Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مرحلة مصرية جديدة عنوانها "تكدير المزاج العام"

أزمات متلاحقة تطاول سلعاً وخدمات حيوية مثل السكر والقهوة والشاي والسجائر والإنترنت وأصابع الاتهام تشير إلى الدولار والتجار

أخيراً باتت أغلب أزمات ارتفاع الأسعار واختفاء السلع متعلقة بمنتجات تتعلق بـ"مزاج المصريين" وأحدثها السكر (أ ف ب)

ملخص

 "ما بين اختفاء سلع وارتفاع أثمان أخرى وعدم استقرار بعض الخدمات الأساسية أصبح مزاج المواطن المصري متعكراً على رغم مجهودات الدولة لتجنب السخط العام.

دفعت أسماء طارق، الموظفة الأربعينية، حساب مشترياتها المنزلية، وفي أثناء تغليفها استعداداً لمغادرة المتجر، سألت العامل عن موعد توافر السكر من جديد، لكنها لم تحصل على إجابة محددة، فوعدها بأن السلعة على الأغلب ستكون موجودة خلال هذا الأسبوع. لكنه لم يعد بأن يكون السعر مناسباً، وهو الأمر الذي لم تأبه أم الأبناء الثلاثة له، مؤكدة أن عليه أن يتصل بها فور توافره، إذ إنها ستشتريه مهما كان ثمنه، فهو سلعة لا يمكن الاستغناء عنها ومكون أساسي في المنزل المصري.

بحسب العاملين، فإن حصة هذا المركز التجاري الواقع في وسط العاصمة المصرية من السكر باتت أقل من النصف، كما أنه يأتيهم بسعر أكبر بكثير مما كان قبل شهرين مثلاً، وهو التطور الذي حدث بشكل مفاجئ بينما الزبائن في حيرة حول سبب اختفاء هذا المنتج بمختلف أنواعه.

خلال الأشهر الماضية خاصمت بضائع عدة أرفف المتاجر في مصر، من بينها الرز الذي عاد ولكن بأسعار مختلفة، حيث يباع باستراتيجية محددة تتيح للمستهلك الحصول على عبوتين على الأكثر في كل عملية شراء، والآن جاء دور السكر.

وعلى رغم الاستقرار النسبي في أسعار أغلب السلع المنزلية عقب التضارب الذي صاحب أشهراً طويلة من ارتفاع مستوى التضخم وخفض قيمة الجنيه المصري، فإنه بين فترة وأخرى تصعد أزمة جديدة، وأخيراً باتت أغلب تلك الأزمات متعلقة بمنتجات جميعها تتعلق بـ"مزاج المصريين" وإن كان السكر أحدثها، لكن شح المعروض منه يتزامن مع استمرار ارتفاع أسعار منتجات مثل الشاي والقهوة ومنتجات التبغ بشكل عام، بل واختفاء بعضها من دون مبرر.

وبحسب التعبير المصري فإن المزاج العام يعاني "القريفة"، وهو لفظ طالما تجنبته كثير من الحكومات على مدى عقود طويلة، حيث كان يجري التعامل مع أسعار هذه السلع بحرص شديد، وكان رفع أسعارها يستلزم خططاً استباقية وتمهيداً نفسياً ومجتمعياً وسياسياً مهما كان هذا الارتفاع محدوداً، لكن الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع معدلات التضخم على المستوى الدولي جعلها شراً لا بد منه.

مطاردة محتكري السكر

في المقابل تحقق مصر شبه اكتفاء من السكر، حيث لا تستورد سوى عشرة في المئة فقط من حاجاتها، بينما الـ90 في المئة تخرج من 15 مصنعاً 8 منها مملوكة للدولة، ويبلغ حجم الإنتاج المحلي ما يقرب من ثلاثة ملايين طن سنوياً.

ويقدر الاستهلاك بنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون طن، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين بوزارة التموين، وبينما تواصل الأجهزة التنفيذية بالتعاون مع ممثلي وزارة التموين مداهمة أماكن تخزين أطنان هائلة من السكر بهدف بيعها في السوق السوداء، فإن أرفف بعض المتاجر لا تزال خالية من السلعة، أو تباع بسعر باهظ.

 

 

وبينما يشير مراقبون إلى أن السبب الرئيس للأزمة هو ارتفاع سعر السكر عالمياً بنسبة مئة في المئة، لكن هناك من يؤكد أن الأزمة في احتكار التجار للسلعة. يقول رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" محمود عسقلاني، إن "أسعار السكر تنقسم إلى ثلاث شرائح، أحدها الأرخص ويصل إلى 14 جنيهاً (نحو نصف دولار) أو أقل وهو الذي يباع على البطاقات التموينية كسلعة مدعمة، والثانية 27 جنيهاً، والثالثة قد تصل إلى 30 جنيهاً (دولار واحد)"، مشدداً على أن "الاحتكار والجشع هما سبب الأزمة الأخيرة، وسوق الاقتصاد الحر يجب أن يصحبه ضمير وأخلاق ومسؤولية مجتمعية، وما يجري حالياً هو (تعطيش للسوق) أي إخفاء البضاعة ليزيد الطلب عليها ثم تظهر تدريجاً بسعر مضاعف".

وأشار عسقلاني إلى أنه "قبل فترة قصيرة جلس بعض التجار مع ممثلين للحكومة والبنك المركزي وكان الاتفاق يتمثل في الإفراج عن البضائع المحتجزة في الموانئ، وبالفعل جرى لهم ما أرادوا بسعر الدولار الرسمي وليس بسعر السوق السوداء، لكن المفاجأة أن أغلبهم وبينهم تجار السكر استغلوا هذا التصرف بشكل سيئ والنتيجة هي احتكار السوق".

أين سجائري؟

في عالم المدخنين الذين اعتادوا على أن ترافقهم السجائر أو الشيشة مع الشاي المحلى بملاعق وفيرة من السكر، أو القهوة، وهي منتجات شهدت أسعارها جميعاً قفزات على مدار العامين الماضيين، وازداد الأمر تأزماً مع الأشهر الأخيرة، لكن ليس ارتفاع ثمنها فقط هو ما يسبب الضيق لدى مستخدميها، إنما قلة المعروض أيضاً.

يقول خالد عبدالرحمن، شاب ثلاثيني يعمل في مجال التسويق الإلكتروني، "لا أريد أية منغصات تمس مزاجي اليومي البسيط وهو السجائر العادية، إذ لم أفضل أبداً نظيرتها الإلكترونية، وهي مكون أساسي في يومي ومعها كوب شاي ثقيل محلى بأربع ملاعق سكر"، لافتاً إلى أنه يدرك تماماً أضرار تلك المكونات على صحته، لكن نهاره لا يستقيم من دون تلك التجاوزات الصحية إن صح التعبير.

 

 

يشرح الشاب المصري معاناته على مدار الأيام الماضية، "اعتدت أن أشترك مع زملائي بالمكتب في شراء مستلزمات البوفيه بأنفسنا بجودة تلائم ذوقنا في المشروبات والطعام الخفيف، لكننا على مدى يومين فشلنا في أن نجد سكراً بالمتجر الأقرب إلى مكان العمل، وحينما توافر فوجئنا بالبائع يخبرنا أن ثمنه 60 جنيهاً (ما يعادل دولارين) بزيادة الضعف عن ثمنه قبل اختفاء المنتج"، مضيفاً "في البداية اعتقدنا أنه نوع من الاستغلال، نظراً إلى أن الشركة تقع في منطقة تصنف على أنها راقية اجتماعاً، بالتالي الأسعار بها أعلى من المعتاد، لكن علمنا في ما بعد أن المشكلة منتشرة في كافة المناطق".

يقول عبدالرحمن إنه وزملاءه بعد أن تكيفوا مع ارتفاع أسعار مختلف أنواع القهوة والشاي جاء دور السجائر، لكن المشكلة التي يواجهها الآن هي تباين وتضارب أسعارها في المتاجر بشكل غير مفهوم، وحتى إن بعضها لم يعد متوافراً كما المعتاد، حيث يضطر إلى الذهاب إلى أكثر من منفذ بيع ليتمكن من شراء حصته الأسبوعية (10 علب سجائر) من النوع المستورد الأكثر انتشاراً بين فئات المصريين المدخنين. يقول، "طلبت من صديق لي أن يحضر لي بعضها من الخارج. السجائر باتت بمثابة عملة صعبة، ولم أعد أفعل كما كنت في السابق بأن أوزع السجائر على رفقاء الجلسة، نظراً إلى ندرتها وصعوبة الحصول عليها".

وتشهد سوق السجائر في مصر وضعاً متخبطاً وغامضاً، خصوصاً السجائر المحلية الصنع والأكثر شعبية في المجتمع المصري، إذ وصل سعرها إلى ستين جنيهاً في المتاجر، في حين أن السعر الرسمي أقل من نصف هذا المبلغ، وهو ما اضطر أب لطفلين إلى التوقف عن التدخين لأن ميزانية السجائر باتت أكبر مما يتحمله راتبه. يقول "من الأولى أن أنفق تلك الأموال على مستلزمات أبنائي، كما أنني خلال عشرة أيام تقريباً لم أعد أجد سجائري المفضلة فجربت أنواعاً أخرى، وكلما ذهبت للشراء ألاحظ تضارباً في الأسعار بشكل يومي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الأب، "مع شح السجائر في السوق اضطررت لتجريب خمسة أنواع في وقت قصير للغاية، ونظراً إلى عدم اعتيادي على نوع التبغ، أصبحت السيجارة وسيلة للضيق وليس للتنفيس والاسترخاء، أي إنها تقوم بعكس مهمتها تماماً، إضافة إلى إصابتي بالصداع وقلة التركيز".

بات من الشائع أن يقف كثير من المدخنين في ما يشبه الطوابير لشراء حصة مقننة من السجائر بسعر أقل من سعر السوق غير المنضبط، وذلك من خلال منافذ بيع محددة، لكنها تتيح لكل فرد شراء علبة واحدة أو اثنين على الأكثر.

ويبلغ عدد المدخنين في مصر نحو 19 مليوناً من إجمالي عدد السكان البالغ 105 ملايين نسمة، أي ما يعادل 18 في المئة من الشعب وفقاً لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كما تستحوذ "الشركة الشرقية للدخان" منتجة السجائر المحلية الأكثر انتشاراً على نسبة 70 في المئة من سوق التدخين بمصر بحسب تصريحات سابقة لمسؤوليها، الذين يؤكدون أنه لا قلة في الإنتاج ويرجعون سبب الأزمة إلى قيام التجار الكبار بتخزين كميات كبيرة فيشح المعروض وبالتالي يرتفع السعر بشكل غير رسمي.

خلقت هذه الأزمة سوقاً سوداء مزدهرة لمنتجات التبغ على غرار سوق الدولار الموازية، حيث باتت لأغلب السلع الاستراتيجية سوق سوداء، وحاولت الحكومة المصرية أكثر من مرة استيعاب الأزمة بعقد اجتماعات مع الشركات والشعب التجارية المعنية، لكن حتى الآن فإن الحلول محل النقاش تصطدم بعقبات كثيرة، في حين هناك مقترحات لطرح حصص السجائر في منافذ بيع تخضع للرقابة الرسمية المباشرة لمنع احتكارها والتلاعب بأسعارها، وهو الحل الذي لم ينفذ حتى الآن.

الإنترنت ليس بعيداً

سبقت مشكلة السكر بفترة أزمة في المشروبات المكيفة مثل الشاي والقهوة، حيث ارتفعت أسعارها بشكل مبالغ فيه، والسبب المتداول والمتكرر هو ارتفاع سعر الدولار، بخاصة أنها منتجات مستوردة، حيث تستهلك مصر ما يقرب من 85 ألف طن من الشاي سنوياً.

ويعد الشاي المشروب الأول لمختلف الطبقات المصرية يليه البن الذي يجري استيراد ما يقرب من 70 ألف طن منه سنوياً، وبعد أن دبر المواطنون حالهم وتكيفوا مع بدائل الماركات التي كانوا يشربونها من هذه المنتجات بسبب ارتفاع أسعار الأنواع الشهيرة بما يتوافق مع مستوى الدخل الخاص بهم، ظهرت منغصات أخرى أيضاً تتعلق بالمزاج، حيث أصبح من الملاحظ أن عديداً من السلع والخدمات الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها والتي ليس لها بديل، موضع أزمات متوالية.

تعكير مزاج المصريين أيضاً وصل إلى خدمة الإنترنت، إذ أصبحت الشكوى الدائمة هي بطء السرعات وانقطاع الخدمة لأيام عدة خلال الشهر مع ارتفاع أسعار الاشتراكات. وبحسب أحد المهندسين العاملين في شركة اتصالات شهيرة، فضل عدم ذكر اسمه، فإن البنية التحتية المتعلقة بخدمة الإنترنت في مصر "لن تتحمل سرعات الإنترنت الكبيرة، بالتالي ففكرة وجود إنترنت غير محدود غير واردة في المستقبل القريب على الأقل".

ويضيف "أي تحميل ضخم على أنظمة العمل وعلى البنية التحتية قد يؤدي إلى حدوث تلفيات، نظراً إلى أن القدرات الاستيعابية لكبائن الإنترنت أقل بكثير من أعداد الخطوط التي تمد لها الخدمة، بالتالي فترشيد الاستهلاك بتلك الطريقة أمر ضروري".

غير أن المهندس وليد حجاج، المتخصص في أمن المعلومات، يشير إلى أن المؤسسات الرسمية المعنية في مصر تقوم بجهود ملموسة لتحسين خدمة الإنترنت في البلاد، من خلال رفع كفاءة البنية التحتية واستبدال الكابلات القديمة ببديلتها "الفايبر" قوية التحمل، مما يسهم في إيصال الإنترنت بسرعات عالية للمناطق النائية ورفع كفاءة الخدمة بشكل عام في محيط البلاد، مشدداً على أن تلك الخطوات تؤتي ثمارها بالفعل.

 

 

وشهد العام الماضي طلبات إحاطة عدة من أعضاء مجلس النواب موجهة إلى رئاسة الوزراء ووزارة الاتصالات بسبب ارتفاع أسعار الباقات، مما يشكل عبئاً على الأسرة، بخاصة أن الإنترنت بات وسيلة رئيسة من وسائل التحصيل الدراسي، وبينها طلب الإحاطة الذي تقدم به النائب أيمن محسب، معتبراً أن الخدمة متدنية ومع ذلك يحدث بها انقطاع طوال الوقت، مستنداً إلى تزايد أعداد شكاوى المواطنين من مشكلات الإنترنت المنزلي المتكررة بلا سبب.

وتشجع الحكومة المصرية على استعمال الخدمات الإلكترونية، سواء في ما يتعلق بدفع الفواتير أو في استخراج المستندات، كما تتحول الهيئات الحكومية للتوسع في خدماتها الرقمية، لكن دائماً ما يواجه المصريون عبارة "السيستم واقع" التي يرددها الموظفون على أسماع المواطنين في المؤسسات ذات الإقبال الجماهيري.

يقول المتخصص في أمن المعلومات المهندس وليد حجاج، "الإنترنت لم يعد يدخل في بند الرفاهية أبداً، حيث يعتبر وسيلة للتواصل والترفيه والمذاكرة والتحويلات المالية ودفع الفواتير واستخراج الوثائق والتقديم على الجامعات وكذلك تشغيل كاميرات المراقبة وخدمات المرور وأيضاً مصدر رزق للعاملين عن بعد"، مشيراً إلى أنه يحدث توقف لدورة حياة المواطن بانقطاع الإنترنت، معتبراً أنه يضاهي في أهميته للجمهور الكهرباء والمياه.

وبحسب تقرير لوزارة الاتصالات المصرية صادر في أغسطس (آب) الماضي، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر وصل إلى 85.8 مليون مستخدم بزيادة نحو مليون ونصف المليون مستخدم خلال عام واحد فقط، وهي نسبة ضخمة مقارنة بعدد السكان، بالتالي من وقت إلى آخر تتصاعد دعوات المطالبة بإنترنت غير محدود للبلاد، لكنها تصطدم بعواقب البنية التحتية والاتفاقات مع الشركات العاملة في المجال.

من يلعب بمزاج المصريين؟

في النهاية نبه محمود عسقلاني رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، إلى أن مزاج المصريين بشكل عام تأثر بشكل مزعج خلال الفترة الأخيرة، وأصبحت هناك متاجرة من قبل أصحاب الأعمال بالسلع والخدمات التي تهم المواطن، في حين أن المؤسسات الرسمية تحاول بكل قوتها تصحيح المسارات.

وسخر عسقلاني من الآراء التي تشير إلى أن الأزمات العالمية مثل حربي غزة وأوكرانيا تسببت في نقص بسلاسل الإمدادات، بالتالي تأثرت نسبة المعروض في السوق المصرية، مشيراً إلى أن هذه حجج واهية، بخاصة أن الأزمات طاولت سلعاً تزرع أو تصنع بشكل كامل في مصر.

كما يرى أن من غير المنطقي أن ترتفع الأثمان في اليوم نفسه الذي يرتفع فيه سعر الدولار مثلاً أو بعد أيام من انطلاق شرارة الحرب، مرجعاً هذه التصرفات إلى الجشع والاستغلال، ومحذراً من حال الغضب وعدم الرضا التي باتت تنتاب الجمهور العام العادي في الشارع.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات