Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصواريخ الإيرانية وجسور الحوار مع واشنطن (3)

نظام طهران يحتاج إلى الضغوط الأمنية أكثر من الدبلوماسية للوصول إلى نقطة تضمن له جلب الولايات المتحدة إلى طاولة التفاوض والاعتراف بدوره ونفوذه

صواريخ إيرانية اعترضتها إسرائيل كانت في طريقها إليها  (أ ف ب)

ملخص

قد لا يكون من باب الصدفة أن يتزامن التحرك الحوثي والاستيلاء والسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014 بعيداً مما شهدته الساحة العراقية في يونيو من العام نفسه وإعلان خلافة "داعش"، وهو تطور سمح لطهران من خلال ذراعها الخارجية قوة "فيلق القدس" بالتسلل إلى الساحة اليمنية

من الواضع أن المشروع الاستراتيجي للنظام الإيراني في الإقليم لم يقم أو لم يعتمد على الجهود الدبلوماسية للدولة الإيرانية، بل وبناءً على كلام المرشد الأعلى للنظام قام على جهود المؤسسة العسكرية لحرس الثورة الإسلامية من خلال ذراعها الإقليمية والخارجية المتمثلة بقوة "فيلق القدس" والدور المحوري الذي لعبه في هذا الإطار قائد هذه القوة الجنرال قاسم سليماني.

وفي وقت عمل فيه سليماني على تثبيت قواعد النفوذ الإيراني في الإقليم من خلال تحويل الساحات العراقية والسورية واللبنانية إلى ما يشبه الطوق العسكري الذي يحاصر إسرائيل باعتبار أن أمنها واستقرارها يشكل المفتاح الأكثر فاعلية للحصول على اعتراف دولي وإقليمي بالنفوذ والمصالح الإيرانية في المنطقة، فإنه عمل على نقل الحدود الإيرانية وجبهة المواجهة لأي مواجهة محتملة مع تل أبيب إلى الجغرافيا العربية التي حولها إلى قواعد إيرانية متقدمة في خدمة المشروع الإقليمي لطهران، محاولاً بذلك رسم خريطة جديدة في الجانب الجيوسياسي للمنطقة.

يمكن القول إن النظام الإيراني وما قام به سليماني في الإقليم حصل نتيجة استغلال الفرصة التي أتاحها تنظيم "داعش" وسيطرته على أجزاء من العراق وسوريا، وما رافق ذلك من إجماع دولي على ضرورة مواجهة هذا التنظيم الذي تحول إلى عنوان للإرهاب الدولي.

وإذا ما كان الطموح الإيراني بالتمدد داخل العالم العربي لا يمكن حصره في مرحلة الثورة الإسلامية والاستراتيجية التي اتبعتها في إقامة وإنشاء جماعات وتنظيمات موالية لها ذات طابع عسكري وفئوي وطائفي في إطار "العالمية الإسلامية" كشعار رفعته لتوسيع نفوذ نظرية "ولاية الفقيه"، إلا أن استراتيجية هذا النفوذ تعود في جذورها إلى زمن الشاه السابق محمد رضا بهلوي، لكن على نصاب مختلف، إذ اعتمد آليات دبلوماسية وسياسية من خلال "حلف بغداد" والتحالف مع الأنظمة العربية برعاية دولية لمحاربة المد الشيوعي ومواجهة طموحات الاتحاد السوفياتي في بناء منظومة تحالفات وإقامة أنظمة تساعد على توسيع نفوذه ووصوله إلى المياه الدافئة وتهديد المصالح الأميركية والغربية، بخاصة في مناطق مصادر الطاقة العالمية.

والنظام الملكي لم يكن يخفي طموحاته بالتحول إلى القوة العسكرية الأولى في الإقليم التي تتولى مهمة إقامة نظام أمن إقليمي يمتد في الجغرافيا البرية، ولا يهمل الجغرافيا المائية وحلم السيطرة على أمن المعابر والممرات المائية في الإقليم من مضيق هرمز، وصولاً إلى باب المندب. وهو طموح لم يسقط من اعتبارات وطموحات النظام الإسلامي الذي قام على أنقاض النظام الملكي، إلا أن دخوله في صراع مفتوح مع الولايات المتحدة، إضافة إلى المخاوف الإقليمية من طموحاته التمددية والتوسعية، حال دون تحقيق هذا الحلم بالآليات والتحالفات السياسية، فذهب إلى خيار بناء تنظيمات وجماعات ذات طابع عسكري بطموحات سياسية تصب في إطار المشروع الإقليمي لطهران وتكون في خدمته وضمن رؤيته الاستراتيجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي سياق هذه الرؤية، وأمام استحالة تنفيذ الرؤية أو الاستراتيجية التاريخية في بناء نظام أمني إقليمي بقيادة طهران، لم تأت التطورات التي شهدتها الساحة اليمنية من خارج هذه الرؤية.

وقد لا يكون من باب الصدفة أن يتزامن التحرك الحوثي والاستيلاء والسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014 بعيداً مما شهدته الساحة العراقية في يونيو (حزيران) من العام نفسه وإعلان خلافة "داعش"، وهو تطور سمح لطهران من خلال ذراعها الخارجية "قوة القدس" بالتسلل إلى الساحة اليمنية.

وكذلك نقل العلاقة معها من مستوى المصالح المشتركة التي حاول اللعب عليها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى مستوى الحليف الذي ينسجم مع الطموحات الإيرانية ويعمل على توسيع نفوذه وسيطرته لتحقيق مشروعه الإقليمي من خلال استكمال دائرة الحصار حول إسرائيل بعد أن كرس نفوذه ودوره عبر القوات الموالية له على الجغرافيا اللبنانية والسورية والعراقية والفلسطينية، ولكن هذه المرة على الجغرافيا المائية، إضافة إلى استخدام هذا التمدد لتهديد الأمن والاستقرار والمصالح الاستراتيجية للدول الإقليمية العربية، وتحديداً الجار السعودي. وكان واضحاً من هذا التحول الذي شهدته اليمن، إضافة لما آلت إليه الأمور على الساحات العراقية والسورية واللبنانية، فإن الميدان الإيراني قد استكمل أوراقه ومفتاح قوته وقدرته على التأثير في الملفات الإقليمية، وحتى في تهديد الدول التي تعارض مشروعه أو تتعارض معه، إذ تحولت هذه الساحات إلى قواعد ومنطلق للصواريخ الإيرانية التي كانت تحمل رسالة واضحة، تستهدف ما وراء دول المنطقة وتتوجه للولايات المتحدة الأميركية، إما الحوار مع طهران حول مستقبل المنطقة ودور وموقع إيران في المعادلات المستقبلية، وإما أن نأخذ أمن واستقرار الإقليم رهينة مقابل مصالحنا الاستراتيجية.

وهذا التكتيك الذي اعتمده الميدان الإيراني أو العسكر العقائدي أحبط كل الجهود التي حاولت دبلوماسية الدولة الإيرانية توظيفها من أجل الانفتاح على محيطها العربي في مقدمها السعودية، بما يسمح لها باستثمار الفرصة التي تمثلت بالاتفاق النووي مع دول مجموعة (5+1) إلى بداية لمرحلة جديدة من التعاون والانفتاح وإزالة المخاوف وبناء الثقة.

قطع العسكر أو "الميدان" الطريق على الدبلوماسية في المنظومة الإيرانية كان نتيجة احتدام الصراع الداخلي على السلطة من جهة، واعتقاد "الميدان" أنه ما زال في حاجة إلى مزيد من استمرار الضغوط الأمنية للوصول إلى النقطة التي يريدها في إطار الرؤية التي يسعى إليها، والتي تضمن له جلب الولايات المتحدة إلى طاولة التفاوض والاعتراف بدوره ونفوذه، بغض النظر عن حجم الأثمان والخسائر التي قد تلحق بإيران في علاقاتها الإقليمية والدولية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل