Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإمبراطورية"... من البزوغ إلى الأفول

تبدأ فكرتها من الصفر لتصل إلى عصرها الذهبي ثم يصيبها الضعف وتتفكك

الإمبراطورية الرومانية أطول الإمبراطوريات عمرا (غيتي)

ملخص

 شكلت الإمبراطوريات الناجحة أنظمة إدارية قوية شملت فرض الضرائب وتطوير البنية التحتية وكان على أصحابها تأسيس الجيوش لحماية المكتسبات.

تعتبر الإمبراطورية الرومانية إحدى أطول الإمبراطوريات في التاريخ فقد استمرت لما يقارب 1500 سنة بدءاً من عام 27 قبل الميلاد، وكان غايوس أوكتافيوس أول حاكم روماني قبل سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476 للميلاد.

 أما نظيرتها الرومانية الشرقية أو الإمبراطورية البيزنطية فاستمرت لما يقارب 1000 سنة بعد سقوط الغربية وحتى سقوط القسطنطينية مركز الإمبراطورية عام 1453.

واعتبر التأريخ عموماً أن الإمبراطورية البيزنطية امتداد لسالفتها الرومانية الأصلية، وهناك أخرى امتدت طويلاً في الزمن قبل سقوطها مثل الصينية والفارسية والعثمانية، إلا أنها لم تضاه في استمراريتها الإمبراطورية الرومانية.

الولايات المتحدة وأفول الإمبراطوريات

في عصرنا الراهن تعتبر الولايات المتحدة الأميركية الأكثر نفوذاً وسيطرة على سائر المجتمعات البشرية، وأخليت الساحة تماماً للجيوش الأميركية وللطعام وللثقافة والعادات الاجتماعية الأميركية في كل مكان في العالم حتى في روسيا قبل حرب أوكرانيا، وتمتد الثقافة الأميركية اليوم إلى داخل المجتمع الصيني الشيوعي على رغم كل محاولات محاربتها ولو بالإغلاق والانكماش على الداخل الصيني والثقافة الصينية القديمة أو الشيوعية الحديثة، فالإمبراطورية الأميركية تملك كل الوسائل التي تخولها النفوذ داخل المجتمعات الأخرى، ليس أولها القدرات الاقتصادية والعسكرية، بل والتقنية التي كان آخرها شبكة الإنترنت، وهي وريثة عصر التلفزيون الذي ورث بدوره عصر السينما كوسائل للإعلام والإعلان والدعاية، وتسويق ثقافات وأفكار معينة ومبادئ موجهة في مواجهة غيرها من الأفكار حول العالم.

وبسبب  سيطرة الإمبراطورية الأميركية الهائلة التي تسمى في علم السياسة اليوم "الإمبريالية"، فإن أعداء أميركا أو الباحثين المحايدين يقولون إن هذه الإمبراطورية إلى أفول كما كان حال سابقاتها، فكل قوة إلى ضعف وكل سطوة مطلقة إلى انحلال تام، وهذه النتائج مستندة إلى تجارب الإمبراطوريات السابقة التي تبدأ من الصفر ثم تصل إلى عصرها الذهبي ثم تبدأ بالانحلال استناداً إلى نظرية عالم الاجتماع العربي ابن خلدون الذي كان أول من بحث في نشوء الأمم والإمبراطوريات وأفولها، وفي تحديد أسباب هذا النشوء والقوة ومن ثم الضعف، كما هو حال الفرد البشري، وباتت مقدمة ابن خلدون التي تتناول هذا الموضوع واحدة من الأسس العلمية لعلوم السياسة والاجتماع حول العالم.

مسار نشوء الأمم 

يعتبر ابن خلدون أن المجتمعات تمر بخمس مراحل من التطور، هي البدائية ثم الزراعية، ومنها إلى الحضرية المتمدنة ثم التجارية وبعدها المتخصصة، ومع تطور علوم السياسة والاجتماع خلال الفترة اللاحقة على نظرية ابن خلدون لم يعد قائماً اتفاق المؤرخين وعلماء الآثار المعاصرين على تعريف واحد للحضارة، بما في ذلك متى تبدأ الحضارة ومتى تنتهي؟

ويشكك كثير منهم فيما إذا كان يمكن قياس الحضارات بهذه الطريقة، خصوصاً أن هناك حضارات مديدة مرّ خلالها حكام أجانب أو غرباء عنها مثل الهكسوس في مصر القديمة أو المغول في الحضارة الإسلامية أو الرومان قبلهم في الحضارة الشرقية، والمصرية أيضاً في عصور البطالمة، ولهذا لا يعود من الممكن تحديد ما إذا يمكن اعتبار هذا الحكم المستجد على إمبراطورية قائمة امتداداً لعمر هذه الحضارة أو انقطاعاً لها، ولهذا يصبح حصر أعمار الحضارات بعقود وقرون ثابتة محددة أمراً خاضعاً لوجهة نظر الباحث أو المؤرخ أو عالم الاجتماع الذي يتناول هذا الموضوع في بحثه، وغالباً ما ينحاز مؤرخو الحضارة نفسها إلى طول عمرها مهما تكن هوية الحاكم، فمثلاً يعتبر عمر الحضارة الإسلامية المنطلقة من شبه الجزيرة العربية ما يقارب 1400 سنة، على رغم أن الإمبراطوريات التي حملت لواء الإسلام وحكمت خلال هذه القرون قد تختلف أحياناً في هويتها الإثنية أو العرقية أو الجغرافية اختلافاً كبيراً عن حكام الفترة السابقة، فالمماليك الذين حكموا خلال وبعد الإمبراطورية العثمانية هم من الأتراك والمرتزقة الذين تم جمعهم من أنحاء الإمبراطورية، وعلى رغم ذلك تم اعتبار عصر المماليك امتداداً للحضارة الإسلامية العربية.

عمر الإمبراطوريات

ومن جهة أخرى فإذا اتبعنا مقاييس استخدام الكتابة وإنشاء المدن ومتابعة واستمرار تقاليد معينة ومشتركة لتحديد عمر إمبراطورية ما، فيمكننا القول إن الحضارة الصينية قد تكون الأطول عمراً من بين قريناتها، ومع ذلك فإن كيفية قياسه أمر متنازع عليه، فمثلاً لو أخذنا الكتابة الصينية كأصل لعمر الحضارة الثانية فإن الأحرف نفسها التي كانت تكتب على رقع العظام قبل 3 آلاف سنة لا تزال تكتب على شاشة الكمبيوتر اليوم، وعلى رغم مرور سلالات كثيرة على حكم الإمبراطورية الصينية فإن اللغة الرسمية لم تختلف إلا بصورة بسيطة، فهل نقيس عمر الحضارة الصينية باللغة أم بالسلالات الحاكمة؟

لكن المعيار نفسه لا يمكن استخدامه في مكان آخر، كما قال عالم الاجتماع اللغوي فلاد، فمثلاً تنسب أقدم كتابة في الأميركيتين إلى الـ "أولمكس" حوالى 900 قبل الميلاد، وكانت الكتابة معروفة أيضاً للـ "مايا" بعد حوالى 250 قبل الميلاد، لكن الـ "إنكا" الذين حكموا أجزاء من أميركا الجنوبية لمدة 400 سنة حتى الغزو الإسباني في القرن الـ 16 لم يكن لديهم لغة مكتوبة على رغم أنهم استخدموا الرموز للتدليل على الأشياء والمعاني، ولهذا هل يمكن القول إن حضارات الأميركيتين واحدة متناسلة بناء على العرق الحاكم وهو نفسه؟ أم بناء على اللغة وهي مختلفة حد التناقض؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعد الحضارة المصرية القديمة ثم بلاد ما بين النهرين أطول الحضارات عمراً من بعد الحضارة الصينية، وقياساً إلى مدة حكم الفراعنة الأوائل واستخدام الكتابة الـ "هيروغليفية" حتى حضور المسيحية القبطية وقبلها الـ "هلنستية" يمكن القول إن عمر هذه الحضارة 3 آلاف سنة، ففي بلاد ما بين النهرين بدأت الكتابة السومرية عام 3200 قبل الميلاد، وربما استمرت عبادة آلهة بلاد ما بين النهرين حتى القرن الثالث الميلادي.

 ويقول أمين المجموعات في القسم البابلي من متحف بنسلفانيا في فيلادلفيا فيليب جونز إن "ما يعنيه معظم الناس بعبارة الحضارة ومعناها ومضمونها يجب أن يفهم على أنه استقراء عمومي من زاوية نظر عالية أو مرتفعة، بينما يتغير هذا المفهوم حين يتم النظر إليه بصورة أكثر تفصيلاً أو من زاوية قريبة".

وبناء على هذه الأمثلة يمكننا الاستنتاج أن عمر الإمبراطورية يحدد بحسب زاوية النظر التي ينظر فيها إليها، فلغوياً قد يمتد عمرها طويلاً، ولكن بناء على الأسر الحاكمة قد يقصُر عمرها كثيراً، فمثلاً لو اعتبرنا أن الإمبراطورية السوفياتية الشيوعية امتداد للإمبراطورية القيصرية فإن عمرها سيختلف عما لو اعتبرنا أن كل واحدة من هاتين الإمبراطوريتين مختلفة عن الأخرى.

الإدارة الفعالة والقوة العسكرية

شكلت الإمبراطوريات الناجحة أنظمة إدارية قوية شملت فرض الضرائب بكفاءة وتطوير البنية التحتية والقدرة على الحفاظ على النظام عبر الأراضي الشاسعة، وللحفاظ على أي نوع من المكتسبات المتحققة أثناء تقدم وتطور نواة إمبراطورية معينة كان على الجيش أن يكون قوياً بالضرورة لحماية حدود الإمبراطورية، والدفاع عنها ضد التهديدات الخارجية والتوسع في الأراضي عند الضرورة، ثم يأتي بعد الاستقرار وتحقيق الأسس الأولى لانطلاق إمبراطورية هائلة الحجم والقوة السماح للثقافات والأديان المتنوعة بالتعايش داخل حدودها، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويمنع الاضطرابات الداخلية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير