Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع الهندي - الباكستاني في مرآة السينما

الانغماس في السياسة على حساب الصناعة يدفع المخرج إلى أن يصبح أشبه بـ "الداعية"

تصبح بعض الأفلام عبارة عن خطاب احتجاجي أكثر من كونها عملاً سينمائياً (مواقع التواصل)

ملخص

عملت بعض الدول على تكريس ثقافة منع الأفلام والحد من ذيوعها داخل المجتمعات المعاصرة، لأنها تعرف مدى حدود السلطة التي يمارسها الفن السابع

على مدار أكثر من قرن على ميلاد السينما الهندية، لم يتوقف الفن السابع عن تأليف وتصوير وإخراج أفلام لا تخرج في عمومها عن مفاهيم الحب والرومانسية، حتى أصبحت موضوعات الحب والعشق والجسد أكثر الموضوعات إثارة للجدل في تاريخ الأفلام الهندية، لدرجةٍ يستحيل معها عدم العثور على قصة حب داخل فيلم هندي. لذا أصبح عشاق الأفلام الرومانسية يذهبون مباشرة إلى مشاهدة أفلام هندية، من دون انتظار صدور أفلام من هذا النوع في أميركا وفرنسا وغيرهما. لقد أصبح موضوع الحب عبارة عن أساس فني يشيَّد عليه المعمار الجمالي للفيلم. فالأفلام الرومانسية هي الأكثر مشاهدة في تاريخ السينما الهندية. بل إنها النوع الفيلمي نفسه الذي حقق نهضة لهذه السينما وكرّس صُوَرها ومُتخيّلها في وجدان الناس. وإلى حدود اليوم لا تزال هذه الأفلام تُنتج بقوة ويصدر منها سنوياً أكثر من 800 عمل سينمائي حول الحب. بهذه الطريقة تتعامل الأفلام مع الحب باعتباره أرقى المشاعر البشرية النبيلة، وإن كانت تمثلات الحب في الأفلام تحضر بطريقة كلاسيكية تسمى في كلاسيكيات الأدب العربي بـ "الحب العذري". هذا النمط من الحب تراهن عليه السينما الهندية وتكرس من خلاله قيم المحبة والعشق.


تجريب سينمائي

لكن إلى جانب الحب، ثمة أسئلة سياسية واجتماعية شغلت العديد من المخرجين وكتاب السيناريو. ويسجل المتابع لهذه الفيلموغرافيا الهندية أن أكثر الموضوعات السياسية إثارة للجدل والنقاش داخل الفن السابع، هي تلك التي لها علاقة بالصراع الهندي- الباكستاني حول منطقة كشمير. وعلى رغم البعد الأيديولوجي لهذه الأفلام وتدخل السياسة في توجيه أفقها، فإن بعض المخرجين الذين يمتلكون سلطة كبيرة على المجتمع، يعملون دائماً على تكريس قيم المحبة والصداقة بين الشعبين الهندي والباكستاني. وذلك بطريقة تبدو فيها نهايات هذه الأفلام وكأنها تدغدغ مشاعر المشاهد وتدعوه إلى أن يكون محايداً في النظر إلى القضية. والحقيقة أن استخدام هذا الموضوع السياسي داخل الفن السابع، لا يسلم من بعض التأثيرات الفنية والجمالية على جماليات الفيلم. وذلك بحكم أن الانغماس في السياسة على حساب الصناعة يدفع المخرج إلى أن يصبح أشبه بـ "الداعية" في وقت لا تتطلب فيه الصورة السينمائية سوى الإبداع والابتكار.

وحين يتشبث المخرج بأيديولوجية ما ويعمل على تكريسها داخل عمله، يتحول العمل السينمائي إلى بوقٍ سياسي لا علاقة له بالعمل الفني. ففي تاريخ الفنون ثمة أعمال ظلت منطبعة في وجدان العالم، لأنها أدانت حرباً أو انتقدت جماعة أو نظاماً ما، بمعنى أن العنصر الأيديولوجي كان حاضراً في ثنايا خطابها. لكن حين تتأمل في هذه الأعمال والسبب وراء بقائها في تاريخ الفن، تجد أن الفنان حقق من خلال خطابه السياسي نهضة في تاريخ الفن، بعدما أصبح الخطاب السياسي يبلور رؤية ووعياً تجاه الفن وليس العكس.

من الناحية البصرية، حين يذهب المخرج الهندي إلى تخييل الصراع الهندي- الباكستاني، فهو يحمّل الفيلم الكثير من آرائه السياسية حول مسألة الانقسام. هكذا تصبح بعض الأفلام عبارة عن خطاب احتجاجي أكثر من كونها عملاً سينمائياً. ونظراً إلى الجدل والمشكلات التي تخلقها هذه الأفلام، عمل العديد من المخرجين في السنوات الأخيرة على إرساء نوعٍ من الحياد في التعامل مع مسألة الكتابة. فالرهان لم يعُد سياسياً من أجل اكتساب محبة واعتراف البلد، بل أصبح العمل السينمائي خاضعاً بالضرورة إلى هواجس فنية وجمالية. ما يبقى منطبعاً في الزمن ليس الدفاع الرومانسي عن الأوطان، بل الوقوف في وجه القضايا الإنسانية ومواقفها النزيهة. مع العلم أن المخرج الهندي ليس مُطالَباً على الإطلاق بالدفاع عن أي شيء، باستثناء أن ينجز فيلماً سينمائياً قوياً ومؤثراً بصناعته الجمالية في وجدان المتلقي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


سلطة الصورة

والحقيقة أن العديد من المخرجين يتعمّدون أكثر من مرة طرق باب الصراع من وجهة نظر مختلفة، إما على شكل قصة حب كما في فيلم "فير زارا" (2004) للمخرج ياش شوبرا وبطولة شاروخان، وبريتي زينتا، وراني موخرجي، أو عن طريق موضوع رياضي مثل فيلم "لاغان" (2001) لمخرجه أشوتوش جواريكر، ومن بطولة النجم أمير خان، على رغم أن هذا الفيلم يطرق قضية ذات علاقة بالاستعمار أساساً والمتمثلة بالاستعمار البريطاني وتأثيره على البلد. وذلك من خلال حكاية قرية هندية في عام 1893، حين يأتي قرار من قوات الاحتلال الإنجليزية بفرض ضرائب على تلك القرية، وبما أن الضرائب المفروضة صعبة بسبب موسم الجفاف الذي حل بالقرية، تصبح مباراة الكريكيت بين الفلاحين في مواجهة قوات الإنجليز عاملاً حاسماً في تاريخ القرية.

ويقول الكاتب طلعت إسماعيل، "حشدت بوليوود أشهر نجومها وأجمل نجماتها للتعبير عن طبيعة الصراع فى كشمير تارةً، والشعور الدائم لدى الهنود بأن باكستان نفسها قد جرى اقتطاعها عنوةً من الجسد الهندي، تارةً أخرى، وهناك قائمة طويلة من الأفلام الهندية التى تدور أحداثها على خلفية هذه القضية، وبرع صناع السينما البوليوودية فى تجسيد النزاع الكشميري في شكل أعمال رومانسية أحياناً، أو على طريقة أفلام الأكشن المحببة أحياناً أخرى. ووظف المخرجون الهنود فى السنوات الأخيرة عشرات قصص الحب، والمعارك الحربية، والصراع بين أجهزة الاستخبارات، وحتى الهجمات الإرهابية، لتقديم أعمال تدافع عن وجهة النظر الهندية، وإدانة باكستان في غالبيتها".


الفني والسياسي

إن هذه الأفلام وغيرها، بقدر ما تطرح الموضوع السياسي في قالب حكائي مُتخيَّل، فإن الرسائل السياسية تبقى واضحة المعالم والرؤى. غير أن المثير هنا، يتمثل في السلطة التي تمارسها السينما على المتفرج. فالنظام الهندي يشجع على مثل هذه الأفلام التي تكرس سلطته على البلد الجار. إن السينما تستطيع أن تؤثر في النفوس وتفرض سلطة أكبر من تلك التي قد تمارسها الحرب. بل تتعمد الكثير من الأنظمة في العالم دعم السينما من أجل رغباتها وأجنداتها، إذ تحاول عبرها تمرير الكثير من الرسائل السياسية. والسبب راجع بالأساس إلى المكانة التي غدت تحتلها السينما في العالم وإلى البُعد الشعبي الذي تنطبع به، والذي يجعلها مؤثرة مقارنة بفنون أخرى مثل الغناء والموسيقى.

على هذا الأساس، عملت بعض الدول على تكريس ثقافة منع الأفلام والحد من ذيوعها داخل المجتمعات المعاصرة، لأنها تعرف مدى حدود السلطة التي يمارسها الفن السابع. ويوماً بعد يوم، تتصاعد حدة منع الأفلام داخل السينما العربية، كون السينما لا تضمر شيئاً، بقدر ما تظهر وتكشف وتعرّي الكثير من المآزق والتصدعات في العالم. يحضر الصراع الهندي- الباكستاني في السينما الهندية وفق نمط اجتراري يكرر الصور والخطابات والرسائل، ويجعلها مجرد "كليشيه" رتيب ومنظّم. يكفي أن تشاهد فيلماً سينمائياً واحداً حول الصراع لتفهم عدم وجود حدود وسياجات بين الفني والسياسي، بل سترى كيف يمكن للفيلم الهندي أن يصبح مختبراً بصرياً لتمرير أيديولوجيات وأفكار من دون نقدها أو غربلتها على الأقل.

المزيد من سينما