Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحرب الرابعة" في رسالة من أندروبوف إلى بريجنيف

خمسون عاماً عليها...في وقت كانت واشنطن تسعى إلى الحيلولة دون نصر عربي، يبدو أن القيادة السوفياتية كانت تخشى نتائجها

 يوري أندروبوف وخلفه ليونيد بريجنيف في لوحة سوفياتية  (أن بي جي آي.سي. إيدو)

ملخص

ظن السوفيات أن الهزيمة العسكرية تنتظر مصر 

تسلط الأضواء على حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، حرب يوم كيبور وفق ما تعرف بالعبرية، في ذكراها الـ50. وقبل أيام تناول وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر هذا الفصل الراجح في الشرق الأوسط، الذي غير وجه المنطقة وتوازن القوى فيها، وذهب كيسنجر إلى أنه والرئيس، في ذلك الوقت، ريتشارد نيكسون، سعيا سعياً حثيثاً في حرب أكتوبر 1973، إلى توفير الدعم المباشر والخدمات الحاسمة لإسرائيل، حتى لا يتحقق نصر عربي عليها.

وأدت هذه الحرب إلى نأي القاهرة عن الاتحاد السوفياتي وانضمامها إلى مسيرة مفاوضات تدعمها أميركا انتهت إلى اتفاقي سلام بين إسرائيل ومصر وبين إسرائيل والأردن، وإلى اتفاق فك اشتباك برعاية أممية بين إسرائيل وسوريا، وهذا الاتفاق التزمه المشاركون في الحرب السورية، على رغم خروج الغارات الإسرائيلية المزمنة عليه.

وفي وقت كانت واشنطن تسعى إلى الحيلولة دون نصر عربي، يبدو أن القيادة السوفياتية كانت تخشى نتائجها. ونشر مركز "ويلسون" الوثيقة التالية التي تظهر مخاوف السوفيات في حينها وارتيابهم من "مبادرة العرب إلى شن الحرب" لإلقاء مسؤولية هزيمتهم العسكرية، كما حسبوا، عليهم. وترجمت "اندبندنت عربية" نص وثيقة كان موقع "ويلسون" نشرها بالروسية والإنجليزية، تكشف رسالة وجهها يوري أندروبوف إلى ليونيد بريجنيف، رئيس الاتحاد السوفياتي وأمين عام الحزب الشيوعي، في خضم الحرب.

وفي ما يلي نص الوثيقة:

كتب باليد إلى ل.إ. بريجنيف

عزيزي ليونيد إيليتش

قررت، في ضوء معرفتي بموقفك الودود مني، إبداء بعض الملاحظات على ما أثير حول أزمة الشرق الأوسط الحالية، وليس على الأزمة نفسها. ودعاني إلى هذا البرقية الإيطالية التي نقلها إلينا قسطنطين أوستينوفيتش (تشيرنينكو) البارحة. ويفهم منها أن الخصم يعول على تقوية موقعه في الشرق الأوسط بذريعة هذه الأزمة، وجراء انهيار الأنظمة التقدمية في البلاد العربية على الخصوص. وهو يخطط، فوق ذلك، لافتعال المصاعب في وجه قيادتنا، وإضعاف وحدتنا تالياً.

وأرى أن من واجبي التنبيه إلى أن الآلة العسكرية الإسرائيلية تراهن جدياً على هذا الأمر، وتتواطأ عليه مع أعداء السلام في الولايات المتحدة. وتقود هذه المناهج إلى تحميلنا تدريجاً، المسؤولية كاملة عن انفجار النزاع في الشرق الأوسط، فتُمحى الفروق، عن سابق تصور وإدراك، بين أفعال العرب الذين بادروا إلى شن الحرب، وسياستنا التي رمت إلى الحيلولة دون اندلاع النزاع العسكري. ولا تتولى الدعاية الغربية وحدها عمل التضليل هذا بل يشاركها فيه موضوعياً العرب أنفسهم. ويحاول السادات والأسد إزاء الهزيمة العسكرية إنكار مسؤوليتهما ووضع المسؤولية على عاتقنا.

 

 

ويلاحظ، في هذا الصدد، التكتيك الذي اختاره الثنائي الأميركي- الإسرائيلي، ولا يخفى أن الأميركيين على شاكلة كيسنجر والقادة الإسرائيليين، تعمدوا تأخير معالجة المسائل العملية المتعلقة بوقف النار. وهم لا ينتهجون هذا التكتيك اليوم فقط، بل ينوون انتهاجه في المستقبل، وفي كل مرحلة من مراحل معالجة الأزمة بغية تأخير حلها ما وسعهم التأخير. وهدف إسرائيل جلي، فهي تتوسل بالتأخير إلى حشر جمهورية مصر العربية، والحصول منها على أفضل شروط اتفاق سلام.

أما الأميركيون فتصرفهم في قضية الشرق الأوسط محكوم كذلك بمشكلات بلدهم الداخلية، وعلى الأخص بمصاعب نيكسون الناجمة عن "قضية ووترغيت". ويفهم من برقيات الرفيق (أناتولي) دوبرينين وتقارير مندوبينا في واشنطن ونيويورك أن "قضية ووترغيت" تحركت من جديد. وخطر "العزل" صار محتملاً وأرجح مما كان عليه قبل أشهر. ولا يستبعد في الحال هذه أن يقيد اللوبي اليهودي في الكونغرس صلاحيات نيكسون وعزمه على تنفيذ الاتفاق الذي عقده في أثناء زيارتك ليونيد إيليتش، إلى الولايات المتحدة.

ولا شك أن نيكسون يريد حلاً لقضية الشرق الأوسط يصرف اهتمام الجمهور الأميركي عن "قضية ووترغيت".

وثمة اتجاه آخر ظاهر في تكتيك التأخير هو إرهاقنا واستنزافنا. ومنذ أسبوعين نلاحظ يومياً، ومع كل صباح، ورود أخبار من واشنطن عن بذل نيكسون وكيسينجر مساعيهما معنا في سبيل الخلاص من أزمة الشرق الأوسط، وطمأنتنا إلى أن حل مسألة وقف النار في الجيب، ولكن الرفيق (السفير السوفياتي لدى مصر) فينوغرادوف يشكو من أن السادات يتصل به بعد الظهر، على العموم، ويبلغه أن الوضع على الجبهة طارئ ويلح في طلب المساعدة المباشرة.

 

وفي مثل هذه الحال لا مناص من تنحية قادتنا، وأنت أولاً، كل المهام العاجلة، وإرجائها إلى الغد، ومعالجة المسائل التي يطرحها السادات. ولا ريب في أنها خير وسيلة لعرقلة عمل قيادتنا. وأنا أرى في هذا تخريباً يراد منه إبقاؤنا تحت وطأة النزاع الإسرائيلي- العربي، وإرهاقنا جميعاً، وإرهاقك أنت خصوصاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضطرك هذا إلى إرجاء مسائل لا تقل أهمية مثل إعدادك لزيارتك إلى الهند، والنظر في خطة الجيش الاقتصادية المقبلة، إلخ. وتقتضي هذه المسائل منك انخراطاً وطاقة كبيرين تبتلعهما شؤون الشرق الأوسط.

وهذه الحال تبدو لي خطرة، فالطاقات البشرية ليست لا متناهية.

وإلى ذلك، فثمة صراع طويل وصارم مع إسرائيل و"الصقور" الأميركيين في انتظارنا. ولا يقتصر هذا الصراع على الشرق الأوسط، والفوز فيه وثيق الصلة بمعالجة مسائل أخرى كثيرة مستقلة عن شؤون الشرق الأوسط، وعلى المكتب السياسي (كلمتنا غير مقروءتين).

وأنا أفهم، على غرار كل الرفاق، معنى ودلالة الإجراءات التي اتخذها الاتحاد السوفياتي، بمبادرة منك، على وجهي السرعة والحسم، وهي كانت ضرورية وأثمرت نتائج إيجابية من غير شك.

وربما آن أوان معالجة قضية الشرق الأوسط بصفتها قضية طويلة الأمد، معقدة وتنطوي على مراحل كثيرة، وتقتضي معالجة منتظمة. وينبغي الإقرار بأن طاقاتنا محدودة وقابلة للاستنزاف.

وأنا أقصدك أنت، ليونيد إيليتش، قبل الآخرين، بما أقوله. ولا شك في أن قواك ونشاطك، 24 ساعة من 24، لا غنى عنها في معالجة النزاع الإسرائيلي- العربي، ولكنه لا غنى عنها أبداً في معالجة مهام أخرى ليست أقل مكانة، يحتاج إليها حزبنا والشعب السوفياتي.

مع احترامي

التوقيع ي. أندروبوف

29 أكتوبر 1973

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير