ملخص
يعني الخروج من حال الطفولة والمراهقة وبدء رحلة البحث عن هوية دائمة في المجتمع التنازل عن كثير من المغريات التي يتمتع بها الشباب في مقتبل العمر.
على رغم مرور عقود من الزمن على ولادتها في خمسينيات القرن الماضي، لا تخرج صورة الشاب الغاضب "بروس" التي عبرت عنها شخصية البطل الخارق "هالك" من خيال كثيرين، فدمية وأزياء الرجل الأخضر لا تزال تباع في المتاجر وتحظى بقدر من اهتمام أطفالنا، بل إن زي "هالك" المهترئ الغريب يباع بصورة مستقلة كنمط من الموضة.
ويتميز العملاق الأخضر بزي شهير أساسه شورت "الجينز" الممزق نتيجة لنوبة غضب جارفة عاناها، إضافة إلى القوام الرياضي الذي يعتمد على العضلات الضخمة.
وتعد هذه الصورة التي تجسد تمرد المراهقين ويتحول إليها البطل الضعيف "بروس" بعد نوبة غضب جارفة شبيهة بشخصيات لعبة ذائعة أخرى هي لعبة "الطيور الغاضبة" الشهيرة.
خروج على الطفولة
يمكن من خلال لعبة الفيديو هذه التي ظهرت عام 2009 تحسس بعض جوانب شخصية الرجل الغاضب الرئيسة، فالطيور في هذه اللعبة هي من فئة الطيور التي أصبحت أثناء رحلة تطورها من دون أجنحة، وهي أكبر حجماً من الواقع وذلك لأنها تدافع عن بيوضها أمام الخنازير البرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واللعبة التي تحولت إلى مسلسل ومن ثم فيلم أخيراً عام 2016 تظهر حساسية الأبوين وكمية الغضب الذي يشعر به أثناء حماية النسل وممارسة معظم مهمات الأبوة، وخصوصاً الذكور منها، إذ يفقد الذكور خارج اللعبة والفيلم حريتهم بعد الارتباط بشريك، على غرار تلك الطيور التي فقدت قدرتها على الطيران وبنت أعشاشها على الأرض.
وفي المقابل جسد العملاق الأخضر صورة الكائن البشري الذي يزداد حجمه وقوته أضعافاً عدة، وهو في حال الدفاع الشرعي عن شريكته أو أسرته أو منطقة نفوذه.
ويعني الخروج من حال الطفولة والمراهقة وبدء رحلة البحث عن هوية دائمة في المجتمع التنازل عن كثير من المغريات التي يتمتع بها الشباب في مقتبل العمر، تمهيداً لبلوغ سن الرشد الجنسي ومن ثم الزواج وتكوين الأسرة.
وأثبتت التجربة العملية أن عملية الخروج هذه تعد بمثابة تحول إنسان من حال السكون إلى حال الجنون أحياناً، لذلك يعد النضوج والخروج من كنف الرعاية الأبوية، خصوصاً بالنسبة إلى الذكور، أمراً مؤلماً للغاية وكثير التعقيد.
في البداية وحتى عام 2023 وظهور فيلم "شي هالك"، وهو من إخراج كات كويرو، وقصته مستوحاة من حكايات مجلة "مارفل كومكس" أيضاً، كانت شخصية الرجل الغاضب مقتصرة على الذكور، فرأينا شخصيات ذكورية غاضبة كثيرة في هوليوود كان أشهرها على الإطلاق العملاق الأخضر "هالك"، وهو النسخة فائقة الرجولة من "بروس" الفتى المراهق الجامعي الضعيف الذي يتعرض لضغوط عاطفية ونفسية كثيرة أثناء الدراسة، ثم تتعرض والدته لحادثة وحشية مميتة وهو يوشك على دخول معترك الحياة الحقيقية، وهذه الحادثة الصاعقة التي أشعلت كبت ذلك المراهق النفسي والعاطفي والجنسي قادت "مارفل" إلى نسج شخصية العملاق الغاضب الأسطورية الحديثة.
أسطورة الرجل الغاضب
ولأسطورة الرجل الغاضب سينمائياً وخصوصاً في زمن "هالك"، وجهان رئيسان يتكرران في أي مكان وزمان، الأول هو الوجه الساذج العقلاني الذي تتجلى به الشخصية قبل مرورها بتجربة عاطفية قاسية، والثاني هو الوجه الذي تخفيه الشخصية عن الآخرين ويظهر بعد التحول، وهو وجه الرعب والدمار الذي يمكن لتلك الشخصية الضعيفة بلوغه أثناء ثورة الغضب.
ومثل "هالك" صورة الرجل الغاضب في هوليوود بعد الخمسينيات، وهي شخصية عادية تخضع للعلوم عموماً، وعلم النفس خصوصاً، إذ ظهرت شخصية حقيقية مقابل هذه الشخصية الخيالية الثائرة، وهي شخصية سينمائية جديدة للطيبب النفسي الهادئ التي صارت معاكسة تماماً لتلك الشخصية الأخرى الشهيرة.
وسببت شخصية الطبيب النفسي التي جسدها فنانون كبار ببراعة إطفاء بريق شخصية الرجل الغاضب القديمة تماماً، وصارت شخصية قريبة إلى نفوس الجماهير ومحببة لكثيرين، ظهر ذلك من خلال فيلم "أنجر مانجمنت" (Anger Mangmen) عام 2003، وهو من بطولة كل من آدم ساندلر وجاك نيكلسون، وفي سلسلة "أنالايز ذيس" 1999، ثم "أنلايز ذات" من بطولة روبرت دنيرو وبيلي كريستال، إذ يتعامل الطبيب النفسي في هذه الأعمال مع شخصيات مركبة مثل رجل أعمال غاضب ورجل "مافيا" سابق. ومن أنواع شخصية الرجل الغاضب أيضاً شخصيات البريطاني جيسون إستاثام، وهي الشخصية القاسية الهائجة التي تبحث بجنون عن مصل أو علاج للغضب كما في العمل الشهير "كرانك" 2009، وأعمال أخرى أكثر غضباً.
بوليوود والسينما العربية
واتبعت بوليوود خط هوليوود السينمائي بشكل حرفي أثناء معالجتها لشخصية الرجل الغاضب، فعكس أميتاب باتشان الذي نال اللقب الشهير "الفتى الغاضب" من خلال أدوار الغضب، جملة من المشكلات الاجتماعية التي تعوق دخول الشباب إلى عالم الحياة الزوجية والتحول إلى رجال شرفاء.
وتصل نسبة المراهقين في المجتمع الهندي، وفق إحصاءات ظهرت في العقد الثاني من الألفية الحالية، إلى 65 في المئة، وهم ذكوراً وإناثاً من فئة عمرية تتراوح بين 16 و64 سنة.
وأخيراً رفعت الدولة الهندية سن الرشد الجنسي إلى 18 سنة مما أدخل كثيراً من الشباب، وفق مراقبين، في دائرة مشكلات الجريمة، نظراً إلى أن الممارسة الجنسية خارج إطار الزواج في المجتمع الهندي ظلت من المحرمات الاجتماعية حتى بعد نهاية مرحلة "أميتاب" وإلى يومنا هذا.
أخيراً قدم الفنان المصري يوسف منصور شخصية الرجل الغاضب والناقم على كثير من الممارسات غير الرجولية في المجتمعات الشرقية، من خلال تطبيق فكرة الفنون القتالية التي ذاع صيتها بعد فيلم "قبضة الغضب" عام 1972 للأسطورة بروس لي وتلميذه جاكي شان، ولقيت شعبية واسعة من خلال فيلم "قبضة الهلالي" عام 1991 للمخرج إبراهيم عفيفي وأعمال عربية أخرى.