Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاقتصاد الأرجنتيني وشبح الإفلاس من جديد

العملة المحلية فقدت 45 في المئة من قيمتها منذ بداية العام... وتوقعات بالعجز عن سداد الدين خلال 2020

الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري (رويترز)

أظهرت الانتخابات التمهيدية في الأرجنتين، التي جرت في الـ11 من أغسطس (آب) 2019، تفوقاً كبيراً لليسار وزعيمه ألبرتو فرنانديز على الرئيس اليميني الحالي ماوريسيو ماكري بفارق بلغ 15 نقطة، إذ حصد فرنانديز 47٪ من الأصوات، بينما حصد ماكري 32٪. الانتخابات العامة ستكون في الـ27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

هذه النتيجة التمهيدية تشير إلى عودة يسار الوسط إلى السلطة مجدداً بعد أن فقدها في 2015، وتبعاً لهذه النتائج تراجعت الأسواق الأرجنتينية بقوة، وخسرت العملة الأرجنتينية 30٪ من قيمتها مقابل الدولار، فما القصة خلف ذعر الأسواق؟

الأسواق الماليَّة تخشى أن يعود الاقتصاد في الأرجنتين مرة أخرى إلى قبضة الدولة ومركزية السياسات والتوسّع في الإنفاق، ما سيفاقم العجز، وربما تتخذ الحكومة اليساريَّة الجديدة سياسات من شأنها التضييق على القطاع الخاص ورأس المال. يوم الاثنين الـ12 من أغسطس (آب) 2019 (بعد يوم من إعلان نتيجة الانتخابات) تراجع مؤشر ''ميرفال'' بـ38٪ (ثاني أسوأ هبوط يومي للبورصة خلال 70 عاماً).

تراجع سعر صرف البيزو إلى 61 بيزو لكل دولار، وعاود الارتفاع إلى 53 بيزو لكل دولار بعد تدخل البنك المركزي الذي رفع سعر الفائدة إلى 74٪. أيضاً تصريحات زعيم اليسار ألبرتو فرنانديز ورغبته في إعادة التفاوض مع صندوق النقد بشأن شروط قرض الـ57 مليار دولار (في حال فوزه بالانتخابات العامة) تسببت في رفع مخاوف البورصة من تداعيات التغيير في السياسات الاقتصادية على الاقتصاد الأرجنتيني مستقبلاً.

اليمين يفشل في الحفاظ على السلطة والسبب الاقتصاد

يبدو أن اليمين الأرجنتيني لم تدم فرحته طويلاً، عاد إلى السلطة في 2015 بعد عقود من الانتظار، وفور وصول ماوريسيو ماكري رئيس بلدية بوينس آيرس ورئيس نادي بوكاجونيورز الأسبق إلى سدة الحكم وَعدَ بجملة إصلاحات اقتصادية، تعهّد بأن يخفّض التضخم الذي كان 24٪ (الآن 54٪)، وتعهّد أن يخفض نسبة الفقر في البلاد التي كانت عند 29٪ حسب تقديرات الجامعة الكاثوليكية في الأرجنتين (الآن معدل الفقر 35٪)، سعر العملة الأرجنتينية كان 10 بيزوات مقابل كل دولار أميركي واحد (الآن 54 بيزو لكل دولار أميركي واحد).

قامت حكومة ماوريسيو ماكري باتخاذ أربعة قرارات اقتصادية مهمة: حرر سعر الصرف وأنهى موضوع إفلاس الدولة وخفض الضرائب على الصادرات، ثم رفع القيود على حركة رأس المال Capital control. بعد عامين ونصف العام لجأت حكومة ماكري إلى صندوق النقد الدولي في مايو (أيار) 2018، طلبت الأرجنتين رسمياً مساعدات بقيمة 50 مليار دولار. هذه المساعدات مشروطة بتطبيق حزمة من الإصلاحات الماليَّة الخاصة بالضوابط المالية للموازنة العامة، وخفض الدعم الذي تقدمه الحكومة على الخدمات الأساسيَّة من كهرباء ومياه وزيادة الضرائب.

هذه الإجراءات التقشفية القاسية كان لها تأثيرٌ سلبيٌّ على محدودي الدخل، وارتفع عدد الحاصلين على مساعدات اجتماعية. مع اقتراب عودة اليسار إلى السلطة في بوينس آيرس ارتفعت مخاوف الأسواق من تكرار سيناريو حدث قبل 18 عاماً عندما أعلنت الأرجنتين إفلاسها، وعجزت عن السداد، وأعادت هيكلة ديونها.

أزمة الاقتصاد الأرجنتيني والتضخم المستمر

ارتفع معدل الفقر في الأرجنتين من 29٪ إلى 35٪ خلال سنوات حكم ماكري من 2015 - 2019 بزيادة مليوني شخص. كان ماكري وعد بتخفيض معدل الفقر في البلاد إلى الصفر عندما صعد إلى السلطة ديسمبر (كانون الأول) 2015، ووعد كذلك بتخفيض التضخم. التضخم في الأرجنتين من أعلى المعدلات في العالم، إذ ارتفع المعدل بـ54٪ خلال الـ12 شهراً الماضية، وكان عند مستوى 24٪ عندما تسلَّم ماكري السلطة. الأسعار ترتفع 5٪ شهرياً كمتوسط، يصاحب ذلك انخفاض القوة الشرائية للعملة، ما يزيد من معاناة المواطنين. لم ينخفض التضخم دون الـ15٪ خلال السنوات الست الماضية، وكان مصدر قلق لصنَّاع السياسة المالية والنقدية في بوينس آيرس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تاريخياً عرفت الأرجنتين معدلات التضخم المفرطة، إذ بلغ 1.000٪ في العام 1989، وقبل ذلك خلال الفترة بين 1975 - 1990 بلغ المتوسط 300٪ (فترة الانقلابات العسكرية الدموية وتدهور الاقتصاد)، يوجد 18 مليون أرجنتيني يحصلون على دعم ومساعدات اجتماعية.

مع اقتراب الانتخابات العامة تزداد المخاوف بشأن السقوط الحر للبيزو، ويستعد البنك المركزي الأرجنتيني للحفاظ على استقرار سعر الصرف وحماية العملة من الانهيار. يمتلك البنك المركزي الأرجنتيني احتياطياً من العملات الأجنبية يبلغ 66 مليار دولار، يستطيع أن يستخدم 20 مليار دولار (ببيع العملة الأميركية وشراء البيزو وأدوات مالية أخرى). المعارضة اليسارية لا ترغب في توسُّع الحكومة في استخدام الاحتياطي النقدي خلال هذه الفترة.

أزمة الديون الأرجنتينية والإفلاس المتعدد

الأرجنتين عجزت عن السداد، وتخلَّفت عن الوفاء بالتزاماتها تجاه ديونها السيادية 8 مرات منذ استقلالها، آخرها كان في ديسمبر (كانون الأول) 2001 عندما أعلن البرلمان الأرجنتيني عجز البلاد عن سداد الديون البالغة 93 مليار دولار.

خلال الفترة بين 2005 - 2015 عملت الحكومة على إجراء إعادة هيكلة لهذا الدين ودفع 30٪ من قيمة الديون، وافق نحو 93٪ من جملة الدائنين على هذه التسوية، بينما قضت محكمة أميركية في 2016 بإلزام الحكومة الأرجنتينية بسداد الدين كاملاً لـ7٪ الذين رفضوا قبول التسوية.

أزمة الديون تطل برأسها من جديد، بعض التقارير يتوقع احتمالاً نسبته 55٪ أن تعجز بوينس آيرس عن السداد بعد عام، هذه التوقعات المتشائمة تعيد إلى الأسواق كابوس الإفلاس السابق، وهذا أيضاً يفزع حَمَلة الدين. بنك أوف أميركا ميريل لينش يتوقع أن نسبة إفلاس الأرجنتين وعجزها عن السندات بعد عام هي 50٪.

جذور الأزمات في الأرجنتين يرتبط بالتغيرات السياسية وأنماط الإصلاح الاقتصادي الذي تعتمده الحكومات، مثلا في 1990 فتح الرئيس الأرجنتيني الأسبق كارلوس منعم البلاد لرؤوس الأموال الأجنبية، وقاد عملية خصخصة تعد الأشهر، وباع شركات الاتصالات والطيران والبترول، وكانت العملة مربوطة بالدولار حينها.

في 1998 قامت البرازيل بفك ارتباط عملتها الريال بالدولار، وتراجعت تنافسية الصادرات الزراعية الأرجنتينية، وبدأت تتراجع المؤشرات الاقتصادية في بوينس آيرس، وتفجَّرت أزمة الدوت كوم في 2001، ودخل الاقتصاد العالمي في ركود، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2001 الأرجنتين رسمياً تعلن حالة الإفلاس والعجز عن السداد.

في 2003 تولى الرئيس نيستور كيشنر السلطة في ظروف اقتصادية معقدة. الاقتصاد كان منكمشاً بـ16٪، و15 مليون أرجنتيني تحت خط الفقر، 7 ملايين منهم لا يملكون الطعام الكافي، اعتمدت حكومة كيشنر جملة من السياسات والإجراءات وبرامج للمساعدات لإسعاف الاقتصاد ووقف التدهور، تبنت الحكومة حينها سياسة مالية توسعية، وإنفاق كبير للدولة لتمويل كثير من المساعدات الاجتماعيّة.

مخاوف الإفلاس والتخلّف عن السداد مجدداً

يبلغ حجم الدين العام في الأرجنتين 88٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، مع تراجع البيزو بـ45٪ منذ بداية العام، و25٪ منذ الانتخابات التمهيدية في بداية هذا الشهر، هذا التراجع في سعر الصرف سيزيد من تكلفة خدمة الدين.

توقع بنك أوف أميركا ميريل لينش أن تعجز الأرجنتين عن السداد خلال 2020، وأن هذا الاحتمال الآن نسبته 50٪، بعد اقتراب عودة يسار الوسط إلى السلطة في الأرجنتين مع المؤشرات الاقتصادية الحالية من مؤشر تضخم فوق الـ50٪، واستمرار تدهور سعر صرف العملة، وارتفاع مستوى الفقر في البلاد ستكون الحكومة المقبلة في بوينس آيرس أمام قرارات صعبة من بينها إعادة هيكلة ديونها السيادية.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد