باع بنك إسرائيل المركزي نحو 8.2 مليار دولار من النقد الأجنبي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إطار احتواء خسائر العملة، مما أدى إلى تراجع الاحتياط إلى 191.235 مليار دولار، تزامناً مع استمرار خسائر الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار الأميركي.
إلى ذلك أطلق البنك المركزي في إسرائيل برنامجاً بقيمة 30 مليار دولار لبيع النقد الأجنبي مع بداية الحرب في غزة لمنع حدوث تدهور حاد في سعر صرف الشيكل، للمرة الأولى على الإطلاق، بعدما سجلت الاحتياطات في سبتمبر (أيلول) عند مستوى 198.553 مليار دولار.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة واجه الشيكل الإسرائيلي خسائر عنيفة مقابل الدولار الأميركي، إذ قفز سعر الورقة الأميركية الخضراء من مستوى 3.87 شيكل إلى نحو 4.15 شيكل خلال الأيام الماضية، قبل أن يتراجع مع توسع تدخل البنك المركزي في بيع النقد الأجنبي إلى نحو 4.07 شيكل في الوقت الحالي.
وفي غضون ذلك خفض البنك المركزي الإسرائيلي توقعاته حول نمو اقتصاد البلاد إلى 2.3 في المئة خلال العام الحالي، هبوطاً من ثلاثة في المئة في توقعات سابقة للبنك.
ورجح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 2.8 في المئة خلال عام 2024، بينما أبقى البنك على معدلات الفائدة من دون تغيير عند مستوى 4.75 في المئة، وذلك في وقت تستمر فيه عمليات التصعيد في غزة، وسط تراجع لأسعار الشيكل قرب أدنى مستوياته على الإطلاق.
وذكر البنك في بيان أن لجنة السياسة النقدية قررت إبقاء سعر الفائدة من دون تغيير، على رغم انخراط إسرائيل في العمليات الناجمة عن التصعيد العسكري في غزة.
توسع موجة خفض التصنيف الائتماني
في الوقت نفسه فمن المحتمل أن تؤدي ضغوط الحرب على الاقتصاد إلى إبقاء التيسير النقدي على جدول الأعمال في الأشهر المقبلة، على رغم أن الصراع يعزز الرهان على تراجع الشيكل.
في تلك الأثناء رجح محللون في قسم أسواق رأس المال لدى "بنك لئومي"، في مذكرة بحثية حديثة، أن "يخفض البنك المركزي سعر الفائدة بدرجة محدودة في الاجتماعات المقبلة".
وأضافوا "الغرض من خفض الفائدة هو دعم القطاع العائلي، وكذلك قطاع الأعمال، خلال فترة الحرب"، مشيرين إلى أن الكلفة الإضافية للحماية من خفض الشيكل في الشهر المقبل (مقابل التحوط حال ارتفاع قيمته) ارتفعت إلى 1.4 نقطة مئوية في تعاملات الخميس الماضي، من نحو نقطة مئوية قبل بدء القتال منذ أسبوعين تقريباً، بحسب ما يظهر عكس الأخطار (وهو مقياس للفرق بين كلفة خيارات شراء وبيع الشيكل).
في وقت سابق من الشهر الماضي خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية لتصنيف إسرائيل إلى سلبية، مع توسع الخسائر بسبب الحرب القائمة، ليصبح تأثيرها أكثر وضوحاً في اقتصاد إسرائيل وبصورة أكبر مما كان متوقعاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت الوكالة تصنيف إسرائيل عند مستوى AA-، وهي رابع أعلى درجة، ورجحت انكماش اقتصاد إسرائيل بنسبة خمسة في المئة في الربع الرابع من العام الحالي، مقارنة بثلاثة أشهر سابقة وسط اضطرابات تتعلق بالأمن وخفض النشاط التجاري.
فيما وصف وزير المالية الإسرائيلي بتسئيل سموتريتش خفض وكالة "ستاندرد أند بورز" التوقعات إلى "سلبية" من "مستقرة" بأنه "مثير للقلق"، لكنه قال إنه لا يتوقع أن يحدث عجزاً كبيراً في إسرائيل على رغم الأزمة.
وأشاد سموتريتش بمحافظ بنك إسرائيل المركزي أمير يارون قائلاً "لا يدخر جهداً في عمله"، وكان من المقرر أن يتنحى يارون لكنه مدد ولايته بسبب الأزمة، لكن سموتريتش لم يجب عما إذا كان ينبغي إبقاء يارون رسمياً في منصبه أم لا.
بالتوازي وضعت وكالة "موديز"، تصنيف ديون إسرائيل قيد المراجعة لخفض التصنيف، ووضعت وكالة "فيتش" البلاد تحت المراقبة السلبية بسبب الصراع الحالي، وفقاً لما ذكرته وكالة "بلومبيرغ".
وكتب المحللان مكسيم ريبنيكوف وكارين فارتابيتوف "يمكن أن تنتشر الحرب بين إسرائيل وحماس على نطاق أوسع أو تؤثر في التقييم الائتماني لإسرائيل بصورة أكثر سلبية مما نتوقع... نفترض حالياً أن الصراع سيظل متمركزاً في غزة ولن يستمر أكثر من ثلاثة إلى ستة أشهر".
أدنى مستوى للشيكل في 39 عاماً
في السياق ذاته، حذر تحليل أجرته وكالة "بلومبيرغ" من أن التراجعات التي يشهدها الشيكل قد تستمر لفترة أطول مع غياب أي حلول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويأتي ذلك فيما يسجل سعر صرف الشيكل الإسرائيلي أطول سلسلة خسائر منذ 39 عاماً أمام الدولار.
ووسط ظروف الحرب الشرسة على قطاع غزة تتوقع تقارير أن تضطر البنوك الإسرائيلية إلى زيادة مخصصاتها لتغطية الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها والخسائر في سوق المال، بسبب هرب المستثمرين الأجانب وسحب الودائع والإقبال على شراء الدولار وتخزينه.
على صعيد خسائر سوق الأسهم، فقد شهدت خسائر من اندلاع الحرب بقيمة 204 مليارات دولار بينها 27 مليار دولار خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وكانت القطاعات الأكبر من جهة الخسائر السوقية، هي قطاع البنوك والعقارات والتكنولوجيا، إذ تكبدت أسهم العقارات خسارة 4.9 مليار دولار، وتكبد قطاع التكنولوجيا أربعة مليارات دولار.
كما خسر مؤشر قطاع التمويل (البنوك)، الأكثر حساسية للأزمات، نحو 8.5 مليار دولار، إذ ضخ بنك إسرائيل المركزي سيولة كبيرة لدعم الاقتصاد، فيما انخفض سهم أكبر بنك في إسرائيل "لئومي" في أكبر خسارة شهرية منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 بنسبة 18 في المئة.
وفي ما يتعلق بالانكماش المتوقع للاقتصاد الإسرائيلي خلال الربع الرابع من عام 2023 الحالي، فقد توقع "جي بي مورغان" انكماشاً بنسبة 11 في المئة، فيما توقعت وكالة "إس أند بي غلوبال" انكماشاً بمقدار خمسة في المئة جراء هذه الحرب، كما عدلت الوكالة نظرتها لإسرائيل من مستقرة إلى سلبية، وتوقعت أن تواجه عجزاً حكومياً بنسبة 5.3 في المئة خلال عامي 2023 و2024، نظراً إلى الإنفاق الدفاعي الكبير الذي تفرضه الحرب.
وتوقع عدد من خبراء الاقتصاد أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي للدولة العبرية بنحو 15 في المئة مقارنة بخفض بنحو 0.4 في المئة فقط خلال الحرب على غزة في عام 2014، و0.5 في المئة خلال الحرب مع لبنان عام 2006.