ملخص
حزب بارزاني يواجه تكتلاً لربط أجور كردستان ببغداد وتحذيرات من تآكل صلاحيات الإقليم
تتجه أزمة الرواتب في إقليم كردستان نحو مزيد من التعقيد لتضع حكومته في مواجهة حملة يقودها نشطاء محليون وكتل نيابية كردية من طرفي الشركاء والمعارضين لتسليم ملف موظفيها إلى الحكومة الاتحادية في بغداد، فيما تخوض القوى والنواب سجالاً حامياً حول توفر الشروط القانونية للخطوة، في ظل محاذير من مصادرة حقوق الإقليم الدستورية.
كان عدد من الكتل الكردية في البرلمان الاتحادي، وهي كتلة حزب "الاتحاد الوطني" بزعامة جلال طالباني الشريك الرئيس في حكومة أربيل التي يقودها الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، مع كتل القوى المعارضة في الإقليم "الجيل الجديد" و"الاتحاد الإسلامي" و"جماعة العدل الإسلامية" وقع على طلب بمشاركة نائبين عربيين من خارج الكتل الكردية وهما يوسف كلابي وحسين موسى، على طلب "لدفع مرتبات الإقليم مباشرة من بغداد"، في موازاة حملة قادها نشطاء ونواب أكراد سابقون لجمع توقيعات الموظفين في خطوة يعتبرها حزب بارزاني تقويضاً لسلطة حكومته.
قبل ذلك كان ممثل هيئة الدفاع عن حقوق موظفي القطاع العام دلشاد ميراني كشف عن "لقاء جمع أعضاء في الهيئة مع عدد من المسؤولين في بغداد لبحث ربط المرتبات مباشرة ببغداد من خلال بطاقة بنكية، وتم بموجبه الاتفاق على تنظيم حملة لجمع توقيعات لموظفي الإقليم".
أما في بغداد فقد أعلن عضو اللجنة المالية النيابية "المستقل" القيادي السابق في قوات "الحشد الشعبي" الشيعية يوسف الكلابي عن "توقيع أكثر من 100 نائب على دعم طلب يحمل توقيعات 200 ألف من موظفي إقليم كردستان لتحويل مرتباتهم مباشرة إلى بغداد".
وقال الكلابي إنه لن يرد على ما وصفها بـ"المهاترات" في إشارة إلى مسؤولين في حزب بارزاني، منوهاً بأن "موظفي الإقليم سيتلقون قريباً مرتباتهم من دون استقطاع أو تأخير".
عجز مزمن
اشتدت الأزمة المالية في الإقليم الكردي بسبب تعليق صادراته النفطية في مارس (آذار) الماضي على أثر كسب بغداد قراراً تحكيمياً من محكمة تجارية في باريس على دعوة كانت رفعتها ضد أنقرة لسماحها بتدفق النفط الكردي بمعزل عن الحكومة العراقية.
وما زالت أربيل لم تنه بعد عملية دفع مرتبات موظفيها لشهر يوليو (تموز) الماضي بعد تلقيها كامل مبلغ القسط الأول من القرض المقدم من قبل بغداد، في وقت يواصل فيه آلاف من موظفي القطاع العام، بخاصة قطاع التربية في السليمانية، حيث معقل حزب طالباني إضراباتهم منذ شهر، احتجاجاً على تأخر مرتباتهم.
يشترط المضربون دفع مستحقاتهم المتأخرة كاملة، والالتزام بمواعيد إطلاقها شهرياً من دون تأخير، مع إلزام الحكومة بتثبيت "المحاضرين المجانيين" على الملاك الدائم.
استهداف سياسي
تواجه حملة نقل المرتبات رفضاً قاطعاً مع حزب بارزاني، حيث قال رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني يوم أمس الخميس خلال حفلة تخرج لطلاب جامعة صلاح الدين في أربيل بأن أهدافها "سياسية"، محذراً من "انتهاك حقوق وكيان الإقليم الدستورية".
ودعا بارزاني من وصفهم "بمن يعملون بخلاف تفاهمات السابقة مع بغداد"، إلى التوقف "عن المساهمة في إضعاف كيان الإقليم، لأنه سيتضرر أيضاً في النهاية، ونحن نؤكد أن المرتبات يجب أن تكون من صلاحية الإقليم حصراً".
وفي رد على مخاوف بارزاني، قال النائب عن كتلة "الاتحاد الإسلامي" في البرلمان الاتحادي اليوم الجمعة دارا سيكانياني إن "نقل المرتبات لن يقوض الإقليم، بل يحل أزمة عبر آلية لإبعاد هذا الملف عن الصراعات السياسية"، وتساءل "من كان السبب في إلغاء قانونية تمديد دورة برلمان الإقليم وحكومته وحكوماته المحلية؟"، ونوه بـ"جمع نحو 115 توقيعاً من النواب لدعم الخطوة".
وخسر الإقليم تدريجاً مكاسب كانت كان حققها في أعقاب سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، بعد صدور قرارات متتالية من المحكمة الاتحادية على خلفية دعاوى أضفت إلى إبطال حقه في تصدير نفطه بمعزل عن بغداد، وعدم شرعية تمديده لدورة برلمانه وحكومته وحكوماته المحلية، وذلك منذ أن بدأت بغداد باستعادة سيطرتها على مناطق واسعة من البلاد كان احتلها تنظيم "داعش" بين أعوام 2014 و2017، وفرضها إجراءات عقابية على الأكراد لخوضهم استفتاء للانفصال.
خلاف قانوني
سجالات حامية رافقت الأزمة بين النواب والمسؤولين من الطرفين إزاء توفر الغطاء القانوني الذي يسمح بنقل المرتبات، فقد نفى الرئيس الأسبق لبرلمان الإقليم يوسف محمد، الذي كان كسب دعوى قضائية في المحكمة الاتحادية ضد تمديد دورة البرلمان الكردي، وجود عقبات قانونية أو دستورية، مستنداً على "المادة 110 ثالثاً من الدستور التي تعطي الصلاحية الحصرية للحكومة الاتحادية لرسم السياسة المالية بما فيها المرتبات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين محمد أن "الإقليم لم يشرع أي قانون خاص بهذا الجانب، لا بل إنه يطبق القوانين العراقية مباشرة ومنها قوانين تعود لفترة نظام حزب البعث المنحل، مثل قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960، وقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لسنة 2008، وقوانين التقاعد". وشدد على أن "انتهاك حكومة أربيل للقوانين الاتحادية المتعلقة بالمرتبات يعطي الحق للمطالبة بدفعها من قبل بغداد، بموجب المادة 13 في الفقرة (8 أ) من قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2023، بخاصة بعد تعليق بيع نفط الإقليم رسمياً".
تلاعب وتضليل
في المقابل، أكد مسؤولون في حزب بارزاني استحالة تجاوز صلاحيات الحكومة الكردية، واعتبروا الحراك القائم حملة دعائية لحصد مكاسب في انتخابات مجالس المحافظات باستثناء محافظات الإقليم والمقررة قبل نهاية العام الحالي.
وكيل وزارة المالية عن "الديمقراطي" مسعود حيرد أكد أن "الدستور لا يسمح بتحويل مرتبات الإقليم أو أية نفقات أخرى إلى بغداد، بل يتم ذلك عبر المؤسسات الرسمية بين الحكومتين، كما أن قانون موازنة 2023 يلزم حكومة بغداد على إرسال حصة الإقليم البالغة 775 مليار دينار شهرياً من طريق وزارة مالية الإقليم".
وشدد على أن "أي مطلب بخلاف هذا الإطار فإنه يعد تلاعباً بمشاعر الشعب لتعارضه مع المادتين 117 و121 من الدستور".
من جهته قال شوان كلاري النائب عن كتلة "الديمقراطي" إنه "لمن الإجحاف التعامل بهذه الطريقة مع متقاضي المرتبات في الإقليم الذين يعانون منذ عام 2014، حيث تستغل مأساتهم كدعاية انتخابية من خلال طلب غير منطقي لتضاربه مع الدستور".
وأضاف كلاري أن "النواب الذين يقودون حملة التوقيعات، هم أنفسهم من عرقل سابقاً في أن تدفع بغداد قرضاً للإقليم من خلال رفع دعوى قضائية"، في وقت دعا فيه زعيم حزب "الاشتراكي الديمقراطي" محمد حاجي محمود المقرب من حزب بارزاني المطالبين بنقل المرتبات إلى أن "يكونوا ممثلين حقيقيين عن الكرد وليس أن يكونوا أعداءً لهم، لأن بعض القادة في بغداد يسعون إلى محاصرة شعبنا وتجفيف مصادره المالية".
وتبادلت حكومتا بغداد وأربيل الشهر الماضي الاتهامات في التنصل عن تنفيذ بنود الموازنة الاتحادية التي تقضي بمراجعة إيرادات الأكراد غير النفطية من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي وتسليمها مع نحو 400 ألف برميل من النفط يومياً، مقابل دفع حصة الإقليم في الموازنة الاتحادية، قبل أن يتوصلا إلى اتفاق موقت وافقت بموجبه بغداد على اقراض الإقليم مبلغ 2.1 تريليون دينار (1.6 مليار دولار) ليتمكن من دفع مرتبات موظفيه لمدة ثلاثة أشهر.
لكن وزير الخارجية القيادي في "الديمقراطي" فؤاد حسين قلل من جانبه في تصريحات صحافية من وجود عراقيل أمام تجاوز الأزمة قائلاً إن "مسألة المرتبات محلولة وفق الموازنة، تتبقى مشكلة آلية تنفيذ القانون، وهذه ستحل قريباً، من خلال مصرف في بغداد".
ويرى عضو اللجنة المالية السابق عن كتلة "الاتحاد" شيروان ميرزا صعوبة في إمكان "ربط المرتبات ببغداد عبر آلية البطاقة البنكية الماستركارد".
وقال ميرزا "من الصعوبة جداً تحقيق هذا الإجراء فعلياً، لأسباب عدة منها تتعلق بالإشكالية القائمة بين حكومتي أربيل وبغداد حول الأعداد الحقيقية لموظفي الإقليم، لجهة أن الحكومة الاتحادية تستند إلى بيانات عام 2011، في حين أن أعداد الموظفين طرأت عليها زيادة كبيرة وتمت ترقية عديد منهم"، وإزاء الحلول المطروحة يؤكد ميرزا إمكان "إبعاد التدخلات السياسية بصيغة تتعامل فيه حكومة بغداد مع ملف المرتبات بمعزل عن ملف الخلاف النفطي، على اعتبار أن موظفي الإقليم هم مواطنون حالهم حال أقرانهم في بقية المحافظات العراقية".