Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تراجعت العلاقات العربية – الهندية بعد أزمنة التقارب؟

موقف نيودلهي الرسمي من إسرائيل وفلسطين يفتح الأبواب لسيناريوهات مستقبلية مغايرة

لقاء عمره سنوات خلال زيارة مودي إلى إسرائيل (أ ف ب)

ملخص

لا تزال هناك مؤشرات قوية على علاقات هندية- عربية مميزة على رغم التغير في بعض مواقف نيودلهي تجاه القضية الفلسطينية والتقارب مع إسرائيل.

عرفت العلاقات العربية – الهندية في حقبة الخمسينيات والستينيات، بالتقارب الذي كان يشبه التحالف السياسي وقد بلغ الأمر ذروته عندما بلورت مصر والهند ويوغسلافيا، طرح دول عدم الانحياز، كحل عقلاني لتجنب الانخراط في مساقات ومدارات العالم المتشظي بين حلفي وارسو والأطلسي.

على أن هذه لم تكن بدايات العلاقات العربية – الهندية، ذلك أن هناك جذوراً تاريخية وحضارية جمعت بين الجانبين، فقد تأثر العرب منذ وقت قديم بالحضارة الهندية حيث تاجروا معاً، ومن خلال التجارة جاءت الثقافة.

وعلى الصعيد الآخر، تأثرت الهند بالحضارة الإسلامية التي شهدت إقامة دول عدة، وأثناء ذلك تركت آثاراً أصبحت خالدة وأشهرها تاج محل وقطب منار، كما أنشأت المدارس والجامعات وأشهرها جامعة عليكرة، وباتت الثقافة الهندية مختلطة اختلاطاً وثيقاً بالثقافة العربية الإسلامية في تجلياتها الأوردية، التي كانت لغة البلاط والمفكرين والأدباء والمثقفين زهاء أكثر من أربعة قرون.

ومن المؤكد أن السياسات الهندية مضت لعقود طوال على ثوابت دعم القضايا العربية عامة، والقضية الفلسطينية بنوع خاص، الأمر الذي كانت إسرائيل تعتبره ضرباً من ضروب الانحياز للعرب على حسابها.

غير أنه لم يعد خافياً أن هناك تحولات في دفة العلاقات العربية – الهندية أخيراً، لا يصب في مصلحة أو مصالح القضايا العربية المهمة والجوهرية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، الأمر الذي يستدعى طرح تساؤلات معمقة عن أسباب تلك التحولات السلبية في مواجهة تصاعد إيجابي في العلاقات الهندية – الإسرائيلية وبصورة لا توار أو تدار.

ما الذي تغير هناك؟، هل كان صعود القومية الهندوسية بنوع خاص هو أحد تلك الأسباب أم أن هناك متغيرات سياسية دولية أخرى غيرت الأوضاع وبدلت الطباع واختصمت من تاريخية هذه العلاقة؟

ربما يمكننا الحديث من عند الموقف الهندي الرسمي من الأحداث في غزة لفتح مسار لفهم تتابع الأحداث... ماذا عن ذلك؟

الهند وأحداث غزة

لعل الموقف الرسمي الهندي الأخير من ذاك الذي يجري في غزة، إنما يكشف عما يعتبره البعض التباساً في الموقف الهندي. ففي العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أي بعد نحو ثلاثة أيام من أزمة السابع من أكتوبر، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يباشر الاتصال بنظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤكداً وقوف الشعب الهندي بحزم بجانب بلاده في هذا الوقت الصعب، ومعرباً عن إدانة قوية وقاطعة للإرهاب بكل صوره ومظاهره.

ولأن إسرائيل تعرف الوزن النسبي للهند لا سيما على صعيد الكتلة الآسيوية المعاصرة، وبعدما صارت مرشحة لأن تضحى "الكتلة المرجحة" أو "الرقم الصعب" المقبل بعد تراجع الصين المرصود، فقد تابع العالم اتصال نتنياهو بمودي والذي بدا مهتماً باطلاعه على مستجدات الوضع الراهن في ما تنفذه تل أبيب من ضربات جوية انتقامية ضد غزة.

لاحقاً بدت تصريحات مودي تعبر عن علاقة دافئة جداً مع إسرائيل، إذ قدم تعازيه الحارة وتعاطفه الشديد من القتلى والجرحى.

ولم يتوان وزير الدولة الاتحادي للشؤون الخارجية في الهند، مور اليدهاران، في تصريحات صحافية تالية عن التعبير عن مشاعر غالبية الهنود وموقف نيودلهي من الصراع الدائر بين إسرائيل وحركة "حماس" بقوله "إن الهند تعتبر الاعتداء على إسرائيل عملاً إرهابياً، وإننا نعرب عن تضامننا معها".

هل تغيرت مواقف الهند من إسرائيل أم من العرب؟

تاريخياً هناك العديد من المواقف التي بدت فيها الهند عروبية أكثر من العرب، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت الهند من الدول التي صوتت ضد حصول إسرائيل على عضوية الأمم المتحدة عام 1949.

يمكننا كذلك تذكر أن الهند لم تعترف بإسرائيل إلا بعد سنوات من إعلان قيام الدولة، كما أنها لم ترفع معها درجة التمثيل الدبلوماسي الكامل على مستوى السفارة إلا عام 1992، أي بعد مرور أكثر من أربعة عقود على تاريخ الاعتراف.

ومع الوصول إلى منتصف سبعينيات القرن العشرين، صوتت الهند لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والخاص باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من ناحية أخرى، كانت الهند أول دولة غير عربية تمنح منظمة التحرير الفلسطينية الوضع الدبلوماسي الرسمي الكامل عام 1975، وذلك بعد أن اعترفت القمة العربية في الرباط عام 1974 بها واعتبرتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

غير أن هذا الوضع لم يستمر إلى الأبد، فقد جرت في مياه الأوضاع الدولية مياه كثيرة، لا سيما بعد انهيار المعسكر الشيوعي، وانفراد الولايات المتحدة بمقدرات الأمور حول العالم... إذاً ما الذي حدث على وجه الدقة؟

قبل الجواب ربما يتحتم للموضوعية النظر إلى الوجه الآخر من العملة الهندية، والتساؤل عما إذا كان هناك من لا يزال يدعم حقوق العرب والفلسطينيين على رغم المواقف الرسمية الهندية؟

تظاهرات ومساعدات لنصرة الفلسطينيين

للنظر بعين موضوعية، يجب أن نغطي كافة التصريحات التي صدرت من قلب الهند خلال الأسبوعين الماضيين، وكان منها تعبير رئيس الوزراء مودي والذي قال فيه "أشعر بالصدمة لما حدث في غزة".

قصد مودي بذلك قصف مستشفى الأهلي المعمداني الذي راح ضحيته المئات من أطفال غزة الأبرياء،

وفي بيان له صدر عن سفارة الهند لدى القاهرة قال رئيس الوزراء، "أشعر بصدمة كبيرة إزاء الخسائر المأسوية في الأرواح في المستشفى الأهلي في غزة، تعازينا القلبية ودعواتنا بالشفاء".

هنا يمكن للمرء اعتبار التصريحات نوعاً من أنواع التوازنات الدبلوماسية، غير أن التحركات الشعبية والحزبية في الداخل الهندي، تقول إن هناك من لا يزال يدعم القضايا العربية.

ففي الرابع عشر من أكتوبر كانت وزارة الخارجية الهندية تؤكد عبر المتحدث الرسمي باسمها على أن نيودلهي تتمسك بسياستها الراسخة والثابتة في شأن القضية الفلسطينية، وتدعو إلى استئناف المفاوضات المباشرة من أجل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقابلة للحياة، تعيش داخل حدود آمنة ومعترف بها جنباً إلى جنب في سلام مع إسرائيل.

وفي اتصال مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، كان مودي يبلغ أبو مازن تعازيه في الضحايا المدنيين، ويبلغه مواصلة الهند إرسال المساعدات الإنسانية، ومؤكداً موقف الهند الدائم في شأن القضية الفلسطينية.

لم تخل شوارع الهند بالفعل من التظاهرات والمسيرات التي نظمها المئات من الهنود المناصرين للإنسانية، لا سيما تلك التي نظمها "حزب الرفاهية الهندي"، والذي يملك أعلاماً ذات ألوان تشبه علم إيطاليا، ما جعل البعض يعتقد أو يظن أن الشعب الهندي يرفع علم إيطاليا من طريق الخطأ بدلاً من فلسطين لتشابه الألوان بين العلمين.

ولأن ما جرى في غزة أخيراً، وردود الفعل الإسرائيلي عليه، سواء طال الوقت أو قصر هو نازلة من النوازل، فإن المشهد الأوسع يحتم علينا البحث في عمق ما جرى من تغيرات ومرد ذلك.

الألفية الثالثة وبدايات التغيرات الهندية

لا يحتاج المراقب السياسي والمحقق والمدقق للكثير كي يدرك أن هناك تغيرات عميقة جرت على بنية السياسات الخارجية الهندية لجهة العلاقات مع إسرائيل والعرب، يعتبرها الوضع من قبيل إحداث توازنات كان لا بد منها للهنود، لا سيما أن هناك فصيلاً لا بأس به من المراقبين، يقطع بأن العلاقات العربية – الهندية لا تزال طيبة، بل إن هناك تحالفات جديدة أظهرتها عملية تدافع الأحداث في الأعوام الأخيرة.

لتكن البداية من عند عدة مواقف أظهرت فيها الهند ميلاً واضحاً للسياسات والتصرفات الإسرائيلية، حتى وإن جاء ذلك على حساب مشاعر العرب ومركزية قضيتهم.

في مقدمة المواقف التي يرصدها المرء لتغير المواقف الهندية، ما حدث في أوائل الألفية وبالتحديد عام 2000، حين اعترضت الهند على الفقرة السادسة من قرار الأمم المتحدة القاضي بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة منزوعة السلاح وخالية من أسلحة الدمار الشامل ومطالبة إسرائيل بالانضمام لمعاهدة الانتشار النووي.

كان هذا الموقف غريباً من قبل الهند، ذلك أنها كانت قد درجت من قبل على الامتناع عن التصويت. كان التغيير يعني بوضوح عدم الاقتراب من سياسة الغموض النووي التي تتبعها إسرائيل، ويتيح لها المضي قدماً في برنامجها النووي، مع ما يحمله المشهد من تهديدات واضحة ومخيفة لدول الجيران من العالم العربي.

مشهد آخر لا بد من أن نتوقف أمامه وبعمق جرت به المقادير في عام 2014، وذلك في ضوء الحملة العسكرية التي أعلنتها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة، ووقتها امتنعت الهند أيضاً عن التصويت على قرار الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل، هذا على رغم أن المجتمع الدولي برمته في ذلك الوقت كان قد دان هذه العمليات العسكرية والوحشية التي جرت بها.

هنا يتساءل البعض، "هل هناك علاقة ما في التغيرات التي طفت على سطح العلاقات الهندية- الإسرائيلية، بالتوجهات السياسية الأميركية في منطقة الإندو باسفيك والصراع الأميركي – الصيني بنوع خاص؟

 نيودلهي – تل أبيب والهدف واشنطن

يمكن تفهم شكل العلاقات الهندية- الإسرائيلية المتغيرة في إطار عولمي أوسع، ولا نوفر في التحليل التغيرات التي جرت على صعيد العلاقات العربية – الإسرائيلية عينها منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي.

لطالما كانت الهند صديقاً مخلصاً للعالم العربي، وهناك مراحل كفاح وبناء مشترك جرت في أوائل الستينيات بين الجانبين، وقد كان ذلك في عمق الأزمة العربية – الإسرائيلية والحروب الجارية بين الجانبين. غير أنه ومنذ مبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الخاصة بالسلام مع إسرائيل، بدأ مشهد التحفظ على علاقات نيودلهي مع تل أبيب يتغير نوعاً ما، انطلاقاً من مبدأ أنه لا يمكن للهند أن تكون "ملكية أكثر من الملك"، أو "عربية أكثر من العرب"، وهو الأمر الذي تعمق وبقوة بعد اتفاق وادي عربة بين الأردن وإسرائيل وانتهاء حالة العداوة القائمة بين الجانبين.

بدا من الواضح أن شيئاً ما في الخريطة الجيوسياسية العالمية يتغير بعمق، وبخاصة بعد عام 1990، وانهيار حلف وارسو، وقد ظلت الهند بصورة أو بأخرى صديقة حليفة للاتحاد السوفياتي. وبدا واضحاً في أذهان الكثير من السياسيين الهنود، أن هناك حاجة إلى إعادة ضبط المسافات بين نيودلهي وواشنطن، وكما تفعل الكثير من القوى الكائنة في الشرق الأدنى، فقد كانت تل أبيب هي أقرب منصة انطلاق إلى قلب وعقل واشنطن.

استشعر الهنود وبقراءات متقدمة أن الصين العدو اللدود لها منذ زمان وزمانين، مرشحة للعب دور قطبي ما حول الكرة الأرضية بشكل عام، وبالقرب منها في مياه المحيط الهندي بنوع خاص.

ولأن الهند في الوقت الحاضر غير قادرة أو راغبة في الدخول في صراع منفرد مع الصين، فقد وجدت أن تحالفاً مع الولايات المتحدة، تمهره إسرائيل بموافقتها، يدفع حكماً في طريق جني منافع واسعة.

في السياق عينه، كانت هناك دوافع داخلية، من نوعية ظهور جماعات إرهابية ذات صبغة دينية، تحمل العداء لحكومات الهند المتتالية، سبباً مباشراً في دفع نيودلهي إلى الدوائر التي تطارد الإرهاب الديني تحديداً، وفي المقدمة منها إسرائيل والولايات المتحدة.

على أن هناك في واقع الحال بعداً آخر غير واضح للعيان، ربما دفع الهند في طريق الاقتراب من إسرائيل الهوينا، ومغادرة المربع العربي – الإسلامي.

القومية الهندوسية والعداء للإسلام

ليس سراً أن النزعة الهندوسية التي ارتفعت داخل الهند في الأعوام الماضية، كانت سبباً واضحاً في تغير منحى السياسات العامة للدولة، وليس سراً كذلك القول إن رئيس الوزراء مودي قد لعب دوراً مهماً في تأجيج صراع المطلقات، الأمر الذي أدى من دون شك إلى موجات من العنف الداخلي تجاه المسلمين والمسيحيين وحتى السيخ من أبناء الهند.

بلغ أمر انتقاد المشهد الهندي الجديد، توجيه اللوم من أقلام هندية، بالضبط كما فعل ساداناند دوم الكاتب الهندي في مقال له عبر صحيفة "وول ستريت جورنال"، أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ لمح إلى العلاقات مع العرب والمسلمين بنوع خاص... فما الذي كتبه؟

"ليس من الذكاء الجيوسياسي أن يسخر المسؤولون في الحزب الحاكم من دين الشركاء التجاريين والاستراتيجيين للبلاد"... كان هنا ولا شك يقصد الإسلام والمسلمين من حلفاء وأصدقاء الهند التاريخيين.

كانت التعليقات التي أدلى بها بعض مسؤولي حزب "بهاراتا غاناتا"، ضد الإسلام أثارت غضباً كبيراً في قلب العالم العربي، وبدت وكأنها موجة "إسلاموفوبيا"، تضرب الهند وليس أوروبا أو أميركا.

 

 

لا تبدو التصريحات العلنية سوى جزء من عمق الأزمة الهندية المعاصرة والتي تتمثل في تعميق الشق الطائفي في البلاد، ذاك الذي لا يحمل للعرب ولا للمسلمين مشاعر الصداقة القديمة التي كانت في زمن نهرو وغاندي وأنديرا.

خلال السنوات الماضية، عمل القوميون الهندوس على دمج أجزاء عدة من العقيدة الدينية في حركة سياسية موحدة، ونجحوا في تنظيم أبناء الطبقة العليا من الهندوس الذين يشكلون النسبة الكبرى من النخبة الهندية، كما سجلوا نجاحاً أكبر في الحصول على دعم معظم الهندوس المهمشين من الطبقات الدنيا، من خلال تأكيد انتمائهم للهندوسية، وإعطائهم مكاناً في الحزب، في الوقت نفسه عزز الحزب من فكرة الإسلاموفوبيا وحولها إلى سلاح لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة.

تتمسك الحركة القومية الهندوسية بأيديولوجيتها القائمة على أن الهند أرض الهندوس المقدسة، وهو تعريف يهدف إلى استبعاد المسلمين والمسيحيين، كما شاركت الجماعة في كثير من أعمال العنف ضد أتباع الديانتين وشاركت في مجزرة "عوجارات" ضد المسلمين عام 2002، أثناء ولاية مودي لرئاسة وزراء الولاية. آنذاك أشير إلى معسكرات الإغاثة لضحايا المجزرة من المسلمين على أنها "مصانع لتفريخ الأطفال" واستغل التحريض على كراهية المسلمين لزيادة شعبيته ولتأمين فوز حزبه الذي يعتمد على حشد الأكثرية الهندوسية في البلاد بدوافع دينية.

هنا يمكننا القطع بأن التوجهات العقائدية الهندية المتصاعدة في الأعوام الأخيرة، والمرشحة كذلك لمزيد من التشدد إلى حد التطرف، يمكن أن تضع المزيد من العصى في دواليب العلاقات العربية – الهندية، على رغم أن هناك من المراقبين من يروا أنه لا تزال هناك مودات عربية- هندية.

فرص متجددة لإحياء العلاقات الثنائية

يبدو حديث التخلي عن العلاقات العربية- الهندية، تحت ذريعة تعميق إسرائيل علاقاتها مع الهند، حديثاً غير ذي جدوى عند عدد وافر من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين.

تفيد الحقائق بأن قطاع القوى العاملة الهندي، أسهم وبقوة في بناء العديد من المجتمعات الخليجية عبر الخمسين سنة الماضية، وقامت على هذا القطاع صناعات مهمة.

عطفاً على ذلك فإن شراكات استراتيجية على صعيد صناعات عسكرية وبحرية تحديداً، مضت قدماً عبر عقود طوال وهناك من يدعمها حتى الساعة. إضافة إلى ذلك يمكن للمرء أن يتذكر الزيارات المتبادلة للقادة والزعماء العرب إلى الهند ومنها الزيارة التاريخية للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (أمير الرياض وقتها) إلى الهند عام 2006 والاستقبال الفائق الذي تم الترحيب به.

 

 

الذاكرة القريبة كذلك تحمل ملامح زيارة رئيس الوزراء مودي إلى القاهرة في يونيو (حزيران) الماضي تلك التي أثمرت عن رفع واضح لمستوى العلاقات المتطورة اقتصادياً وصناعياً وعلمياً ودوائياً وسياحياً والمستقرة منذ منتصف الخمسينيات، وباتت ترقى لمستوى الشراكة الاستراتيجية.

أما الزيارة التي أجراها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الهند، فوصفت بأنها "تاريخية وتذكارية" بما أحاط بها من استعراضات وتكريمات، ما يعني أن هناك ركائز يمكن البناء عليها بالفعل بين العرب والهند مرة جديدة.

ومن المؤكد أن الهند دولة مقبلة وبقوة على صعيد مدارات العالم المتعدد الأقطاب، والذين لهم دالة على الأرقام الاقتصادية، يدركون قدر تجاوزها لبريطانيا من حيث الناتج العام، والتبادل التجاري العالمي، ثم من الناحية الديموغرافية، ها هي الهند تسبق الصين، وحديث الأوزان السكانية، كان ولا يزال أحد أهم المحددات والمعطيات المأخوذة في تقدير قوة أي دولة.

هنا أيضاً يتحتم علينا الانتباه إلى أمر مهم للغاية، وهو أن الهند ومن حيث موقعها الجغرافي، هي في القلب من المعركة المقبلة من دون ريب بين الولايات المتحدة والصين، معركة النفوذ في منطقة المحيط الهادئ، وما حول مدارات الأندو باسيفيك.

ولعل هذه الجزئية تحديداً تميط اللثام عن التفاعلات والشراكات الأميركية – الهندية الأخيرة، والتي تتصاعد يوماً تلو الآخر في أعلى عليين، وهو ما يزعج الدب الروسي والتنين الصيني دفعة واحدة.

في هذا السياق، يمكن القطع بأن قضية العلاقات العربية – الهندية، ليست قضية رفاهية تترك للظروف والأهواء، بل أمر من قبيل المهام الدبلوماسية الاستراتيجية، والتي ينبغي السعي في سياقاتها وتعظيم منافعها.

للهند كدولة مستقلة أن تنسج خيوط علاقاتها مع من تشاء ووقتما تشاء، وللعرب أيضاً أن يفعلوا ذلك، ضمن سباق إدراك على رقعة عالمية شطرنجية لا توفر المتخاذل، بل تفتح الأبواب واسعة لأصحاب المبادرات الخلاقة، وأفكار الابتكار من خارج أي صندوق تاريخي ولو كان زاخراً بالذكريات المتقدمة والإيجابية... إنها لعبة الأقدار في عالم الأغيار.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير