Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما ينبغي لإسرائيل فعله 

سيكون نزع سلاح "حماس" مكلفاً ولكنه ضروري من أجل السلام

"إذا افترضنا أن طرد "حماس" من غزة هو أمر قابل للتحقيق، فالأسئلة عما سيحدث بعد ذلك تفوق الإجابات..." (رويترز)

ملخص

سيكون نزع سلاح "حماس" مكلفاً ولكنه ضروري من أجل السلام: ما ينبغي لإسرائيل فعله 

بعد أن شنت "حماس" هجوماً شنيعاً وغير مبرر على الإسرائيليين في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، سجلت اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل منذ ما يفوق العقود الخمسة. وكانت الغالبية العظمى من القتلى الذين يزيد عددهم على 900 شخص، أشخاصاً مدنيين قتلوا بالرصاص في عقر دارهم أو أحرقوا حتى الموت عندما أضرمت النيران في منازلهم. واحتجز عدد كبير من الرهائن، بمن فيهم جدات وأمهات مع أطفال صغار، في عمل يتسم بالإرهاب والغلظة المتعمدة، هذا الهجوم غير المسبوق ترك إسرائيل في حال من الصدمة، لكنه في الوقت نفسه جعلها عازمة على إنهاء قدرة "حماس" على تهديد إسرائيل مرة أخرى، وحتماً سيكون رد فعل تل أبيب على ما جرى غير عادي. ومن خلال التسبب في ما سيشكل بحكم الضرورة هجمة ساحقة على قطاع غزة، رفعت "حماس" درجة المعاناة التي ألحقتها مراراً وتكراراً بالفلسطينيين طوال 20 عاماً تقريباً، إلى مستوى جديد.

كان من الممكن أن يكون هذا الوضع مختلفاً. في سبتمبر (أيلول) 2005، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون بانسحاب جميع الجنود والمستوطنين الإسرائيليين من قطاع غزة. وكان القرار التاريخي بالمغادرة يعني أن الفلسطينيين يستطيعون أخيراً تحديد مصير غزة. كانت لحظة مفعمة بالأمل، فبعد أن ظلت جهات أخرى غير فلسطينية تقرر مصير غزة على مدى عقود من الزمن، انتقلت المسؤولية إلى أيدي سكان غزة أنفسهم. وبدا من الممكن أن نتصور مستقبلاً يتمكن فيه قادة غزة من تحويل القطاع من مكان حاضن للإرهاب إلى نموذج أولي لدولة فلسطينية مسالمة وحديثة ومستقرة.

لكن "حماس" رفضت هذا المسار. وعلى رغم رحيل القوات والمستوطنين الإسرائيليين، استمرت في شن هجمات على إسرائيل، استهدفت فيها نقاط العبور بين غزة وإسرائيل مرات عدة في الأشهر الستة الأولى بعد الانسحاب. وفي الحقيقة، اعتبرت نقاط العبور تلك حيوية من أجل تدفق البضائع والأشخاص من وإلى غزة، وكانت مفيدة للفلسطينيين، لا للإسرائيليين، بيد أن هجمات "حماس" دفعت إسرائيل إلى تقليص عدد المعابر من ستة إلى اثنين. ودفع الفلسطينيون في غزة ثمن تصرفات "حماس".

وعلى رغم هجمات "حماس" على تلك المعابر، لم تفرض إسرائيل حصاراً على غزة إلى أن استولت "حماس" فعلياً على القطاع في عام 2007. وقبل ذلك بعام، هزمت "حماس" منافستها الفلسطينية حركة "فتح" في الانتخابات، بيد أن واشنطن ومعظم الدول الأوروبية رفضت التعامل مع "حماس" أو تقديم المساعدة لها وذلك لأنها رفضت قبول شروط الرباعية الدولية (الاتحاد الأوروبي، روسيا، الأمم المتحدة، الولايات المتحدة) من أجل الاعتراف بشرعيتها، وهي شروط متمثلة في نبذ العنف وقبول اتفاقيات أوسلو والاعتراف بإسرائيل. ثم، في يونيو (حزيران) 2007، أطاحت "حماس" السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" في انقلاب عسكري، واستولت على المؤسسات الحاكمة في غزة وأجبرت إسرائيل على إغلاق المعابر الحدودية ومنع الوصول الجوي والبحري إلى القطاع. ومرة أخرى، عانى الفلسطينيون أوقاتاً عصيبة.

في الحقيقة، يبدو أن "حماس" متخصصة في جعل الفلسطينيين يدفعون الثمن. منذ أن استولت على السلطة في غزة، أثارت صراعات مع إسرائيل في الأعوام 2008-2009، و2012، و2014، و2021، علماً أن الفترات الزمنية التي فصلت بين هذه الصراعات الكبرى، لم تخل من مناوشات محدودة مع الإسرائيليين. وبعيداً من تعزيز سيطرتها، فإن الأجندة الأساسية التي تعتمدها "حماس" في غزة تتلخص في تشييد بنيتها التحتية العسكرية وترسانتها العسكرية. لقد حفرت عشرات الأميال من الأنفاق تحت الأرض، ليس في سبيل توفير المأوى لشعب غزة بل من أجل حماية مقاتليها وأسلحتها، فيما كان بإمكانها عوضاً عن ذلك أن تستخدم الأسمنت والفولاذ والنحاس والخشب والأسلاك الكهربائية التي أسرفت في استعمالها من أجل بناء هذه الشبكة السفلية الضخمة، في مشاريع فوق الأرض ترمي إلى خدمة وتطوير واحدة من أفقر المناطق وأكثرها كثافة سكانية في العالم، لكن أولوية "حماس" هي تدمير إسرائيل، وليس إعمار غزة. إذاً، فأهداف "حماس" الأيديولوجية هي سلبية، وليست أهدافاً إيجابية قد تساعد الفلسطينيين. 

في الوقت الحالي، يتعين على إسرائيل أن تفكر في اتخاذ خطوات صعبة وبعيدة المدى، إذ لم يعد من الممكن الاكتفاء برد عقابي، تتبعه عودة إلى الوضع الراهن. لقد تحطمت الفرضية القائلة إن إسرائيل قادرة على التعايش مع "حماس" وتحمل الصراعات الدورية معها، إذ إن تل أبيب مصممة على منع "حماس" من تهديد الشعب الإسرائيلي مرة أخرى. والآن يعتقد الإسرائيليون من مختلف الانتماءات السياسية أنه لا بد من تدمير "حماس" كقوة عسكرية، وتحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح. من الآن فصاعداً، لن تقبل إسرائيل بأي هدنة مع "حماس".

لا هدنة بعد اليوم

كل صراع أثارته "حماس" مع إسرائيل أدى إلى تدهور الأوضاع في غزة، وذلك لأن "حماس" اعتبرت أن كل اتفاق لوقف إطلاق النار يجري التفاوض عليه مع إسرائيل هو فرصة لكسب الوقت من أجل إعادة بناء ترسانتها والاستعداد للجولة التالية. ليست "حماس" شريكاً في عملية السلام [ليست مهتمة بتحقيق السلام]، بل هي وكيل للحرب والدمار. ومن هذا المنطلق، فإن الحديث عن تطبيق خطة مارشال في غزة لم يكن ذا صدقية على الإطلاق، لأن الجهات المانحة الدولية والمستثمرين يدركون أن كل ما يبنى سيدمر على الأرجح في المرة القادمة التي تقرر فيها حركة "حماس" إشعال صراع جديد مع الإسرائيليين.

وإذا كان هناك أي شك في نوايا "حماس" في الماضي، فإن هجوم السابع من أكتوبر قد قضى على ذلك الشك بشكل قاطع. كانت المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تعتقد أن اهتمام "حماس" بالحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي، وحاجة سكان غزة إلى العمل في إسرائيل، يجعل لـ"حماس" مصلحة في الحفاظ على الهدوء النسبي مع إسرائيل وتجنب الصراعات الكبرى، ولكن تبين أن هذا الافتراض خاطئ. ومن خلال ارتكاب مذبحة وحشية في المئات من المدنيين العزل، أظهرت "حماس" أن العنف وحده هو ما يملي تحركاتها، وأنها لا تملك أي رؤية مستقبلية.

مراراً وتكراراً، تسببت "حماس" في معاناة الفلسطينيين.

"حماس" جماعة إرهابية، لا تتبع أجندة إيجابية، ولن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. إنها تفرض حياة مروعة على سكان غزة، وعرضتهم الآن لهجوم إسرائيلي مدمر. وعلى رغم الدعوات التي وجهتها الحكومة الإسرائيلية إلى سكان غزة لمغادرة أجزاء معينة من القطاع والذهاب إلى مناطق آمنة محددة، فإن الكثافة السكانية، والجهود المتعمدة التي تبذلها "حماس" لدمج نفسها في المراكز السكانية، تؤدي إلى قتل سكان غزة الأبرياء. وهذه مأساة، ولكن ليس بالنسبة إلى "حماس"، فهي تسعى جاهدة إلى تشويه سمعة إسرائيل وتعريض تل أبيب للضغط الدولي، ومحاولة نزع الشرعية عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ووضعها دائماً في موقف دفاعي.

لكن "حماس" أخطأت في حساباتها بشكل فادح هذه المرة، فهي دفعت قادة إسرائيل إلى التفكير في خيارات لم يكونوا مستعدين للنظر فيها منذ الانسحاب من غزة في عام 2005. لقد احتجزت "حماس" ما يصل إلى 130 رهينة إسرائيلية في غزة، ولا شك في أن الجهود المكثفة بدأت بالفعل في تحديد مكان وجودهم وإنقاذهم، ولكن من غير المرجح أن تفكر إسرائيل في إجراء عمليات تبادل في هذا الوقت، ومن المؤكد أنها لن تسعى إلى وقف مبكر لإطلاق النار إذ إن في ذلك إفادة لـ"حماس" دون سواها. وستؤدي أحداث السابع من أكتوبر إلى استجابة إسرائيلية شبيهة برد فعل الولايات المتحدة بعد أحداث الـ11 من سبتمبر. وهكذا، أصبحت محاولات القضاء على قادة "حماس" وتدمير بنيتها التحتية العسكرية وقتل عدد كبير من مقاتليها أو حتى احتلال غزة مرة أخرى، تشكل أهدافاً حقيقية للغاية.

وهذه الأهداف أكبر بكثير من تلك التي استهدفتها حملات مكافحة الإرهاب السابقة وسيكون تحقيقها صعباً للغاية، بيد أن تكرار النهج القديم في التعامل مع هجمات "حماس"، المتمثل في تنفيذ العقاب ثم الدخول في اتفاقات وقف إطلاق النار، لن يؤدي إلا إلى العنف في المستقبل، وإسرائيل لن تقبل بذلك. علاوة على هذا، يدرك قادة إسرائيل أيضاً أن استعدادهم لدفع ثمن باهظ هو أمر ضروري من أجل إعادة ترسيخ قوة ردعهم في وجه إيران ووكلائها. والحقيقة المأسوية هي أن قضاء الجيش الإسرائيلي على البنية التحتية العسكرية لـ"حماس" وقيادتها سيكون ثمنه باهظاً بالنسبة إلى الفلسطينيين في غزة وإلى الجنود الإسرائيليين. وبعد أن تبنت "حماس" تكتيكات تنظيم القاعدة، فإنها تتحمل مسؤولية مقتل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، ومن المهم للغاية أن تساعد النتيجة المحققة في ضمان عدم الحاجة إلى مثل هذه العملية الصعبة مرة أخرى على الإطلاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حرب من أجل المستقبل

تعهدت إدارة بايدن بدعم تل أبيب وأكدت حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، ولكن كلما طال أمد الصراع، ستواجه إسرائيل ضغوطاً متزايدة لإنهائه. ومع تزايد عدد الضحايا في غزة، فمن المرجح أن يجادل بعض القادة الغربيين والعرب بأن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية مفرطة وغير متناسبة في حجمها مع التهديدات والاستفزازات التي تتعرض لها. لذا، من المنصف أن نتساءل ما الذي يشكل رداً متناسباً وملائماً [ما مستوى القوة المناسب الذي ينبغي استخدامه] عند مواجهة مجموعة تقتل الأبرياء عمداً، وتأخذ النساء والأطفال كرهائن، وتستفيد من كل هدنة لكي تحضر للمجموعة التالية من الهجمات. إذا احتفظت "حماس" بأي قدرة على تهديد إسرائيل، فهي ستظهر نفسها بمظهر المنتصرة، وسوف يشكل ذلك تشجيعاً هائلاً للقوى المتطرفة المزعزعة للاستقرار والمعتمدة على العنف والرافضة للسلام، الموجودة في مختلف أنحاء المنطقة.

يجب على إسرائيل أن تسمح بوصول الغذاء والدواء إلى المناطق الآمنة التي خصصتها بالفعل لسكان غزة، إذ ليس من مصلحتها أن تخلق مزيداً من اللاجئين الفلسطينيين أو أن تدفعهم إلى الهرب إلى مصر، وبوسعها أن تثبت للعالم أنها تخوض حرباً بحكم الضرورة من أجل نزع سلاح "حماس"، ولا تسعى إلى معاقبة المدنيين الفلسطينيين. وفي الواقع، تقع على عاتق القادة الغربيين والعرب مسؤولية دعم الحملة التي تشنها إسرائيل على "حماس"، في الوقت نفسه الذي يحددون فيه الأهداف الأساسية المطلوبة أثناء القتال وبعده، المتمثلة في إطلاق سراح الرهائن غير المشروط ووضع حد لصواريخ "حماس"، وقذائف الهاون، ومنشآت صنع الأسلحة والقنابل. يجب أن تكون المساعدات المقدمة لإعادة إعمار غزة مرتبطة بتحويل القطاع إلى منطقة منزوعة السلاح. بالنسبة إلى إسرائيل، فهذا أقل ما يمكن فعله، وقد ينجح هجومها العسكري في تدمير كل أو معظم البنية التحتية العسكرية الخاصة بـ"حماس". وبالطبع، من المستبعد أن تتوقف إسرائيل قبل نزع سلاح حركة "حماس" بمعظمه، ووضع الآليات اللازمة التي تضمن عدم قدرة الحركة على إعادة تسليح نفسها. إن الخاتمة التي تحرص إسرائيل على تحقيقها تتلخص في التأكد من أن "حماس" لن تتمكن من تهديدها مرة أخرى.

يجب أن تكون المساعدات المقدمة لإعادة إعمار غزة مرتبطة بتحويل القطاع إلى منطقة منزوعة السلاح.

ومن الممكن أن يؤدي إطلاق سراح الرهائن غير المشروط وتجريد غزة من السلاح إلى تلك النتيجة وتجنب مزيد من الدمار. صحيح أن "حماس" وداعميها في طهران سيقاومون هذه الخطوات، بيد أن الحكومات الغربية والأمم المتحدة، وبخاصة الدول العربية التي لها مصلحة مباشرة في مستقبل غزة، يجب أن تلح بقوة من أجل تحقيق هذه الخطوات. وفي الواقع، إذا واجه القطاع مصيراً أكثر قتامة، يمكن للقادة العرب بشكل خاص أن يتقبلوا نزع السلاح كوسيلة لإنقاذ الفلسطينيين في غزة.

بطبيعة الحال، من المحتمل أن تنجح إسرائيل، مقابل كلفة باهظة، في القضاء على زعماء "حماس"، وإطاحة قيادتها، وتدمير قسم كبير من بنيتها التحتية العسكرية. وإذا تمكنت إسرائيل من إنجاز هذه المهام، فإنها لن ترغب في البقاء في غزة، وسوف تتطلع إلى تسليم إدارة المنطقة إلى سلطة انتقالية تحت مظلة دولية. من قد يشكل مثل هذه السلطة؟ ما الدور الذي قد تلعبه الأمم المتحدة؟ هل هناك مجموعة من الجهات الفاعلة الإقليمية وغير الإقليمية التي يمكنها تولي المسؤوليات؟

هذه أسئلة صعبة. لن ترغب السلطة الفلسطينية في أن يبدو الأمر وكأنها عادت إلى القطاع على ظهر الدبابات الإسرائيلية، ولكن إذا طلبت منها الأمم المتحدة أن تؤدي دوراً فهي قد تفعل ذلك، وقد تسعى أيضاً إلى الحصول على بعض الغطاء العربي. ويمكن للحكومات العربية أن توفر هذا الغطاء، وأن تسهم في الضغط الدولي من أجل المساعدة في إدارة عملية انتقال السلطة، والجدير بالذكر أن موقع مصر كدولة مجاورة، يجعلها شريكاً طبيعياً إلى جانب بعض الحكومات الأوروبية ذات الصدقية والخبيرة في جهود إعادة الإعمار وإنفاذ القانون.

إذا افترضنا أن طرد "حماس" من غزة هو أمر قابل للتحقيق، فالأسئلة عما سيحدث بعد ذلك تفوق الإجابات، ولكن تلك التساؤلات تذكرنا بأن هذه الحرب ستنتهي في مرحلة ما، وأن يوماً جديداً سيأتي، وأنه لا بد في نهاية المطاف من بناء مستقبل أفضل للفلسطينيين العاديين في غزة، الذين عانوا لفترة طويلة تحت سيطرة "حماس". سيكون من الحكمة أن تضع إدارة بايدن وشركاؤها الدوليون خططاً لنتائج أخرى محتملة، ولكن يجب فرض شرط واحد، وهو ألا تكون "حماس" في وضع يسمح لها بتهديد إسرائيل مرة أخرى على الإطلاق.

∙     دنيس روس هو مستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومبعوث أميركي سابق إلى الشرق الأوسط. شغل مناصب عليا في مجال الأمن القومي في إدارات ريغان وجورج أتش دبليو بوش وكلينتون وأوباما.

 مترجم عن فورين أفيرز 11 أكتوبر 2023

المزيد من آراء