Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النمو السكاني في العالم العربي... أجيال في مواجهة "سوء الحال"

تبدلات اجتماعية أثرت في التركيبة الديموغرافية لدول المنطقة فاقمتها أزمة اقتصادية دفعت الكثير من الشباب إلى الهجرة

اتجاهات النمو السكاني في العالم العربي (اندبندنت عربية)

تهتم الحكومات برصد ودراسة ظاهرة النمو السكاني لشعوبها، وذلك لأهمية هذا الجانب في وضع الخطط والمشاريع التنموية والوقوف على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تعود على الدول جراء تراجع أو ارتفاع معدل النمو السكاني على أراضيها.

مصر... تضاعف مضطرد خلال 100 عام

في مصر عند الحديث عن أي مشكلة تنموية، يأتي ذكر الزيادة المطردة في عدد السكان التي جعلت البلاد من بين الأكثر سكاناً على مستوى العالم، إذ تأتي في المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقياً، والـ14 عالمياً، ومن المتوقع أن يساوي عدد سكان مصر عام 2050 إجمالي عدد سكان 15 دولة أوروبية، وفق تقارير حكومية.

وتضاعف عدد سكان مصر مرات عدة بدءاً من عام 1850 حين كان التعداد نحو خمسة ملايين، وبعد 100 عام وصل العدد إلى 20 مليوناً ثم تضاعف إلى 40 مليوناً عام 1978، وفي عام 2007 بلغ عدد المصريين 70 مليوناً ثم 92 في عام 2016، وتخطى الـ100 مليون في 2020، ليصل الآن إلى أكثر من 105 ملايين نسمة، وإجمالاً سجلت مصر بين 1947 و2015 تضاعف عدد السكان خمس مرات.

متوسط العمر

وحسب تقرير مشترك للمجلس القومي للسكان في مصر (جهة حكومية) وصندوق الأمم المتحدة للسكان، عن حالة السكان في مصر، فإن العدد الإجمالي لسكان مصر قد تضاعف بين عامي 1986 و2015، حيث ارتفع من 48.2 إلى 89.6 مليون نسمة، وفي حين كان معدل النمو السكاني في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي 2.86 في المئة، انخفض قليلاً في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي، التي شهدت تزايد الحملات الحكومية للحث على استخدام وسائل تنظيم الأسرة، إذ سجل المعدل السكاني للنمو 2.06 في المئة عام 1996، وفي 2006 سجل 2.05 في المئة، لكن المعدل ارتفع من جديد في عام 2015 إلى 2.30 في المئة، وفق التقرير الصادر عام 2016.

كما أسهم ارتفاع أعداد السكان انخفاض نسبة الوفيات من 9.7 لكل ألف شخص عام 1985 إلى 6.1 في عام 2014، نتيجة زيادة مستوى الرعاية الصحية في البلاد. كذلك انخفض معدل وفيات الأطفال دون خمس سنوات من 103 أطفال في الفترة من 1986 إلى 1990، ليصل إلى 27 طفلاً في الفترة بين 2010 و2014.

وتفيد الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بتفاوت كبير في متوسط العمر خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو ما قد يرجع أيضاً لتحسن نظم الرعاية الصحية، فقد كان متوسط العمر المتوقع عند الميلاد للذكور المصريين 60.5 سنة، وذلك عام 1986، وارتفع إلى 70.2 عام 2009 وانخفض قليلاً عام 2014 ليصل إلى 69.7 ليعاود الارتفاع من جديد ليصل إلى 73.4 عام 2021.

متوسط أعمار السيدات في مصر يفوق دائماً أعمار الرجال، فقد سجل عام 1986 معدل عمر متوقع عند الولادة للإناث 63.5 سنة، ووصل إلى 74.8 عام 2009، ثم انخفض في عام 2014 إلى 72.5، لكنه ارتفع مجدداً عام 2021 ليسجل 75.9.

التوزيع الجغرافي

القوة البشرية في مصر تظهر في نسبة الشباب من إجمالي عدد السكان، فبحسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أغسطس (آب) الماضي، يمثل الشباب في الفئة العمرية بين 18 و29 سنة نحو 21 في المئة من إجمالي عدد السكان، ووفق التعداد السكاني لعام 2006، فإن أصحاب الأعمار بين 20 و40 شكلوا 27.4 مليون نسمة بما يزيد على ثلث إجمالي السكان البالغ حينها 72.3 مليون نسمة. وقلت تلك النسبة بصورة طفيفة في التعداد السكاني لعام 2017، إذ بلغ عدد الشباب في العقدين الثالث والرابع من العمر نحو 35 مليون نسمة من إجمالي حوالى 95 مليوناً.

التوزيع الجغرافي للسكان في مصر يميل باتجاه الريف، وفق تقديرات حكومية نشرت العام الماضي، أشارت إلى أن عدد الأسر المقيمة في الريف تبلغ 55.3 في المئة مقابل 44.7 يقيمون في الحضر، وبالعودة إلى مؤشرات سابقة، يتضح أن عدد سكان الريف يزداد مقابل تراجع سكان الحضر، ففي التعداد السكاني لعام 2017 كان عدد سكان مصر البالغ 94.8، يتركز 57.8 في المئة منهم في الريف، ما يمثل زيادة عن النسبة في تعداد 2006 التي كانت 57 في المئة، وأيضاً عن النسبة في تعداد 1996 التي كانت 57.4 في المئة من إجمالي عدد السكان.

أما نسب التعليم، فيبدو التفوق واضحاً لصالح الذكور، فقد بلغ عدد السيدات الأميات 10.6 مليون نسمة في تعداد عام 2017، بمعدل 30.8 في المئة، مقابل 7.8 مليون نسمة للذكور بمعدل 21.1 في المئة، من إجمالي نحو 25 في المئة من المصريين لا يجيدون القراءة والكتابة.

لكن تتبع منحنى الأمية يشير إلى نتائج إيجابية، إذ انخفض معدل الأمية من 49.9 في المئة عام 1986 إلى 39.4 في المئة عام 1996، وبعد ذلك إلى 29.7 في المئة عام 2006، ثم بلغ 25.8 في المئة عام 2017. وبحسب بيانات الهيئة العامة لتعليم الكبار فإن نسبة الأمية انخفضت إلى 24.6 في المئة في يوليو (تموز) 2019، وترتفع معدلات الأمية في الريف بمعدل 32.2 في المئة مقابل 17.7 في المئة بالحضر، وفقاً لتعداد السكان عام 2017.

معدل التعليم

وتظهر معدلات تعليم الإناث تحسناً، إذ ارتفع مؤشر التكافؤ بين الذكور والإناث في التعليم من 83 في المئة عام 2006 إلى 85 في المئة عام 2017، كذلك ارتفعت نسبة الحاصلات على مؤهل متوسط من 23.3 في المئة عام 2006 إلى 26.7 في 2017.

وأظهرت البيانات أن هناك ارتفاعاً في نسبة الإناث الحاصلات على مؤهل جامعي، إذ بلغت 7.9 في المئة خلال 2006 وارتفعت إلى 10.8 في المئة خلال عام 2017.

لكن هناك مؤشرات أخرى غير إيجابية، فقد انخفض معدل القيد في التعليم الثانوي الفني بين الإناث، من 31.4 في المئة عام 2006 إلى 28.3 في المئة عام 2017، إضافة لزيادة نسبة التسرب من التعليم في المرحلة الإعدادية من اثنين في المئة للعام الدراسي 2006/2007 إلى 4.1 في المئة لعام 2016/2017.

وفي حين تقترب نسبة الإناث من الذكور في إجمالي عدد السكان، هناك فارق واضح في حجم البطالة، وبلغت النسبة بين الذكور 4.8 في المئة مقابل 17.3 للإناث وفق مؤشرات الربع الثاني من العام الجاري. وحسب تصريحات سابقة لوزيرة التخطيط هالة السعيد، فقد انخفضت معدلات البطالة بين النساء من 21.4 في المئة عام 2018 إلى 17.7 في المئة في عام 2020.

 

 

الكويت... النمو السكاني بين مد وجزر

وفي دولة الكويت تفاوتت التحولات الرقمية لعدد السكان بشكل كبير خلال ثلاثة عقود مضت، ويظهر هذا التفاوت النسبي بين عدد السكان في دولة الكويت نسبة إلى الجاليات المقيمة، مشكلة "تعديل التركيبة السكانية" وبات الهدف تحقيق توازن بين تزايد عدد السكان الوافدين إلى الكويت وبين الزيادة الطبيعية "نسبة المواليد –الذكور والإناث" للكويتيين ولغير الكويتيين.

ووفق تقديرات الإدارة المركزية للإحصاء في دولة الكويت، بلغ عدد سكان البلاد مطلع عام 2020 نحو 4.46 مليون نسمة، وسجل عدد المواطنين الكويتيين 1.365 مليون نسمة، ما نسبته 30 في المئة من إجمالي عدد السكان، يقابلها نسبة السكان الوافدين (غير الكويتيين) نحو 69 في المئة.

إحصائية 2013

وأظهرت إحصاءات السكان الرسمية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، ارتفاعاً في نمو السكان بعد تحرير الكويت، إلا أن هذا النمو بدأ بالانحسار في نهاية تسعينيات القرن الماضي بسبب الهبوط الشديد في أسعار النفط، ليعاود النمو المرتفع بعد رواج أسعار النفط وإنتاجه مع بداية القرن الحالي وحتى أزمة العالم المالية، مما يشير إلى ارتباط نمو معدلات السكان في الكويت بالحالة الاقتصادية.

وكانت قد أفادت الإدارة العامة للإحصاء بالمسح الأخير الذي نشرته في الربع الأول من العام الحالي، بأن الذكور يشكلون نسبة 49.6 في المئة من إجمالي عدد المواطنين الكويتيين، بنسبة 98.5 ذكر لكل 100 أنثى، مما يشير إلى زيادة في عدد الإناث الكويتيات بمقدار 10213 عن عدد الذكور بين المواطنين، ليتسع الفارق بين الجنسين بمقدار 2146 لصالح الإناث، مقارنة مع ما كان عليه الفارق عام 2011، تاريخ آخر تعداد رسمي للسكان أجرته الإدارة المركزية للإحصاء.

ومن الجانب المهني، بحسب الإحصاءات الرسمية، وجد أن عدد النساء الكويتيات العاملات في كل من القطاعين الخاص والحكومي يفوق عدد الرجال الكويتيين العاملين، فهناك 253850 امرأة عاملة يقابلها 184953 من الذكور.

وبلغت النسبة الإحصائية بين السكان الوافدين (غير الكويتيين) نحو 200 ذكر لكل 100 أنثى، وذلك للهجرة العمالية من العمالة الوافدة ممن يفدون دون اصطحاب عائلاتهم، نحو 52.5 في المئة من العمالة الوافدة تترواح أعمارهم بين 30 و49 سنة.

ويشير التباين الكبير في التوزيع الجنسي للتركيبة السكانية في الفئة العمرية (25-54) (1,605,883 ذكراً/ 901,729 أنثى) إلى شريحة كبيرة من العمالة الوافدة للكويت من دون أسرها.

 التهرم السكاني

وتفيد التقارير باستمرار تراجع نمو حجم السكان الكويتيين منذ 2015 بوتيرة مقلقة وانخفاض حاد بلغ نحو 1.8 في المئة في 2021 مقارنة بنحو 2.5 عام 2015، وهذا التراجع وإن ترافق معه أيضاً انخفاض لحجم الوافدين في البلاد، إلا أن المراقبين يرون أنه إنذار في خلل التركيبة السكانية.

واتضح ضمن الإحصائية توقعات بنمو ظاهرة التهرم السكاني المقلقة، إذ بات يرصد تراجع نسبة الشباب في تركيبة المجتمع الكويتي بسبب انخفاض معدلات الإنجاب والخصوبة، وضعف الإقبال على الزواج، وزيادة حالات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج.

في حين قدرت الإدارة المركزية للإحصاء عدد الكويتيين في 2021 بنحو 1.42 مليون نسمة، رجحت هيئة المعلومات المدنية أن عدد السكان يناهز نحو 1.473 مليون نسمة في 2021 مقابل 3.145 مليون نسمة من غير الكويتيين مع بلوغ عددهم في النصف الأول من هذا العام 1.5 مليون نسمة.

العمل الإحصائي الخليجي

وشاركت الكويت في سبتمبر (أيلول) الماضي في الاجتماع العاشر للجنة الدائمة لشؤون العمل الإحصائي الخليجي، وجرت مناقشة منظومة الحماية الاجتماعية بدول مجلس التعاون ومشاركة المرأة الخليجية في التنمية.

وتسعى الإدارة المركزية للإحصاء وفقاً لقانون الإحصاء والتعداد رقم 27 لعام 1963، توفير بيانات إحصائية دقيقة وموثوقة لدعم عمليات اتخاذ القرار والتخطيط والبحث في دولة الكويت، ولا يشمل دور الإدارة المركزية للإحصاء عمل التوقعات أو التحليلات الإحصائية العميقة.

الهجرة الخارجية والعكسية

ويتبين أن أسباب تفاوت إجمالي عدد السكان بين الكويتيين وغير الكويتيين يعود إلى النمو الاقتصادي وعودة الوافدين إلى أوطانهم بسبب مخالفة قانون الإقامة، أما تراجع شريحة الشباب الكويتي فيرجع إلى الهجرة التعليمية في الخارج، وعزوف الشباب المستمر عن الزواج، بسبب التعليم والرفاه الاجتماعي.

السعودية... الرياض أكبر المدن من حيث عدد السكان

كذلك شهد المجتمع السعودي خلال العقد الماضي تحولات سريعة في ما يتعلق بالتطورات التقنية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والأنماط المعيشية والاستهلاكية، وكان لهذا كله عديد من التأثيرات المهمة التي انعكست على الواقع، بحسب أرقام الهيئة العامة للإحصاء السعودية.

فمقارنة بتعداد 2010 للبلاد، نما عدد السكان الإجمالي من 24 مليون نسمة عام 2010 إلى 32.2 مليون نسمة عام 2022، وذلك بمتوسط معدل نمو سنوي وصل إلى 2.5 في المئة، فيما زاد عدد السعوديين من 14 مليون نسمة إلى 18.8 مليون نسمة، بزيادة إجمالية قدرها 4.8 ملايين نسمة.

كما أظهرت بيانات إحصاء السكان في السعودية خلال العام الحالي تزايد عدد الذكور بمعدل أكبر من الإناث، فقد بلغ 19.7 مليون بنسبة 61 في المئة، فيما بلغ عدد الإناث 12.5 مليون بنسبة 39 في المئة.

وكشفت البيانات الرسمية أن المجتمع السعودي مجتمع فتي ترتفع فيه نسبة الشباب ما دون الـ30 سنة ويشكلون 63 في المئة من المواطنين، ووصل عددهم أكثر من 16,45 مليون. هذا الرقم شكل تحدياً على الدولة والقطاع الخاص في ما يتعلق بخلق وتوليد الوظائف لهؤلاء الشباب للتخفيف من حدة البطالة، ونجحت بتقليص الرقم بشكل تدريجي إلى أن وصلت أدنى مستوياتها منذ أكثر من 20 عاماً بوصولها إلى ثمانية في المئة متقلصة إلى قرابة النصف مما كانت عليه عام 2020 حين بلغت 11.8 في المئة.

وبالبحث عن أبرز الأسباب التي أسهمت في تحقيق ذلك، يتضح دخول نحو 400 ألف سعودي وسعودية لسوق العمل للمرة الأولى خلال عام 2021، كما وصل عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص إلى نحو 1.950 مليون، بحسب بيانات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

ويتميز التعليم في السعودية بمجانيته، فلا توجد رسوم دراسية مفروضة على الطلبة، وقد يطلب منهم في بعض الحالات دفع رسوم للاختبارات التي تؤهلهم لدخول منافسة القبول، لذلك أظهرت سجلات نشرة سوق العمل للهيئة العامة للإحصاء 2019، أن أغلب السعوديين الباحثين عن عمل يحملون الشهادة الجامعية "بكالوريوس"، وقد بلغت نسبتهم 59.5 في المئة من إجمالي السعوديين الباحثين عن عمل، يليهم الحاصلون على الشهادة الثانوية أو ما يعادلها بنسبة 26.1 في المئة.

وأشارت هيئة الإحصاء في تقريرها المنشور في يونيو (حزيران) الماضي بعنوان "تعداد السعودية 2022"، عبر موقعها الإلكتروني، إلى أن التركيبة السكانية التي وصل فيها عدد الأسر السعودية إلى 4.2 مليون أسرة، بمتوسط حجم يعادل 4.8 أفراد للأسرة الواحدة، فيما قاربت نسبة المواطنين الذكور والإناث بفارق 0.2 في المئة فقط.

وبحسب التقرير، فقد جاءت الرياض أكبر المدن السعودية من حيث عدد السكان، تليها جدة ومكة والمدينة والمنطقة الشرقية، إذ تمثل ما نسبته 68 في المئة من إجمالي سكان البلاد.

وعن الهجرة من القرى إلى المدن الرئيسة، تأتي الهجرات لطلب التعليم الجامعي في المقدمة، فأغلب الجامعات وأهمها تتوفر في هذه المدن الرئيسة، ويأتي الطلاب إليها بغرض التعليم الجامعي، وبعد التخرج يفضلون البقاء في المدن الرئيسة وهي الوسطى التي تتمثل في العاصمة الرياض، أو مدينة جدة أو المنطقة الشرقية، وذلك لما تتمتع به من بنى تحتية وخدمات متكاملة وفرص عمل ووسائل ترفيه، لكن لا توجد إحصائية رسمية عن التوزيع السكاني للسعوديين ونسب الهجرة على نحو دقيق.

اليمن... تطور السكان في ظل القلق

وخلال ثلاثة عقود مضت امتدت ما بين تسعينيات القرن الماضي وعشرينيات القرن الحالي، شهدت اليمن نمواً سكانياً متسارعاً نسبياً، على رغم الأوضاع المجتمعية المقلقة والمستمرة بالتدهور، التي تفاقمت أكثر خلال سنوات الحرب الأخيرة. إذ إن التقديرات المتوقعة والإسقاطات تشير إلى أن اللوحة الرقمية السكانية تتزايد بشكل مستمر، وبحلول عام 2030 يتوقع أن يصل عدد السكان إلى أكثر من 40.6 مليون نسمة، بينما يقدر عدد سكان اليمن حالياً بـ32 مليوناً في ظل نسبة نمو سكاني يقدر بـ 2.8 في المئة.

وتشير التوقعات المستقبلية الصادرة عن "المجلس الوطني للسكان اليمني"، أن "حجم السكان سيتضاعف مع نهاية عام 2045 ليصل إلى حوالى 61 مليون نسمة".

وفي المساحة الزمنية الممتدة ما بين أول تعداد رسمي ويومنا هذا، حدثت وتحدث تطورات ملموسة في المؤشرات السكانية من حيث النمو والحجم ومعدلات الولادة والوفيات والتركيبة السكانية.

توزع الشرائح العمرية

وفقاً للإسقاطات السكانية التي صدرت عن "المجلس الوطني للسكان اليمني" في عام 2021، فإن التغييرات في التركيب العمري للسكان في اليمن هي نتيجة انتقال أعداد السكان في الفئة العمرية أقل من 15 سنة إلى فئة السكان في سن العمل، وتعد الفترة بين 1995 و2005 هي فترة دخول سكان اليمن في مرحلة التحول الديموغرافي الثانية، حين بدأ الانخفاض في نسبة فئة الأطفال أقل من 15 سنة من حوالى 50 في المئة إلى 46 في المئة بين عامي 1995 و2004، مقابل ارتفاع من هم في سن العمل الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة، من 46 في المئة إلى 50 في المئة من إجمالي السكان خلال هذه الفترة. أما فئة الكهول، أي من هم أكبر من 65 سنة، فقد شهدت انخفاضاً طفيفاً من 3.5 في المئة إلى 3.4 في المئة.

وحسب التقرير أيضاً، يتوقع حدوث انخفاض نسبي بين الفترة الممتدة بين 2020 و2030، في نسبة فئة الأطفال أقل من 15 سنة، من نحو 41 في المئة إلى 39 في المئة، مقابل ارتفاع من هم في سن العمل (15- 64) من 56 في المئة إلى 58 في المئة من إجمالي السكان، مع ثبات نسبة فئة الكهول أكبر من 65 سنة، ثلاثة في المئة.

بين الحضر والريف

وتقع اليمن في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية بحجم سكاني يقدر بـ32 مليون نسمة، وتقدر مساحتها حوالى 555 ألف كيلومتر ربع.

أما سكانها، فيتوزعون بين حضر وريف وبنسبة 29 في المئة إلى 71 في المئة على التوالي، موزعين على 22 محافظة. ويتركز معظم السكان في اليمن في أربع محافظات، هي تعز، والحديدة، وإب، وأمانة العاصمة بما نسبته 43 في المئة من إجمالي السكان. وأقل المحافظات سكاناً هي محافظة المهرة، التي يمثل سكانها حوالى 0.5 في المئة من إجمالي السكان، ومحافظة مأرب التي تصل نسبة السكان فيها إلى 12 في المئة.

وحسب تقرير صدر عن "المجلس الوطني للسكان اليمني"، فإن "العائق الكبير أمام توزيع الخدمات والمشاريع لجميع السكان، هو التشتت السكاني الكبير على شكل تجمعات سكانية صغيرة ومتناثرة ومتباعدة تجمع بين الجبال والسواحل والهضاب والوديان".

حراك داخلي

ألقت الحرب بظلالها على الأزمة السكانية في اليمن بما فيها الحركة الداخلية للأفراد بين المدن والأرياف، فقبل عام 2014 أي قبل الحرب التي اندلعت بين الشرعية اليمنية مدعومة بالتحالف العربي والحوثيين، كانت هجرة السكان في الداخل اليمني تنطلق من الريف إلى المدينة حيث تتوفر الخدمات الأساسية وفرص العمل. أما بعد الحرب، فأصبح معظم الأفراد يهاجرون أو ينزحون تحديداً إلى المناطق الآمنة سواء في الريف أو المدينة، وشهدت الجغرافيا اليمنية موجات نزوح كبيرة امتدت إلى 17 محافظة يمنية، وتجاوزت بلغة الأرقام حوالى أربعة ملايين شخص.

التعليم والعمل

وفي اليمن، لا تقل حظوظ الأفراد في التعليم والعمل سوءاً عن حال البلد المعذب بالحرب منذ تسع سنوات، فمن تعلموا لم يتلقوا التعليم الكافي الذي يؤهلهم للحاق بركب المستقبل، وإلى حد كبير تأثر القطاع التعليمي إذ تراجعت أعداد الملتحقين بالمراحل التعليمية.

وبحسب تقارير أممية، فإن قطاع التعليم الأكثر تضرراً في اليمن، خلف نسباً عالية من الأمية بلغت في الأرياف نحو 70 في المئة مقابل 40 في المئة في المدن.

وهذا الأمر أثر بشكل كبير في انخفاض فرص العمل، بالتالي ارتفاع مستوى البطالة في البلاد.

وبحسب تقرير سكاني، فإن نسبة الفئة العمرية ما بين 15 و64 سنة تبلغ 56 في المئة من إجمالي السكان في سن العمل، ويشير التقرير الصادر عن المجلس الوطني اليمني للسكان، إلى أن "حجم القوة العاملة في سن الإنتاج بلغ عام 2020، نحو 4.85 مليون، معدل مساهمة الذكور منها بلغ 65 في المئة، بينما بلغت مساهمة الإناث في النشاط الاقتصادي 21.2 في المئة تقريباً، وفقاً لنتائج مسح ميزانية الأسرة لعام 2014".

النافذة الديموغرافية

وفي حديث مع "اندبندنت عربية"، قال الأمين العام المساعد للمجلس الوطني اليمني للسكان مطهر زبارة، إن "اليمن تمر بمرحلة النافذة أو الهِبَة الديموغرافية"، وهي مرحلة ديموغرافية تمر بها المجتمعات الإنسانية، يشهد فيها التركيب العمري للسكان ارتفاعاً وانخفاضاً بحيث تكون نسبة السكان من فئة عمر العمل 15 و65 سنة هي الأكبر في الهرم السكاني، مقابل انخفاض نسبي لفئة الأطفال أقل من 15 سنة من إجمالي السكان، ومن المتوقع أن تصل نسبة فئة من هم في عمر العمل خلال عام 2025 إلى 57.8 في المئة.

وأشار "يمكن تحويل النافذة الديموغرافية إلى فرصة سانحة من خلال التأهيل والتدريب لفئة الشباب ذكوراً وإناثاً، وإيجاد فرص عمل جديدة تستوعب القوى البشرية الداخلة إلى سوق العمل، واستيعابهم في القطاعات الاقتصادية المنتجة، ليستفاد من الزيادة السكانية التي تعد ثروة بشرية لكل بلد إذا ما خطط لذلك بشكل استراتيجي".

الأردن... تدفقات كبيرة من اللاجئين

كما شهد التطور السكاني في الأردن تغيرات كبيرة خلال العقود الماضية، بشكل اعتبره مراقبون بمثابة تحد وفرصة في الوقت نفسه نظراً لتأثيره الكبير في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

فمنذ ستينيات القرن الماضي، كان قدر هذا البلد أن يشهد تدفقات كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، مما أخل بالتوازن السكاني في المملكة والموارد والبنى التحتية، ففي عام 1921 عند تأسيس إمارة شرق الأردن، لم يكن عدد السكان في هذا البلد الفتي يزيد على 300 ألف نسمة.

 ومنذ استقلال الأردن عام 1946، شهدت البلاد تطورات ونمواً سكانياً سريعاً، الأمر الذي دفع الحكومة الأردنية لاتخاذ سياسات سكانية متعددة كالخدمات الصحية، وتعزيز التخطيط الأسري، وخلق فرص عمل لمواجهة التحديات المرتبطة بالنمو السكاني.

11 مليون نسمة ثلثهم أجانب

ويقول متخصصون في هذا الشأن، إن العاصمة عمان ستتضاعف سكانياً بعد 20 عاماً لتصل إلى ثمانية ملايين نسمة، ووفق أحدث إحصاءات رسمية أردنية، فإن عدد سكان البلاد تخطى حاجز 11 مليون نسمة ثلثهم تقريباً من غير الأردنيين ومن الأجانب.

لكن المؤشرات الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى السلطات الأردنية، هي أن نحو ستة ملايين نسمة من العدد الكلي للسكان جاءوا خلال الأعوام الـ 15 الأخيرة، إذ إن متوسط المواليد سنوياً يبلغ ربع مليون مولود، وقد ولد خلال فترة 2010-2012 قرابة 2.68 مليون مولود.

وتؤكد دائرة الإحصاءات العامة أن ثمانية في المئة فقط من السكان يسكنون في النصف الجنوبي من الأردن بمحافظاته الأربع، بينما البقية وهم 92 في المئة سيتجمعون في النصف الآخر، مما يعني وجود خلل في التوازن الديموغرافي.

كما يقطن ثلاثة أرباع السكان في ثلاث محافظات هي عمان وإربد والزرقاء، ونصف سكان الأردن دون سن 22 سنة.

ويحتل الأردن المرتبة الـ92 بين دول العالم من حيث عدد السكان، وظل إلى عهد قريب يمتاز بكثافة سكانية منخفضة، أما اليوم فبلغت ستة آلاف نسمة لكل كيلومتر مربع.

وبلغة الأرقام، وصل عدد السكان في الأردن إلى المليون الأول عام 1963، وإلى خمسة ملايين عام 2005، مما يشير إلى زيادة كبيرة بنحو 400 في المئة خلال 40 عاماً.

العاصمة مكتظة

وتقول الحكومة الأردنية، إن ثمة كثافة سكانية عالية في العاصمة عمان، حيث يقارب عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، مما عزز من غياب الخدمات والبنى التحتية عن بقية مناطق المملكة، وتمركز معظمها في العاصمة فقط.

وكان للعاصمة التي تأسست في نهاية القرن الـ19، حصة الأسد من اللجوء السوري للمملكة عام 2012.

وفي بداية التسعينيات، وصل نصف مليون أردني من أصل فلسطيني، غادروا دول الخليج، فتضاعف عدد سكان مدينة عمان ثلاث مرات.

اليوم ثمة أصوات تنادي بصرورة إنشاء عاصمة جديدة للأردنيين لاستيعاب الكثافة السكانية والازدحام المروري الشديد، وإعادة التوزيع الديموغرافي والاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية، وتوزيع موارد التنمية والخدمات، لكن هذه الفكرة تتردد منذ سنوات من دون أي إنجاز حقيقي.

مواجهة الانفجار السكاني

ولم يعد خيار مواجهة الانفجار السكاني في الأردن احتمالاً، بل خياراً استراتيجياً، مع توقعات بارتفاع نسبة النمو السكاني بنسبة 2.3 في المئة وارتفاع عدد سكان المملكة إلى 13 مليون نسمة خلال السنوات المقبلة.

ويصف الأمين العام للمجلس الأعلى للسكان عيسى مصاروة، ما يحدث بأنه "انفجار كبير" في عدد سكان الأردن، متحدثاً عن القفزة التي سجلتها البلاد من خمسة ملايين نسمة في عام 1994، إلى 11 مليوناً، معتبراً أن النمو السكاني الكبير يزيد من تحديات التنمية.

وتشير نتائج التعداد السكاني لعام 2022 إلى تفوق أعداد الذكور المقدرة بخمسة ملايين و984 ألف نسمة على أعداد الإناث التي قدرت بخمسة ملايين و318 ألفاً.

وشكلت الفئة العمرية من خمس إلى تسع سنوات، أكبر نسبة من إجمالي السكان، حيث وصلت الى 12.3 في المئة من مجموع السكان تلتها الفئة العمرية من صفر إلى أربع سنوات التي بلغت 11.5 في المئة، وجاءت في المرتبة الثالثة الفئة العمرية من 10 إلى 14 سنة التي سجلت 10.6 في المئة من مجموع السكان، في حين سجلت الفئة العمرية بين 60 و64 أدنى نسبة سكانية، ما يعني أن المجتمع الأردني مجتمع فتي وشاب.

وبسبب تطور مستوى الخدمات الصحية في الأردن، انخفضت معدلات الوفاة وارتفع العمر المتوقع للسكان ليصل إلى 73.3 سنة لكلا الجنسين.

وفي مجال التعليم حقق الأردن تقدماً في انخفاض معدلات الأمية من 16.7 في المئة عام 1991 إلى 4.9 في المئة عام 2022، وارتفعت نسبة الأردنيين الذين مستواهم التعليمي ثانوي وأكثر إلى 42.4 في المئة.

العراق...  تخطي الـ 43 مليوناً

وفي ظل التغيرات السكانية التي طرأت على العراق خلال العقود الثلاثة الأخيرة بسبب الجفاف والحروب التي ضربت بلاد الرافدين، أصبحت الهجرة من الأرياف إلى المدن مقصداً لكثير من الشباب بهدف البحث عن العمل وتوفير مستلزمات الحياة.

وفي العراق وصلت نسبة البطالة إلى 16.5 في المئة عام 2022 بسبب عدم تفعيل القطاع الخاص، ما وضع البلاد في ثالث أعلى معدل بطالة على مستوى العالم وأعلى معدل في العالم العربي.

وفي يوليو (تموز) الماضي، كشفت وزارة التخطيط أن عدد سكان العراق للعام الحالي يقدر بـ43 مليوناً و324 ألف نسمة.

 

وكشفت الوزارة في بيان لها أنها "تعمل على إجراء التعداد العام للسكان في العام المقبل 2024 بهدف خدمة التنمية، من خلال بناء قاعدة بيانات شاملة وكاملة عن واقع السكان في المجالات كافة، الأمر الذي سيخدم خطط التنمية".

وبينت أن "نسبة النمو السنوي للسكان تبلغ 2.5 في المئة كما أن نسبة الذكور تبلغ 50.5 في المئة والإناث 49.5 في المئة من مجموع السكان"، وأشارت إلى أن "نحو 50 في المئة من السكان يتركزون في محافظات بغداد ونينوى والبصرة وذي قار، ويشكل سكان المدن (الحضر) 70 في المئة مقابل 30 في المئة نسبة سكان الريف".

التغيرات الديموغرافية

وفي هذا الصدد، يشير الباحث الاقتصادي بسام رعد، إلى أن الزيادة في النمو السكاني تقدر بأكثر من مليون مولود سنوياً، ومن المتوقع وصول عدد سكان العراق إلى حوالى 50 مليون نسمة في عام 2030، مبيناً أن حالات الجفاف والتدهور البيئي والظروف المناخية القاسية أحدثت نوعاً من عدم الارتياح في المجتمعات الريفية لشعور الفرد بالعجز عن توفير مستلزمات الحياة الأساسية، مما اضطره إلى النزوح من الريف إلى المدينة.

وزاد أن هذه التغيرات الديموغرافية التي تتميز بنمو السكان في سن العمل بمعدل أعلى من النمو الإجمالي للسكان، في مقابل عدم القدرة على الاستفادة من هذه الهبة الديموغرافية في تشغيل الشباب بسبب ضعف قدرة الاقتصاد على توليد وظائف كافية لتلبية الطلب المتصاعد على العمل واستيعاب القوة العاملة المتزايدة بسرعة، أدت إلى موجات من الاضطرابات الاجتماعية مصحوبة بارتفاع معدلات الفقر ووصولها إلى نسبة 25 في المئة من إجمالي السكان.

ونبه إلى أن ارتفاع معدل النمو السكاني يتطلب تنفيذ سلسلة من البرامج الاقتصادية والسكانية وزيادة القدرة على تقديم الخدمات وتغطيتها جغرافياً لجميع المحافظات في ظل هذا النمو السكاني، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود والعمل على زيادة معدلات التنمية المستدامة، وتحقيق أعلى نسبة ممكنة من أهدافها الـ17، لا سيما القضاء على الفقر ومعالجة تغير المناخ وتوفير فرص العمل اللائق لكلا الجنسين.

تونس... تغيرات ديموغرافية أهمها التهرم السكاني

وكغيرها من بلدان العالم، تعيش تونس تغيرات ديموغرافية ترجع أسبابها إما إلى سياسات الدولة المعتمدة لمحاولة التحكم في معدل النمو السكاني، أو إلى التغيرات الاجتماعية التي تعيشها تونس، لكن تبقى ظاهرة التهرم السكاني التحدي الأكبر الذي قد تعيشه تونس في المستقبل القريب. وبيّنت دراسات ديموغرافية أن فئة المسنين تمثل 13 في المئة من سكان تونس، وسط توقعات بأن تبلغ 17 في المئة بحلول عام 2029.

وتقول وزارة الأسرة في تونس إنها تعمل على تقديم المزيد من الاهتمام بفئة كبار السن، مثل توفير اعتمادات مالية بقيمة خمسة ملايين دولار في 2023، لتهيئة وتوسيع مراكز إيواء كبار السن فاقدي السند.

أعلن المعهد الوطني للإحصاء، أن عدد سكان تونس حتى شهر يناير (كانون الثاني) 2023 بلغ 11 مليوناً و850 ألفاً و232 ساكناً.

وأوضح معهد الإحصاء، في تقرير حول "التقديرات السكانية بحسب المعتمديات والبلديات"، أنه قام بمراجعة وتعديل التقديرات السكانية من عام 2015 لغاية عام 2021، وذلك إثر توافر بيانات حول الهجرة الخارجية من وإلى تونس ونسبة الوفيات.

وذكر معهد الإحصاء أن "البلاد شهدت في السنوات الأخيرة تراجعاً في عدد الزيجات بما انعكس على مستوى تطور نسبة الولادات، وأسهمت جائحة كورونا خلال عامي 2020 و2021 في ارتفاع نسبة الوفيات وانخفاض نسبة الولادات ما أدى إلى تراجع النمو الطبيعي للسكان في البلاد".

أمل الحياة

ويقول أستاذ الجامعة التونسية في اختصاص الديموغرافيا حسان قصار، إن "تونس عرفت تحولات ديموغرافية في بداية العشرية الثالثة من القرن العشرين، حين بدأت تعرف تراجعاً في نسبة الوفيات بخاصة في المدن الكبرى كتونس وصفاقس وسوسة نتيجة بعض التحسينات التي طاولت البنية التحتية، على غرار إنشاء مستشفيات وغلق قنوات الصرف الصحي، كل هذا أسهم في تحسن الحالة الصحية والتقليل من الأوبئة، وبالتالي شهدت تونس تلك الفترة مرحلة ارتفاع في النمو السكاني". وتابع في السياق ذاته "ثم مع الاستقلال وجدت تونس نفسها في وضع صعب من دون مدارس ولا مستشفيات، حينها اتخذت السلطة سياسة مراقبة الخصوبة، ومن هنا جاءت مجلة الأحوال الشخصية التي منعت تعدد الزوجات لتحسين دور المرأة والأسرة في المجتمع والتحكم في عدد الولادات"، مضيفاً "في الستينيات وجد المجتمع التونسي نفسه أمام قوانين جديدة متعلقة باستعمال منع الحمل وإمكانية الإجهاض، كانت بلدان أوروبية عدة سبقت تونس عليها. وتدريجاً بدأت الأمور في التحسن، ففي سنوات الستين كان معدل إنجاب المرأة التونسية حوالى 7.16 لكل امرأة، إلى أن عرفت البلاد في أواسط التسعينيات خصوبة منخفضة ونجحت في التحكم في عدد السكان الذي ارتفع من مليونين في العشرينيات إلى نحو خمسة ملايين نسمة في السبعينيات و12 مليوناً حالياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرجع قصار هذا التحول لأسباب عدة أهمها برنامج التنظيم العائلي وتغير ملامح المجتمع من مجتمع ريفي إلى آخر عرف الحداثة، ويظهر ذلك في تغير شكل الأسرة وتأخر سن الزواج بالنسبة للمرأة الجامعية، إضافة إلى ارتفاع نسبة العزوبية، فبلغت نسبة النساء اللواتي لم يتزوجن 12 في المئة، كل هذا أثر في هيكلة السكان في تونس".

أما بخصوص التهرم السكاني، يقول حسان قصار إن "البلاد تعيش حالياً بداية ارتفاع نسبة التهرم السكاني"، كاشفاً "أن النسبة اليوم تبلغ 13 في المئة، وقد نبلغ يوماً ما نسبة التهرم التي تسجلها أوروبا وهي 24 في المئة".

لذا يعتقد قصار أن التهرم السكاني في تونس وفي العديد من دول العالم سيؤدي حتماً إلى تغيير سيبدل مفهوم الكهولة وسيصبح كهلاً كل من بلغ سن الـ65 عاماً، وحتماً ستتوجه المجتمعات إلى الترفيع في سن التقاعد حتى لا تنهار صناديق الضمان الاجتماعي".

النظام الاجتماعي

كما يرى قصار أن هناك توازناً بين الإناث والذكور في تونس مع إضافة طفيفة للإناث تقدر بـ0.5 في المئة، معتبراً أن هذا الارتفاع "طبيعي". وفسر أن "هذا راجع أساساً إلى معدل حياة المرأة التي تعيش أكثر من الرجل نسبياً، أيضاً هناك عوامل أخرى في تونس جعلت عدد الإناث أكثر من الذكور، كعامل الهجرة"، لكن بحسب تقديره، "كل هذا لا يؤثر في تركيبة المجتمع".

ووفق قصار "المجتمع التونسي يعتقد أن نسبة الرجال أقل بخاصة مع ارتفاع نسبة تأخر الزواج بالنسبة للمرأة، وارتفاع عدد الفتيات في قطاعات عدة وأيضاً في المدارس والجامعات". لكن بحسب تقديره، هذا مرتبط بطبيعة المجتمع الذي عرف تغييرات كبيرة، موضحاً أنه "في السابق كان المجتمع ريفياً والنظام الاجتماعي يفرض زواج الأقارب، لكن اليوم الأمر تغير بخاصة في المدن الكبرى".

وبخصوص ارتفاع عدد الإناث في الجامعات مقارنة بالذكور، يرى قصار أن الأمر لا يتعلق بعدم التوازن في التركيبة الديموغرافية للبلاد، بل بالتغيرات الاجتماعية التي نعيشها، أهمها تمسك الفتاة أكثر من الشاب بمستقبلها المهني، وذلك لأسباب كثيرة أهمها أن الدراسة بالنسبة للفتاة طوق نجاة للنجاح في مسارها المهني والمادي، عكس الشاب الذي لديه خيارات أخرى كالهجرة أو الاهتمام بميراث والديه الذي تحرم منه عادة الفتاة.

الجزائر... زحف متواصل نحو  المدن

وتشهد الحركة الديموغرافية في الجزائر تغيراً غير متوقع مع تأثيرات محتملة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، يضع الحكومة أمام تحدي عودة معدلات النمو السكاني للارتفاع، ما سيلقي بثقله على قدرات البلاد لتلبية الحاجيات الناجمة عن هذا النمو، في حال استمراره على الوتيرة نفسها على المدى المتوسط، لا سيما ما يتعلق بمجالات التعليم والصحة والعمل وخلق الثروة.

ويعكس ارتفاع عدد السكان، الآثار المستقبلية للتركيبة السكانية على الاقتصاد من حيث الحاجات الواجب تلبيتها خصوصاً في ما يتعلق بجهود الإنتاجية المطلوبة من قبل الأفراد العاملين للتكفل ببقية السكان، لتجد السلطات نفسها مجبرة على إعادة هيكلة عميقة للاقتصاد لإيجاد محركات نمو جديدة، تسمح بخلق الثروة بشكل مستقل عن الخزينة العمومية.

أرقام سرية

وتشير الأرقام الرسمية التي كشف عنها الديوان الجزائري للإحصائيات، إلى أن عدد سكان الجزائر بلغ 44.6 مليون نسمة في يناير (كانون الثاني) 2021، مقابل 44.3 مليون نسمة في يوليو (تموز) 2020، حيث تم تسجيل 992 ألف حالة ولادة و236 ألف حالة وفاة و283 ألف زواج موثق.

وأجرت الجزائر عملية الإحصاء العام السادس للسكان والسكن عام 2022، خصصت له مبلغاً مالياً يقدر بخمسة مليارات دينار جزائري (36.4 مليون دولار)، إلا أن نتائجه لم يتم الكشف عنها لحد الآن، زيادة إلى اعتبار السلطات المعطيات التي تم جمعها استراتيجية لا يمكن نشرها كلها للجمهور للاطلاع عليها.

وانطلاقاً من فرضية تواصل وتيرة النمو السكاني نفسها لعام 2020، فإن إجمالي عدد السكان المقيمين يبلغ 45.4 مليون نسمة بتاريخ يناير 2022، بحسب توقعات الصندوق الوطني للإحصاء.

ويعود تاريخ أول إحصاء سكاني قامت به الجزائر إلى عام 1966، حيث قدر عدد السكان حينها بـ12 مليون نسمة، بمعدل 25 ساكناً في الكيلومتر المربع الواحد، وارتفع الرقم إلى 15.72 مليون نسمة في عام 1975، ووصل إلى 21.39 مليون نسمة في 1984.

وكان عدد سكان الجزائر بلغ عام 1990 قرابة 25 مليون نسمة قبل أن يرتفع عام 2003 إلى 32.6 مليون نسمة، و34.1 مليون في 2007 ثم 42.2 مليون في يناير 2018.

وبين عامي 2000 و2009، لم يرتفع معدل النمو الطبيعي عن 2 في المئة لكنه بدأ في تجاوز هذه النسبة ابتداء من 2010.

وفيات مرتفعة

ووفقاً للبيانات الإحصائية، فإن عام 2020 تميز على وجه الخصوص بتراجع في حجم الولادات تحت عتبة المليون، وذلك للمرة الأولى منذ 2014 وبزيادة في عدد الوفيات، مع استمرار الانخفاض المسجل منذ ست سنوات في عدد حالات الزواج، حيث بلغ النمو الطبيعي خلال هذه الفترة 756 ألف شخص، ليسجل معدل نمو طبيعياً قدر بـ1.71 في المئة.

ويتوقع متخصصون أن تتجه الجزائر لتسجيل ارتفاع في عدد السكان خلال السنوات المقبلة، من المتوقع أن يصل إلى 51.3 مليون نسمة، في 2030، مشيرين إلى أن تحسن الظروف المعيشية وعمليات توزيع السكنات أسهمت في زيادة عدد الولادات.

وكشف مدير السكان في وزارة الصحة عمر والي، في تصريح صحافي، أن الدولة تخصص سنوياً 50 مليون دينار (365 ألف دولار) من أجل التنظيم العائلي، من خلال مجانية الخدمات في المراكز الصحية العمومية، لفائدة أربعة ملايين إمرأة متزوجة.

وبحسب إحصائيات مديرية السكان، فإن ربع السكان الجزائريين تتراوح أعمارهم ما بين 10 و24 سنة، أي ما يمثل 25 في المئة من مجموع السكان، مع العلم أن 62 في المئة منهم تتراوح أعمارهم ما بين 10 و19 سنة، 49 في المئة منهم إناثاً.

وبخصوص التركيبة السكانية، أظهر التوزيع السكاني للمقيمين في الجزائر في يناير 2020 بحسب الجنس، أن نسبة الذكور تتفوق على الإناث بـ50.7 في المئة من إجمالي عدد السكان.

خصوبة منخفضة

وأوضح مدير السكان أن السلطات تعمل على تقديم الخدمات الصحية اللازمة ووسائل التنظيم العائلي مجاناً، بتخصيص 292 مركزاً للتنظيم العائلي، حيث ارتفع استعمال وسائل تنظيم الحمل بين الأزواج في سن الإنجاب من 8 في المئة في أواخر الستينيات إلى 53 في المئة خلال السنوات الأخيرة، فيما تلجأ 44 في المئة من النساء إلى استعمال وسائل حديثة لمنع الحمل.

وتميز مستوى الخصوبة لدى السيدات في سن الإنجاب بمؤشر تنازلي، حيث انتقل معدل الخصوبة الكلي من 3.0 إلى 2.9 طفل لكل إمرأة، كما يواصل عدد حالات الزواج هو الآخر منحاه الهبوطي المسجل منذ عام 2014، حيث سجلت مصالح الحالة المدنية 283 ألف حالة زواج في 2020 مقابل 315 ألف حالة عام 2019، مسجلة بذلك تراجعاً قدرت نسبته بأكثر من 10 في المئة.

ويستمر بذلك معدل الزواج في التراجع منتقلاً من 7.26 بالألف في 2019 إلى 6.41 بالألف عام 2020، وهو المستوى نفسه الذي سجل خلال بداية سنوات 2000.

تغيرات هيكلية

وذكر ديوان الإحصائيات أنه "بغض النظر عن الأثر الظرفي الذي يعود جزئياً للوضعية الوبائية في تراجع حالات الزواج، يبقى أن التغيرات الهيكلية للتركيبة السكانية تعتبر أهم عامل وراء هذا الانخفاض المتواصل"، مضيفاً أن تطور عدد الفئة السكانية 20-34 سنة (الفئة التي ينحصر فيها 80 في المئة من حالات الزواج) يظهر تراجعاً جلياً منذ 2015، حيث انتقلت من 10.997 مليون إلى 10.427 مليون ما بين 2015 و2020.

وفي عام 2020 تم تسجيل 236 ألف حالة وفاة مقابل 198 ألف حالة في 2019، مسجلة بذلك ارتفاعاً قدر بـ38 ألف حالة.

وعليه، عرف معدل الوفيات ارتفاعاً "ملحوظاً" إذ انتقل من 4.55 بالألف إلى 5.33 بالألف خلال فترة المقارنة نفسها، كما تراجع حجم وفيات الرضع إذ بلغ 18 ألفاً و700 حالة وفاة عام 2020 مقابل 21 ألفاً و30 حالة في 2019، مسجلاً بذلك تراجعاً قدر بـ2330 حالة، وبالتالي تراجعت نسبة وفيات الرضع إلى 18.9 بالألف، ويتباين هذا المؤشر بحسب الجنس حيث بلغ 21 بالألف بالنسبة للذكور و16.6 بالألف بالنسبة للإناث.

وعلى غرار بقية دول العالم التي عاشت وضعية وبائية عام 2020، أثر ارتفاع حجم الوفيات سلباً على معدل احتمال البقاء على قيد الحياة الذي انخفض بـ1.6 سنة ليبلغ 76.3 سنة، ما يوافق نفس المستوى المسجل عام 2009، ويتفاوت هذا المعدل بحسب الجنس إذ يبلغ 74.5 سنة لدى الذكور و78.1 سنة بالنسبة للإناث، بحسب بيانات الديوان الوطني للإحصائيات.

مشكلات وتبعثر

وبحسب دراسة بعنوان "إشكالية التوزيع السكاني في الجزائر" أجرتها الباحثة الجزائرية عميرة جويدة، فإن الجزائر من بين الدول التي يتبعثر بها السكان وتتدنى فيها الكثافة العامة، بحيث يسكن فقط 10 في المئة من السكان منطقة الجنوب إذ تشكل الصحاري مساحة كبرى من الرقعة الجغرافية للبلاد، بينما يتركز 90 في المئة منهم في المناطق الشمالية، و42 منهم يعيشون في المناطق الساحلية على البحر الأبيض المتوسط.

وتشير الدراسة إلى أسباب عدة تتحكم في التوزيع السكاني على سطح الأرض منها طبيعية وأخرى بشرية. وتتعلق الأولى بالمناخ، حيث تعتبر المناطق الأكثر حرارة طاردة للوجود البشري، بينما يفضل السكان الاستيطان في المناطق المعتدلة المطلة على البحر، إضافة إلى الغطاء النباتي وخصوبة التربة والثروات الطبيعية ومصادر المياه، أما العوامل البشرية فتتمثل في المواصلات والمرافق الاجتماعية والاقتصادية وتوفر الأمن.

ونتجت من التوزيع السكاني غير المنتظم في الجزائر مشكلات جمة نتيجة تحولات البيئة الحضرية وآثارها على صحة السكان ونموهم الاجتماعي والثقافي، فقد تسبب إنشاء التجمعات السكانية الساحلية الكبرى في التهام آلاف الهكتارات والأراضي الصالحة للزراعة في الشمال، كما فاقم الاكتظاظ السكاني على الشريط الساحلي وتآكل الأراضي الصالحة للزراعة، مشكلة التلوث البيئي وحصر النشاطات في المناطق الساحلية مما أضر بديمومة التنمية.

المغرب... الشيخوخة على حساب الشباب

هذا ويتجه الهرم السكاني في المغرب خلال السنوات المقبلة نحو الشيخوخة والكهولة على حساب الشباب، بعدما كانت نسبة الشباب هي المهيمنة في التركيبة السكانية للبلاد خلال العقود الأخيرة، مما يعني أن المجتمع المغربي يسير نحو "النموذج الأوروبي" للتركيبة السكانية، كما أن المغرب يسير نحو "ظاهرة التأنيث"، أي هيمنة نسبة الإناث على الذكور تدريجاً مع مرور السنوات.

ويفضي تطور سكان المغرب الذي يلحظ توسع عدد المسنين على حساب الشباب، والإناث على حساب الذكور، إلى تحولات ديموغرافية مؤثرة، منها ارتفاع الهشاشة الاجتماعية والنفسية، وتناقص اليد العاملة، وتهميش فئة المسنين، وغيرها من الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية.

 

وتيرة الارتفاع

وعرف عدد سكان المغرب ارتفاعات واضحة، إذ كان عدد المغاربة عام 1960 يناهز 11 مليوناً و626 ألف نسمة، وفي عام 1982 بلغ السكان 20 مليوناً و419 ألف نسمة، وتجاوز العدد الكلي للسكان عام 1994، 26 مليون نسمة.

ووفق أرقام رسمية، ناهز عدد سكان المغرب عام 2004، 28 مليوناً و891 ألف نسمة، وفي آخر إحصاء عام لسنة 2014 بلغ عددهم أكثر من 33 مليوناً و848 ألف نسمة، فيما يرتقب أن يتم تنظيم إحصاء جديد عام 2024، الذي يتوقع اختصاصيون ديموغرافيون أن يتجاوزوا 40 مليون نسمة.

ويعلق أستاذ الديموغرافيا أنس بن الحاج، على هذه الأرقام بقوله، إن الإحصاءات السابقة تفيد بأنه خلال خمسة عقود تضاعف سكان المغرب ثلاث مرات، لكن الملاحظة الأكثر أهمية هو أن وتيرة ارتفاع السكان بشكل أكبر كانت خلال العقدين الأخيرين.

ويعزو المتحدث ذاته ارتفاع السكان من الناحية الرقمية تلك الفترة، إلى أنه خلال عقود خلت كانت تلعب الأوبئة وانعدام الوسائل الطبية درواً في الوفيات، بينما خلال السنوات الأخيرة تطور الطب، وتحسنت الأوضاع المعيشية، وتزايد التمدن، كلها عوامل أسهمت بتناقص نسبة الوفيات وارتفاع الولادات.

وتبعاً للمتكلم نفسه، فإن تركيبة السكان في المغرب تتجه إلى الارتفاع بشكل لافت كل 10 سنوات، وهي المدة التي يتم فيها رسمياً تنظيم الإحصاء العام للسكان"، مورداً أنه كلما تطورت الوسائل الطبية وتحسنت الظروف الاجتماعية ارتفع عدد السكان.

تراجع عدد أفراد الأسرة

ويسجل خبراء مفارقة تمثل في ارتفاع عدد السكان، وفي الوقت نفسه تراجع عدد أفراد الأسرة المغربية، إذ تقول الإحصاءات الرسمية، إن متوسط عدد أفراد الأسرة سنة 1982 كان ستة أفراد، وفي 1994 أصبح 5.8 فرد، وفي عام 2001 تراجع عدد أفراد الأسرة الواحدة إلى 4.8، ثم تناقص ليصير 4.2 في آخر إحصاء رسمي لسنة 2014.

وتعلق الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير على هذه المفارقة بالقول، إنه لا يوجد تناقض بين ارتفاع عدد السكان في المغرب وتناقص أفراد عدد الأسرة الواحدة، باعتبار أن عدد الأسر مرتفع لكن بعدد أفراد أقل.

وأرجعت الباحثة ذاتها هذا المعطى إلى تغير العقليات والذهنيات المحكومة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، حيث إن الزوجين صارا في الغالب يكتفيان بطفلين أو ثلاثة أطفال على الأكثر، بسبب كلف المعيشة وتحديات التربية الأسرية في الوقت الراهن.

وتبعاً للمتحدثة عينها، فإنه خلال عقود مضت كانت الأسرة ممتدة تشمل الزوجين والجدين والخالة والعمة، وكانت الولادات عديدة من دون تنظيم للنسل، وكان الأطفال ينامون في أحضان الجد أو العم، لكن في العقد الأخير تقلصت الأسرة وأصبحت بالكاد تضم الرجل والمرأة اللذين يكتفيان بأقل عدد ممكن من الأطفال بسبب الغلاء وصعوبة المعيشة.

الشيخوخة والتأنيث

وإضافة إلى ارتفاع السكان في المغرب بوتيرة متسارعة، وتناقص عدد أفراد الأسرة الواحدة، فإن ما يمكن تسجيله أيضاً من خلال الأرقام الرسمية هو توجه المجتمع المغربي نحو الشيخوخة، وتوسع قمة الهرم السكاني عوض قاعدته، مثل ما هو حاصل حالياً في أوروبا.

وتفيد الأرقام بأن عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة وما فوق، بلغ مليونين و376 ألف نسمة عام 2004، ليرتفع عدد المسنين إلى ثلاثة ملايين و209 آلاف نسمة عام 2014، بمعنى زيادة عدد المسنين بنسبة 35 في المئة خلال 10 سنوات فقط.

ويتوقع الخبراء الديموغرافيون أن يسير عدد المسنين وفق وتيرة مرتفعة في أفق عام 2050، بنسبة متوسطة يمكن تقديرها بـ3.3 في المئة كل سنة، إذ ستتضاعف هذه الساكنة أكثر من ثلاث مرات لتصل إلى 10.1 مليون مسن.

وتراجعت نسبة الأطفال في المجتمع المغربي دون الـ15 سنة من 31 في المئة عام 2004 إلى 28.2 في المئة عام 2014، جراء تراجع الخصوبة التي انتقلت من 7.2 طفل لكل امرأة في 1962 إلى 2.47 طفل سنة 2004، ثم إلى 2.19 عام 2010، و2.55 طفل عام 2014 (تاريخ آخر إحصاء رسمي للسكان في المغرب).

وبخصوص توزيع الذكور والإناث بحسب الجنس، فإن الأرقام الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط تقول إنه في 2018 شكلت النساء نسبة 50.1 في المئة من تركيبة المجتمع المغربي، وذلك بعدد يتجاوز 17.67 مليون نسمة، وهو ما يسميه الاختصاصيون "تأنيث المجتمع".

ويتوقع مراقبون أن تفضي ظاهرة "تشيخ المجتمع المغربي" خلال الحقبة المقبلة إلى مشكلات ديموغرافية واجتماعية، منها هشاشة المجتمع، وتزايد مراكز المسنين، والحاجة إلى اليد العاملة الشابة، مما دفع بعدد من الناشطين إلى المطالبة بوضع خطة للاستفادة من خبرة المسنين، والحيلولة دون الوقوع في مشكلة تشيخ السكان.

موريتانيا... الجفاف يعصف بالتطور السكاني

عبث الجفاف الذي شهدته موريتانيا منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي بالتطور الطبيعي للسكان في هذا البلد الصحراوي الجاف.

وبفعل الآثار الاقتصادية لهذه التغيرات المناخية، دخل سكان الريف الموريتاني في موجات هجرة واسعة دفعت بآلاف الأسر للتوجه نحو ضواحي المدن الكبيرة كنواكشوط ونواذيبو العاصمة الاقتصادية.

وبحسب الأرقام الرسمية الموريتانية التي أصدرها المكتب الوطني للإحصاء قبل أعوام، فإن الذكور يمثلون ما مجموعه مليوناً و239 ألفاً و261، بينما تصل نسبة الإناث إلى مليون و268 ألفاً و898، وهو ما يمثل 49.5 في المئة للذكور لتحتل الإناث 50.5 في المئة.

نمو سريع

ويرى عبدالمؤمن سيد أحمد، أستاذ جغرافية السكان في كلية الآداب بجامعة نواكشوط، أن "المعلومات المتعلقة بالسكان في موريتانيا حديثة. فعند استقلال البلاد عام 1960، كانت المعلومات المتوفرة هي تلك المتحصل عليها من طريق المستعمر بواسطة بعض المسوح الإدارية أو القطاعية التي أنجزت لأغراض التخطيط الإقليمي بخاصة دراسة البعثة السوسيو ــــ اقتصادية لنهر السنغال عام 1957، وبعد المسح الديموغرافي المنجز 1964 ــــ 1965، كانت أولى المعلومات الشاملة عن أعداد السكان هي تلك المتعلقة بالتعداد المنجز عام 1977 والتعدادات الموالية له (1988 ــــ 2000 ــــ  و2013)".

ويضيف عبدالمؤمن أن "تطور سكان موريتانيا قفز من 500 ألف نسمة عام 1944 إلى مليون و97 ألفاً و800 نسمة في 1965، ثم وصلوا إلى مليون و338 ألفاً و800 نسمة عام ،1977 وإلى مليون و864 ألفاً و200 نسمة 1988، وبلغوا في تعداد عام 2000 حوالى مليونين و508 آلاف و159 نسمة، ثم وصلوا إلى ثلاثة ملايين و537 ألفاً و368 نسمة في 2013".

ويعرج عبد المؤمن على معلومة مهمة تتعلق بمعدل النمو لسكان موريتانيا، إذ يقول إن "معدل النمو تراوح بين 2.29 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 1965 و1977، و2.9 في المئة بين 1977 و1988، و2.4 في المئة خلال الفترة عامي 1988 و2000، و2.77 في المئة بين 2000 و2013".

ويفسر أستاذ الجغرافيا البشرية هذا النمو السريع في السكان "بوجود معدل ولادات مرتفع (50 في المئة عام 1977 و43.9 في المئة عام 2000)، في الوقت الذي عرف معدل الوفيات تناقصاً لافتاً، 21.2 في المئة في الفترة الممتدة بين 1982 و1986، و13.4 في المئة عام 2000. ويرتبط هذا الانخفاض بمعدل الوفيات إلى تحسن في التغطية الصحية وظروف الحياة بصورة عامة".

تباين بين الذكور والإناث

لا تعطي الأرقام الرسمية في موريتانيا حقيقة نسبة الذكور والإناث، إلا أن عديداً من الدراسات التي أجريت في العالم أشارت إلى أن نسبة الذكور أكبر من نسبة الإناث، حيث مقابل كل 100 أنثى هناك 105 أو 107 ولادات ذكور.

إلا أنه عند سن المراهقة، تنعكس هذه النسبة وتزيد نسبة النساء على الرجال، وذلك بسبب مجموعة من العوامل أهمها الهجرة الداخلية والخارجية للذكور، كما تعصف الأخطار بحياة عديد من الذكور بشكل أكبر لتعرضهم لأخطار الموت، إذ تحصد حوادث السير وحوادث العمل والحروب نسبة أكبر من الذكور.

وتشير نتائج تعداد السكان عام 2000 إلى أن سكان البلاد قد وصلوا إلى مليونين و508 آلاف و159 نسمة، ينقسمون إلى مليون و239 ألفاً و261 من الذكور ومليون و268 ألفاً و898 من الإناث، أي إن الذكور يمثلون نسبة 49.5 في المئة فيما بلغت نسبة الإناث 50.5 في المئة من مجموع السكان، وهناك فروق بين الولايات، حيث نلاحظ أن نسبة النساء تتجاوز 52 في المئة في بعض المحافظات الريفية (لعصابة والحوض الغربي ولبراكنه وتكانت) وعلى العكس من ذلك نجد أن نسبة الذكور ترتفع في الولايات التي تضم أنشطة اقتصادية كبيرة مثل نواكشوط (52.8 في المئة) وتيرس الزمور (53.62 في المئة) ونواذيبو (58.91 في المئة).

مجتمع يافع

ينظر خبراء الجغرافيا الاقتصادية إلى المجتمع الموريتاني بصفته مجتمعاً شاباً، إذ تظهر استبانات تطور تركيب السكان حسب العمر، أن هذا التركيب ثابت نسبياً، ويظهر أن الفئة العمرية أقل من 15 عاماً قد مثلت حوالى 43.5 في المئة من السكان عام 2000، وبلغت الفئة العمرية من 15 إلى 59 نحو 50.95 في المئة، بينما لا تتجاوز الفئة العمرية من 60 وما فوق سوى 5.53 في المئة من السكان.

وتظهر المسوح الاقتصادية ذات الطابع الجغرافي في موريتانيا، أن نسبة تواجد السكان في الوسط الحضري في تزايد بسبب هجرة السكان إلى المدن بحثاً عن ظروف أفضل.

ويعتبر عبد المؤمن أنه "يمكن القول إن الهجرة من الريف إلى المدينة مستمرة لهذا السبب، كما أنها تزداد في بعض المواسم كموسم الصيف وموسم الدراسة".

ويرى عبدالله ابنو المنسق الأكاديمي لقسم الجغرافيا في جامعة نواكشوط أنه "يكاد يكون هنالك توازن بين الذكور والإناث في موريتانيا، حسب ما وضحته نتائج التعدادات التي أجريت في البلاد حتى الآن.

ويؤكد عبدالله أنه لا يوجد توازن بين الشباب والكهول لأن موريتانيا الآن دولة فتية بصفة عامة.

سوريا... عدد النازحين هو الأكبر في العالم

يواجه من يعمل في أبحاث تتعلق بقضايا السكان والتعداد السكاني في سوريا كثيراً من التحديات والصعوبات وسط غياب الأرقام والمعلومات الدقيقة بعد اندلاع الحرب عام 2011، وما نتج منها من دمار مدن وقرى بكاملها وتهجير قسري للسكان من مناطقهم إلى أماكن أخرى، حيث تقلبت الهجرة خلال سنوات الحرب من المدينة إلى الريف أو العكس حسب ظروف وتبدل أماكن ومواقع المعارك، علاوة على تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ تتبع النظام وأخرى للمعارضة بينما تحكم جماعات عسكرية مسلحة ذات مرجعية عرقية بعض الأجزاء من الأرض السورية.

لقد شهدت سوريا مبادرات عدة لتعداد سكاني منذ عام 1954، أما بالطريقة الحديثة للتعداد فقد نفذت عام 1960، وبين تقرير عن تعداد نظم عام 2022، وصول عدد السكان إلى 22 مليوناً و500 ألف نسمة، وكشفت المديرة العامة لهيئة الأسرة السورية، سمر السباعي، وصول عدد سكان مدينة حلب إلى أربعة ملايين و100 ألف نسمة مع تراجع معدل نمو السكان ومعدل الخصوبة الكلية، بسبب مخلفات الحرب وتاثيرها في التعداد السكاني.

الهروب من خدمة العلم

وأشار تقرير الإحصائية الأخيرة للسكان إلى أنه كان لا بد من إجراء إحصاء عام 2014، لكن واقع البلاد من حروب أحالت دون ذلك، وبحسب الدراسة فقد تبين أنه لا توجد نسبة دقيقة عن الوفيات، والعمر الوسطي، ويمكن ملاحظة أن نسبة الإناث أعلى من الذكور بمتوسط عمري يبلغ 82 سنة أما الذكور 79 سنة، ونتيجة الحرب تراجع ذلك ليصل إلى 77 سنة للنساء و74 للذكور.

في غضون ذلك، تفتقر الدراسات السكانية إلى الدقة حول واقع السكان في البلاد كافة، وذلك لاتساع رقعة الحروب واختلاف وتعدد مناطق النفوذ وفق ما تحدثت به الناشطة الحقوقية، ريما كعدان، حين ردت ارتفاع نسبة الإناث المقيمات عن الذكور لأسباب تتعلق بهجرة شريحة الذكور لا سيما الشبان هرباً من الالتحاق بالخدمة الإلزامية في الجيش التي تسمى خدمة العلم.

وأضافت "تعاني الفتيات والنساء من انخفاض مستويات التعليم وهذا يتفاوت حسب المدن والأرياف، لا سيما في مناطق النزوح والمخيمات، وفقدان الأطفال للتغذية المناسبة، مما أدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض ومنها مرض التقزم لفقدان الاحتياجات الغذائية من الحليب والمكملات الغذائية للأطفال الرضع، بينما تتناقص فرص العمل وتنتشر البطالة، بخاصة أن نسبة الشيخوخة ترتفع ليس في المخيمات وحسب، بل في كثير من المدن".

عدد النازحين السوريين الأكبر في العالم

من جهة مقابلة ترك النزاع المسلح على مدى عقد من الزمن آثاراً سلبية على السكان، لا سيما بعدما أسهم بزيادة مستويات العنف والقتل والإصابات الجسدية والتشريد وكذلك الفقر والحصار وصعوبة العيش، فقد قتل أكثر من نصف مليون سوري في النزاع المسلح الذي دفع بأكثر من 5.5 مليون شخص للجوء إلى دول الجوار (تركيا ولبنان والأردن والعراق) بينما فاق عدد المهاجرين قسراً إلى بلاد أوروبية أكثر من سبعة ملايين.

واعتبر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجارك، أن عدد النازحين السوريين هو أكبر في العالم، وأضاف في بيان له أن 90 في المئة يعيشون تحت خط الفقر، في وقت يكشف صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عام 2023 أحد أكثر الأعوام تحدياً في الأزمة السورية، إذ بلغ عدد المحتاجين للمساعدة 15.3 مليون شخص نصفهم من النساء والفتيات بمن فيهم 4.2 مليون امرأة في سن الإنجاب.

وقد تسببت سنوات النزاع الطويلة بزيادة العنف وإغلاق المرافق الخدماتية والصحية، مع ارتفاع مستويات زواج الأطفال ونزوح العاملين في القطاع الصحي، ولم يخف صندوق الأمم المتحدة للسكان تأثير الزلزال في ما يقارب 133 امرأة حامل فضلاً عن الأمهات المرضعات والفتيات.

لقد ارتفع عدد سكان سوريا لعام 2023 عن العام السابق 2022 بنحو 430 ألف نسمة، وكان عدد سكان البلاد عام 1990 قرابة 12 مليون نسمة، وارتفع عددهم عام 2000 إلى ما يقارب 17 مليوناً.

انتشار السوريين

وكان الجهاز المركزي للإحصاء أعلن أن عدد سكان سوريا يقترب من 28 مليون نسمة وفق نشرة رسمية، بينما نشر أحد مراكز الدراسات في المقابل تقريراً يوضح فيه أن عدد سكان سوريا للعام الحالي وصل إلى 26.7 مليون شخص.

وشرح التقرير توزع السكان حسب مناطق السيطرة ونفوذ القوى المتصارعة، لافتاً الانتباه إلى وجود 4.3 مليون شخص تقريباً في مناطق نفوذ المعارضة المسلحة، بينما ضمت مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) نحو 2.6 مليون شخص، أما مناطق سيطرة النظام يتموضع فيها قرابة 9.6 مليون شخص، كما كشف التقرير عن 897 ألف مفقود ومغيب.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى التوزع الديموغرافي في سوريا قبل الحرب عام 2011 البالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، وتم تسجيل النسبة الأعلى في حلب التي بلغت ثلاثة ملايين ونصف المليون، في وقت تشير الدراسات إلى وجود 20 مليون نسمة من أصل سوري في دول العالم قبل الحرب الأخيرة على سوريا، تنتشر في الأميركتين وأوروبا وأستراليا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات