Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النظارة الطبية... القبح والجمال والعجز والذكاء في عدستين

مليار شخص تقريباً يحتاجون إليها ولا يملكون ثمنها والنظرة النمطية لمرتديها لا ترتبط بالطبقة بينما نجمات العالم يتسابقن لارتدائها

أعطت "غوغل" للعالم لمحة عن رؤيتها للسماح للناس بالنظر إلى الحياة من خلال نظارات ملونة عبر الإنترنت (أ ف ب)

ملخص

 هل يشعر مرتدوها بأنهم أكثر ذكاء وجاذبية أم لا يجدون فيها إلا عبئاً يتحملونه على الدوام؟

النظارات أو العوينات اختراع أنقذ البشرية من تبعات ضعف الإبصار، وتعود إرهاصاته الأولى ربما لمطلع القرن الـ 11 الميلادي على يد رائد علم البصريات الحسن بن الهيثم، في ما كانت أول نظارة طبية قريبة من الشكل الحالي في القرن الـ 13 وصنعت في إيطاليا.

وعلى رغم أهميتها الكبرى في إعانة من يعانون مشكلات في الرؤية على مواصلة حياتهم بصورة طبيعية أو شبه طبيعية، أو في الأقل تخفف عنهم معاناتهم بصورة كبيرة، فإن العلاقة معها تبدو مربكة للغاية، فهي رفيقة مخلصة يحتمي بها صاحبها من الغشاوة والضبابية، ومع ذلك قد يضيق بها ذرعاً كونها ملتصقة دائماً بوجهه ولا يستطيع التخلص منها، في حين يعتبرها آخرون زائراً خفيفاً وقت القراءة فقط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك فريق من الناس يعرف أنه بحاجة ماسة إليها لكنه يتهرب من الاعتراف بهذا الأمر، وقد يتعامل معها على أنها شيء معيب أو علامة على القبح أو الضعف والحاجة إلى المساعدة.

وعلى العكس يرى آخرون أنها القطعة التي تضفي جاذبية وإثارة على وجه الفتيات وتجعلهن أكثر جمالاً، وهي بالنسبة إلى بعضهن عنوان للذكاء والاجتهاد.

ووفقاً لإحصاء للأمم المتحدة فإن هناك نحو 2.2 مليار إنسان يعانون مشكلات الإبصار أو العمى، بينهم 800 مليون في الأقل ليست لديهم القدرة المادية على شراء النظارة الطبية لتساعدهم في مواصلة يومهم بما لا يمثل خطورة على حياتهم، بينما يتم الاحتفال باليوم العالمي للإبصار في الـ 12 من أكتوبر (تشرين الأول) كل عام بهدف التوعية حول مشكلات النظر والاهتمام بذوي الرؤية الضعيفة.

وتشير المنظمة إلى أنه "يلزم توفير مبلغ قدره 14.3 مليار دولار لعلاج المتراكم من حالات الإصابة بضعف البصر أو العمى التي يعانيها مليار شخص بسبب قصر النظر وبعده وإعتام عدسة العين"، كما تؤكد أن سكان الأقاليم والمناطق الريفية هم الأكثر تأثراً ومعاناة بسبب أزمات الدخل المحدود وعدم الوعي.

حرج اجتماعي وجاذبية عالمية

لكن اللافت أن ثقافة عدم تقدير خطورة حالات ضعف الإبصار والحرج من ارتداء النظارة الطبية في أوقات كثيرة لا يقتصران فقط على طبقة بعينها، بل إن هناك فئات تصنف على أنها من ضمن طبقات اجتماعية عليا سواء مادياً أو تعليمياً، تعتبر أن ارتداء النظارات الطبية أمر معيب، وبينهن راجية حاتم (اسم مستعار) التي رفضت ارتداء النظارة الطبية على رغم معاناتها من طول النظر، لافتة إلى أنها اعتادت منذ صغرها على أن النظارات مرتبطة بجدتها وجدها ولم تتوقع أبداً أن ترث هذه القطعة، مضيفة "صدمت حينما قال لي الطبيب إن نظري ضعيف، وعلى رغم أنني لا أواجه مشكلات كبيرة لكنه أصر على أن أرتدي النظارة كي لا يتفاقم الوضع".

 

 

وتضيف، "قمت باقتناء واحدة بالفعل بناء على المقاسات المناسبة، لكنني أرفض ارتدائها إلا في المنزل، كما أن لدي حساسية من استعمال العدسات ولم أتمكن من الاعتماد عليها كبديل، والحقيقة أنني لا أحب أبداً أن أرتديها أمام خطيبي، إذ أشعر أنها لا تليق بملامحي".

تسكن الفتاة في حي راق بالقاهرة الجديدة ودرست الفنون الجميلة ولديها صورة ذهنية عن النظارت الطبية لم تفلح الخبرات والتواصل المجتمعي في تغييرها، وتعتقد أنها تقلل من جمالها كأنثى، وقد تغير وجهة نظر خطيبها ووالدته إليها، وربما يكون هذا نوعاً من الضغط المجتمعي على الفتيات وخوفاً من التمرد أو المواجهة، لكن على النقيض تبدو الدراسات العلمية أكثر رأفة، فمنها ما يشير إلى أن النساء يظهرن أكثر جاذبية وهن يضعن تلك العدسات الزجاجية الشفافة على العينين وليس فقط النظارت الشمسية الداكنة، وبالتالي تتسابق دور الأزياء العالمية لاعتماد النظارت ذات المظهر الطبي لكنها في الحقيقة نظارات زجاجية بغرض المظهر الجمالي فقط، وتكون ذات إطار سميك داكن وبتصميمات متعددة ربما أبرزها "عيون القطة"، كما ظهرت عشرات النجمات العالميات فاتنات وهن يرتدين النظارت الطبية، سواء بسبب ضعف البصر أو بغرض إضافة لمسة جمالية على إطلالاتهن، مثل جوليا روبرتس وكورتني كوكس وآن هاثاوي وجين فوندا وجينفير لوبيز وريتا أورا.

 كما أصبحت النظارة الطبية أكثر شعبية لدى بعض الأطفال ممن أحبوا الفيلم الكارتوني " "Encanto(معجزة) الذي قدمته "ديزني" وحصل على "أوسكار" و"غولدن غلوب" قبل عامين، إذ كانت البطلة ترتدي نظارة طبية بعدسات دائرية ضخمة تبدو لطيفة على وجهها.

وعربياً تأقلم الجمهور مع مشاهير يظهرون على المسرح وأمام الكاميرات بالنظارت الطبية الضخمة والسميكة بسبب معاناتهم من مشكلات الإبصار، من بينهم فؤاد المهندس وسمير غانم والمغنية عزيز جلال.

الأذكياء يفقدون بصرهم سريعاً

وبحسب دراسة أجريت في جامعة "أدنبرة" بأسكتلندا ونشرت في دورية "نيتشر كميونيكيشنز" العلمية قبل أعوام عدة، فإن هناك علاقة وثيقة بين معدل الذكاء والإصابة بعوارض صحية بعينها وأبرزها ضعف البصر، فالدراسة التي شملت عينة تقدر بنحو 300 شخص تتراوح أعمارهن بين 15 و 100 سنة خلصت نتائجها إلى أن أفراد الدراسة الأكثر ذكاء كانوا بحاجة إلى ارتداء نظارة طبية بنسبة تفوق أقرانهم بـ 30 في المئة. وبحسب دراسة بريطانية أخرى فإن 40 في المئة من الأشخاص يعتقدون أن من يضعون النظارات على الدوام هم أكثر إنجازاً وتطلعاً وذكاء.

 

 

وهكذا فصورة الباحث العلمي وهو يرتدي نظارة ويركز في ما يكتبه أو يشرحه بشدة ليست مجرد صورة نمطية كاريكاتورية، ولكنها واقعية أيضاً ومدعمة بالأدلة العلمية، وعلى رغم ذلك لا تزال بعض الأمهات يرتعدن لمجرد أن يشخص الطبيب حال أطفالهم بقصر أو طول النظر، ويقرر التزامهم بارتداء النظارة الطبية مدى الحياة أو حتى لأعوام عدة، وهو ما يتعرض له بصفة مستمرة أستاذ طب وجراحة العيون بكلية الطب جامعة القاهرة إيهاب سعد الذي يقول إن هذه الأفكار لا تقتصر على رجل أو امرأة أو طفل أو عجوز، ولا حتى بيئة أو مستوى ثقافي معين، مشيراً إلى أن كثيرين يرون أن مظهرهم بالنظارة غير مقبول، ويفضلون التأقلم مع المشهد أمامهم حتى لو شابته "زغللة" أو ضبابية، وإذا  كان الشخص لديه طول النظر فهو لا يتمكن من النظر إلى الأشياء القريبة لمدة طويلة، والعكس في ما يتعلق بقصر النظر إذ يفضل التعامل مع العناصر الأقرب إليه، وفي أحايين كثيرة يعاني المريض فشلاً مجتمعياً بسبب التوتر حينما يضطر إلى التعامل مع أشياء لا تتواءم مع حاله الطبية، وإذا واصل المريض المكابرة وعدم ارتداء النظارة فقد يصاب بالحول، بخاصة حينما تكون نسبة ضعف الإبصار عالية.

رهاب العدسات الطبية

لكن أكثر ما يقلق في هذا الشأن هو لجوء الأبوين لعمل جراحة "الليزك" لأطفالهن في سن صغيرة، إذ إن 20 في المئة من أطفال المدارس في مصر تقريباً لديهم مشكلات متنوعة في الإبصار وغالبيتهم بحاجة إلى نظارات، لكن بسبب نفور الأمهات من مظهر النظارة وخوفاً من تعرض الابن للتنمر وعدم التمكن من التأقلم مع مظهره يسارعن إلى الجراحة التي تسبب أضراراً على المدى البعيد.

ويعتبر أستاذ جراحة العيون بكلية طب قصر العيني أن تصرف الأطباء هنا خاطئ تماماً، بل يصف الطبيب الذي يبادر بالقيام بجراحة تصحيح إبصار باستخدام "الليزك" للأطفال في سن الابتدائية بأنه "غير مسوؤل وينبغي أن يكون على رأس القائمة السوداء للأطباء غير الموثوق بهم"، مضيفاً أن "الأمهات يسعدن بتصحيح الإبصار الموقت وإزالة الحول باستخدام الليزك لأن نتيجته سريعة، إذ يتخلص الطفل من النظارة، في حين أنه لو انتظر فسيتمكن الطفل بعد أعوام من تجاوز المشكلة بشكل طبيعي وآمن، لأن جراحة الليزك لا يجب إجراؤها قبل 18 سنة، بعد أن يكون حجم العين مستقراً وثابتاً، لكن التسرع يغير الشكل العام للقرنية بلا رجعة، وقد يحدث كسلاً للعين".

 

 

وعلى جانب آخر فالفئة التي تأقلمت تماماً مع النظارة وحالهم لا يصلح معها الليزك، كما أنهم لا يفضلون العدسات اللاصقة التي قد تتحول إلى أزمة كبيرة إذا ما طاولها التلوث على سبيل المثال، فإنهم أيضاً يعانون تفاصيل ربما لا يفكر فيها غيرهم، فالفتيات مثلاً يواجهن الأمرين مع مكياج العيون وبالذات "الماسكارا"، إذ تلامس العدسة الزجاجية على الدوام، كما أن إطار النظارة يفسد أساس المكياج بصورة دائمة.

أما طالب السنة الثالثة بكلية الآداب جامعة عين شمس علاء علي فيقول إنه على ما يبدو ورث ضعف الرؤية من والديه، فمنذ أن كان طفلاً وهو يرتدي نظارة لمعاناته من قصر النظر، وبالطبع دخل في مشاحنات كثيرة مع زملائه بسبب السخرية منه، وتكلف بضعة نظارات تعرضت للكسر بسبب هذه المشاحنات، وبعد أن أصبح أكثر نضجاً لا يزال يواجه أيضاً مواقف محرجة بسبب النظارة، ويتذكر حينما كان ملزماً بارتداء الكمامة خلال فترة انتشار فيروس كورونا، فقد كان بخار أنفاسه يربك الرؤية حينما يتكثف على زجاج النظارة السميكة.

ضريبة ارتداء النظارة

ويتابع علاء الذي فشلت معه عملية "الليزك" بعد أن كان يتمنى الاستغناء بها عن ارتداء النظارة سارداً معاناته، "خلال متابعة الأفلام بتقنية الـ  3Dفي السينما اضطر إلى ارتداء نظارة المشاهدة فوق نظارتي الطبية، ويكون الأمر مرهقاً للغاية ويصبح الموقف عصيباً حينما يهطل المطر على العدسات، كما أن هناك شبه استحالة لارتداء نظارة شمسية عادية لفترات طويلة مهما كانت الشمس قوية لصعوبة الرؤية من دون عدسات طبية، والكارثة الكبرى حينما تتهشم العدسات لأي سبب وكأنني خسرت جزءاً مهماً من وجهي فجأة، ولن أتمكن من استعادة طبيعتي إلا بعد أن أحصل على نظارة جديدة بأسرع وقت".

 

 

أما الصورة الكلاسيكية لمن يرتدي النظارة فتشير إلى أن هناك مفهوماً عاماً متفقاً عليه مفاده أن الطبيب الذي يرتدي النظارة ربما أكثر تميزاً وبراعة من مثيله الذي لا يعاني ضعف الإبصار، ومن يستعمل نظارة مكبرة أثناء القراءة هو مثقف بالطبع لأنه يطالع كثيراً، والسياسي الذي يرتدي النظارة الطبية هو شخص مجتهد ومحل ثقة.

وفي حين رسمت السينما والدراما التلفزيونية صورة شديدة التقليدية وربما القسوة وعدم المنطقية للفتيات اللاتي يعانين ضعف البصر ويرتدين نظرات طبية سميكة بأنهن أقل جاذبية، وهو ما اُعتمد عليه مثلاً في تكوين تفاصيل شخصية البطلة في مسلسل Ugly Betty (بيتي القبيحة)، والشيء نفسه بالنسبة إلى نسخته العربية "هبة رجل الغراب"، إذ تصبح الشخصية الرئيسة أكثر جمالاً وجاذبية حينما تخلع النظارة.

لكن في دوائر أخرى تجتهد الفتيات لارتداء نظارات تبدو وكأنه طبية، إذ أصبحت تلك النظارات الزجاجية التجميلة تباع في جميع متاجر التسوق الكبرى لأنها بالنسبة إلى بعضهن وسيلة للتجمل، في ما تنتشر في مصر ثقافة ما يسمى نظارة حفظ النظر، ويعتقد قطاع من الناس أن الاستعانة بالنظارة من دون ضرورة طبية ملحة أمر يحميهم من ضعف الإبصار في ما بعد، وهي الفكرة التي يقر الطبيب إيهاب سعد بخطئها تماماً، ويقول "هذا كلام ليس له سند طبي، ولا وجود له في القاموس العلمي، فإما أن الشخص لديه رؤية ضبابية وبحاجة إلى نظارة أو لا، ولا يوجد ما يسمى طبياً بنظارة لحفظ النظر".

المزيد من منوعات