Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تكتيكات بوتين لإنهاك الغرب والنصر على أوكرانيا

تتمتع موسكو بتفوق جوي كبير لكن أكبر مشكلة تواجه كييف "القنابل الموجهة"

لا تخفي القيادات العسكرية الأميركية والأطلسية قلقها من احتمال أن يؤدي تراكم الانتصارات التكتيكية الروسية في ساحة المعركة إلى انهيار الجبهة الأوكرانية (أ ب)

ملخص

اقتراح بوتين تعيين الاقتصادي "البلشفي" أندريه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع كان غير متوقع لكنه عملي للغاية بالنسبة إلى بلد يستعد للقتال لأعوام عدة أخرى.

مع مرور ثلاثة أشهر من العام الثالث للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، يمكن القول إن الأحداث التي بدأت في فبراير (شباط) 2022، مثل أي حرب كبرى في القرون الأخيرة، أدت إلى انهيار كثير من الأفكار والنظريات والمرجعيات في المجالين السياسي والعسكري، فالمخططون والمبادرون والمشاركون الرئيسون والمراقبون من الجهات كافة عاينوا وشاهدوا وفوجئوا بما لم يخططوا له أو يتوقعوه، فهذه الحرب التي كان المتخصصون والمراقبون يتوقعون أن تضع أوزارها خلال أسابيع أو أشهر قليلة على الأكثر امتدت لأعوام وقد تستمر لفترة أطول، لذلك يطرح المحللون العسكريون سؤالاً صعباً ومعقداً، هل يمكن للقوات الروسية أن تحقق بعمليات القضم التكتيكي ومناورات استنزاف قدرات القوات الأوكرانية تدريجاً نصراً عجزت عن تحقيقه بأسلوب الاجتياح الشامل الصاعق الذي شنته اعتباراً من الـ24 من فبراير (شباط) 2022؟

حالياً تتجه كل الأنظار نحو الوضع في شرق وشمال شرقي أوكرانيا، بخاصة في اتجاه مدينة خاركيف حيث تدور معارك شرسة بين القوات الروسية والأوكرانية منذ 10 أيام، يحقق فيها الجيش الروسي تقدماً تكتيكياً ملاحظاً على رغم الدعم العسكري السخي الأخير الذي أعلنته الولايات المتحدة، والمتمثل في تمويل إضافي يبلغ 60 مليار دولار لكييف، ويأتي في وضع حرج جداً تواجهه القوات الأوكرانية التي عانت منذ ما قبل مطلع العام الحالي نقصاً حاداً في الذخيرة والمدرعات والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي.

ولا تخفي القيادات العسكرية الأميركية والأطلسية عامة قلقها من احتمال أن يؤدي تراكم الانتصارات التكتيكية الروسية المتوالية في ساحة المعركة إلى انهيار الجبهة الأوكرانية وتداعي المقاومة على خطوط التماس بفعل تساقط أحجار الدومينو الواحد تلو الآخر، لذلك شرع الـ "بنتاغون" بتسريع عمليات تسليم الذخيرة والصواريخ للقوات الأوكرانية ونقلها على عجل إلى خط المواجهة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من معنويات الجنود الأوكرانيين وحماية المدنيين.

أما بالنسبة إلى الدفاع الجوي ومقاتلات "أف-16" الأميركية الموعودة بها أوكرانيا من دول عدة والتي تعتبرها كييف بالطبع أولوية قصوى، فإن تسليمها سيتأخر لأشهر عدة بسبب البحث المضني الذي تقوم به الإدارة الأميركية بهدف العثور على مزيد من أصول الدفاع الجوي وتسليمها إلى أوكرانيا.

خاركيف ليست هدفاً

وعلى رغم احتدام المعارك في إقليم خاركيف وبلداتها وقراها وحولها، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه لا توجد خطط حالية لمهاجمة مدينة خاركيف التي تعتبر ثاني مدينة بعد العاصمة كييف في أوكرانيا، وعزا عمليات القوات المسلحة الروسية هناك إلى عميات القصف التي تمارسها القوات الأوكرانية من هذه المدينة الحدودية وضواحيها ضد المدن والمناطق الروسية المقابلة لها، والتي لا تبعد عنها سوى كيلومترات عدة.

وربط بوتين عملية القوات المسلحة الروسية في اتجاه خاركيف بإنشاء منطقة عازلة رداً على قصف القوات المسلحة الأوكرانية لمناطق داخل الأراضي الروسية، مؤكداً تحقيق القوات الروسية نجاحاً يومياً على هذه الجبهة.

 

 

وتمكن الجيش الروسي من اختراق دفاعات القوات المسلحة الأوكرانية في دونباس وقصف خاركيف، وضرب منشآت الطاقة في جميع أنحاء أوكرانيا.

هجوم القوات الروسية في منطقة قرية أوشيريتينو لم يتحول بعد إلى تقدم عميق للغاية، لكنه يظهر إرهاق الجيش الأوكراني وتزايد تعبه.

قدرة الجيش الروسي على الاستجابة للأزمات والاستفادة منها

حدث هذا في وقت وافقت فيه الولايات المتحدة بعد تأخير لأشهر عدة على تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، وهنا يبقى التساؤل حول مدى تأثير تلك المساعدة في قدرة كييف على صد تقدم موسكو، وما إذا كان الجيش الروسي بدوره سيكون قادراً ليس فقط على الرد على ضعف القوات المسلحة الأوكرانية وتنفيذ عملية واسعة النطاق، وبمعنى آخر هل ستتغير طبيعة الحرب في المستقبل القريب؟

تبين الوقائع على أرض الميدان أن خسارة ضاحية أفدييفكا في دونيتسك خلال فبراير الماضي كانت بمثابة نكسة أكبر للجيش الأوكراني، ففي نهاية أبريل (نيسان) الماضي اخترقت القوات الروسية خط الدفاع في منطقة قرية أوشيريتينو التي تراجعت عنها قوات كييف، فيما يتواصل الضغط عليها للانكفاء أكثر فأكثر.

ويواصل الروس بعد الاستيلاء على أوشيريتينو التقدم غرباً نحو بلدة بوكروفسك، لكنهم قد يحاولون أيضاً التوجه شمالاً نحو تشاسوف يار لتطويق القوات الأوكرانية في المنطقة المجاورة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الأثناء كتب القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية ألكسندر سيرسكي في قناته على "تيليغرام" أن "العدو حقق نجاحات تكتيكية معينة، لكنه لم يتمكن من تحقيق ميزة تشغيلية إستراتيجية"، لكننا نشهد تصعيداً خطراً إلى حد ما للوضع، وقد ينتهي بانهيار خط الدفاع الأوكراني بأكمله في اتجاه بوكروفسك.

النجاح التكتيكي

ومن الغريب أنه على رغم خطورة الوضع في منطقة قرية أوشيريتينو فإن حجم التقدم الروسي في هذا القطاع من الجبهة يمكن وصفه الآن بأنه نجاح على المستوى التكتيكي أكثر منه على المستوى العملياتي.

وفي المقاييس الجغرافية حتى لو أخذنا كامل الأراضي التي استولت عليها القوات الروسية منذ بداية الهجوم على أفدييفكا، وقمنا بقياس المسافة بين أبعد النقاط من الجزء الجنوبي الشرقي من أفدييفكا إلى ضواحي نوفو ألكساندروفكا التي وصل إليها الروس بحلول منتصف مايو (أيار) الجاري، سنحصل على ما يزيد قليلاً على 23 كيلومتراً من التقدم في العمق الأوكراني، وهذا يعني أن القوات الروسية تتقدم مئات الأمتار يومياً، ومن الصعب أن نسمي تقدماً بهذه الوتيرة تقدماً سريعاً للقوات الروسية.

وإضافة إلى أوشيريتينو تتقدم القوات الروسية أيضاً في اتجاهات أخرى، وفي نهاية أبريل الماضي وبداية مايو الجاري هاجمت منطقة كوبيانسك وتشاسوف يار.

لكن هذه النجاحات ليست حتى الآن بالحجم والوتيرة التي يمكن القول إن حرب الاستنزاف انتهت فيها واتخذت شكل حرب المناورة، ويقول المحلل العسكري فياتشيسلاف غونيينكو "تحاول القوات الروسية تطوير نجاحاتها التكتيكية إلى نجاحات عملياتية تكتيكية، لكن من هنا لا يزال الطريق طويلاً لتغيير طبيعة الحرب ككل".

ولا علاقة لتقدم الجيش الروسي بوتيرة الهجوم في بداية حرب أوكرانيا أو الهجوم المضاد لكييف في صيف وخريف عام 2022 قرب إيزيوم، والذي أصبح الهجوم الحاسم الأخير في هذه الحرب، وفي ذلك الوقت كان يتم قياس تقدم القوات بعشرات الكيلومترات.

علاوة على ذلك أكد نائب رئيس مديرية الاستخبارات الرئيسة بوزارة الدفاع الأوكرانية فاديم سكيبيتسكي خلال مقابلة مع مجلة "إيكونوميست" أواخر أبريل الماضي، أن روسيا تستعد في مايو الجاري ويونيو (حزيران) المقبل لضربة أكبر في منطقتي خاركيف وسومي.

 

 

ومن الواضح الآن أن المبادرة العسكرية على الجبهة بيد القوات الروسية، وليس سكيبيتسكي وحده من يخشى هجوماً جديداً، فكثير من المتخصصين يحذرون من هذا الأمر، وصحيح أن هناك كثيراً من الأسئلة في تفكيرهم، وهي لا تتعلق بالزمان والمكان وحسب، بل تتعلق أيضاً بما إذا كانت روسيا تمتلك القوة الكافية لشن هجوم كامل وواسع النطاق يؤدي إلى اختراقات كبيرة على خطوط الجبهة الأوكرانية الواسعة.

وتعترف القيادة الأوكرانية بأن الوضع صعب ولكنها تقول إنه يمكن السيطرة عليه، وتشير إلى تمكن القوات المسلحة الأوكرانية من وقف تقدم "العدو"، وهي في الوقت نفسه تسترشد بموقف جنرالات أميركيين لا يؤمنون بإمكانات روسيا الهجومية وقدرة جيشها على تحويل نجاحاته التكتيكية إلى نصر إستراتيجي، ومع ذلك تفتقر القوات الأوكرانية إلى الأسلحة والأفراد لصد الهجمات على جبهات عدة، وتعد الولايات المتحدة بالمساعدة الفورية وخصصت ملياري دولار لهذا الغرض.

 وفي الوقت نفسه يبحث الرئيس الروسي عن المساعدة في الصين لذلك اصطحب بوتين معه إلى بكين جميع الوزراء الرئيسين في حكومته لزيارة شي جينبينغ في الـ 15 من مايو (أيار) الجاري.

أوكرانيا تتحول لوضع الدفاع

خلال الأيام الأخيرة تمكنت القوات الأوكرانية من تحقيق الاستقرار في الوضع بهجوم الجيش الروسي في شمال منطقة خاركيف، ووفقاً لرئيس البلاد فلاديمير زيلينسكي فقد تقدم الجيش الروسي مسافة 10 كيلومترات، وبسبب الوضع الحالي ألغى زيلينسكي زياراته إلى إسبانيا والبرتغال، وقد كان من المقرر التوقيع على اتفاق أمني ثنائي في الـ17 من مايو الجاري في مدريد.

وقال زيلينسكي إن "الشيء الرئيس اليوم هو أن قواتنا الدفاعية نجحت في استقرار الوضع اليوم، ونجحت في تثبيت استقرار الروس حيث هم الآن، وأعمق نقطة لتقدمهم هي 10 كيلومترات".

كما ذكر المعهد الأميركي لدراسة الحرب أن وتيرة العمليات الهجومية الروسية في منطقة خاركيف مستمرة في الانخفاض، وبحسب المحللين، تمكن الروس من التقدم بما لا يزيد على 10 كيلومترات من الحدود في منطقة خاركيف، ومع ذلك تؤكد موسكو أن الهدف من الهجوم لم يكن الاستيلاء على منطقة خاركيف بأكملها. وقال الرئيس بوتين علناً "ليس لدينا في الوقت الحالي أي خطط للاستيلاء على خاركيف"، ويهدف هذا الهجوم، بحسب سيد الكرملين، إلى إنشاء "منطقة عازلة" هدد بتنظيمها في أبريل الماضي لإبعاد نار المدفعية وراجمات الصواريخ عن مدينة بيلغورود وضواحيها التي تقصفها القوات الأوكرانية دورياً، ولذلك قال بوتين "أما ما يحدث في اتجاه خاركيف فهو خطأهم أيضاً لأنهم يقصفون، وللأسف يواصلون قصف المناطق السكنية في المناطق الحدودية بما في ذلك بيلغورود، المدنيون يموتون هناك، ولقد قلت علناً أنه إذا استمر هذا الأمر فسنضطر إلى إنشاء مناطق أمنية عازلة، وهذا هو ما نقوم به، أما بالنسبة إلى خاركيف فلا توجد مثل هذه الخطط اليوم".

وفي وقت سابق أصبح من المعروف أن الجيش الأوكراني قد تخلى عن مواقعه في منطقة فولشانسك ولوكيانتسي، وقررت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية سحب الوحدات "للحفاظ على حياة العسكريين وتجنب الخسائر".

وفي فولشانسك، على رغم التصريحات حول استقرار الجبهة، تستمر عملية الإخلاء ويدور القتال في الضواحي الشمالية للمدينة، وبحسب المتحدث باسم الشرطة الإقليمية أليكسي خاركوفسكي فقد دمر ما يقارب 80 في المئة من المباني في المدينة.

 

 

وقال، "العدو قادم من الشمال ويتخذ مواقعه في أقصى ضواحي فولشانسك، وقواتنا المسلحة تحاول الرد، والقتال في الشوارع مستمر والوضع في فولشانسك صعب للغاية والعدو يتخذ مواقعه في شوارع المدينة".

ولا توجد خطط لإجلاء سكان خاركيف، وفقاً لرئيس بلدية المدينة إيغور تيريخوف، بل على العكس من ذلك يتدفق الناس إلى خاركوف من تلك البلدات التي تجري فيها الأعمال العدائية النشطة.

تكتيكات روسية مبتكرة

في الوقت نفسه تستخدم القوات الروسية تكتيكات جديدة باستخدام مجموعات هجومية صغيرة مكونة من خمسة أشخاص لاختراق المواقع الأوكرانية، وبعد ذلك تتحد مع مجموعات صغيرة أخرى لتكوين قوات هجومية أكبر، لكن المحللين يشيرون إلى أن مثل هذه التكتيكات ترتبط بخسائر كبيرة وتباطؤ في الوتيرة الإجمالية للهجوم.

ووفقاً للقوات المسلحة الأوكرانية فإن القوات الروسية تفقد نحو 2000 جندي يومياً، وعلى رغم عدم إمكان التحقق من هذه الأرقام إلا أن انخفاض وتيرة الهجوم يشير بشكل غير مباشر إلى خسائر كبيرة في صفوف قوات موسكو.

وعلى خط مواز يبدو أن واشنطن تحاول التعويض عن تجميد إمدادات المساعدات العسكرية إلى كييف لستة أشهر تقريباً، وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي زار العاصمة الأوكرانية قبل 10 أيام تخصيص ملياري دولار أخرى لأوكرانيا على خلفية الهجوم الروسي في منطقة خاركيف.

وفي وقت سابق أصبح من المعروف أن الولايات المتحدة تدرس إمكان إرسال بطارية باتريوت أخرى إلى أوكرانيا، ويعمل حلفاء أوكرانيا الأوروبيون أيضاً على خطط لإرسال أنظمة دفاع جوي إضافية إلى كييف من مخزوناتهم، وقد وافقت ألمانيا على تزويد كييف بنظام باتريوت آخر.

وفي الوقت نفسه قال بلينكن أيضاً إن الرئيس الأميركي جو بايدن قد يلتقي فلاديمير زيلينسكي خلال الأسابيع المقبلة، وفي هذا السياق أشار وزير الخارجية إلى أنه سيتم التوقيع على اتفاق ثنائي في شأن الضمانات الأمنية بين واشنطن وكييف، مما يعني تخصيص المساعدة للعقد المقبل، ووفقاً له فإن "العمل الشاق" لإعداد الاتفاق قد تم بالفعل.

وقال بلينكن، "أعتقد أننا سننتهي قريباً جداً من صياغة نص الاتفاق، وأعتقد أننا سنتمكن من التوقيع عليه في غضون أسابيع قليلة، وإن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بضمان فوز أوكرانيا في هذه الحرب، وأعتقد أننا أثبتنا ذلك من خلال الدعم الاستثنائي الذي قدمناه ولا نزال نقدمه".

تفوق جوي روسي

وأكد الوزير الأميركي أن الولايات المتحدة تركز على إرسال أنظمة صواريخ باتريوت وغيرها من أنظمة الدفاع الجوي المهمة إلى أوكرانيا، ففي السابق قال الرئيس زيلينسكي إن بطاريتين من طراز باتريوت ستكونان كافيتين لتغطية منطقة خاركيف، ومع ذلك فإن إغلاق السماء الأوكرانية بالكامل سيتطلب جهداً أكبر بكثير من جميع الحلفاء.

وتتمتع روسيا بتفوق جوي كبير وتستخدم الطيران بنشاط لدعم هجوم قواتها، لكن أكبر المشكلات التي تواجه القوات المسلحة الأوكرانية هي القنابل الجوية الموجهة التي تدمر المواقع المحصنة لقواتها، مما يجبرها على الانسحاب، ولمكافحتها تحتاج القوات المسلحة الأوكرانية إلى أنظمة دفاع جوي قادرة على ضرب طائرات العدو خلف خط المواجهة.

 

 

القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا الجنرال كريستوفر كافولي اعتبر عقب اجتماع اللجنة العسكرية لـ"الناتو" في بروكسل أن الهجوم الروسي في منطقة خاركيف لن ينجح لأن الجيش الروسي يفتقر إلى "المهارات والقدرات" للاستفادة من أي اختراق.

وقال، "ليس لدى الروس ما يكفي من القوات لتحقيق اختراق إستراتيجي، نحن لا نؤمن بهذا، وعلاوة على ذلك فإنهم لا يملكون المهارات والقدرات اللازمة للقيام بعملية كبيرة للاستفادة من أي اختراق محلي لتحقيق ميزة إستراتيجية، وأنا على اتصال وثيق مع زملائنا الأوكرانيين وأنا واثق من أنهم يسيطرون على الوضع، ولا نرى عدداً كبيراً من الاحتياطات تشكل في أي مكان".

أمد الحرب ودور الصين

عارضت الصين وروسيا إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، جاء ذلك في البيان المشترك الذي صدر عقب القمة الروسية الصينية التي عقدت في بكين بمشاركة زعيمي البلدين، فقيام بوتين بأول زيارة له إلى الصين بعد تنصيبه رئيساً يشير حقاً إلى حاجته لمساعدة صديقه العزيز شي جينبينغ.

وأشار الطرفان إلى ضرورة وقف أي خطوات من شأنها أن تسهم في إطالة أمد الأعمال العدائية وزيادة تصعيد النزاع، ودعيا إلى منع انتقاله إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها، وأكدا أهمية الحوار باعتباره الشكل الأمثل لحل الأزمة الأوكرانية.

وعشية توجهه إلى الصين أوضح فلاديمير بوتين حرفياً أنه يرحب بمشاركة الصين في التسوية الدبلوماسية للأزمة ويدعم خطة بكين للسلام في أوكرانيا، مضيفاً "نحن نقيم بشكل إيجابي نهج الصين في حل الأزمة الأوكرانية، وبكين تتفهم أسبابها الجذرية وأهميتها الجيوسياسية العالمية جيداً".

صحيح أن التسوية الدبلوماسية تعني من وجهة نظر موسكو تنازلات إقليمية من جانب كييف ورفض المسار الأوروبي الأطلسي في مقابل ضمانات صينية - روسية لكييف، واستقبال الرئيس الروسي في العاصمة الصينية بوابل من المدافع يدل على ما يبدو على تصريح رئيس جمهورية الصين الشعبية نفسه الذي أكد أن العلاقات بين روسيا والصين أصبحت "معيار العلاقات بين القوى الكبرى"، كما أعرب بوتين الذي تحدث وجهاً لوجه مع نظيره مدة ساعتين ونصف الساعة عن ثقته في أن التحالف بين موسكو وبكين هو "أحد عوامل الاستقرار الرئيسة على الساحة الدولية"، وقال سيد الكرملين "إننا نعمل معاً لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدالة وديمقراطية".

وبالمناسبة خصص رئيسا الدولتان محادثة منفصلة للصراع في أوكرانيا وسبل حلها، وبناء على نتائجها أصبح من الواضح أن شي جينبينغ يشاطر نظيره الروسي مخاوفه في شأن هيمنة الغرب على العمليات السياسية العالمية.

وفي الوقت نفسه تحدث رئيس الصين بشكل مباشر على غير العادة بأنه "في عالم اليوم لا تزال عقلية الحرب الباردة متفشية، وإن الهيمنة الأحادية ومواجهة الكتل وسياسات القوة تهدد بشكل مباشر السلام العالمي وأمن جميع البلدان".

وقبل بدء الحرب في أوكرانيا مباشرة وقّع بوتين الذي زار بكين آنذاك على بيان مشترك مع شي جينبينغ حول "الصداقة بلا حدود والتعاون بلا مناطق محظورة"، معلناً أن كل هذا "ليس موجهاً ضد دول ثالثة"، والآن بعد مرور أكثر من عامين تعرب الولايات المتحدة عن شكاوى ضد الصين في شأن هذه القضية على وجه التحديد، فهي تساعد الكرملين في القتال في أوكرانيا والتحايل على العقوبات الغربية.

وعلى خلفية حقيقة أن التهديد بفرض عقوبات أميركية يلوح في الأفق على البنوك الصينية، فقد أصبحت أكثر حذراً في شأن المدفوعات الروسية، ونتيجة لذلك فقد انخفضت الصادرات الصينية إلى روسيا في الشهرين الماضيين، على رغم نمو التجارة بشكل مطرد حتى الآن، إذ سجلت مستوى قياسياً بلغ 240 مليار دولار في العام الماضي، والآن وبما أن بوتين اصطحب معه جميع الوزراء الرئيسين، بما في ذلك الكتلة الاقتصادية، إلى بكين، فإن مسألة أفضل السبل لإخفاء التدفقات المالية والتجارية بين البلدين عن الأميركيين ربما تكون واحدة من المسائل الرئيسة.

وحصة الروبل واليوان في التعاملات التجارية الروسية الصينية تتجاوز بالفعل 90 في المئة، ويستمر هذا الرقم في النمو مما يعني أنه يمكننا القول إن التجارة والاستثمار المتبادلين محميان بشكل موثوق من تأثير الدول الثالثة والاتجاهات السلبية في أسواق العملات العالمية، وفي هذا السياق تواصل روسيا والصين تعزيز الاتصالات بين المؤسسات الائتمانية والمصرفية والاستخدام النشط لأنظمة الدفع الوطنية لخدمة المشغلين الاقتصاديين.

وبعد بداية الحرب تراجعت قدرة روسيا على الوصول إلى الأسواق الغربية والتكنولوجيا والائتمان بشكل حاد، والآن يبحث الكرملين عن نظائرها في الصين، لكن التحول الاقتصادي على نطاق واسع في ظروف الحرب، وفقاً للمتخصصين، أمر صعب.

إن الصين غير قادرة على استبدال التقنيات الغربية والإلكترونيات المتقدمة بشكل كامل، وعلاوة على ذلك فإنها تستفيد من موقف روسيا بعد أن حرمت نفسها من المنافسين، وهكذا تشتري بكين النفط الروسي بسعر مخفض، وتبيع السيارات الصينية لروسيا من دون أية تفضيلات، كما أن موسكو غير قادرة على المضي قدماً في خط أنابيب الغاز الجديد "قوة سيبيريا-2".

وتستمر المفاوضات في شأن هذه المسألة منذ أعوام عدة من دون نتائج واضحة، ويعتقد المحللون أن خط أنابيب الغاز سيساعد روسيا في التعويض جزئياً عن خسارة السوق الأوروبية، ومع ذلك فإن الصينيين ليسوا في عجلة من أمرهم، وإذا حكمنا من خلال حقيقة أن رئيس شركة "غازبروم" لم يكن في عداد الوفد الذي رافق بوتين إلى بكين، فهذا يعني أن توقيع تأخر هذه المرة أيضاً.

 

 

لكن الموضوع الرئيس، إذا حكمنا من خلال حقيقة أن بوتين دعا وزير الدفاع الجديد أندريه بيلوسوف، وسلفه سيرغي شويغو، وكذلك وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى المفاوضات بصيغة ضيقة، يعني أن المحادثات دارت بشكل أساس حول المجال العسكري.

ومن الواضح أن الزعيم الروسي لا يرى أفقاً قريباً لانتهاء الحرب في أوكرانيا، وهو يحاول الفوز في الصراع من طريق استنزاف أوكرانيا والغرب من ورائها تدريجاً وليس بهجوم شامل كامل واجتياح صاعق.

الإنذار النهائي

وقال بوتين لنظيره الصيني "إن النخب الغربية بقيادة الولايات المتحدة ترفض احترام التنوع الحضاري والثقافي وترفض القيم التقليدية التي تشكلت على مدى قرون، وفي محاولة للحفاظ على هيمنتهم العالمية انتحلوا لأنفسهم الحق في إخبار الدول الأخرى بمن يمكنهم أن يكونوا أصدقاء وأن يتعاونوا معهم، ومن لا يمكنهم أن يكونوا أصدقاء وأن يتعاونوا معهم".

وتابع، "نحن بالطبع نحلل الآن كل ما يحدث في هذا الصدد في هذا الاتجاه، وننظر بالطبع إلى ما يحدث حول الاجتماع الذي أعلنه الجميع في سويسرا، وفي رأيي أنهم يجتمعون هناك، وبطبيعة الحال لن نناقش أي صيغ لا نعرفها، لكننا لم نرفض المفاوضات قط على عكس الجانب الأوكراني، وهم الذين انسحبوا من عملية التفاوض وأعلنوا أنهم سيلحقون بنا هزيمة استراتيجية، وقالوا إننا سنقاتل حتى النهاية، وفي الواقع ليس حتى النهاية، بل حتى آخر أوكراني".

وتابع، "فعل الغرب كل ذلك بأيديهم ولدينا أساس عملية التفاوض، وما اتفقنا عليه في إسطنبول، وما وقع عليه رئيس الوفد الأوكراني فعلياً في مقتطف من هذه الوثيقة الضخمة، ولقد وقع عليه بالأحرف الأولى ولدينا الوثيقة ولدينا توقيعه، فما هي الشروط الإضافية الأخرى التي لم نسمع عنها أو نعرف عنها أي شيء من قبل؟ معنى هذا الحدث واضح، اجمعوا أكبر عدد ممكن من الدول ثم أعلنوا ما اتفق عليه مع الجميع ثم اعرضوه على روسيا كمسألة  حلت بالفعل كإنذار نهائي، ومثل هذه التطورات لن تحدث".

وقبل أيام فقط من زيارة بوتين لبكين كان شي جينبينغ يزور فرنسا، وطلب منه رئيس الجمهورية الخامسة إيمانويل ماكرون مرة أخرى التأثير في بوتين وإثناءه عن تصعيد الحرب في أوكرانيا، ورداً على ذلك هدد الزعيم الصيني قائلاً "إذا عاقب الغرب بكين باعتبارها حليفاً لموسكو فستحدث حرب باردة جديدة".

تصعيدان كلامي وعسكري متزامنان

وفي مؤتمر صحافي في ختام زيارته إلى الصين قال بوتين صراحة، "لقد خُدعنا والآن يتعين علينا أن نفهم مع من نتعامل وكيف نتعامل معهم؟ وإلى أي مدى يمكننا الثقة بهم؟ إن كييف ورعاتها الغربيين ألقوا بجميع الاتفاقات المتعلقة بالحل السلمي للصراع في سلة المهملات، وقرروا أنهم في حاجة إلى هزيمة روسيا إستراتيجياً في ساحة المعركة".

ومن بين ما قاله بوتين أيضاً "إن روسيا لم ترفض أبداً المفاوضات إلا أن هناك أساساً لعملية التفاوض وهو اتفاقات إسطنبول، والأوكرانيون يريدون فرض إنذار نهائي على روسيا في شأن أوكرانيا لكنها محاولات ستبوء بالفشل، تماماً مثل محاولاتهم هزيمة روسيا".

وشدد بوتين على أنه من المستحيل مناقشة صيغة السلام الأوكرانية المبنية على الأحلام وليس على الواقع الحقيقي على الأرض، قائلاً "إنهم في كييف لا يستطيعون رؤية أن إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا لا تدخل ضمن نطاق إمكاناتهم".

ومضى في حديثه، "إنفاقنا على الدفاع والأمن ليس بحال حرجة الآن مع الأخذ في الاعتبار حال الاقتصاد والتوقعات، ويعتقد عدد من المتخصصين أنه من الممكن زيادة الإنفاق الدفاعي الروسي حتى أعلى من 8.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي".

 

 

وتابع أن "وزير الدفاع الجديد أندريه بيلوسوف قادر على تنسيق أنشطة وزارة الدفاع مع جميع الإدارات والمناطق، ويجب عليه فتح وزارة الدفاع على مجالات الابتكار، على رغم أن وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو قد اتخذ الخطوات الأولى في هذا الصدد، فمن الضروري تركيز الموارد الإدارية في روسيا على تنفيذ المهمة الرئيسة وهي تحقيق نتائج العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا".

وقال بوتين رداً على سؤال حول الشروط التي يمكنه بموجبها المشاركة في مؤتمر سويسرا حول أوكرانيا لو تمت دعوته، "السياسة لا تقبل الصيغ الشرطية".

 لافروف

وفي السياق أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد موسكو لنزال الغرب في ساحة المعركة إن قرر حل أزمة أوكرانيا بالقوة، وأضاف في كلمة أمام مجلس الاتحاد خلال بحث إعادة تكليف الرئيس فلاديمير بوتين له بحقيبة الخارجية، "إذا أرادوا النزول إلى ساحة المعركة فلينزلوها"، مشيراً إلى أن سويسرا كانت دولة محايدة حقاً، لكنها الآن انحازت بالكامل إلى أوكرانيا.

ولفت إلى أن موسكو صرحت مراراً وأعربت عن استعدادها للمفاوضات لكن "مع مراعاة الاعتراف بالواقع الجديد" على الأرض.

وشدد على أن ما يسمى بالمؤتمر حول أوكرانيا في سويسرا يهدف إلى صياغة إنذار نهائي لروسيا، إذ يركز على صيغة زيلينسكي ويتجاهل المبادرات الأخرى، بما فيها مبادرة الصين لحل الأزمة.

واعتبر لافروف في مقابلة على قناة "روسيا-1" التلفزيونية أن الوقت قد حان لكي يدرك نظام كييف الحقائق على الأرض، ويتوقف الغرب عن التضحية بأوكرانيا لتحقيق أهدافه التي لن تتحقق.

وأعرب وزير الخارجية الروسي عن موافقته على التأكيد القائل إن أوروبا لن تكون على مدى جيل واحد في الأقل بمثابة شريك لروسيا، وقال لافروف في حديث خلال الجمعية الـ 32 لمجلس السياسة الخارجية والدفاع، "لا يمكنني إلا أن أوافق على ذلك، ونحن نشعر بهذا الأمر عملياً كل يوم تقريباً، وهناك كثير من الحقائق التي تتحدث لمصلحة مثل هذه التوقعات، ونعتبرها صحيحة".

ووفقاً للوزير لافروف فقد باشر الغرب بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد في الترويج لـ"أطروحة جديدة كاذبة بشكل علني" تتلخص في أن الرئيس فلاديمير بوتين "لن يتوقف عند أوكرانيا".

ويرى لافروف أن المرحلة الحادة من المواجهة العسكرية السياسية بين روسيا والغرب مستمرة بكل قوة، وتبدي الدول الأوروبية، وبخاصة المجاورة، القدر الأكبر من الحماسة المناهضة لروسيا خلال ذلك.

الحقيقة أول ضحايا الحرب المستمرة

ويستخدم الغرب أسطوانة مشروخة بخصوص التهديد الروسي الوهمي له لزيادة سباق التسلح وتشكيل الخطوط العريضة لتحالف عسكري أوروبي جديد يشمل عنصراً نووياً، ولذلك يجري السير على خط استعادة حجم جيوش الدول الأوروبية وتعزيز استعدادها القتالي ونقل المجمعات الصناعية العسكرية لدول الـ "ناتو" إلى وضع الحرب، وقد بدأ العمل الذي لا يزال في مرحلة المفاهيم لوضع ملامح تشكيل تحالف عسكري أوروبي بعنصر نووي، فتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون ورئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل وآخرين، حول حرب حتمية مع روسيا، كلها تشكل دلائل ملموسة على ذلك.

كما أن إعلان أمين عام الـ "ناتو" ينس ستولتنبرغ أن الحلف يخوض حرباً مع روسيا منذ عام 2014، يصب في مسار قرار البرلمان الأوروبي نفسه الذي اعتمده في أبريل الماضي، والذي يدعو إلى عدم الاعتراف بشرعية بوتين وتقليص جميع الاتصالات معه، باستثناء القضايا الإنسانية وإحلال السلام في أوكرانيا، وهذا القرار بشكل عام يشكل الواقع السياسي والقانوني الذي يعيشه الاتحاد الأوروبي في الواقع، مع كل التحفظات حول الدور الحقيقي للبرلمان الأوروبي في تحديد السياسات، لكن تصويت 493 عضواً لمصلحة القرار وامتناع 18 نائباً من التصويت ومعارضه 11 نائباً فقط له هي أرقام معبرة تماماً عن واقع الحال.

وقائع وآفاق

وبالطبع كان لدى القيادة الروسية قبيل بدء الحرب في أوكرانيا حساب بأنه سيكون من الممكن كسر إرادة العدو في المقاومة سريعاً، وكانت هناك عوامل مرتبطة باستخدام أساليب خاصة نجحت جزئياً في مكان ما، مما أدى إلى الاحتلال السريع للجزء الجنوبي من أوكرانيا، لكن هذا لم ينجح في كثير من الأماكن، ونتيجة لذلك لعبت الإمدادات التسليحية الغربية للجيش الأوكراني في مرحلة باكرة دوراً رئيسياً.

وبالنسبة إلى روسيا فإن الصراع في أوكرانيا هو حلقة واحدة من صراع كبير وطويل للغاية مع الغرب، ولذلك فإن السلطات الروسية تخشى بشدة من التسبب في أضرار جسيمة لاقتصادها، ونرى أنهم تمكنوا من الحفاظ على الاستقرار والديناميكيات الاقتصادية الإيجابية.

اقتراح بوتين تعيين الاقتصادي البلشفي أندريه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع كان قراراً غير متوقع، ولكنه عملي للغاية بالنسبة إلى بلد يستعد للقتال لأعوام عدة أخرى.

 

 

وبعد فشل الاجتياح الشامل في بداية الحرب صارت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا جزءاً من نشاطها الاقتصادي، أي إن الحرب أصبحت الآن منتظمة مثل هيكل الموازنة، مثل التغييرات في سعر الفائدة في البنك المركزي الروسي، مثل هذه الوقائع المرة دفعت بوتين لتعيين الاقتصادي أندريه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع.

بوتين بقراره هذا قد أمن الحرب باعتبارها اتجاهاً مهماً للنشاط الحكومي حتى تضع أوزارها بشكل أو بآخر، وكل شيء دخل مرحلة حرب الاستنزاف، وحرب الاستنزاف في الواقع تعني أن من يستطيع إنتاج مزيد من الموارد العسكرية والذخائر وما إلى ذلك يفوز.

وكان تعيين بيلوسوف بمثابة مفاجأة لكثيرين على رغم أنها ليست المرة الأولى في التاريخ الروسي التي يجد فيها مسؤول مدني نفسه على كرسي وزير الدفاع، إلا أن أندريه بيلوسوف مرشح غير عادي للغاية.

وجاء بيلوسوف إلى الخدمة المدنية في وقت متأخر نسبياً، نجل الاقتصادي السوفياتي ريم بيلوسوف، واصل مسيرته الأكاديمية، وفي عام 2000 أسس مركز التحليل والتنبؤ بالاقتصاد الكلي، وفي عام 2005 اشتهر بتقرير تنبأ فيه بالفعل بأزمة 2008 – 2009، وفي الوقت نفسه كان مستشاراً اقتصادياً لعدد من رؤساء الحكومات.

وبدأت مسيرة بيلوسوف المهنية في الحكومة عام 2006 حين أصبح نائب وزير التنمية الاقتصادية في عهد غيرمان غريف، وفي عام 2008 بدأ العمل بشكل وثيق مع فلاديمير بوتين، وتولى منصب رئيس دائرة الاقتصاد والمالية في حكومته، ثم كان وزيراً للاقتصاد ومستشاراً لبوتين والنائب الأول لرئيس الوزراء، أي الشخص الثاني في حكومة ميخائيل ميشوستين، وحتى رئيساً للوزراء بالنيابة أثناء مرض ميشوستين.

ويعد الانتقال من منصب الشخص الثاني في الحكومة إلى منصب وزير بمثابة خفض رسمي للرتبة، ولكن ليس في روسيا المحاربة عام، فترأس بيلوسوف القسم الذي تمر عبره التدفقات المالية الضخمة.

إنه صارم بلشفي وليس ليبرالياً على الإطلاق، لكن بوتين يحب بيلوسوف كرجل دولة، وفي رأيه أن الوزير الجديد سيسيطر بقوة ووضوح شديدين على ما يحدث في وزارة الدفاع، وسيعيد ترتيب الأمور بما في ذلك في الشؤون المالية والشؤون الاقتصادية المختلفة والعمليات العسكرية، إضافة لقضايا العرض وقضايا الدفع.

التعيينات الوزارية الأخيرة التي رأت النور هذا الشهر تشير إلى أن المجمع الصناعي العسكري أصبح قاطرة الاقتصاد الروسي بأكمله، وسيتم ضمان التفاعل الصحيح داخل النظام من قبل شخصين، بيلوسوف والنائب الأول الجديد لرئيس الوزراء دينيس مانتوروف، ولذلك نخلص إلى استنتاج أن روسيا لا تزال تستعد لمواصلة حرب الاستنزاف حتى إنهاك أوكرانيا وجعل الغرب بأكمله يشعر بالتعب والمرارة من هذه الحرب، فالوقت ليس في مصلحة أوكرانيا.

وبصرف النظر عما إذا كان الكونغرس الأميركي يقدم تمويلاً إضافياً لأوكرانيا أم لا، فإن المشكلات الرئيسة التي تواجه كييف لن تنتهي، وقد يكون لدى أوكرانيا نظام دفاع جوي أفضل، لكنها لن تكون قادرة على تنفيذ خطط الهجوم المضاد بسبب نقص القوى البشرية وخوف الغرب من إرسال قواته إلى أراضيها، وعدم استعداده لتمويل حربه فيها إلى ما لا نهاية.

المزيد من تحقيقات ومطولات