاء تحقيق وزارة العدل في الخلفية المالية لهانتر بايدن.

وبينما ينفي بايدن ونجله هانتر والديمقراطيون هذه الإدعاءات بوصفها كاذبة وأنها محور نظريات المؤامرة التي لا تستند إلى أي دليل، على اعتبار أن هانتر تلقى ملايين الدولارات بصورة مشروعة من خلال تعاملاته التجارية في أوكرانيا والصين ودول أخرى، مثل تقديم الخدمات القانونية والعمل في مجالس إدارة الشركات وعقد صفقات طاقة مع شركاء خارجيين، إلا أن محور اتهام الجمهوريين هو أن لديهم رسائل بريد إلكترونية وأشرطة صوتية وشهادات بأن ملايين الدولارات تدفقت إلى أفراد عائلة بايدن عبر متاهة من الشركات والحسابات الوهمية، وأرسل هانتر رسائل بريد إلكتروني تفيد بأن ما يصل إلى نصف ما تلقاه من دخل ذهب إلى والده، إذ كانا يستخدمان حسابات مشتركة وبطاقات ائتمان لتغطية النفقات، وأن هانتر كان مجرد واجهة لترويج نفوذ والده وكان يتاجر بقدرته على الوصول أو في الأقل تصور الوصول إلى والده الذي شغل منصب نائب الرئيس الأميركي بين عامي 2009 و2017.

وإضافة إلى هذه المزاعم التي يحاول الجمهوريون إثباتها فقد حققوا نجاحاً أكبر في إظهار أن الرئيس بايدن أدلى بتصريحات كاذبة أو مضللة حول أعمال ابنه، إذ ادعى أن هانتر بايدن لم يجنِ أموالاً من الصين بينما فعل ذلك في الواقع.

سلطة الاستدعاء

ولإثبات أن الرئيس بايدن مذنب بارتكاب الرشوة أو سوء السلوك في منصبه، سيحتاج الجمهوريون على الأرجح إلى إثبات أن بايدن قبل أموالاً لمصلحة الشركاء التجاريين لابنه، وأنه كان هناك تدخل سياسي خلال إدارتي ترمب وبايدن في تحقيق وزارة العدل مع هانتر.

وخلال الشهور الثلاثة الماضية حصل الجمهوريون باستخدام سلطة الاستدعاء على أكثر من 36 ألف صفحة من السجلات المصرفية لهانتر بايدن، ونحو 2000 صفحة من تقارير الأنشطة المشبوهة الصادرة عن وزارة الخزانة، وجمعوا عشرات الساعات من الشهادات من اثنين من شركاء هانتر بايدن التجاريين ومسؤول كبير من إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية، وسبعة عملاء فيدراليين وثلاثة محامين أميركيين.

وكان أقرب ما توصلوا إليه لربط الأنشطة التجارية لهانتر بايدن بوالده بصورة مباشرة هو شهادة شريكه التجاري السابق ديفون آرتشر الذي أخبر المحققين أنه يستطيع أن يتذكر حوالى 20 مرة عندما كان هو وهانتر بايدن يجتمعان مع زملاء العمل، وفي إحدى المرات وضع هانتر بايدن والده على مكبر الصوت، لكن آرتشر أوضح أن تلك المحادثات كانت تدور حول أمور عامة وأنه ليس على علم بأي خطأ ارتكبه الرئيس بايدن.

معايير المساءلة

يشير خبراء القانون والدستور إلى أن هناك معايير أساس للمساءلة، مستمدة من النص الدستوري في وصفه "للجرائم الكبرى والجنح" ومن الخبرة التاريخية، ووفقاً لموقع "جست سيكيوريتي" فإن السلوك الذي يستوجب العزل يتعلق بارتكاب جريمة كبيرة وخطرة ضد الجمهورية الأميركية، وأن يكون خطأ واضحاً أو ارتكاب مخالفات مقصودة أو متعمدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلاوة على ذلك لا يمكن عزل الرؤساء بسبب سلوكهم قبل توليهم مناصبهم، مع مراعاة استثناءات محدودة، كما لا ينبغي أن يكون العزل حدث على أساس حزبي في المضمون والمظهر، أو من أجل تسجيل نقاط سياسية على الرئيس بدوافع حزبية مدفوعة، كما يجب على الكونغرس التعامل مع المساءلة كعلاج أخير، وإجراء تقييم دقيق عما إذا كان هناك أي مسار بديل يمكن أن يتعامل بصورة عادلة مع سلوك الرئيس.

عملية سياسية

ويحدد الدستور معيار المساءلة بأنه ارتكاب "الخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم الكبرى والجنح"، إلا أنه من الناحية الوظيفية، وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، لا يوجد ما يمنع مجلس النواب، وهو هيئة سياسية وليس محكمة قانونية، من التصويت من أجل مساءلة عزل الرئيس بايدن أو أي شخص حتى في غياب أدلة قوية على أنهم فعلوا هذه الانتهاكات، وهو ما أكده الرئيس السابق جيرالد فورد ذات يوم حين قال إن "الجريمة التي تستوجب العزل هي تلك التي يعتبرها غالبية مجلس النواب كذلك في لحظة معينة من التاريخ".

ويتهم الديمقراطيون الرئيس السابق دونالد ترمب بأنه حث الجمهوريين في مجلس النواب في كل خطوة على أن يفعلوا بالرئيس بايدن ما فعله الديمقراطيون به مرتين، وأنه على رغم اعتراض بعض أعضاء الحزب الجمهوري الذين قالوا إنهم لا يرون سبباً لعزل الرئيس بايدن إلا أنه من غير المرجح أن يثني ذلك الجمهوريين الذين يقودون التحقيق، بما في ذلك أقرب حلفاء ترمب في الكونغرس، عن مواصلة مساعيهم الرامية إلى عزل بايدن طوال عام 2024، مما يبقي الرئيس تحت سحابة التحقيق مع اشتداد الحملة الرئاسية.

الإجراء التالي

يضمن التفويض الرسمي بالتحقيق أن تمتد إجراءات مساءلة العزل إلى أشهر عدة خلال عام 2024، إذ سيمنح ذلك لجان مجلس النواب الثلاث (الرقابة والقضائية والطرق والوسائل) التي يسيطر عليها الجمهوريون كونها تقود التحقيق، مزيداً من السلطة لاستدعاء الوثائق والشهادات، والطلب من القضاة في المحاكم تنفيذ هذه الطلبات.

وإذا قررت اللجان الثلاث المضي قدماً في إجراءات مساءلة العزل فسيصوت مجلس النواب بكامل هيئته، وإذا صوتت الغالبية بـ "نعم" فسيتم توجيه الاتهامات التي تستوجب العزل من وجهة نظره إلى بايدن، لتنتقل إلى مجلس الشيوخ بعد ذلك الذي يعقد محاكمة يديرها إجرائياً رئيس المحكمة العليا، ثم يصوت مجلس الشيوخ في نهايتها على ما إذا كانت إقالة الرئيس من منصبه ستتم.

وكان مجلس النواب الأميركي وجه اتهامات تستوجب العزل ضد ثلاثة رؤساء سابقين، وهم أندرو جونسون (1868) وبيل كلينتون (1998) ودونالد ترمب مرتين في (2019) و(2021)، إلا أن هذه المحاولات باءت جميعها بالفشل ولم يتم عزل أي رئيس من منصبه على الإطلاق، نظراً لأن العزل يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ.

خطوة العزل

يشير التاريخ السياسي الأميركي إلى أن الأمور لا تبشر بالخير بالنسبة إلى بايدن، فمن بين الرؤساء الذين واجهوا تحقيقات، انتهى الأمر بتوجيه اتهامات العزل رسمياً إلى ثلاثة، بينما كان الرابع هو الرئيس ريتشارد نيكسون الذي فضل الاستقالة عام 1974 بعد أن وافق مجلس النواب على قرار يأذن للجنة القضائية بالتحقيق فيما إذا كانت هناك أسباب لعزل نيكسون عقب "فضيحة ووترغيت" الشهيرة.

ومع ذلك يراود الرئيس بايدن الأمل في أن الغالبية الهزيلة التي يتمتع بها الجمهوريون في مجلس النواب تعني أنهم لا يستطيعون تحمل خسارة سوى عدد قليل من الأصوات عندما يصل الوضع إلى ذروته وتحل لحظة التصويت وتحديد بنود اتهامات العزل.

وعلى رغم أن جميع الجمهوريين في مجلس النواب صوتوا لمصلحة فتح التحقيق رسمياً، فإن بعضهم وبخاصة أولئك الذين ينتمون إلى مناطق منقسمة سياسياً، كانوا مترددين في دعم المساءلة خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى كلفة سياسية كبيرة بالنسبة إليهم.

لكن حتى لو صوت مجلس النواب على توجيه اتهامات لعزل بايدن فمن غير المرجح أن تتم إقالته من منصبه، لأن ذلك سيتطلب تصويت 67 عضواً في مجلس الشيوخ بإدانة الرئيس، ومع سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ ستكون هذه النتيجة مستحيلة تقريباً، إذ من المرجح أن يصطف الديمقراطيون خلف رئيسهم لتبرئته، فضلاً عن احتمال تصويت بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين ضد الإدانة إذا كانت الدلائل التي قدمها مجلس النواب واهية، وبخاصة بعدما نصح السيناتور الجمهوري ميت رومني الجمهوريين في مجلس النواب بعدم المضي قدماً في التصويت لبدء لتحقيقات مساءلة العزل رسمياً.

تداعيات الرئيس 

من المؤكد أن بدء إجراءات التحقيق بصورة رسمية ستشكل صداعاً مزمناً للرئيس بايدن، وبخاصة مع الكشف عن مزيد من الوثائق وشهادة الشهود التي سيكون بعضها علنياً إذا وافق مجلس النواب على ذلك، مما سيضعه تحت أضواء الاتهامات بصرف النظر عن مدى صدقيتها، ويحول الانتباه كثيراً عن حملاته الانتخابية التي يرغب خلالها في تسليط الأضواء على إنجازاته خلال دورته الرئاسية الأولى ومحاولة إقناع الأميركيين بها.

وبذلك ربما يتساوى بايدن مع خصمه ترمب الذي سيواجه مصيراً مشابهاً ولكن في المحاكمات الكثيرة التي تنتظره بدءاً من مارس (آذار) المقبل، ومع ذلك يمكن أن يستفيد بايدن من هذه الاتهامات بأن يفعل مثل ترمب ويعتبر أن الجمهوريين يطاردونه سياسياً كي يكتسب قدراً من الشعبية بين الديمقراطيين والمستقلين الذين يسعى إلى اجتذابهم إليه بعد أن تدهورت معدلات تأييده إلى أدنى نقطة لها منذ توليه السلطة في البيت الأبيض.

وما يمنح الرئيس بايدن بعض الأمل هو أن استطلاعاً للرأي أجرته شبكة "سي أن أن" في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أظهر أن 57 في المئة من الأميركيين يعتقدون أنه لا ينبغي عزل بايدن، وهي نسبة أعلى بما يتراوح بين 10 و14 نقطة مما كانت عليه خلال استطلاعات الرأي المماثلة التي أجريت حول المواقف تجاه عزل الرئيس السابق دونالد ترمب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير