Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أجواء الانتخابات تعود إلى مصر بأحاديث الاقتصاد ولافتات السيسي

لوحات دعم الرئيس الحالي تغزو الشوارع وأزمات السلع وارتفاع أسعارها تتوالى وقروض الصندوق حاضرة مع حرب غزة

مفارقة لوحات انتخابات الرئاسة بين السيسي ومنافسيه تبدو واضحة لكل من يسير في شوارع مصر (أ ف ب)

ملخص

أزمة الاقتصاد المصري تقف على طرف نقيض من مشهد لوحات انتخابات الرئاسة في الشوارع والميادين

تمكن المصريون من اختلاس النظر سريعاً على مجريات الانتخابات الرئاسية، منتهزين فرصة هدنة حرب غزة التي لم تطل بعد. وبدلاً من أن تلتقط الجموع أنفاسها جراء 50 يوماً من متابعة ضروس لحرب شعواء، وبدلاً من الالتفات إلى ما فات من التزامات وانشغالات جرى وضعها جميعاً على خاصية الانتظار بفعل صدمة الحرب، وفاجعة القتل ومصيبة الخراب، سارعت الملايين لإلقاء نظرة على ما يدور في كواليس المرشحين وبرامجهم، والترتيبات ومساراتها، والانتخابات وأوان صمتها.

الصمت الانتخابي هذه المرة لم يكن فقط سكوتاً عن الكلام المباح عن المرشحين وبرامجهم، ومقارنة أدائهم، وتوقعات الفوز والخسارة قبل التوجه إلى صناديق الانتخابات بحسب جداول معلنة مسبقاً، بل دخل الجميع صمتاً انتخابياً شبه كامل، بمن فيهم المرشحون أنفسهم.

تعقيدات المشهد الانتخابي

تعقيدات المشهد الانتخابي في مصر، التي شغلت الجميع على مدار أشهر قبل إعلان المواعيد وإشهار الشروط وإصدار البيانات، تبددت وتبخرت تماماً في هواء حرب القطاع، وكأن الخلافات حول المرشحين المحتملين لم تكن، وتصاعد رغبات التغيير لم تحدث.

أحاديث الانتخابات والمرشحين والبرامج والمواعيد في الإعلام المصري التقليدي، وذلك على شاشات التلفزيون ومحطات الإذاعة والمواقع الإخبارية والصحف، لم تتوقف على مدار ما يزيد على 50 يوماً من الحرب، لكنها خفتت وتقلصت مساحتها، وانصرف عنها الجمهور.

رفع الجميع، إن لم يكن بالفعل فبالقلب راية "لا صوت يعلو على صوت المعركة". لكن ما إن حطت المعركة أوزارها موقتاً، حتى هُرع كثيرون صوب المشهد الانتخابي، مكتفين بالنظر عبر النافذة بديلاً عن الدخول عبر الباب.

وعلى رغم إغلاق باب الترشح قبل نحو شهر ونصف، وإعلان أسماء المرشحين المؤكدين قبل ثلاثة أسابيع، فإن كثيراً من الناخبين الذين يطلون عبر النوافذ بحثاً عن تطور هنا، أو وعد هناك يعانون ضبابية الأسماء.

البعض يجهل الأسماء، باستثناء الرئيس (عبدالفتاح السيسي)، والبعض يتعثر في دقتها حيث عبدالسند عمر وحازم بدران، وفريد يمامة. وفريق ثالث يعرف الأسماء، لكنه ينظر إلى ما وراء الأسماء. ورابع عاود موقعه السابق لحرب القطاع، حيث تأكيد أن الفائز معروف مسبقاً، أو قناعة بأن السباق، مجرد السباق، في حدث ذاته خطوة إيجابية، أو تمسك بأنه لا داعي للانتخابات وهلم جرّا.

العرف الانتخابي

ولأن العرف الانتخابي جرى على البحث والتنقيب في أصول المرشحين وسيرهم الذاتية ونواياهم المستقبلية، وعلى رغم انصراف غالبية الناخبين عن عمليات التنقيب تحت وطأة حرب القطاع، فإن الاهتمام عاد إلى حد ما وانعكس ذلك إيجاباً على عمق عمليات البحث واستمرار جهود التنقيب.

الطريف أن أبرز جهود التنقيب جاءت من نصيب "السيدات الأول" المحتملات. ولأن السيدة انتصار السيسي قرينة الرئيس عبدالفتاح السيسي والمرشح صاحب الحظ الأوفر في الانتخابات معروفة للجميع، فقد سعد كثيرون بالبحث عن زوجات المرشحين الثلاثة.

 

حازت إلهام عبدالحميد زوجة المرشح فريد زهران رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي على جانب غير قليل من الاهتمام، لا سيما أنها ضالعة في العمل السياسي. يتحدث عنها البعض من المنقبين بإعجاب، فهي أستاذة جامعية وعضو الحزب نفسه، وهو ما جعل البعض يشطح بخياله، ويطرح أسئلة عبر صفحات التواصل الاجتماعي عن مصير هذا الضلوع السياسي حال أصبح زوجها رئيساً.

وعلى النقيض من التفكير، ولو الافتراضي، حول نشاط قرينة المرشح زهران حال وصل القصر الرئاسي، فإن المرشح يمامة رئيس حزب الوفد حسم النشاط المتوقع لقرينته حال حالفه الحظ وحالفته أصوات الناخبين. مبدئياً، رفض يمامة الكشف عن اسم زوجته في تصريحات صحافية، مكتفياً بالإشارة إليها بأنها "سيدة فاضلة ربت أولادها". وعلى رغم أنها تحضر معه بعض المؤتمرات الدعائية، ويعرف البعض أنها مديرة مدرسة، فإن رفض زوجها "التصريح" باسمها أمد الجماهير بمادة ثرية لضرب أخماس الأسباب في أسداس المعاني. ووصل البعض لنتيجة استقرائية مفادها أن وصول يمامة إلى كرسي الرئاسة سيعني على الأرجح رئيساً في الواجهة، وسيدة أولى في الخفاء، وذلك لحين إشعار آخر. آخر المرشحين رئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر أغلق باب البحث عن الزوجة، وذلك لأن زوجته متوفاة.

اعتياد الأزمات

إشعارات الإثارة الانتخابية لا تنتهي، فقد تزامن بدء الهدنة في حرب غزة وأزمة السكر في الأسواق. عبوات السكر موجودة، لكن قليلة. والموجود أسعاره في غير متناول اليد. وصل سعر الكيلوغرام 55 جنيهاً مصرياً (1.78 دولار أميركي)، وذلك بعد ما كان سعر الكيلوغرام حتى الشهر الماضي لا يتعدى 32 جنيهاً مصرياً (1.04 دولار أميركي).

والسكر شأنه شأن الشاي والسجائر والوقود والخبز سلع تتعلق بالأمن القومي والاستقرار واتقاء غضب المواطن "الغلبان". كوب الشاي المحلى بكثير من السكر مع سيجارة أشبه بخلطة "ممنوع الاقتراب" لمن يريد الاستقرار، لا سيما في أوقات الأزمات.

أزمة التعامل مع شح السكر وجنون أسعاره تحولت إلى مادة خام في السباق الانتخابي. وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي نفى قبل أيام وجود أزمة في السكر، وهو مما دفع كثيرين إلى التفكه بأن الوزير هو الوحيد الذي لا يرى الأزمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المصريون معتادون الأزمات على مر العصور. فمن أزمة سكر إلى مشكلة في الرز إلى خطر يحدق بالليمون أو جنون أسعار يضرب الفاصوليا أو تلويح برفع الدعم عن الخبز أو رفع أسعار وقود من دون سابق إشعار أو إشهار، اكتسب المصري القديم والمعاصر على حد سواء مناعة في التعامل مع الأزمات. لكن المناعة لا تعني عدم تحميل الرئيس أو رئيس الوزراء أو الوزير أو وكيل الوزارة أو موظف التموين أو التاجر أو عامل السوبر ماركت أو الإدارة الأميركية أو النظام العالمي الجديد أو المؤامرات الكونية أو تربصات جماعات الإسلام السياسي وغيرها مغبة الأزمة.

أزمة السكر الحالية التي سبقتها أزمة سجائر وتلتها أزمة رز تأتي بعد فترة من الانصراف الجماعي عن الاهتمام بالانتخابات والمرشحين والبرامج، وهو ما يفسر الاهتمام الشعبي المبالغ فيه بالأزمة والانخراط المفرط في تحليل أبعادها بدءاً بزراعات قصب السكر، مروراً بمساحة الأفدنة المزروعة بالبنجر، انتهاء بالدولار والتعويم وقرض الصندوق (النقد الدولي).

حديث الصندوق والقروض دائماً يمثل نقطة فارقة في مواسم الانتخابات الرئاسية. المتابعون للشأن السياسي المصري باتوا يعرفون أن "صندوق النقد الدولي" المرتبط بالأزمات والأوضاع الاقتصادية الصعبة يجد نفسه مكوناً رئيساً في الانتخابات المصرية على مدار السنوات الماضية، لا سيما في الانتخابات التي عقدت بعد أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011.

كلاسيكيات القروض

مكون صندوق النقد الدولي والقروض المتوقعة أو المطلوبة أو المطروحة أو المفروضة يتعامل معها الناخب والمرشح باعتبارها جزءاً من البرنامج الانتخابي. كلاسيكياً، كان رفض القروض من قبل المرشح يعني إيماناً بقدرة الاقتصاد الوطني، وإقصاء لمنظومة الديون، وتمسكاً بتلابيب الأمل، والعكس صحيح. لكن أوضاع مصر الاقتصادية، والعثرات المتواترة لأسباب دولية ومحلية على مدار سنوات ما بعد أحداث 2011، طورت "حديث الصندوق"، وجعلته شراً لا بد منه أو خيراً، لكن بحذر.

الطريف أن مصريين طوروا دعاء يتبادلونه حين يشتري أحدهم سيارة جديدة، وباتوا يتشاركونه كلما لاح في الأفق شبح قرض جديد. "اللهم نسألك خيره وخير ما صنع له، ونعوذ بك من شره وشر ما صنع له".

الخبر المباغت الذي تناقله الإعلام قبل نحو أسبوعين لكنه مر مرور الكرام بسبب انشغال الجميع بحرب القطاع يعاود الظهور هذه الأيام ومع إضافة مكون الانتخابات. عقب بدء الهدنة، نقب مصريون عن تصريح مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا قبل أسبوعين من أن الصندوق يدرس بجدية زيادة برنامج القرض المقدم لمصر، والمقدرة قيمته بنحو ثلاثة مليارات دولار، وذلك "بسبب الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن التصعيد في غزة".

 

التصريح المزود بمزيد من التبريرات لقرار توسيع برنامج القرض، حيث "التصعيد في غزة له آثار خطرة على اقتصادات الضفة الغربية ومصر والأردن ولبنان، ومنها الخسائر المحتملة التي ستتكبدها قطاعات السياحة في هذه الدول" دفع "الفأر للعب في عب المصريين" حرفياً كما يقول المثل الشعبي.

فقبل أيام من اندلاع حرب القطاع، كانت الأخبار المتواترة عن مصر والصندوق والقروض تكشف قدراً غير قليل من الشد والجذب. الصندوق يضغط على مصر، لتعديل طرق إدارة الجنيه المصري، والإنفاق العام في المشروعات الكبرى، ومصر تقاوم لأسباب عدة، من بينها توقيت التغيير والتعديل، حيث مزيد من الضغط على المستهلكين، الذين هم الناخبون، يعني مزيداً من المعاناة من التضخم. ووصل الأمر إلى درجة أن الاتفاق بين مصر والصندوق صار على المحك.

ليس هذا فقط، بل حذرت غورغيفا في حوار تلفزيوني قبل يومين من عملية "طوفان الأقصى" أن مصر ستستنزف احتياطاتها الثمينة من العملة لو لم تسارع بمزيد من التخفيض للجنيه، مشيرة أن "مصر تؤخر ما لا مفر منه".

التحولات الفجائية في "مشاعر" الصندوق تجاه مصر مادة دسمة للنقاش الشعبي على هامش ما يحدث في حرب القطاع، وهي التحولات التي يعتبرها المصريون ورقة أو بالأحرى حافز، ضغط على مصر ربما يتعلق باستقبال مصر لعدد من أهل غزة كلاجئين.

حلول المرشحين

ولولا الهدنة لما تيسرت للمصريين فرصة التعرف إلى الحلول التي طرحها المرشح فريد زهران للأزمة الاقتصادية قبل أيام في حديث تلفزيوني، وهي الحلول التي وجدت صدى طيباً لدى البعض.

قال زهران، إن رؤية برنامجه الانتخابي في ما يختص بالأزمة الاقتصادية تتركز في تخارج الدولة من الاقتصاد، وذلك من خلال قصر ملكيتها على المشروعات ذات الصلة بالأمن القومي، ومشروعات خدمات المواطنين كالتعليم والصحة، والمشروعات التي يحجم عنها القطاع الخاص نتيجة خفض العائد أو كلفتها العالية، وهي الرؤية التي يطالب بها مصريون كثيرون، ويعد عدم تنفيذها أحد أبرز الانتقادات الموجهة لنظام الرئيس السيسي.

وأسهب زهران في شرح رؤيته الاقتصادية مذيلاً إياها بوعد أن تؤتي ثمارها بعد فترة تراوح بين ثلاثة وستة أشهر، إذ "تنتعش السوق وتستعيد عافيتها وثقتها".

لكن يبدو أن ثقة الناخب المصري باتت صعبة المنال، لا سيما في ما يتعلق بالوعود والآمال والأحلام وتحديد المدد الزمنية بالغة القصر للمشكلات الاقتصادية بالغة الصعوبة.

حرب البرامج وخبرة التوقيت

اللافت أن الناخبين توخوا الحذر في التعامل مع حرب البرامج. وتداول كثيرون تصريح زهران عن أشهر الإصلاح، في مقابل ما صرح به المرشح حازم عمر من أن إصلاح اقتصاد مصر سيستغرق ثلاث سنوات، وذلك في دلالة على أن الكلام والوعود يقفان على طرف نقيض من الفعل والواقع.

أما المرشح عبدالسند يمامة، فقد آثر السلامة، واكتفى بالقول إن برنامجه الاقتصادي يقوم على معالجة الأوضاع الصعبة الحالية، والخروج من الأزمة، ودعم الاستثمار والإصلاح المالي والموازنة والدين العام، وذلك من دون تحديد توقيتات زمنية. وكان يمامة قد صرح بأن "الاقتصاد بعافية ومريض، ونحن على شفا الإفلاس".

 

يقف شبح الإفلاس على طرف نقيض من مشهد اللوحات الانتخابية في الشوارع والميادين. سائق الأجرة الذي يقطع ربوع القاهرة والجيزة جيئة وذهاباً عشرات المرات في اليوم الواحد يقول بثقة الخبير: "عن أي إفلاس يتحدثون وسط هذا الكم المذهل من لوحات الدعاية للمرشحين؟".

وأخذ السائق الستيني يستعرض معلوماته وخبراته العميقة في كلفة لوحات الإعلانات، بدءاً مما كان يقصه عليه والده عن لوحات في محبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مروراً بذكريات الطفولة والمراهقة مع لافتات تأييد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم سنوات الشباب والكهولة في ظل لوحات مناصرة وتأييد ومودة ومحبة الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك، ثم لوحات يصفها بـ"العشوائية" و"الاعتباطية" لمرشحي الرئاسية في عام 2012، وانتهاء بلوحات المرشحين "الفرعيين" والمرشح الرئيس (السيسي). ويلخص السائق خبراته ومشاهداته بتأكيد أن مصر لم ولن تفلس، والعبرة باللوحات.

لوحات متناهية الكبر والصغر

الطريف أن اللوحات التي تملأ ربوع مصر نوعان: لوحات متناهية الضخامة تطل على المارة في كل مكان وغالبيتها العظمى تحمل تأييداً للرئيس السيسي، وأخرى متناهية الصغر تدعو إلى انتخاب المرشح فريد زهران أو عبدالسند يمامة أو حازم عمر، وكأنها دعوة على استحياء.

على استحياء. يتابع المصريون ما فاتهم من أحداث وتصريحات ووعود خاصة بالانتخابات الرئاسية، فالغالبية ما زالت واقعة تحت صدمة حرب القطاع. وعلى رغم استغلال الهدنة في توسيع دائرة البحث والمتابعة، فإن آثار الحرب، وتوقعات الصراع ما زالت تهيمن على هذا الاهتمام.

الاقتصاد مثير للقلق، والسكر مؤجج للغضب، ومصير الجنيه مدعاة للوجل، وملفات الصحة والتعليم وسوق العمل والحد الأدنى للأجور وفرص العمل والمرور والأسعار والمواصلات والسكن وغيرها تشغل الجميع في الانتخابات المقبلة، لكن يظل مصير سيناء، الشغل الشاغل للملايين، والمكون الرئيس المحوري في البرنامج الرئاسي للرئيس القادم.في كل صباح تلتقي مجموعة من أصحاب المعاشات في زاوية هادئة في مقهي قاهري. وفي كل لقاء على مدار ما يزيد على 50 يوماً يستهل اللقاء بكلمات بحثية يكتبها أحدهم على محرك "غوغل": "السيسي سيناء غزة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات