Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انسحاب "المحامين" يقبر مبادرة الحوار الوطني في تونس

اتحاد الشغل فشل في إقناع سعيد بها ويواجه تهميشاً غير مسبوق

الطبوبي بات أبرز الخاسرين من انسحاب عمادة المحامين في تونس (أ ف ب)

ملخص

أوساط سياسية تونسية حذرت من الإعلان الأخير عن انتهاء مبادرة الحوار الوطني بشقيها السياسي والاقتصادي. 

قال عميد المحامين في تونس حاتم مزيو إن توقيت مبادرة الحوار الوطني التي كان يسعى إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى إطلاقها انتهى، في تطور يعكس تخلياً من العمادة التي لها ثقل قوي في المشهد عن هذه المبادرة.

وترى أوساط سياسية تونسية أن الموقف الجديد الذي عبرت عنه العمادة يقبر نهائياً مبادرة الحوار الوطني التي تتضمن شقين، أولهما يتعلق بالإصلاحات السياسية وثانيهما بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وما يزيد الطين بلة أن الرئيس قيس سعيد قاد إصلاحات سياسية أفضت إلى اعتماد دستور جديد ونظام حكم رئاسي بدل شبه البرلماني الذي كان سائداً في السنوات الماضية وتركيز برلمان جديد.

وسعى اتحاد الشغل، الذي يواجه دوره السياسي تهميشاً متزايداً من قبل السلطة، إلى إقناع الرئيس سعيد بهذه المبادرة، لكنه فشل في ذلك، وعبر الرجل مراراً عن رفضه لها، موضحاً أن "تونس لا تعيش أزمة سياسية أصلاً" على رغم وجود إيقافات لقيادات سياسية بارزة ومقاطعة المعارضة الانتخابات والاستفتاء على الدستور وغير ذلك.

المبادرة قبرت

موقف عمادة المحامين في تونس يأتي في سياق مشحون سياسياً على رغم أن ملف التصعيد في غزة يتصدر أجندة التحركات الحزبية والرسمية في البلاد، فتم أخيراً اعتقال رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض عبير موسي، وذلك بعد اعتقالات أخرى طاولت وجوهاً سياسية بارزة من أمناء عامين لأحزاب مثل "الجمهوري" ووزراء سابقين وغيرهم.

وحاول اتحاد الشغل رفقة العمادة والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان استمالة الرئيس سعيد ليقود الحوار الوطني، الذي صاغوا له محورين رئيسين يتعلقان بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأزمة السياسية، لكنهم لم يفلحوا في ذلك.

وقال رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري إن "إعلان العميد حاتم مزيو نهاية توقيت المبادرة يؤكد أنها قبرت بالفعل، ومنذ البداية قلنا إنها مبادرة ولدت ميتة ولن تستمر، لأن رئيس الجمهورية كان رافضاً الحوار مع هذا الرباعي، كما أن هذا الرباعي أقصى الأحزاب السياسية التي تعد طرفاً رئيساً في المشهد التونسي بخاصة في ما يخص الشأن السياسي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع الناصري في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "لا يعني هذا أن مبدأ الحوار انتهى في تونس، ولا يعني أيضاً أن الأجسام الوسيطة بما في ذلك الأحزاب قد انتهى دورها لكن ستتولى المنظمات الوطنية أدوارها على الأرض، فدور الاتحاد نقابي ودور عمادة المحامين حماية منظوريها (المنضوين تحتها) وتحقيق مكاسب لقطاع المحاماة، لا علاقة لهذا الرباعي بالعمل السياسي".

وأوضح أن "المرحلة المقبلة فيها دستور جديد ونظام رئاسي ونمط جديد لإدارة الحكم في البلاد وهو نمط لا ينهي دور الأحزاب والبرلمان والوظيفة القضائية، لكن مع اختلاف وحيد هو أن على كل طرف القيام بدوره فقط من دون التدخل في الشأن السياسي الذي هو حكر على الأحزاب".

ولم يعلق الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قاد هذه المبادرة على الفور على انسحاب عمادة المحامين منها، لكن اللافت أن النقابة التي كان لها حضور قوي في المشهد تراجع حماسها لهذه المبادرة وهو ما يعكس نهايتها بالفعل.

لا مبادرات في الأفق

ويثير طي صفحة مبادرة الحوار الوطني برعاية هذا الرباعي تساؤلات عن مصير الأزمة السياسية العالقة في تونس، خصوصاً في ظل الإيقافات التي توصف بالسياسية لقيادات المعارضة التي تقاطع الاستحقاقات الانتخابية التي تنظمها السلطة.

وكان الرئيس سعيد أقر إجراءات في 25 يوليو (تموز) 2021 أغلق بموجبها قوس الربيع العربي في بلاده، إذ أطاح البرلمان والحكومة المنتخبين في خضم أزمة سياسية حادة قادت إلى قطيعة آنذاك بينه وبين رئيس الحكومة هشام المشيشي من جهة وبينه وبين رئيس البرلمان السابق راشد الغنوشي من جهة أخرى.

واتهمت المعارضة سعيد بقيادة انقلاب، لكنه رفض تلك الاتهامات، معتبراً أن ما قام به يدخل في سياق إنقاذ الدولة من التفكك وهو قرار "دستوري"، مستنداً إلى تفعيل المادة 80 من الدستور السابق.

 

 

وقال المحلل السياسي التونسي الجمعي القاسمي إن "من المستبعد أن نرى مبادرات جديدة في المرحلة المقبلة لاعتبارات عدة، أهمها أن المناخ السياسي تهيمن عليه قوة واحدة وهي قوة الرئيس سعيد والمفاعيل المحيطة بها، فعلى رغم أنه لا حزب له فإن سعيد له داعمون، كما أن تشتت المعارضة التي فقدت كثيراً من حضورها السياسي، علاوة على القضايا الإقليمية على غرار القضية الفلسطينية التي تغطي بشكل كبير على التحرك الوطني الداخلي في ما يتعلق بالأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

وأردف القاسمي أن "الواقع السياسي التونسي يتسم بالتشرذم على مستوى الأحزاب السياسية والانتهازية لدى بعض المنظمات الكبرى مثل اتحاد الصناعة والتجارة (نقابة رجال الأعمال) واتحاد الفلاحين التي رفضت المشاركة في المبادرة السابقة، واتحاد الشغل أصبح في حرج كبير والوضع السياسي لا يساعده على طرح مبادرة أخرى من هذا القبيل".

انحسار دور الاتحاد

وطوال السنوات الماضية واجه اتحاد الشغل اتهامات بالإفراط في التدخل في الشأن السياسي عندما تم تسمية قيادات داخله في مناصب وزارية، وأيضاً عندما قاد حواراً وطنياً في 2013 عندما كانت تونس غارقة في انقسام حاد بين الإسلاميين والعلمانيين.

مع التطورات الأخيرة وسعي السلطة حالياً إلى تحجيم دوره يرى مراقبون تونسيون أن يتجه الاتحاد إلى تغيير في سياسته، والعودة إلى الدور الاجتماعي والنقابي من خلال الدفاع عن العمال المنضوين تحت لوائه.

وقال الجمعي القاسمي إن "الاتحاد سينحسر دوره بشكل كبير في المرحلة المقبلة، إذ سيركز على الجانب الاجتماعي من أجل انتزاع اعتراف من الحكومة بإجراء مفاوضات اجتماعية".

وختم حديثه "هذا الهم الذي يركز عليه الاتحاد وهو محق باعتباره لا يمكنه أن يلعب الدور السياسي والاجتماعي في الوقت نفسه، بخاصة أن الأحزاب التي يمكن أن تسانده تعيش حالة ضياع وتيه، ولعل استقالة فاضل عبدالكافي (رئيس حزب آفاق تونس، وزير سابق) في الأيام الأخيرة أبرز دليل على هذه الحالة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي