Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تسييس الكوارث عالميا "للإنسانية مآرب أخرى"

المغرب رفض قبول مساعدات من دول عدة بعد الزلزال والصدر اعتبر إعصار ليبيا "ذنباً غير مغفور"

رجال الإطفاء في مهمة بحث عن الضحايا تحت أنقاض المنازل المدمرة بالمغرب (أ ف ب)

ملخص

عروض المساعدات التي انهالت على المغرب وليبيا كشفت عن دبلوماسية الكوارث وانتقائية المساعدات.

مثل أية ظاهرة كونية لا تفرق الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات وأعاصير بين بني البشر، في جنسهم وانتماءاتهم ومستوياتهم المادية والاجتماعية والتعليمية، فيما يمكن تسميته "ديمقراطية الكوارث"، لهذا تتسارع كثير من الدول إلى إبداء مؤازرتها للبلدان المنكوبة، حتى لو كانت بينها خلافات وعداوات سياسية، وهو ما يسميه البعض أيضاً "دبلوماسية الكوارث".

في المقابل لا تتورع بلدان ومنظمات دولية عن التفريق بين الدول التي ألمت بها هذه الكوارث، إذ تتسابق لمنح المساعدات لبعضها وتتخلف عن تقديمها لأخرى لأسباب سياسية مختلفة، مما يسقطها في مشكلة "تسييس الكوارث" و"كارثة التسييس".

فور تعرض المغرب قبل أيام خلت لزلزال مدمر بقوة تناهز سبع درجات في سلم ريختر، أفضى إلى مقتل وإصابة وتشريد آلاف الأشخاص، تناسلت عروض المساعدة والدعم لمواجهة آثار هذه الكارثة من طرف عديد من دول العالم، حتى من لدن دول لديها خلافات وصراعات مع البلد الواقع في شمال غربي أفريقيا.

الشيء نفسه حصل مع ليبيا عندما داهمها إعصار "دانيال" الذي دمر مدينة درنة بشكل رهيب، أدى إلى مقتل وفقدان آلاف الضحايا، إذ هب عدد من الدول لتقديم مساعدات إلى هذا البلد المغاربي، على رغم بعض التأخر الحاصل جراء تضارب المواقف والأرقام في بداية الكارثة.

هبة دولية مماثلة شهدتها من قبل تركيا عندما ضرب زلزال مدمر بقوة 7.8 درجة جنوب شرقي البلاد قرب الحدود السورية وأجزاء واسعة من شمال وغرب سوريا، إذ جاءت المساعدات من دول لا يجمعها ود كامل مع أنقرة.

إذابة الخلافات

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة المغربية خالد شيات يرى في هذا الصدد أن زلزال المغرب على سبيل المثال كان مناسبة لتعبير عديد من الدول عن مؤازرة البلاد، إما ببرقيات الدعم والأسى، أو الاتصال الهاتفي مع العاهل المغربي، أو اقتراح تقديم مساعدات فعلية تعاملت معها الرباط بكثير من العقلانية والموضوعية.

 

 

يضيف شيات أن الكوارث الطبيعية عموماً، مثل الزلازل أو البراكين أو الفيضانات أو أية ظواهر طبيعية عنيفة، تكون غالباً مناسبة للتقارب بين الدول، إذ تذوب الخلافات بين بعض البلدان لمواجهة تلك المآسي، وهو ما يسمى "دبلوماسية الكوارث".

للسياسة رائحة أيضاً

الصورة ليست وردية تماماً كما يبدو، فمواقف المؤازرة حيال الزلازل والفيضانات تكون أحياناً مدفوعة بحسابات وتأويلات سياسية، الشيء الذي يدفع الطرف المتضرر إما لرفض تلقي تلك المساعدات وإما إلى استمرار العداوة على رغم إبداء نية المساعدة.

أحد نماذج هذا "التسييس" ما جرى بين المغرب والجزائر في عدد من الكوارث التي ألمت بالبلدين الجارين، فالجزائر أعلنت استعدادها لتعبئة ثلاث طائرات ذات سعة كبيرة بغية نقل المساعدات إلى المغرب، لكن هذا الأخير أبدى ضمنياً عدم حاجته إلى تلك المساعدات، لتنطلق بعد ذلك موجة اتهامات متبادلة بين الطرفين.

وتوزعت الآراء بين مؤيد ورافض للموقف المغربي، فالمؤيدون رأوا أن الرباط تعامل بحسن نية مع الجزائر، وأنه اعتذر عن قبول أكثر من 60 دولة، وأن الجزائر بدورها لم تقبل مساعدات مماثلة عندما تعرضت لكارثة الحرائق، بينما المنتقدون اعتبروا أن رفض مساعدة الجارة العربية سيزيد من الهوة الدبلوماسية الكبيرة بين البلدين الجارين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي علاقة دائماً بالزلزال الذي ضرب المغرب أعربت فرنسا عن استعدادها لتقديم المساعدات، لكن الرباط لم تقبل سوى مساعدات الإمارات وقطر وإسبانيا وبريطانيا، وهو ما دفع جزءاً من الطبقة السياسية والإعلامية الفرنسية إلى توجيه اتهامات للمغرب، قبل أن يتدخل الرئيس إيمانويل ماكرون ليوجه خطاباً مباشراً إلى المغاربة، معتبراً أن المغرب بلد ذو سيادة، وأن الجدل السياسي الدائر لا محل له في خضم المحنة التي يمر بها.

"التقارب بين الدول عند حدوث كوارث طبيعية له شروط أيضاً، منها ألا تستمر هذه الدولة في مسارات العداء مع الدولة المصابة"، يورد شيات، الذي يردف بأن "هذه الكوارث ليست كافية لنزع فتيل العداء بين بعض البلدان".

ويخلص المتخصص في العلاقات الدولية إلى أن "المنطقة المغاربية خصوصاً عرفت كثيراً من الكوارث الطبيعية، لكن ظلت هذه الدول متنافرة ومتباعدة، وأن عدم وجود سياسات متكاملة ومنسجمة في ما يتعلق بمواجهة الكوارث سيبقيها متناحرة في ما بينها" وفق تعبيره.

الصدر وليبيا وكوارث أميركا

مظهر آخر من "تسييس الكوارث" تجلى في موقف رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، الذي وصف في منشور له في منصة "إكس" الفيضانات التي ضربت ليبيا بأنها نتيجة لما سماه "التطبيع مع المجتمع الميمي"، مورداً أن "ذنب ليبيا غير مغفور"، في إحالة على حادثة اختفاء رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى موسى الصدر في ليبيا.

وعندما ضرب زلزال عنيف في فبراير (شباط) الماضي مناطق شاسعة في تركيا وسوريا مرة واحدة، هبت عديد من الدول إلى نجدة تركيا التي لم ترفض تلك المساعدات، لكن في المقابل ترددت دول غربية في إرسال المعونات وفرق الإنقاذ إلى دمشق.

ورفضت أميركا ربط أية علاقة مع الحكومة في دمشق لإيصال المساعدات لإغاثة المنكوبين، واكتفت بالاشتغال مع منظمات مدنية محلية، بينما المفوضية الأوروبية قدمت المؤونة والمعدات الطبية بعيداً من سلطة الحكومة السورية.

أما في الولايات المتحدة فكان "تسييس الكوارث" محلياً بشكل واضح عندما اجتاحت الحرائق إحدى جزر هاواي في أغسطس (آب) الماضي، وانطلقت الانتقادات السياسية المعارضة لتدبير الرئيس جو بادين للكارثة، إذ اعتبر الجمهوريون أن الاستجابة لتقديم الدعم كانت متأخرة، وأن المساعدات الفيدرالية كانت ناقصة وغير منظمة بالشكل الكافي، الشيء الذي أدى إلى تفاقم الأضرار والخسائر.

الانتقادات نفسها انهالت من قبل على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لمناسبة إعصار "ماريا" الذي دمر في عام 2017 بورتوريكو في منطقة البحر الكاريبي، إذ اتهمه معارضون باللامبالاة إزاء مشاعر الضحايا، عندما رمى مناشف ورقية على حشد في بورتوريكو.

وقبلهما تعرض الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش لهجمات سياسية من طرف معارضيه لمناسبة إعصار كاترينا في عام 2005، واتهم زعماء سود إدارة واشنطن بسوء تدبير الكارثة، مما نجم عن ذلك عديد من المشكلات الخطرة من قبيل النهب ورفع أسعار البنزين واستغلال التبرعات.

عقل الدولة

هذا التسييس للكوارث الطبيعية يراه أستاذ العلاقات الدولية مولاي هشام معتضد، مرتبطاً بالسياسات الخارجية للدول، ورؤيتها لتدبير شؤونها الدولية، إضافة إلى مبادئها في ما يتعلق بمسار انخراطها في منطق التعاون الدولي والتآزر الإنساني.

ووفق معتضد هناك دول وأنظمة تعمد إلى تسييس تقديم المساعدات من أجل تحقيق أهداف سياسية معينة مرتبطة بأجندات استراتيجية محددة، بغية بسط السيطرة على محاور معينة في علاقاتها مع الدول، أو تنفيذ خطط جيوسياسية من أجل تنزيل روئ دقيقة تتماشى وتوجهاتها المستقبلية.

وسجل أن منطق تقديم المساعدات الدولية كلها مسيسة كيفما كانت مقاربة الدولة منهجيتها السياسية، لأنه من منطلق عقل الدولة، بمجرد الإعلان عن تقديم أو تلقي مساعدات معينة، تكون العملية قد دونت في باب السياسة مهما كانت النوايا أو توجهات الجهات المعنية بالمساعدات.

وبعيداً من منطق الإنسانية وتآزر الشعوب، يكمل المتخصص ذاته، سلوك الدولة يرتبط بشكل وثيق بالسياسة وجل قرارتها وتحركاتها ولو كانت لأغراض نبيلة أو توجهات إنسانية، فإنها تبقى في العمق عملاً سياسياً بامتياز، لأن أصل الدولة وديناميكيتها رهينان بذلك، ومن ثم لا يمكن قطعاً إفراغ أي تحرك للدولة أو نظامها من محتواه السياسي.

ويشير إلى أن "قرارات تقديم المساعدات الإنسانية تحكمها حسابات دقيقة من منطلق (عقل الدولة) وطبيعة نظامها ومسارها "الجيو-تاريخي"، إضافة إلى ديناميكيتها في فضائها السياسي".

التسييس من الداخل

لم تسلم معظم الحكومات في البلدان التي تعرضت لكوارث طبيعية من زلازل أو أعاصير أو فيضانات من انتقادات سياسية لمعارضيها، تتلخص إما في أخطاء في تدبير الكارثة، وإما التأخر في الاستجابة وإنقاذ الضحايا، وغيرها من الانتقادات.

وفي حالة المغرب على رغم من المجهودات التي انخرطت فيها السلطات منذ أول وهلة عند وقوع الزلزال في الثامن من سبتمبر (أيلول) الجاري وإرسال قوات من الجيش، وعلى رغم التضامن الشعبي الهائل، فإنه مع ذلك ظهرت أصوات من عائلات الضحايا وحتى من جمعيات مدنية تشكو ما اعتبرته بطئاً في تفاعل السلطات مع ما حصل.

يقول في هذا السياق الباحث في العلوم السياسية أحمد المزكلدي، إن الكارثة بصفة عامة تربك حسابات أية حكومة وأية سلطات كيفما كانت، حتى إن أقوى الدول في العالم تطاولها الانتقادات الداخلية من كل حدب وصوب، من قبيل الكوارث التي تقع في أميركا بنفسها.

 

 

ويفيد المتحدث بأنه في حالة زلزال المغرب انتقد البعض ما سموه تباطؤاً في إنقاذ الضحايا، لكن الحقيقة ليست كذلك لأن السلطات وجدت نفسها محكومة ومحاصرة بوعورة تضاريس المناطق المنكوبة، علاوة على قطع صخور الجبال للطرقات الموصلة إلى الدواوير المنكوبة، بالتالي هي عوامل طبيعية خارجة عن إرادة السلطات وعمال الإغاثة مهما كانت إمكاناتهم.

ويستدرك بأن الذي قد يمكن معاتبة السلطات المحلية عليه في مثال الزلزال هو سوء توزيع التنمية على جميع المناطق، إذ ظهر بالملموس مدى معاناة ساكنة تلك المناطق المصابة من هشاشة التنمية، بدليل البيوت الطينية التي يعيش فيها السكان، وتردي البنى التحتية حتى قبل الزلزال.

أما في ليبيا، يتابع المتحدث، فقد أظهر الإعصار المدمر مدى تأثير الصراعات السياسية الداخلية على مجريات وتداعيات الكارثة، وتسبب عدم التنسيق بين الأطراف المتناحرة في هذا البلد، والخلافات بين حكومة مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية في عدم إنقاذ مزيد من الضحايا، علاوة على تأخر الإمدادات والمعونات الأجنبية بسبب تضارب أرقام الضحايا التي يقدمها الطرفان.

المزيد من تقارير