Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البلدات البريطانية الصغيرة تنكمش بعد ازدهار

انتقال المتاجر الكبيرة إلى خارج البلدات وإغلاق فروعها المركزية فيها يؤدي إلى انكماش اقتصاداتها التي كانت ذات يوم مزدهرة

القادة الكبار يقررون مصير بريطانيا والاتحاد الأوروبي، واقتصادات البلدات الصغيرة في المملكة المتحدة تدفع الثمن (أ. ف. ب.)

رجعتُ هذا الأسبوع إلى البلدة التي نشأت فيها، بعيدا عن العاصمة لندن، وكان شغلها الشاغل هو إغلاق متجر "ماركس أند سبنسر".

هناك الآن متجر كبير متوسط الأهمية من حيث العلامة التجارية لايزال في شارع البلدة التجاري الرئيسي، ومن الصعب تصور كيف أن متجراً مثل دبنهامز يستطيع البقاء هناك. وبعد ذلك، فإن الشارع العام الذي كان ذات يوم يغصّ بالحركة، يجتذب المتسوقين إليه، من كل حدب وصوب، لن يعود كما كان إطلاقا.

بدلا من ذلك، سيضمّ شارع البلدة الرئيس مقاهيَ ومحلات للسلع المستعملة التابعة لجمعيات خيرية أو تلك التي تعرض خصومات على محتوياتها، وهذا كل ما في الأمر. فمحلات البيع بالتجزئة المتخصصة قد غادرت منذ وقت طويل، والآن راحت المتاجر ذات الفروع المتعددة تحذو حذوها.

على أولئك الذين كانوا يذهبون إلى متجر "ماركس أند سبنسر" لشراء أطعمتهم وملابسهم أن يتوجهوا الآن إلى أماكن أخرى. وسيكون قريبا هناك فرع لماركس أند سبنسر خاص بالأطعمة، يقع على بعد حوالي 10 أميال من البلدة. سيكون بوسع البعض الذهاب إلى هناك، لكن آخرين سيذهبون إلى متاجر "آزدا" و"تيسكو" و"موريسونز" أو "ألدي" المنتشرة على طريق البلدة الخارجي.

سيستمر الناس في شراء احتياجاتهم، لذلك فإنهم بهذا المعنى سيتدبرون أمورهم دون معاناة. لكن مع فقدان بعض الوظائف، باتت هناك فجوة متنامية في مركز المدينة نفسه. فكعكة "الدونات"، المعروفة لدى كل  شخص زار المجمعات التجارية في شمال أميركا، وصلت إلى بريطانيا. 

رأيت التأثير نفسه، في رحلة اأخيرة  إلى مدينة ليفربول، حيث لا يمكن رؤية أي شيء على امتداد مسافة ميلين في الشارع التجاري الرئيس سوى مشبّكات معدنية تغطي واجهات المحلات أو إعلانات تشير إلى إغلاقها. أما حيث أسكن، في جنوب غرب لندن، فأخيراً شهدنا اختفاء مطعمين قديمين وبار و ومخزن صغير .  

وعلى الرغم من المسافات الطويلة التي تفصل هذه المناطق عن بعضها بعضاً، مع تركيبات سكانية مختلفة، فإن ما يُوحّد هذه الأماكن الثلاثة فشل مشترك:  فشل أصحاب العقارات في إظهار قدر من المرونة حين يتعلق الأمر بزيادة الإيجارات، وفشل البلديات في مواجهة ما كان يحدث أمام أعينها، وفشل الحكومة المركزية في معالجة الخلل الذي أصبح أزمة وطنية.

 يبلغ إيجار المحل العادي في الحي الذي أعيش فيه 36 ألف جنيه استرليني سنويا ، وهذا أجر محل صغير خاضع لقيود تتعلق بركن السيارات خارجه، وهذا قبل بيع أي سلعة أو دفع أجور أي من العاملين هناك أو من يزودونهم الإمدادات اللازمة.

في هذه الأوقات المضطربة، يتطلب استئجار محل بهذه المواصفات التزاما هائلا. وإذا كانت التقارير صحيحة، فإن ما شاهدته يتكرر في شتى أنحاء بريطانيا. يؤجر بعض أصحاب العقارات بعقود قصيرة الأمد أو لا يفرضون اي زيادة على الإيجارات، لكن ذلك غير كافٍ. اتجه بعض مالكي العقارات إلى قطاع العطلات وباتوا يؤجرون الزوار والمصطافين، وهناك آخرون اختاروا الاستثمار في مستقبل الشوارع لتجارية الرئيسة، معتقدين أن محلات مزدهرة ستكون في مصلحتهم في نهاية المطاف كمؤجرين، وأن الأجور سترتفع على المدى البعيد إذا كانت المنطقة تعمل بشكل جيد. غير أن هناك آخرين يختارون تحويل الأمكنة التي يمتلكونها في الشارع التجاري إلى ما هو رائج حالياً، سواء كان ذلك أماكن لسكن الطلاب أو مساكن للعمال، او اي شيء آخر من شأنه أن يعود عليهم بربح سريع وكبير.

أسهمت البلديات في جعل كعكة "الدونات" الأميركية تظهر في كل مكان، من خلال عدم بذل جهود كافية لجعل مناطق التسوق أماكن جذابة، وإبقاء قيود صارمة على ركن السيارات، وعدم رفض منح تراخيص لباعة التجزئة الراغبين في بناء محلات ضخمة بعيدا عن المتاجر التي تقوم في مركز المدينة.

دعنا نأخذ البلدة التي كانت مسقط رأسي، على سبيل المثال، فهي معزولة لكنها لاتزال تحتضن عدداً كبيراً من السكان. وبدلا من إبلاغ الشركات بأنها لا تستطيع بناء متاجرها في الدوّار الواقع على الطريق ذي الاتجاهين، وأن عليها أن تبقى حيث هي  في الشارع التجاري الرئيس في وسط المدينة، خشيت البلدية من مواجهة هذه الشركات واستسلمت لرغبتها بالانتقال. ولايزال السبب الذي حملها على الخوف سراً غامضاً. وإذ سيبقى بوسع سكان البلدة أن يتسوقوا من المتاجر نفسها أينما كانت مواقعها، فهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالذهاب إلى أماكن أخرى.

من جانبهم، يصر باعة التجزئة أنهم إذا لم يسمح لهم بتنفيذ ما يريدونه لجهة مغادرة مركز البلدة فإنهم سيهجرونها نهائياً إلى بلدات أو مدن أخرى. وهذا الموقف يفتقر إلى المنطق. فأنا أراهن بأن متاجرهم الجديدة اللامعة تخدم نفس زبائنهم السابقين، ولم تجتذب الكثير من الزبائن غير المحليين إليها. من جانب آخر، لم تستشرف  البلديات قط المستقبل على المدى البعيد وتشعر بالقلق حيال تأثير هذا التحول على شوارع التسوق وسط مدنها وبلداتها، أو إن هي شعرت ببعض الخوف فقد فعلت ذلك بعدما فاتت الفرصة لقلب المعادلة بوقت طويل.

هناك عدد أكبر مما ينبغي بكثير من الأمثلة في بريطانيا لبلديات أغرتها صور جميلة لمبان حديثة منخفضة، مع مناطق خضراء لحفظ البيئة وساريات أعلام، فباتت مقتنعة بأن ما تراه في الصور يوفر لسكانها فرصة لصناعة مستقبل أفضل. فهي لا تخلق وظائف جديدة بأعداد كافية لإحداث تغيير ملموس، على اي حال. وكل ما تفعله هذه البلدية هو ان تقف موقف المتفرج على انتقال شركة ما من جزء في البلدة  إلى آخر،  وغالبا ما تحصل هذه الشركة على دعم مادي للانتقال، الأمر الذي يشجعها على اتخاذ هذه الخطوة.  

على المستوى الوطني، تجاهل الوزراء المشكلة الوشيكة. فهم يملكون الصلاحيات التي تساعدهم على تغيير نظام معدلات الأعمال التجارية،  لكنهم لم يحركوا ساكناً. كذلك هم قادرون على فرض ضريبة مبيعات على الباعة المتعاملين عبر الانترنت وخلق توازن بين هذه الطريقة والطريقة التقليدية في البيع، داخل المتاجر نفسها، لكنهم لم يفعلوا ذلك.

قد تتبنى بعض الأوساط الحكومية الخفية وجهة النظر هذه لكن لا شيء يمكن فعله، فهذه الظاهرة ناتجة عن التحول في نمط الحياة الذي يحدثه إدخال التكنولوجيا الحديثة في الحياة العامة. بالتأكيد، هناك قناعة بأن بريطانيا تضمّ عددا أكثر مما يلزم من المحلات التي يمكن تبرير زوال بعضها. مع ذلك فإن هذا التحول لا يفسر الإهمال لشوارعنا التجارية الرئيسة في مراكز البلدات.  

لابد من فعل شيء لمنع فقدان الوظائف بمستوى أكبر بكثير مما شاهدناه خلال السنوات الأخيرة في حي الأعمال في لندن أو ما تبقى من المؤسسات الصناعية، لحماية الحياة في بلداتنا ومدننا؛ ولمنعها من التقهقر إلى الوراء والوصول إلى أوضاع مرت بها في مراحل أكثر بدائية من تاريخها. لذلك فهناك ضرورة لاتخاذ إجراءات فعلية على المستويات كافة. وإذا قيّمت الوضع على أساس ما رأيته في أسفاري وما ألمسه حيث أسكن، فالإجراءات العملية مطلوبة في أسرع وقت ممكن.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد