Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في الذكرى الـ 48... ماذا تبقى من نصر أكتوبر 1973؟

تغيرت هوية العدو وأسلمة الصراع العربي - الإسرائيلي الخطر الأكبر والوثائق البريطانية تثير الجدل

تقول الوثائق البريطانية إنّ السوفيات هم من نصحوا الرئيس السادات باختيار السادس من أكتوبر موعداً للحرب (غيتي)

اقترب نصف القرن على الانتهاء، تبدو السنوات كثيرة وطويلة، وهي بالفعل كذلك. صحيح أن ما كتبه التاريخ لا يمحوه الحاضر أو يبدله المستقبل، لكن كثرة الأحداث وتبدل الأحوال وتغير المعادلات يضفي أجواء تختلط فيها عظمة الماضي ببراغماتية الحاضر وانقلاب ملامح المستقبل رأساً على عقب، فتكون النتيجة الحديث عن حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، باعتبارها نصراً كبيراً حققه الأجداد، ويكتفي الأحفاد بدرسه في المدرسة، وتذكره بوصفه جزءاً من ماض مندرج تحت بند "صدق أو لا تصدق".

الصدق الواضح والتأثر البالغ الذي كان يتحدث به الجد أحمد شبانة (75 عاماً) في تجمع عائلي سبق الذكرى الـ 48 لنصر أكتوبر لمس قلوب الأحفاد، حتى أولئك المتململين من سرد أحداث يعتبرونها لا تمت لهم بصلة.

على الرغم من أن الجد لم يشارك في الحرب جنديا أو ضابطاً، فإنه عاش تفاصيلها الصغيرة والكبيرة لحظة بلحظة. فمن فجائية القرار إلى ترقب الأحداث، وتخوف تكرار الماضي الأليم (يونيو/ حزيران 1967)، إلى التصاق المذياع وإلى حد ما التلفزيون لمتابعة بيانات القوات المسلحة العاجلة، إلى قلب يخفق بين تمن بأن تكون البيانات صائبة، ورعب بأن تتبع نهج قريناتها في 1967، وأجواء الحرب في الهواء الذي يتنفسه الناس في كل ركن من الأركان، والورق الأزرق الكئيب الذي أصرت الأم على لصقه على النوافذ بغرض التأمين من طلقات نيران أو أزيز طائرات أو غيرهما، ومشاركته مع شباب حي شبرا في تأمين المنطقة ليلاً، وشد أزر السكان وطمأنتهم، وتأجيل الدراسة بضعة أسابيع. كان الجميع على قلب مواطن مصري واحد راغب في النصر، وداعم لجيشه، وراض بنقص المواد الغذائية، ومتطلع إلى النصر العظيم.

النصر العظيم يعلمه الجميع

"النصر العظيم" يعلمه الجميع، كما أجمع الأحفاد، لكن ما يخفى عنهم تفاصيل الحياة الصغيرة قبل الكبيرة. الجميع يدرس في مراحل التعليم المختلفة "النصر العظيم". والجميع أيضاً يتصادف مروره أمام التلفزيون أثناء الاحتفال بالذكرى، ليسمعوا كلمات وجملاً وعبارات تشبه تلك التي درسوها وحفظها بعضهم ليصبها في ورقة الامتحان.

الأحفاد الأكبر سناً في سن الجامعة وما بعدها بقليل تبادلوا أطراف الحديث مع الجد حول تفاصيل الحياة في أكتوبر 1973. وقتها الجد كان في منتصف العشرينيات من العمر ويعمل في وظيفة حكومية تدر عليه دخلاً شهرياً قدره 25 جنيهاً مصرياً. علق الحفيد الأكبر أمجد (24 عاماً) على "ضآلة" الدخل مصدوماً "أي كنت تتقاضى دولاراً ونصف في مقابل عمل شهر كامل؟!". ضحك الجد، "بل كنت أتقاضى نحو 64 دولاراً، فقد كان الجنيه المصري بدولارين ونصف".

مربط فرس الشباب

وهذا جزء من مربط فرس الأجيال الشابة والصغيرة في ما يختص بـ "النصر العظيم". حديث الدولار وسعره بالنسبة إلى الجنيه المصري على مدى 48 عاماً مضت، وسياسة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات عقب النصر، ورحلة السادات الأشهر إلى الكنيست الإسرائيلي وخطابه الأكثر شهرة، ومعاهدة السلام مع إسرائيل، ووضع إسرائيل بالنسبة إلى مصر والعالم العربي في الذكرى الـ 48 من "النصر العظيم" تجذب انتباه فئات بعينها من الأجيال الشابة في مصر.

 

كان الحفيد الأصغر محمد (14 عاماً) قد بادر إلى ترديد ما حفظه في درس اللغة العربية العام الماضي، وهو نص نثري كتبه الأديب المصري نجيب محفوظ، "مكللاً بالبشر والاستبشار يجيء يوم السادس من أكتوبر محطة نتزود منها بالطاقة والهمة والأمل في طريق البناء والتعمير والحرية يجيء حاملاً أطيب الذكريات. النور يفيض ويضيء ويبهر مبدداً الغيوم والغبار. إن يوم السادس من أكتوبر ثمرة تصميم شعب وإصراره على الحياة الكريمة وتضحية جنود بواسل قدموا أرواحهم بغير حساب فداء للوطن. إنه يوم النصر ويوم العظمة ويوم التفكير ويوم الأمل".

ضحك أمجد وقال، "والأهم أنه يوم إجازة وويك اند طويل". ضحك أمجد وفرحته بيوم الإجازة الذي أصبح الخميس بدلاً من الأربعاء بقرار وزاري لم يجد صدى لدى الجد، فـ"النصر العظيم" لا يحتمل الهزل، ولا ينبغي مقارنة فرحته بفرحة "ويك اند طويل أو قصير".

لكل عصر رؤاه

لكن لكل عصر رؤاه وذكرياته وتحدياته التي ترسم أولوياته. وطالما الربط بين الماضي والذكريات من جهة والحاضر والمستقبل المرتكز عليه من جهة أخرى "بعافية" (يعاني وهناً وضعفاً)، على حد وصف جد آخر شارك فعلياً في "النصر العظيم".

المهندس متقاعد أحمد عبدالعظيم في نهاية العقد السابع من عمره كان مجنداً في أثناء الحرب ويحاول في كل تجمع أسري أو اجتماعي أن يفتح نقاشاً "لا لسرد بطولات الحرب فقط، لكن للربط بين ما جرى قبل 48 عاماً وما يجري اليوم وما سيجري غداً وبعد غد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول إن "الخطر الأكبر هو تغير هوية العدو، فبدلاً من كونه إسرائيل وأطماعها الاستعمارية والعدائية تجاه المنطقة العربية كلها، وقع كثير من الدول العربية في فخ الاحترابات في ما بينها، والخطر الآخر هو تلون الصراع العربي - الإسرائيلي بألوان موجة التأسلم، وفرض مفاهيم قاصرة للإسلام متزامنة وحرب أكتوبر العظيمة ليتحول الصراع إلى صراع بين اليهودية والإسلام فقط".

الأخطار التي يشير إليها عبدالعظيم تتحدث عن نفسها في الشارع المصري في الذكرى الـ 48 لـ "النصر العظيم"، لا سيما بين مجموعات الصبية والشباب الصغار من فئات مختلفة. سائق الـ "توك توك" ابن الـ 15 عاماً يعرف أن هناك دولة اسمها إسرائيل "وهي عدوة الإسلام والمسلمين". أكثر من ذلك، لا يعرف كثيراً، أو بالأحرى لا يعرف أي شيء، أما حرب أكتوبر فـ"يسمع عنها".

مشاهدة الحرب والسماع عنها

ومن سمع عن الحرب ليس كمن شاهدها أو شاهد ما يتصل بها، فحتى سنوات قليلة مضت كانت احتفالات "النصر العظيم" لا تخرج عن ثالوث احتفالي يتمثل في يوم إجازة للمدارس والأعمال، وأوبريت أكتوبر الذي يحضره الرئيس (مبارك)، وتوليفة أفلام أكتوبر المتمثلة في "الرصاصة لا تزال في جيبي" و"أبناء الصمت" و"الوفاء العظيم" و"بدور" و"حتى آخر العمر" و"العمر لحظة".

 

الثالوث أصبح خلال العقدين الماضيين ثالوثاً أثرياً. وتحولت ذكرى النصر إلى مناسبة بُحت فيها الأصوات المطالبة بعمل توثيقي أو درامي حديث يليق بـ "النصر العظيم"، وتحديث منطقي يخاطب الأجيال الجديدة، لتبقى ذكرى الحرب حية في قلوبهم وعقولهم وليس فقط في مناهجهم الدراسية، إضافة إلى أصوات لم تبح لأنها كانت خافتة ساكنة حريصة على عدم المجاهرة بما لا يمكن المجاهرة به، حيث 30 عاماً من التعتيم على دور "بطل الحرب والسلام" لمصلحة "بطل الضربة الجوية".

لكن في الذكرى الـ 48 لـ "النصر العظيم" تحولت أمور وتبدلت أوضاع وانقلبت أحوال رأساً على عقب أو على وجه الدقة عقباً على رأس، فقد عاد اسم ودور الرئيس الراحل محمد أنور السادات ليتصدر قصص النصر ووثائقياته مع ذكر خافت كامن متحرج لاسم ودور الرئيس الراحل محمد حسني مبارك والضربة الجوية التي كانت جزءاً من الكل في "النصر العظيم".

ماذا نقول لهم؟

ذكرى "النصر العظيم" وموقع الشباب المصري منه مسألة تناولها هذا العام الكاتب الصحافي المصري عماد الدين حسين في مقالة عنوانها "ماذا نقول للشباب عن نصر أكتوبر؟".

يقول حسين، "الذين ولدوا بعد 6 أكتوبر 1973، عمرهم الآن 47 عاماً، أي أنهم لم يدركوا مرارة هزيمة يونيو 1967، ولم يشعروا أو يجربوا مهانة الاحتلال الصهيوني لشبه جزيرة سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة والقدس. هؤلاء ولدوا وكبروا وهم يسمعون أغاني الانتصار في 1973، لكن أظن أن الجيل الجديد الذي يتعرض لدعايات متتالية في الداخل والخارج تقول له إن إسرائيل هي الأفضل والأغنى والأقوى والأكثر تقدماً في كل المجالات، يحتاج لاستخلاص العبر والدروس المهمة جداً من حرب أكتوبر. الجيل العربي الجديد المفتون بالغرب وأحياناً بإسرائيل، ومعظمهم يحلم ليلاً ونهاراً بترك المنطقة والهجرة، لا نستطيع أن نلومه، فهو يعيش واقعاً عربياً مأزوماً ومأساوياً، لكن نلوم أنفسنا، لأننا لم نقدم له نموذجاً مغرياً يجعله يتمسك بوطنه".

وذكر أن الرسالة التي ينبغي نقلها إلى الأجيال ينبغي أن تحوي، إضافة إلى عظمة التحدي والإرادة والكفاءة والصبر والعلم، عنصراً مهماً عن أهمية التضامن العربي. يضيف، "حينما شهدنا تضامنا عربياً معقولاً حققت الأمة العربية انتصاراً مهماً، وبدأت تبرز قوة التضامن العربي، خصوصاً في وقف تصدير البترول للدول التي تدعم إسرائيل، ولذلك كان مفهوماً أن تحاول إسرائيل ومن يساندها أن تخرب العلاقات العربية البينية بكل الطرق".

كل الطرق تؤدي إلى أكتوبر

كل الطرق في مصر في يوم الاحتفال بالذكرى الـ 48 لحرب أكتوبر تؤدي إلى قصص بطولات الجيش المصري. "تويتر" حافل بتغريدات وصور مصرية وعربية عن أبطال أكتوبر وذكرى أكتوبر وما يعنيه أكتوبر رغم أنف تطورات العلاقات وتغيرات التوازنات وتقلبات الأحداث.

كثير من هذه التغريدات كتبها وأعاد تغريدها شباب وشابات مصريون وعرب. ربما لا يمثلون القاعدة الأكبر عدداً من الشباب المصري الذي ألهاه الفقر وأغرقه تدهور التعليم على مدى عقود في عوالم الـ "توك توك" وأغاني المهرجانات وأفلام البلطجة وتسيد العضلات، لكن مجريات يوم الذكرى الـ 48 تشي بتوجه رسمي معضد من فئات مجتمعية عدة للملمة ما تبعثر من هوية وتاريخ، وكذلك الحال على أثير "فيسبوك" حيث قصص وحكايات وذكريات ونقاط ضوء من الحاضر من قبل أجيال أكبر سناً تحاول هي الأخرى استعادة ذكرى "النصر العظيم".

الإعلامي محمود التميمي شارك قصة ابنته الصغيرة "نور" التي قرر معلم اللغة العربية في مدرستها تنظيم معرض عن أبطال حربي أكتوبر والاستنزاف يعتمد على ما في حوزة الطالبات من ذكريات خاصة بأفراد من الأسرة شاركوا في أي من هاتين الحربين.

ونظراً لأن نور حفيدة بطل من أبطال القوات المسلحة المصرية، فقد توجهت إلى المدرسة بحقيبة كبيرة تحوي ضمن ذكريات جدها صوراً لمتعلقات أسير إسرائيلي أسرته مجموعة الجد في حرب الاستنزاف، تحديداً ليلة 30 مايو (أيار) عام 1970 في عمليه سمتها رئيسة وزراء إسرائيل حينئذ غولدا مائير "السبت الحزين".

قفز المهزوم

ولأن الطرف المهزوم يصر على القفز بين الحين والآخر على أجواء النصر، فإن الصحف الإسرائيلية تُولي اهتماماً كبيراً منذ أيام بما يفعله مرشد سياحي إسرائيلي فقد عمله بسبب ظروف الوباء، فاتجه إلى النبش في أغوار منصات التواصل الاجتماعي المصرية ليبحث عن مقتنيات أو آثار لأسرى أو قتلى الجيش الإسرائيلي في مصر.

وهو يمضي وقته في التنقيب عنها، إذ ظهرت صورة لبطل مصري من أبطال حرب أكتوبر وهو يحمل بطاقة هوية لأسير أو قتيل من الجيش الإسرائيلي يخضعها لتكبير وتوضيح لـ "استنساخ" الوثائق وتوصيلها إلى أقارب الشخص.

 

وفي السياق نفسه، لم يجد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي المثير لبعض الجدل وكثير من الغضب سوى هذه التغريدة ليستهل بها ذكرى "النصر العظيم"، "حرب أكتوبر بدأت بغتة وكانت مفاجأة لتترك تداعيات أكثر مفاجأة. هذه الحرب فتحت أبواب السلام وحولت العدو إلى صديق وشريك أساسي في صنع السلام في المنطقة. صفحة وانطوت تنذكر وما تنعاد".

لكن آلاف الشباب المصري والعربي قرر أن "تنعاد" وتتوالى التعليقات الساخرة على التغريدة حتى وصل هاشتاغ "مصنع الكراسي" في إشارة إلى مباغتة الجيش المصري للجيش الإسرائيلي في مثل هذا اليوم قبل 48 سنة وتحقيق النصر.

يشار إلى أن عبارة "مصنع الكراسي" تستخدم في مصر على سبيل التهكم والسخرية من تعرض أحدهم لهجوم لا يستطيع مقاومته.

سياق شديد الاتصال

وفي سياق شديد الاتصال، عاودت الأذرع الإعلامية والتغريدية والتدوينية لجماعة الإخوان المسلمين نشاطها المعروف في إحياء ذكرى "النصر العظيم" عبر تغطيات وتغريدات تطعن في النظام المصري الحالي، وتدعي الكشف عن وثائق للمرة الأولى من شأنها أن تبين خيانات وتكشف خداعات وتفجر مفاجآت.

مفاجآت قررت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن تفجرها قبل قليل حيث نشرت، بحسب ما قالت إنها وثائق بريطانية، أن السوفيات "هم الذين نصحوا الرئيس المصري الراحل أنور السادات باختيار السادس من أكتوبر لعبور قناة السويس، وبدء الهجوم على الجيش الإسرائيلي الذي كان يحتل سيناء"، كما تضيف أن الوثائق تشير إلى أن حجم الدعم السوفياتي لمصر وسوريا حتى "قبل الحرب وخلالها" كان أكبر بكثير مما يعتقد.

يشار إلى أن "بي بي سي" تنتهج نهج الكشف عن وثائق بريطانية في ذكرى حرب أكتوبر، وقبل سنوات قالت إن وثائق أخرى كشفت عن أن السادات كان ينوي التنازل عن الرئاسة بإرادته، لكن اغتياله على يد جماعات تكفيرية حال من دون وقوع هذا الحدث التاريخي في مصر.

ويظل الحدث التاريخي والعسكري الأكبر في مصر الحديثة هو حرب أكتوبر 1973، الذي عانى على مدى عقود التعتيم على دور الرئيس الراحل السادات، ثم خضع للمكايدة أثناء عام حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر في 2013 حين اختارت الجماعة أن يكون الاحتفال بذكرى النصر رقم 40 باستضافة قادة الجماعات الإرهابية التي نفذت وتضامنت وباركت اغتيال بطل حرب أكتوبر الرئيس الراحل السادات، وأخيراً جهود توثيق "النصر العظيم" والربط بينه وبين أجيال ولدت بعده بعقود وأحداث جسام.

المزيد من تحقيقات ومطولات