Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل الفشل هو المصير المحتوم للرومانسية في مكان العمل؟

قد يبدو التوتر الجنسي والشغف السري لعلاقة تنشأ في مكان العمل مثيراً - ولكن فيلم "نتفليكس" الجديد يتطرق إلى أهوالها المتأصلة. تتحدث المخرجة كلوي دومونت عن الديناميات السامة للسلطة والتفاعلات بين الجنسين التي ألهمت فيلمها المثير للجدل والمحرض عليه

الثنائي الكارثي ألدن إرينرايك وفيبي دينيفور في فيلم الإثارة في مكان العمل للمخرجة كلوي دومونت "اللعب النظيف" (نتفليكس)

ملخص

يتطرق فيلم "اللعب النظيف" إلى العلاقات العاطفية السامة في مكان العمل والعلاقة بين الرجل والمرأة بشكل عام في الوظائف التنافسية

لا تخلو الثقافة الشعبية من الأعمال التي تتناول العلاقات العاطفية السامة في مكان العمل، تذكروا مثلاً بريدجيت جونز ودانييل كليفر في فيلم "يوميات بريدجيت جونز" Bridget Jones' Diary أو العلاقة بين رومان وجيري في مسلسل "توريث" Succession، أو كل الثنائيات بلا استثناء في مسلسل "تشريح غراي" Grey’s Anatomy. لقد كانت تلك العلاقات مكوناً أساسياً جذاباً في عدد لا يحصى من الأفلام والعروض التلفزيونية على مر السنين، مناجم ذهب للتفاعلات الجنسية المتوترة وديناميات القوة المعقدة بين الشخصيات.

إضافة إلى أن معظم تلك القصص تتخذ المسار نفسه تقريباً: لقاء لطيف، تليه فترة شهر سعادة مثالية تغذيها قبلات سرية في الممرات، ثم تظهر عقبة لوجستية أو عاطفية كبيرة في الطريق، أو خلاف شرس يلقي بآثاره على العمل، أو مصالحة بهيجة أو انفصال محبط يفضي حتمياً إلى تغييرات مهنية. إنها آلية يمكن التنبؤ بها ورتيبة وتصبح بعد فترة مزعجة إلى حد ما. إذاً، علينا أن نكون ممتنين لوجود عمل درامي مثل "اللعب النظيف" Fair Play.

فيلم الإثارة الجديد الذي تعرضه شبكة "نتفليكس" هو عمل يعيد بالكامل تعريف النوع الدرامي الذي يتناول قصص الحب في أماكن العمل، ويتجنب الاستعارات والقوالب النمطية المتكررة كي يتمكن من التمعن في كل التفاصيل التي تجعل مثل هذه العلاقات مادة تصلح للدراما في المقام الأول. في النهاية، إنها تتلخص في أمرين: الجنس والسلطة وما يحدث عندما يتصادم الاثنان. أخبرتني كلوي دومونت، كاتبة ومخرجة "اللعب النظيف"، "هذا ليس فيلماً عن تمكين المرأة... بل عن هشاشة الذكور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يدور الفيلم حول إميلي (تجسدها فيبي دينيفور المعروفة من مسلسل "بريدجيرتون" Bridgerton) ولوك (ألدن إرينرايك المشارك في بطولة فيلم "أوبنهايمر" Oppenheimer)، ثنائي يبدو أنهما مرتبطان بعلاقة مستقرة ويعملان معاً في صندوق استثمار تنافسي بشدة. بطريقة ما، تمكنا من الحفاظ على سرية علاقتهما تماماً – نظراً إلى أنها مخالفة لسياسة الشركة. على كل حال، لا يبدو أن هذا يمثل مشكلة بالنسبة إليهما. في بداية الفيلم، يعقد الثنائي خطبتهما، وكانت الأمور تسير على ما يرام إلى أن يخسر لوك فرصة ترقية تذهب إلى خطيبته بدلاً منه، مما يعني أنها الآن رئيسته المباشرة. يشعل هذا صراعاً هائلاً على السلطة إذ يجد لوك نفسه يتعرض لإخصاء عاطفي بسبب منصب إميلي الجديد.

ما بدأ على هيئة سلوكات خفية في محاولة لتقويضها- إذ ينتقد أسلوبها في اللباس على سبيل المثال، وكذلك محاولاتها للانغماس في المزاح في مكان العمل - سرعان ما يتحول إلى هجمات مسيئة نفسياً ولفظياً، بلغت ذروتها في اعتداء جسدي عنيف. ربما يكون عالم الأموال مختلفاً تماماً عن هوليوود، لكن دومونت قالت إن فكرة الفيلم الذي يعد محاولتها الإخراجية الأولى، ولدت من تجاربها الخاصة.

تشرح: "كانت مسيرتي بدأت بالانطلاق وفجأة [بدأت أشعر بـ] هذا الخوف من أن مسيرتي المهنية ربما تكلفني علاقتي العاطفية... كانت علاقاتي العاطفية في الغالب مع أشخاص في مجال عملي، وكان هناك رجال، من ناحية يعشقونني بسبب قوتي وطموحي، ولكنهم من ناحية أخرى كانوا يشعرون بأن عليهم الوصول إلى مكاني أو أن نجاحي جعلهم بطريقة ما يشعرون بضآلتهم. كنت أعاني ذلك الألم المتمثل في تقويض نفسي من أجل حماية الرجل".

يتميز "اللعب النظيف" بعكسه بطريقة مثيرة للاهتمام الدينامية الاعتيادية للسلطة التي نراها بين الرجال والنساء في العمل. وفقاً لعلماء النفس، يمكن أن يسبب هذا مجموعة كبيرة من الأعراض الجسدية والعاطفية الضمنية، بخاصة بالنسبة إلى أولئك الموجودين في الطرف الأضعف من ثنائية السلطة. تشرح عالمة النفس الدكتورة مادلين ميسن رونتري: "عادة، إذا كان شخص ما يمتلك سلطة مباشرة على أحدهم، فيمكنه استخدام هذه القوة للتلاعب أو التقويض أو السيطرة أو الإذلال إذا أراد ذلك... يؤثر هذا في العلاقة بشكل غير متناسب ومن المرجح أن يعاني المرؤوس ضيقاً عاطفياً وأعراضاً جسدية مثل ارتفاع ضغط الدم والصداع والألم والتعب وضعف جهاز المناعة". لكن لأن الشخص الذي يمتلك السلطة المباشرة في "اللعب النظيف" هو امرأة، فقد انقلبت الآية، وكانت هي من تعاني من شريكها الذكر وليس العكس.

نظراً إلى أن الفيلم شخصياً إلى حد ما، فقد يبدو من المفاجئ أن تختار دومونت القطاع المالي مكاناً لأحداثه بدلاً من مجال الفنون. ففي نهاية المطاف، لا يوجد مجالان أكثر تناقضاً منهما. لكن دومونت تقول: "أعتقد بأنهما متشابهان إلى حد كبير... فالذكور يهيمنون بشدة على كليهما والأجواء عالية الأخطار هي نفسها. ربما لا تكون الأموال  بالقدر نفسه، لكن غالباً ما يكون هناك ما يكفي من المال لخلق الضغوط الشديدة والحماسة نفسها التي يمكنني الاستفادة منها، على رغم أنني لم أكن أعرف شيئاً عن القطاع المالي".

أثناء قيامها بالبحث اللازم للفيلم، أمضت دومونت بعض الوقت مع مجموعة من مديري الصناديق الاستثمارية وأصبح بعضهم مستشارين في الفيلم. كانت تدعوهم إلى تناول الشراب وتسألهم عن كل تفاصيل يومهم، ثم تتبادل الملاحظات لاحقاً للتحقق من صدقية السيناريو. وكما هي الحال مع إميلي البطلة، كان عليها الانغماس في الثقافة الذكورية التي تهيمن على هذا القطاع. في أحد المشاهد، نرى إميلي تذهب إلى نادٍ للتعري مع زملائها الذكور، وتشارك في الإفراط في شرب الكحول وتعاطي المخدرات والدردشة الجنسية التي تعد طابعاً لمثل هذه البيئة.

بعد عودة إميلي إلى المنزل وهي ثملة، يرى لوك إيصالاً بقيمة 575 ألف دولار يسقط من حقيبة يدها، فيسخر منها لأنها "تتصرف" مثل عضو انضم أخيراً إلى نادٍ طلابي للذكور، ويسألها: "هل يجعلك هذا تشعرين بالارتياح؟ بالقوة؟ مثل أحد الرجال؟ دعيني أخبرك شيئاً، أنت لا تبدين كأحد الرجال. أنت تبدين مثل العاهرة التي دفعوا لها المال كي ترافقهم".

هذا حوار قاسٍ، ويصبح أكثر وحشية في صباح اليوم التالي، عندما نسمع زملاء إميلي الذكور وهم يسخرون من صور التقطت لها في الليلة السابقة ويصفونها بـ"المعتوهة اللعينة" و"الحيوانة". توضح دومونت: "أردت حقاً أن أبيّن ما يتوجب على النساء فعله للحفاظ على منصبهن... علينا القيام بممارسات قبيحة من أجل البقاء. وفي بعض النواحي، ستكون إميلي خاسرة في هذا الموقف في الحالين. لو لم تشارك، لكان زملاؤها اتهموها في اليوم التالي بأنها لا تتمتع بروح الدعابة أو لا تعرف كيف تستمتع بوقتها، كنت سترينهم ينبذونها. ولكن في المقابل من خلال المشاركة في الفجور والحط من جنسها، فإن ذلك يدفع زملاءها إلى البدء بإلقاء الأوصاف المسيئة عليها. يوضح الموقف مدى ضآلة هامش الخطأ بالنسبة إلى النساء في تلك البيئة".

يبدو كل هذا أكثر ظلماً عندما تؤدي المرأة وظيفتها على نحو أفضل من معظم الرجال الذين تعمل معهم، بمن فيهم خطيبها. بالنسبة إلى لوك، هذه هي المشكلة التي يرفض تقبلها، مما يجبر إميلي على التقليل من شأن نفسها في محاولة للحفاظ على علاقتها. توضح دومونت: "يصبح نجاحها انعكاساً سيئاً لقيمة نفسها"، مضيفة أن الدينامية المحددة بينهما ما زالت تلقى صدى عام 2023، سواء في هوليوود أو في أماكن أخرى، على رغم التقدم الحاصل في المجتمع، وتقول: "أنا مصدومة ولست متفاجئة في الوقت نفسه... تبدو الأنا الذكورية دائماً وكأنها شيء لا يمكن المساس به. تلتف النساء بحذر حولها غير راغبات في إيذائها لعلمهن كم هي خطرة الأنا المحطمة".

نرى عواقب تلك الأخطار بكامل عنفوانها وقوتها المرعبة في نهاية الفيلم، إذ تتعرض إميلي للاغتصاب على يد لوك. إنها لحظة صادمة، وتبدو، عند النظر إلى الماضي، نتيجة حتمية كان "اللعب النظيف" يتجه نحوها ببطء. تحول استياء لوك وانعدام الثقة لديه إلى عنف وحشي وحيواني. توضح دومونت: "شرعت في صناعة فيلم إثارة حول ديناميات السلطة في العلاقات في أبشع مستوياتها... لذلك بالنسبة لي، كانت الحبكة ستتصاعد حتماً إلى هذا المشهد لأن الطريقة الوحيدة أمام لوك لاستعادة السلطة من إميلي في تلك المرحلة من الفيلم هي من خلال الهيمنة الجسدية. لأن الاعتداء الجنسي في نهاية المطاف لا يتعلق بالرغبة الجنسية، بل بالسلطة".

على رغم صعوبة مشاهدته، إلا أنه مشهد ضروري عندما يتعلق الأمر بتوضيح نوايا فيلم دومونت، وهي خلق محادثة حول موضوع غالباً ما يُطلب منا أن نتجاهله. لقد تلقت بالفعل عدداً لا يحصى من الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني من نساء قلن إنهن يشعرن بصلة مع تجربة إميلي وإنهن ممتنات لمشاهدة استكشاف التجربة بوضوح على الشاشة.

وهذا أمر مفيد من الناحية النفسية أيضاً. تقول الدكتورة رونتري: "أعتقد بأنه من المفيد رؤية العلاقات السامة في السينما والتلفزيون، بخاصة إذا كانت هناك حلول للمشكلات... ليس من غير المألوف أن الناس المرتبطين بعلاقات سامة يشعرون بالعزلة، بخاصة إذا كانت علاقاتهم في العمل، ولا يشاركون ما يحدث مع زملائهم. لكن عندما تتمكنين من رؤية الآخرين يشاركونك تجربتك السامة، يصبح التحلي بالثقة لمواجهتها أسهل".

بالنسبة إلى دومونت، استفادت أيضاً من معرفة كيف استجاب الرجال للفيلم. وتقول: "يشعر الرجال الأصغر سناً بشيء من الصدمة بعد مشاهدته... لقد جعلهم يسألون ’هل كنت أنا هذا الشخص على الإطلاق؟‘ في حين أن الرجال الأكبر سناً، كما أعتقد، كانوا أكثر انفتاحاً حول الموضوع. على سبيل المثال، بعد خروجي من أحد عروض الفيلم أخيراً وجدت مجموعة من الرجال في الخمسينيات والستينيات من أعمارهم يتحدثون عن تجاربهم".

تأمل دومونت في انطلاق مزيد من النقاشات بمجرد أن يحظى "اللعب النظيف" بشعبية لا شك فيها بين مشتركي "نتفليكس"، وتقول: "السبب الذي دفعني إلى كتابة الفيلم هو أنه لم يكن شيئاً شعرت بأنني قادرة على مواجهته في حياتي الخاصة... ما زلت أعتقد بأن الرجال والنساء لم يكتشفوا بعضهم بعضاً. نحن لا نفهم آلام بعضنا، وبقدر ما أعتقد بأن النساء ضحايا لنظام مضاد لهن، أعتقد بأن الرجال ضحايا أيضاً في بعض النواحي لأن ما يحدد دورهم هو من بقايا [نظام] الماضي وليس هناك بديل له حتى الآن. ومع ذلك، لا أعتقد بأن هذا عذر، فينبغي على الرجال التوقف عن استخدام مخاوفهم كسلاح ضد النساء".

أما بالنسبة إلى آرائها حول العلاقات في مكان العمل وما إذا كان من الممكن أن تنجح أو لا، فما زال الشك يساورها، بخاصة إذا كانت علاقات بين شخصين مغايري الهوية الجنسية، وتقول: "لم أشهد علاقة لم يكن فيها توتر على مستوى ما... [لكنني] لا أقول إنها غير ممكنة، لا سيما مع تربية الأجيال المقبلة بعيداً من هذه الأفكار التقليدية الراسخة حول الجندر".

ستظل المنافسة والغيرة موجودتين دائماً بين الجنسين بدرجة ما، لكن الأخطار ربما تكون مختلفة في المستقبل. توضح دومونت "على سبيل المثال، ربما شعر لوك بالغيرة من حصول إميلي على الوظيفة، لكنه لم يكن مهدَّداً... أعتقد بأن الوصول إلى هذا المستوى من المساواة سيكون الفارق الكبير".

يعرض فيلم "اللعب النظيف" على منصة "نتفليكس"

© The Independent

المزيد من منوعات