Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يشعر أفراد جيل الألفية بقلق من مسألة إنجاب الأطفال؟

الأجور في انخفاض. تكاليف السكن نحو ارتفاع غير مسبوق. المخاوف في شأن مستقبل الكوكب في تزايد مستمر. فهل من المستغرب إذاً أن تشهد معدلات الولادات والخصوبة انخفاضاً ملحوظاً؟

" كيف يستطيع أي شخص - على افتراض أن لديه خياراً - أن يتوصل إلى قرار إنجاب الأطفال من عدمه؟" (رويترز)

ملخص

الأجور في انخفاض. تكاليف السكن نحو ارتفاع غير مسبوق. المخاوف في شأن مستقبل الكوكب في تزايد مستمر. فهل من المستغرب إذاً أن تشهد معدلات الولادات والخصوبة انخفاضاً ملحوظاً؟ خبراء وأفراد من جيل الألفية يسلطون الضوء على معاناة جيل من القلق في شأن ما إذا كان ينبغي عليهم أن يصبحوا آباء أم لا: لماذا يشعر أفراد جيل الألفية مثلي بتوتر وقلق من مسألة إنجاب الأطفال؟

عندما أصبح في الـ28، سأتزوج. وبحلول الـ30 من عمري، سأرزق بطفلي الأول وأطلق عليه اسماً راقياً وساحراً، ربما شيئاً مثل "سيلاس". وعندما أبلغ سن الـ32، سأعيش في الريف استعداداً لوصول مولودي الثاني، وهو فتاة، وسأقوم بطلاء غرفة نومها باللون الأصفر.

كانت تلك إحلامي التي تشبه أحلام كثيرين غيري من جيل الألفية، ولطالما كان هذا هو المستقبل الذي تصورته لنفسي عندما أكبر في السن. ومع ذلك، فإن الواقع لا يمكن أن يكون أبعد من ذلك: فأنا اليوم في الـ29 من عمري، وما زلت عازباً ومترددة في ما إذا كنت حقاً أرغب في إنجاب أطفال أم لا - هذا إذا ما لم تحتسب قطتي "بلانش دوبوا" Blanche DuBois (على اسم الشخصية الخيالية في مسرحية للكاتب الأميركي تينيسي ويليامز حازت "جائزة بوليتزر" في عام 1947)، التي هي، من الناحية العملية، كأنها ابنتي الرقيقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد يبدو الأمر غريباً: فبعدما أصبحت على حافة بلوغ الـ30 من عمري، بات يتعين علي أن أضع خصوبتي المتضائلة في مقدم أولوياتي، وأن أتخذ قراراً قبل نفاد خياراتي، أليس كذلك؟ الوقت أصبح جوهرياً في هذه المرحلة، والساعة تدق. وما إلى ذلك من مسائل أخرى. لكن عندما يتعلق الأمر بالأطفال، فحتى الإتيان على ذكرهم يثير نوعاً من الألم في الجزء السفلي من معدتي. ويليه مزيج من المشاعر المتضاربة، بدءاً من الحب والشوق وصولاً إلى الخوف والرهبة. وأنا لست الوحيدة في هذه الدوامة.

فقد واصلت معدلات الولادات والخصوبة انخفاضها على نحو مضطرد في الأعوام الثمانية الماضية. وتوصل تقرير وضعته في العام الماضي "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" Centers for Disease Control and Prevention إلى خلاصات مفادها بأن معدل المواليد في الولايات المتحدة تراجع بنسبة أربعة في المئة في الفترة الممتدة من عامي 2019 و2020، مما يعد أكبر انخفاض في عام واحد منذ نحو 50 عاماً. وفي الوقت نفسه في إنجلترا وويلز، أبلغ "المكتب الوطني للإحصاء" Office for National Statistics (ONS) عن605,479  ولادة حية سجلت في عام 2022، أي ما يمثل انخفاضاً بنحو 3.1 في المئة عن أرقام عام 2021، ليكون أدنى مستوى منذ عام 2002. وأشار "المكتب الوطني للإحصاء" إلى أن الرقم ما زال يواكب الاتجاه المستمر الأخير لتراجع الولادات الحية الذي لوحظ قبل ظهور الوباء.

والملاحظ على وجه الخصوص، أن حال عدم اليقين في شأن إنجاب الأطفال منتشرة بوضوح بين جيل الألفية على وجه الخصوص. وعند الاستفسار عن الخطط المستقبلية للأفراد الذين تعرفونهم في هذه الفئة العمرية - الذين ليس لديهم أطفال حتى الآن - فمن المحتمل أن تحصلوا على إجابة غامضة تنطوي على مجموعة من المخاوف الدفينة، بدءاً من الإشارة إلى أزمة المناخ وارتفاع كلفة المعيشة، مروراً بالتحديات في عالم المواعدة الحديثة، وصولاً إلى تأثير سياسات حكومة "المحافظين"، وجميعها عوامل تساهم في إيجاد جو من "التناقض الأبوي" السائد في هذا الجيل.

هذا إذا لم تكن بعض النساء يواجهن أساساً صراعاً مع الخصوبة، مما يجعل مثل هذه الأسئلة حساسة وربما مؤلمة. ولهذا السبب، نادراً ما أسال أية امرأة أعرفها عما إذا كانت ترغب في إنجاب أطفال، لكن لا يلتزم الجميع هذه القاعدة.

إلا أنه أمام هذا العدد الهائل من السيناريوهات المعاصرة المثيرة للجدل التي تجعل فكرة إنجاب أطفال أكثر صعوبة وتعقيداً، كيف يستطيع أي شخص - على افتراض أن لديه خياراً - أن يتوصل إلى قرار في شأن إنجاب الأطفال أم لا؟ وماذا يحدث إذا بدأت امرأة، بسبب القلق المتزايد في شأن خصوبتها، محاولة الحمل قبل أن تكون مستعدة عاطفياً لذلك، لتجد نفسها حاملاً في وقت أقرب بكثير مما خططت له؟ أو قد تجد نفسها معرضة للإجهاض وما يترتب عن ذلك من صدمة عاطفية. أو لنفترض أنها قررت عدم الإنجاب، لتكتشف أن هذا القرار سيكسر العلاقة العاطفية مع الشخص التالي الذي قد ترتبط به؟ وربما ينتهي بها الأمر إلى التمسك بقرارها، فقط لتواجه حكم المجتمع على اختيارها عيش حياة من دون أطفال؟

هذه هي بعض من المواضيع الكثيرة التي يتناولها كتاب من تأليف الصحافية جينا راشتون صدر حديثاً بعنوان: "معضلة الأبوة: القرارات في عصر عدم اليقين" The Parenthood Dilemma: Decisions in Our Age of Uncertainty. فالكاتبة البالغة من العمر 31 سنة، هي صحافية حائزة جوائز عدة، وشخصت إصابتها أخيراً باضطراب "الانتباذ البطاني الرحمي" Endometriosis، وهي حالة طبية تنمو فيها أنسجة مشابهة لبطانة الرحم خارج الرحم ذاته. وقيل لها إن ذلك قد يؤثر في خصوبتها، مما أثار سلسلة من المعضلات والشكوك المحيطة بقرارها أن تصبح أماً.

على مر التاريخ، كان الأفراد يدركون مدى تأثير الأبوة في مساراتهم المهنية. ومع ذلك، بالنسبة إلى أولئك منا، ولا سيما جيل الألفية، الذين نسجوا إحساسهم بالذات في حياتهم المهنية، فإن احتمال إنجاب طفل يشكل تحدياً ليس فقط بالنسبة إلى دخلهم، بل أيضاً إلى هويتهم الأساسية.

راشتون - التي عملت، في ذلك الوقت مراسلة في مجال حقوق الإنجاب وأجرت مقابلات عدة مع أطباء التوليد في شأن تحديات ولادة الأطفال وسط أجنحة الولادة المليئة بدخان حرائق الغابات - قالت لي: "أصبحت المسألة موضوعاً بارزاً مطروحاً للنقاش داخل دائرة أصدقائي خلال موسم حرائق الغابات المروع في أستراليا. وبدأت بتأليف الكتاب في أعقاب فصل الصيف عندما اجتاحت حرائق الغابات مساحات قدرت بنحو 24.3 مليون هكتار (60 مليون فدان) من الأراضي". وأضافت: "لقد وصفوا لي كيف شعروا في وقت مبكر من حياتهم المهنية بالبهجة المطلقة، للترحيب بحياة جديدة تبصر النور وتخرج إلى العالم. لكن الآن يشعر كل أب وأم بمستوى متزايد من القلق في شأن سلامة مستقبل أطفالهم".

بالنسبة إلى بعض الأفراد، قد يكون قرار إنجاب الأطفال خارجاً عن سيطرتهم. وتقول راشتون: "أعتقد أن بعض الناس يؤخرون إنجاب الأطفال أو يتخلون عن الفكرة بسبب ظروف يشعرون أنها خارجة عن إرادتهم"، مشيرة إلى عوامل خارجة عن أزمة المناخ تسهم في هذا الوضع. وتوضح أن "كثير من الناس يعانون أزمة غلاء المعيشة، بعدما أصبحت كلفة السكن لا يمكن تحملها، والأجور راكدة، والتضخم في ارتفاع".

ويبدو أن المخاوف المالية تمثل مصدر قلق واسع النطاق لكثيرين، خصوصاً في ظل المناخ الاقتصادي الراهن. ويقول ويل البالغ من العمر 28 سنة - وهو عازب ولم يقرر بعد ما إذا كان يريد أطفالاً أم لا - إن "رعاية الاطفال تبدو صعبة، خصوصاً إذا لم يكن لديك عائلة قريبة. إضافة إلى ذلك، هناك كثير من الناس لا يستطيعون سوى تحمل تكاليف الإيجار. لذا أعتبر أن الشعور السائد هو أن تربية طفل في مكان ليس ملكك يمكن أن يكون أمراً شاقاً بالمقدار نفسه. وأعتقد أن قراري يمكن أن يتأثر بعوامل مختلفة، لكن العامل الأكثر أهمية هو من أختار أن أشاركه هذه الرحلة. وعلى رغم أنني لن أشعر بالإحباط إذا لم أنجب أطفالاً، لكن لا أدري، بعد 30 سنة، قد أنظر إلى الوراء وأشعر بالندم على هذا الاختيار".

لطالما كان الناس يدركون كيف أن إنجاب الأطفال سيعرقل مسار حياتهم المهنية. (لكن) بالنسبة إلى أولئك الذين استثمروا أنفسهم في وظائفهم، كما فعل كثير منا من جيل الألفية، فإن الطفل يشكل تحدياً، ليس فقط بالنسبة إلى دخلهم، بل أيضاً إلى هويتهم الأساسية -- جينا راشتون

لكن علاوة على ذلك، هناك مشكلة أخرى تتمثل في العثور على شخص مناسب لمشاركته الأبوة في إنجاب أطفال ورعايتهم، وهي أصبحت محفوفة بالمخاطر على نحو متزايد في ظل التحديات والتعقيدات التي تشهدها المواعدة العصرية. وتتناول راشتون هذه الناحية في كتابها، من خلالها حديثها مع عدد من نساء الألفية حول وجهة نظرهن في إنجاب أطفال، بحيث كان القاسم المشترك بينهن هو هذا الشعور بالقلق.

وتقول الكاتبة: "النساء كن على دراية تامة بأهمية اختيار الوالد المشارك المناسب في مشروع الأبوة". إحصائياً، يمكن القول إن الناس يجدون صعوبة في المواعدة الآن أكثر من أي وقت مضى. ففي عام 2020، أفادت إحدى الدراسات التي أجراها "مركز بيو للأبحاث"  Pew Research Centre (مؤسسة فكرية أميركية تقدم معلومات عن قضايا اجتماعية واتجاهات الرأي العام في الولايات المتحدة والعالم) بأن نحو نصف عدد البالغين في الولايات المتحدة، يعتقدون أن المواعدة أصبحت أكثر صعوبة بالنسبة إلى معظم الناس خلال العقد الماضي. إضافة إلى ذلك، قال 75 في المئة من الأفراد شملهم الاستطلاع، أنه في عام السابق وجدوا صعوبة بالغة في العثور على أشخاص مناسبين.

حتى لو عثر على الشريك المثالي والوالد المشارك، يظل هناك تحد يتمثل في تأثير إنجاب الأطفال في المسار الوظيفي للشخص. وتوضح راشتون هذه المسألة بالقول إن "العمل أصبح، إن لم يكن العنصر الوحيد، مصدراً محورياً لمغزى الحياة والهوية، بالنسبة إلى عدد من الأشخاص في جيلي. حتى أولئك الذين يبغضون وظائفهم، غالباً ما يجدون هوياتهم متشابكة إلى حد ما مع عملهم. ولطالما كان الأفراد يدركون احتمالات أن تعرقل الأبوة مسيرة حياتهم المهنية. (لكن) بالنسبة إلى أولئك الذين نسجوا هويتهم من خلال غرسها في مسارهم المهني - كما فعل كثير منا نحن جيل الألفية - فإن الطفل لا يهدد بتعطيل قدرتنا على تحقيق مدخولنا فحسب، بل هويتنا أيضاً".

ويمثل هذا تحولاً مجتمعياً كبيراً عبر الأجيال. فعندما أناقش مسألة عدم يقيني من إنجاب أطفال مع أحد أقاربي الأكبر سناً، غالباً ما أتلقى نظرة تبدو كأنها تنقل منظوراً مجتمعياً أساسياً لكن غير معلن: كيف ستجدين أي معنى لحياتك بعد ذلك؟

تقول الاختصاصية في العلاج النفسي إلويز أليكسيا: "كان هناك على مدى قرون من الزمن، اعتقاد مجتمعي سائد بأن إنجاب الأطفال يمكن أن يكون السبيل الوحيدة إلى تكوين هدف، والحصول على اكتفاء في الحياة. وفي حين أن جيل الألفية ربما يواجه صراعاً مع وابل التوقعات المطلوبة، أو الالتزامات في شأن اختيار إنجاب الأطفال أو عدمه، فإنه معرض اليوم لمجموعة واسعة من أنماط الحياة ذات المغزى. الآن، يمكننا أن نشعر أكثر من أي وقت مضى، بأن لدينا خياراً في أسلوب حياتنا الذي نود أن يبدو عليه - وبالنسبة إلى بعض الأفراد، قد ينطوي ذلك على إعادة تقييم السرديات أو التوقعات السابقة حول إنجاب الأطفال".

هناك أيضاً أشخاص يتمتعون بعلاقات مستقرة - أي أولئك الذين ينظر إليهم المجتمع على أنهم "مستقرون" - الذين يجدون أنفسهم يتساءلون عما إذا كانوا يريدون إدخال طفل إلى حياتهم أم لا. وتقول إيموجين* المرأة البالغة من العمر 33 سنة، التي تعيش مع زوجها منذ أكثر من عقد من الزمن: "لا أعتقد أنني شعرت قط أو كانت لدي على نحو خاص ’غريزة الأمومة‘. ففي فترة العشرينيات من عمرنا، ركزنا على حياتنا المهنية، واستمتعنا بالسفر والعطلات. والآن أصبحت أكثر انفتاحاً على فكرة إنجاب أطفال، خصوصاً أن شقيقتي الكبرى وأصدقاءنا رزقوا بأطفال وأنشأوا أسرة. لكن هناك أسباباً عدة تجعلني أبقي على ترددي".

وتشمل هذه المخاوف مجموعة واسعة من العوامل، بما فيها التكاليف المالية والآثار المهنية والرفاه الشخصي. وتشير إيموجين إلى أن "إنجاب الأطفال له آثار جسدية وعقلية عميقة على أي إنسان. وعندما تضاف هذه الاعتبارات إلى أسباب أخرى، فإن احتمال التحديات الجسدية والعاطفية التي يمكن أن تنشأ أثناء الحمل والولادة وفترة ما بعد الولادة على المدى الطويل، تكفي لجعلي أعيد النظر. وعلى رغم أنني محظوظة عموماً ـ لكوني في صحة جيدة، وأمتلك نظام دعم قوياً، والوسائل اللازمة لتحمل تكاليف الرعاية الصحية الخاصة - إلا أن هذه الحال لا تنطبق للأسف على كثيرين من أفراد جيل الألفية. كما أن احتمال نشوء حاجة للاعتماد على الرعاية والدعم من مرافق ’الخدمات الصحية الوطنية‘ (أن إتش أس) NHS كما هي عليه في وضعها الراهن، يعد أمراً محبطاً من شأنه أن يشكل رادعاً لكثيرين".

بطبيعة الحال، يمكن لمختلف هذه الجوانب أن تؤثر أيضاً في إمكان إنجاب أطفال، والندم على ذلك في وقت لاحق، وهو الأمر الذي يظل من المحرمات المجتمعية التي غالباً ما تطبعها الوصمة الإجتماعية، ونادراً ما تتم مناقشتها علناً، حتى بين أقرب الأصدقاء.

وتقول راشتون: "أعتقد أننا كمجتمع، نشعر بأننا أكثر ارتياحاً لفكرة أن الأفراد الذين ليس لديهم أطفال، يعانون لحظات من الندم أو عدم اليقين في شأن خياراتهم، مقارنة بالانزعاج الذي نشعر به عندما يعبر الآباء، ولا سيما منهم الأمهات، عن أي شكل من أشكال التناقض. نحن نميل إلى أن نتوقع من الأمهات أن يكن مخلصات بلا تردد وعلى نحو غير واقعي لأطفالهن وقراراتهن. في حين أن معظم الأمهات اللاتي  أعرفهن، يعشن في الواقع، أياماً يطغى فيها عليهن الإرهاق. وهذا أمر طبيعي تماما".

إن أفراد جيل الألفية هم أيضاً أبناء الجيل الأول الذي يربي أطفاله في عصر الأبوة والأمومة عبر الإنترنت. هل يمكنكم التعرف على شخص لديه أطفال؟ تحققوا منه بإلقاء نظرة خاطفة على ملفاته الشخصية على "إنستغرام"، وستفهمون ما أقصده. فغالباً ما يسارع الناس إلى تقديم صورة مثالية عن حياتهم العائلية على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يمكن أن يزيد من مخاوفنا مما إذا كنا نريد تكوين أسر خاصة بنا أم لا.

من ناحية أخرى، هناك آباء يمتعون بحياة براقة ومثالية، لكن تمت فلترتها بواسطة "فالنسيا" Valencia (أحد الفلاتر على "إنستغرام" يزيد من التعرض للضوء، وينير الصور مانحاً إياها دفئاً ومسحة صفراء رقيقة)، مما ينسج واقعاً مثالياً يبدو من المستحيل أن ترقى إلى مستواه. ومن ناحية أخرى، تجدون أفراداً يشاركونك تجارب الأبوة والأمومة القاسية والصعبة، التي قد تحبطك في النهاية. هذا في الأقل ما أشعر به عندما أرى شخصاً يتذمر من بدء يومه بتنظيف قيء طفله عن قميصه المفضل.

للوهلة الأولى، قد يبدو كل ذلك سلبياً، وأمراً يبعث على التشاؤم إلى حد ما. وفي حين أن كثيراً من هذه الجوانب لا تبدو مشجعة، فإن حقيقة أن مزيداً من أفراد جيل الألفية يشككون في المسارات التقليدية التي اعتدنا على اتباعها، يمكن اعتبارها خطوة إيجابية تماماً، أقله من المنظور المجتمعي.

وتقول راشتون، التي شهدت وجهة نظرها الخاصة تطوراً أثناء عملية تأليف كتابها: "أعتقد أن معايشتنا عصراً يتحدى فيه الأشخاص الأبوة كخيار افتراضي، أو خيار يشعر فيه الناس بأنهم ملزمون باتخاذه، تشكل في الواقع تطوراً إيجابياً ملاحظاً".

وتضيف: "لقد تغير تفكيري على نحو ملحوظ. فلم أعد أعتقد أنه يكفي أن نقول إن العالم يتخبط في حال من الاضطراب، وإنه ليس هناك ما يمكننا القيام به. وبالتالي، لا أستطيع أن أفكر في إنجاب طفل في مثل هذا العالم".

وترى أن "هناك كثيراً من التساؤلات التي يتعين طرحها واستكشافها، وأن من المهم أن يحدد المرء المخاوف التي تساوره، كي يتمكن من تقييمها بوضوح وفاعلية". وتعتبر أن "الحوار يجب أن يمتد إلى ما هو أبعد من القلق المشل والساحق".

ولتحقيق ذلك، يجب علينا مواصلة المشاركة في هذا الحوار. ولحسن الحظ، يبدو أن كثيراً من الناس يقومون بذلك اليوم.

كتاب The Parenthood Dilemma: Decisions in Our Age of  للصحافية جينا راشتون أصبح الآن في المكتبات

© The Independent

المزيد من منوعات