Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخلافات تعصف بأحزاب المعارضة التونسية

استقالات وملاحقات قضائية وصراعات داخلية تصب في مصلحة الرئيس سعيد

الشارع التونسي خفت في المرحلة الحالية ولم تعد تنظم أحزاب المعارضة احتجاجات كما كانت (رويترز)

ملخص

دخل بعض أحزاب المعارضة بتونس في نفق مظلم في ظل تنامي الاستقالات الداخلية والملاحقات القضائية.

تواجه أحزاب المعارضة في تونس المجهول بعد أن تعمقت أزمتها جراء استقالات داخلية وملاحقات قضائية طاولت قيادات وازنة ولها ثقلها على غرار رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، التي لها شعبية قوية مقارنة بخصومها، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وغيرهما.

وأعلن رئيس حزب "آفاق تونس" المعارض، فاضل عبدالكافي، أمس الخميس، استقالته من الحزب في تطور لافت، خصوصاً أن حديثاً دار في الكواليس حول إمكانية التقاء المعارضة التونسية على ترشيحه لمزاحمة الرئيس قيس سعيد الذي يطمح إلى الفوز بولاية ثانية.

وقال عبدالكافي، في بيان نشره عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، "أقدم اليوم استقالتي من رئاسة الحزب وعضويته، هذه الأوقات العصيبة والاستثنائية التي تمر بها بلادنا اليوم، داخلياً على مختلف المستويات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية، وإقليمياً في ظرف عالمي متسارع ومعقد جداً بمختلف جوانبه الجيوسياسية، جعلتني أعمق النظر في فاعلية تحركاتنا الحزبية في شكلها التقليدي ومدى تأثير وقعها في الفضاء العام".

وكانت محكمة تونسية قضت بحل الحزب الليبرالي التونسي المعارض وذلك على خلفية موقفه من الصراع في غزة، بعد قضية رفعتها السلطات ضده، إثر بيان نشره وأيضاً تدوينات لرئيسه يهاجم فيها المتعاطفين مع الفلسطينيين.

في طريقها للاندثار

استقالة عبدالكافي من رئاسة حزب "آفاق تونس" تأتي بعد أيام من توقيف رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي التي كان ينظر إليها على أنها الوحيدة القادرة على تحريك الشارع ضد السلطة.

وعبير موسي هي ثالث قيادية بارزة يتم سجنها في تونس مع الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، ورئيس حركة النهضة والوزير السابق غازي الشواشي وغيرهم. وهي إيقافات تقول المعارضة إنها سياسية بينما يرفض الرئيس سعيد ذلك ويعد باحترام الحريات السياسية والحقوق.

ورأى الوزير السابق والناشط السياسي، فوزي عبدالرحمن، أن "تونس بصدد التراجع في مسألة الحقوق والحريات، إذ إن هناك خيبة أمل كبيرة من الأطراف السياسية التي حكمت البلاد منذ 2011 والغضب الشعبي مشروع في الواقع، ليأتي رئيس الجمهورية الذي لا يؤمن بالأحزاب ويعتبرها كلها فاسدة، وهي أسباب جعلت المناخ العام غير ملائم لعمل الأحزاب السياسية، لكن فشلها في التعاطي مع الشأن الاقتصادي هو السبب الأول لتراجع مكونات المشهد السياسي ككل في الساحة".

وقال عبدالرحمن في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "لكن الأهم من ذلك كله أنه لم يكن ممكناً للأحزاب المعارضة أن تتلاشى لو كانت صلبة وغير هشة، لكنها تعاني من هشاشة كبيرة بدأت تظهر الآن، لو كانت الأحزاب قوية وأحزاب قائمة على مؤسسات لا تنهار في حال توقيف زعمائها أو بعض قياداتها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونبه إلى أن "هشاشة الأحزاب السياسية المعارضة في طريقها للاندثار شأنها في الواقع شأن بقية الأحزاب، وهناك عزوف كامل اليوم عن العمل الحزبي في تونس وهناك استقالة جماعية من طرف النخب والشباب الباحث عن الخلاص الفردي من خلال الهجرة وهو أمر غير مجدٍ في الواقع، كل هذه الأسباب بصدد القضاء على العمل الحزبي في تونس".

وكانت حركة النهضة الإسلامية سباقة في الانشقاقات عندما استقال منها في سبتمبر (أيلول) 2021 أكثر من 110 قيادات ونواب برلمانيين سابقين وذلك بسبب تعنت زعيم الحزب بالترشح مجدداً لرئاسته. وبعد ذلك شهدت أحزاب معارضة أخرى استقالات على غرار "التيار الديمقراطي" الذي استقال أمينه العام غازي الشواشي قبل توقيفه بأشهر.

صراعات زعامة

وبالتوازي مع الاستقالات فإن الخلافات باتت تقوض بشكل كبير استقرار الأحزاب السياسية المعارضة في تونس، ولعل أبرزها حزب العمال الذي ذاع صيته في الشارع بإرث زعمائه النضاليين خلال فترة ما قبل احتجاجات يناير (كانون الثاني) 2011 على غرار حمة الهمامي.

وعلى رغم أن هذا الحزب أضحى محدوداً في الشارع إلا أنه لم يسلم من الانشقاقات بعد احتجاج عدد من القيادات الشابة ضد رئيسه وقيادته وهو أمر رفضه وعزل كثيرين من هؤلاء معتبراً أنهم قادوا محاولة انقلاب داخلية وفق وصفه على قيادته ليدخل في دائرة انقسام غير مسبوق.

ويرى المتخصص في الشأن السياسي التونسي، وسام حمدي، أن "المشكل في اعتقادي أكبر من مجرد استقالات، فهناك إرث ثقيل من الصراعات على الزعامة والقيادة داخل هذه الأحزاب السياسية المعارضة في تونس، وقد رأينا انشقاقات في النهضة وحزب العمال ونداء تونس وغيرهم كثير حول هذه النقطة بالذات".

 

 

وتابع حمدي في تصريح خاص أن "العمل الحزبي في تونس يمر بفترة ركود كبيرة لا يمكن لأحد أن ينكرها، خصوصاً أحزاب المعارضة، لأن بعض أحزاب الموالاة تنشط داخل البرلمان وتواصل الضغط من أجل منحها دوراً ومناصب مقابل تأييدها للسلطة مثل حركة الشعب، لكن أحزاب المعارضة دخلت نفقاً مظلماً".

وفسر بالقول إن "هذا النفق سببه أولاً تراجع ثقة الشعب في الأحزاب وهو أمر في غاية الخطورة لم تنتبه إليه هذه الأحزاب، وثانياً حالة الاستنزاف التي دخلتها بسبب الإيقافات، إذ طاولت قيادات بارزة وتتحكم في إدارتها، وثالثاً غياب المراجعات الذاتية والنقد الذي من شأنه أن يصحح العمل الحزبي".

استفادة للسلطة؟

ومن شأن الأزمة التي تمر بها أحزاب المعارضة أن تعقد وضعها وهي التي تطرح نفسها بديلاً عن السلطة الحالية بقيادة الرئيس قيس سعيد الذي يتبنى بالفعل أفكاراً ترفض الأجسام الوسيطة بما في ذلك النقابات والمنظمات الكبرى في البلاد.

ويثير هذا الوضع تساؤلات حول ما إذا كان سيصب في مصلحة السلطة أم لا، بخاصة أن الرئيس قيس سعيد يطمح إلى ولاية ثانية وسط أزمات اقتصادية واجتماعية تحاصر البلاد كان بإمكان المعارضة أن تستغلها في انتقاداتها اللاذعة له.

وبدا لافتاً أن الاحتجاجات السياسية ضد السلطة قد خفتت في هذه المرحلة التي تسبق آخر محطة انتخابية من خريطة طريق سياسية شاملة أطلقها الرئيس سعيد عام 2021.

ويجيب وسام حمدي بقوله إنه "في اعتقادي ليست هذه الانقسامات التي تهدد وجود وكيان الأحزاب المعارضة هو الذي سيخدم قيس سعيد بل حصيلة حكمه، فحتى الآن لا توجد نتائج ملموسة عدا الشعارات ورمي الكرة في ملعب الخصوم لكن في حال نجاحه في الخروج بالبلاد من عنق الزجاجة في ظل أزمتها الاقتصادية فإن ذلك سيجعل حكمه في مأمن حتى ولو كانت المعارضة متماسكة وفي وضع جيد، أما إذا فشل فإن التونسيين لا يغفرون لأحد وهذا الذي تبيناه على مر السنوات من إطاحة (زين العابدين) بن علي إلى الآن".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي